• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

شعراء الأندلس ورثاء الشباب

شعراء الأندلس ورثاء الشباب
محمد حمادة إمام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/7/2017 ميلادي - 27/10/1438 هجري

الزيارات: 12434

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شعراء الأندلس ورثاء الشباب


ابن خفاجة والشباب:

كان لهذا الشاعر الأندلسيِّ الفَذِّ - مع تأبين الشباب والحنين إليه - وقفاتٌ وصولاتٌ، فها هو يصوِّر طويل رثائِه لِصَحْبِه وشبابه، وسيلان دمعِه، وحنين قلبِه، مطالبًا نفسَه بالإقلاع عن هذا الحنين، وذاك النَّحيب، إذ لا رجوعَ ولا إيابَ؛ فهذه سُنَّة اللهِ في خلْقه، ولكنْ أينسَى القلبُ إلفَه؟!، فيقول: [1] [من الكامل]

حَتَّامَ أَنْدُبُ صَاحِبًا وشبيبةً
فَتَفِيضُ عَيْنٌ، أو يَحِنُّ فُؤَادُ؟
أَقْصِرْ، فلا ذاكَ الخليلُ بآيبٍ
يَوْمًا ولا ذاك الشبابُ يُعادُ
فَقُصَارُ مُجتِمعِ الأصاحب فرقةٌ
ومَحَارُ أَغْوارِ الشَّبابِ رَمَادُ[2]
فِيمَ السُّلُوُّ، وقد تَحمَّل صَاحِبٌ
شَطَّتْ بِه، دارٌ وطالَ بِعَادُ؟

 

لقد فاضتْ عينُ الرجُل، وجادتْ ببكاء الشباب، والأحباب والصحاب، راجيًا العودةَ، ولكنْ بلا جدوَى، فإذ به ينهَى نفسَه عن هذا، ولكنَّه غيرُ قادرٍ على الإقلاع عن البكاء، ونسيانِ الشباب والأصحاب.

لقد أخذتْ صُوَر شكوى الشاعر مِن ضياع الشباب، وفقْد الأحباب، وأضرارِ المشيب تَكْثُر، وتتدفَّق بين الفيْنة والفيْنة، فراح "... يفكِّر فيما مضى مِن شبابه، وفي مَن ذهب مِن أحبابه، ويبكي على أيام لَهْوِهِ، وأوانِ غفلتِه وسَهْوِهِ، ويتوجَّع لِسالف ذلك الزمان، ويتبع ذلك دمعًا كواهي الجُمان... فيقول: [3] [من الوافر]

ألَا سَاجِلْ دُمُوعي يا غَمَاُم
وطَارِحْني بِشَجْوِك يا حَمَامُ
فقد وَفَّيْتُها سِتِّين حَوْلًا
ونَادَتْنِي ورائي: هل أَمَامُ؟
وَكُنْتُ، ومِنْ لُبَاناتي لُبَيْنى
هُنَاكَ ومِنْ مَرَاضعيَ المُدَامُ
يُطالعنا الصباحُ بِبَطْن حُزْوى
فيُنكِرُنَا ويَعْرفُنَا الظلامُ
وكانَ بها البَشَامُ مَرَاحَ أُنْسٍ
فماذا بَعْدَنَا فَعَل البَشَامُ؟[4]
فيا شَرْخَ الشَّبابِ ألَا لقاءٌ
يُبَلُّ بِه، على يَأْسٍ، أُوَامُ
ويا ظِلَّ الشَّبابِ، وكُنْتَ تَنْدِى
على أفْياءِ سَرْحتِكَ السَّلامُ

 

يتقدَّم الشاعر في العمر، فيحنُّ إلى أيامه الأوائل، ويتمنَّى عودةَ أطايِبِه، باكيًا مَعاهِدَه، مُرسِلًا إليها السلام، بعدما دال عصرُها، وانقطع ريحُها الطيِّب، وخبرُها السارُّ، فيُطالب الغمام بمُساجلة دموعِه، والحَمامَ بمُطارحتِه بشجْوِهِ، وقد ولَّى جميلُ عمرِه.

لقد تميَّز الشعرُ الأندلسي بالحيوية والحركة، فبات مِن المألوف فيه كما هو الحال هنا، " أنْ تعدُو الذكرياتُ السعيدةُ مسترخيةً على وسادة الطبيعة الجميلة، كما نرى مشاعر الشاعر وهي تهتزُّ لسجْع الحمائم، وتهْفو للمصيف والمربع، مستمتعةً بالليل الساجي، والصبح الجميل... حين كانت السَّرحة تمتدُّ بظلالها، والبلابل تصدَح بألحانها، والحُقُول تندَى بمياهها"[5].

 

أمَّا "عبد الحق بن عطية" [6]، فإنه يصوِّر أيام فتاءته، ونضارة شبيبته، متحسِّرًا على فقدِها، وفقْد ما كان بها مِن لهوٍ ومُتع، فقد انقشع ظلُّ طلاوتِهِ وبهجتِهِ، والباقي آثارٌ أورثتْ قلبَه نارَ الأسى والأحزان. فيقول: [7] [من البسيط]

سَقْيًا لِعَهْدِ شَبابٍ ظَلْتُ أمْرَحُ في
رَيْعانِه وليالي العيشِ أَسْحَارُ
أيّامُ عَهْدِ الصِّبا لم تَذْوِ أَغْصُنه
ورَوْنَقُ العُمْرِ غَضٌّ والهوى جَارُ

 

إلى أن يقول:

عَهِدًا كَريمًا لَبِسْنَا مِنْهُ أَرْدِيةً
كانت عُيُونًا ومحَّتْ فَهْيَ آثَارُ
مَضَى وأبقى بِقَلْبِي مِنْه نَار أَسًى
كُوني سَلاَمًا وبَرْدًا فيه يا نَارُ

 

.... إلخ الأبيات، التي تصوِّر عُزوفه عن التَّصَابي، ورزانته وصلاحه، بعد المشيب، فالشاعر جدُّ حزينٍ على شبابه الدَّفين، خاصة وأنه جرى فيه طلق الجموح، والشطر الأخير من قوله -تعالى-: ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69][8].

 

وهذا أبو عبد الله، محمد بن عائشة البلنسي[9]، يصوِّر أحاسيسَه، بعدما أسنَّ واكتهل، وكان قبل قد "غدا على ما أحبَّ وراح، وجرى متهافتًا في ميدان ذلك المراح، وسنُّه قريبُ عهدٍ بالفطام، ودهرُه ينقاد للإسعاد في حطام، فلما اشتعل رأسُه شيبًا، وزرَّت عليه الكهولة جيبًا، أقصر عن تلك الهنات، واستيقظ مِن تلك السِّنات، وشبَّ عن ذلك الطوق، وأقصر عن الحنين والشوق، وقنع بإهداء تحية، وما يستشعره في وصف تلك المعاهد مِن أريحية." فيقول: [10] [من الطويل]

أآمَنُ شخصًا للمسرَّةِ بَادِيَا
وأنْدُبُ رَسْمًا للشَّبيبة بالِيَا
تولَّى الصِّبا إلَّا تواليَ ذِكْرة
قَدَحْتُ بها زندًا مِن الوَجْد وارِيَا
وقَدْ بانَ حُلْوُ العَيش إلَّا تَعِلَّةً
تُحَدِّثُني عنْها الأمانِي خَوَالِيَا
فيا بَرْدَ ذاك الماءِ هلْ منْك قَطْرةٌ
فها أنا أسْتَسْقِي غَمامَكَ نَاشِيَا

 

فجَع الشبابُ أحبابَه، وذويه، برحيله عنهم وتركهم إلى خصْمِه - المشيب - سالب الفتاءة والنضارة والحسن والطلاوة، فَبَكَوْهُ بكاءُ مُرًّا ينبئ عن عظيم حُبِّهم له، وكبيرِ رُزْئِهم في فقيدهم، عندئذ تمنَّو عودة - هذا الشباب - والتدثُّر بردائه.

 

ويَجري أبو الحسن بن الفضل[11]، وابن الصباغ[12] على سنَنِ مَن سَبق مِن الشعراء، في ندْب الشباب المفارق، والبكاء، مِن شيب المفارق، ومعنى هذين الشاعرين متقارب إلى حدٍّ كبير. وعلى المعنى نفسِه، يأتي ابنُ سهل، ولكنه يرى: أن رضَا الحبيب مستحيل، كما يستحيل رجوع الشباب، فيقول[13]: [من المجتث]

كَأنَّني حِين أَبْغِي
رِضَاكَ أَبْغِي الشَّبابا
وأشِتهِي مِنْك ذنبًا
أبْنِي عليه العِتابا

 

لقد "كان لابن سهل براعةٌ في تجديد المعاني وتوليدها، فإن ابتغاء الرضا، كابتغاء الشباب معنى لطيف، اختص به ابن سهل دون سواه"[14].

"ووقفتْ قسمونة[15] يومًا أمام المرآة تنظر إليها، فراعها ألا يتقدَّم إليها أحد، يطلب يدها، وهي الجميلة الوسيمة، قد بلغتْ أوانَ التزويج، فتحرَّكتْ عاطفتُها، فقالت معبِّرة عن تجربتها، آسفةً على جمالها[16] [من الطويل]:

أَرَى روضةً قد حان منها قِطافُها
ولَسْتُ أَرى جانٍ يَمُدُّ لها يدا
فوا أسَفا يَمْضِي الشّبابُ مُضَيَّعا
وَيَبْقَى الذي مَا إنْ أُسَمِّيهِ مُفْردا

 

يؤرِّق قسمونة عزوفُ الخُطَّاب عنها، وشبابُها يَضِيعُ، ويفرُّ أمام عينيها، فتنهال عليها الأشجان انهيالًا، وتُمَنِّي نفسَها بزوجٍ، يملأ فراغها، ويُشبع عاطفتها، "فسمعها أبوها، فنظر في تزويجها"[17].

وهذا أبو القاسم البرجي، يَرثي شبابَه، ويندُب ملاعِبَه ورِفاقه، فقلبُه مشتاقٌ إلى أعز الأحباب، داعيًا - وهو مُضْنَى الجسم شاحبُه - لِرُبُوع حِماهُ بدوام النعيم، والخير العميم، فيقول: [18] [من البسيط]

ويا رُبُوعَ الحِمَى لا زِلْتِ نَاعِمةً
يَبْكي عُهُوَدك مُضْنَى الجِسْمِ شاحبُه
يا مَنْ لِقَلْبٍ مع الأهواءِ مُنَعطِفِ
في كُلِّ أوْبٍ لَهُ شَوْقٌ يجُاذِبهُ
يَسْمُو إِلى طَلَبِ الباقي بِهِمَّتِهِ
والنَّفَسُ بالمَيْل لِلْفاني تُطالبهُ
وفتنةُ المَرْءِ بالمألوفِ مُعضلةٌ
والأُنْسُ بالإلف نحو الإلفِ جَاذِبُهُ
أَبْكِي لِعَهْد الصِّبا والشيبُ يَضْحَكُ بي
يا للرجال سَبَتْ جَدِّي ملاعبُهُ
ولَنْ تَرى كالهوى، أشجاهُ سالفُه
ولا كوعدِ المُنَى، أحلاهُ كاذِبُهُ

 

يَمضي أعزُّ الأحباب - الشباب - فتهفو النفسُ إلى آثاره، وتبكي لضحِكِ المشيب بالرأس.

لقد اختار الشاعرُ مِن العبارات ما أسعَفَه في تصويره، فقوله: "يا مَن لقلب..."، "وفتْنةُ المرء بالمألوف مُعضلةٌ" - إشفاقٌ منه على قلبه، وبيانٌ لشَغَف الإنسان بِحِبِّهِ.

وقوله: "والأُنس بالإلف نحو الإلف..." يوضِّح، ويصوِّر طبيعة النفْس البشرية، مِن شَغَفها بمَن يروي ظمأها حسيًّا ومعنويًّا. وفي هذا مَلْمَح مِن قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ((الأرواحُ جنودٌ مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))[19]، والبيت الأخير تأكيد على أثر الحب في النفْس، وما يجلبه هو، ووعد الحبيب - خاصة كاذبه - مِن لذَّة ومتعة.

 

وابن الجياب "673 - 749 هـ"، يندب شرْخ الشباب، فقد تمتع خلال أيَّامه بوافر الصحة، وتمام النعمة، وأعظمها قوةُ أركانه، وفتاءةُ حواسِّه، وحفظه للعسير واليسير، أمَّا بعد موافاة باز المشيب، وبِلَى ثوبِ الشباب القشيب، أصبحتِ الذاكرةُ والقُوَى في أمر مريب، فيقول[20]: [من مخلع البسيط]

لله عَصْرُ الشَّبابِ عَصْرًا
فَتَّح للخير كُلَّ بَابِ
حَفظْتُ ما شِئْتُ فيه حفْظًا
كُنتُ أراه بلا ذَهَابِ
حتى إذا مَا المَشِيبُ وافى
نَدَّ ولكنْ بِلا إيابِ[21]
لا تَعْتَنُوا بَعْدَها بحفظٍ
وقَيِّدُوا العِلْمَ بالكِتَابِ

 

يبين ابن الجياب فضل الشباب على العامَّة والعلماء، فهو باب الخير، وشروده موت للذاكرة، ودعوة إلى حفظ العلم بالتدوين.

وهذا القاضي، أبو يزيد خالد بن عيسى بن أحمد القتوري يتذكر ماضيه السعيد في شبابه المجيد، حيث قبول شفاعة الوجه الحسن، وجمع لؤلؤ عينه - أي: دمعه - بيد الحسان، فيقول متمنيًا لهذا العيش العود[22]: [من الكامل]

ما كانَ أطْيَبَ عيشَنَا المَاضي بِها
لو كان ذَاكَ العيشُ فيها يَرْجِعُ
أيّام نَغْفرُ للصِّبا ذَنْبَ الهَوَى
وتَشَفَّعَ الوَجْهُ الجَميلُ فَيَشْفَعُ
ما سَرَّني تبديدُ دَمْعي لُؤْلؤًا
وعَهِدْتُه بِيَدِ الحِسان يُجَمَّعُ

 

أما ابن الخطيب، فيحنُّ - مثل سلفه - إلى أيام شبيبته، ومَعاهد صِباه وصَبابته، فكلَّما نظر في ذكريات الماضي، ورأى - على يد المشيب - تراجُعَ القُوى، وتثاقُل الخُطى، التي سَدَّت أمامه بابَ اللذَّات، وأورثتْه ضيعة مِن الحسرة والاكتئاب، وامتلكه الاغتراب - انفتحتْ عليه أبواب الأحزان والأشجان، فاعترتْه فيوضٌ من رحمة الرحمن، فيقول[23]: [من السريع]

أشْكُو إِلَى الله ذَهَابَ الشَّبابِ
كَمْ حسرةٍ أَوْرثتنِي واكْتِئَابِ
سَدَّ عَنِ اللذَّات بابَ الصِّبا
فزارتِ الأَشْجَان مِنْ كُلِّ بابِ
وغربةً طالت فما تَنْتهِي
مَوُصولةَ اليومِ بيومِ الحِسَابِ
وشرَّ نَفْسٍ كُلَّما هَمْلَجَتْ
في الغيِّ لم تَقْبَلْ خُطامَ المتابِ
يا رَبِّ شَفِّعْ فِيَّ شَيْبي وَلاَ
تَحْرِمنيَ الزُّلْفَى وحُسْنَ المآبِ

 

يشكو ذهاب شبابه، ونفسَه التي طالما رتعتْ في الغيِّ، ولم تَقْبل التوب، داعيًا ربه قبولَ شفاعة المشيب، والمنَّ بالزُّلفَى، وحُسْن المآب.

ولما رأى - ابن الخطيب - لَعِبَ ولدِه ومرَحَه، اتَّهم الدهرَ - في شبابه - بالسرقة، فأخذ الحزنُ مِن فؤاده مأخذَه، وجميل عزائه، أنَّ الدهرَ باعه لأعزِّ أحبابه، فيقول[24]: [من الرمل]

سَرَق الدَّهْرُ شَبَابي مِنْ يَديِ
وفُؤَادي مُشْعِرٌ بالكَمَدِ
جُمْلةُّ الأَمْرِ إذا أبْصَرْتُهُ
بَاعَ مَا أَفْقَدني مِنْ وَلَدِي

 

ويأتي رفيق بن جابر (698 - 780 هـ)، متمنيًا شراءَ سواد شبابه المنهوب، ببياض المشيب، مع يقينه أن عَوْد الشباب مستحيل، فيقول[25]: [من الطويل]

لَدَى منْ شَبَاب يُشْتَرى بِمَشيبٍ ♦♦♦ وَكَيْفَ شَبَابُ المَرْءِ بَعْدَ ذهابِ

وهذا ابنُ زَمْرَك (734 - 796 هـ) يتحسَّر على شبابه، الذي انقضى، ويتبرَّم مِن مشيب، أقبل يقصُّ الأثر، خجلًا مِن أوزاره وذنوبه، متمنيًا أنْ لو ادَّخر الزاد، قَبْلَ مداهمة الوهن والأسقام، فيقول من موشحة له[26]: [من السريع]

يا حَسْرتا مَرَّ الصِّبا وانْقَضَى
وأقْبَل الشَّيبُ يَقُصُّ الأَثرْ
واخَجْلَتَا والرَّحْلُ قَدْ قُوِّضَا
وما بَقي في الخُبْر غَيْرُ الخَبَرْ
ولَيْتنِي لَوْ كُنْتُ فِيمَا مَضَى
أَدِّخِرُ الزادَ لِطُولِ السَّفَرْ

 

يطالب الشاعر بإعداد العُدَّة لزيارة سيِّد الأحبَّة - صلى الله عليه وسلم - ومازال في تصوير مُعاناته مِن جرَّاء فراق الشباب، وميراثه مِن حزن وحسرات، داعيا لأيامه ولياليه الهنيَّة بخير الجزاء، وغدَق السُّقيا بكرةً وعشيةً، فيقول من قصيدة له[27]: [من الطويل]

ويا رُبَّ عَهْدٍ لِلشَّباب قَضَيْتُهُ
وأَحْسَنْتُ مِنْ دَيْنِ الوِصَالِ التَّقاضِيا
ورَوْضَةُ حُسْنٍ للشبابِ نَضِيرةٌ
هَصَرْتُ بِغُصْنِ البَانِ فيها المَجَانيا
وَقَدْ بِتُّ أَسْقِي وَرْدَةَ الخَدِّ أَدْمُعِي
فَأَصْبَحَ فِيها نَرْجِسُ اللَّحْظِ ذَاويا
ومَالَتْ بِقَلْبي مَائِلاتُ قُدُودِها
فَمَا للقُدُودِ المائلاتِ وما لِيَا
جَزَى اللهُ ذَاكَ العَهْدَ عودًا فَطَالما
أَعادَ على رَبْع الظِّباءِ الجَوَازيا
وقُلْ لِليالٍ في الشَّبابِ نَعِمْتُها
وقضَّيْتهُا أُنْسًا سُقِيتِ لَيَاليا

 

تعْرض للشاعر ذكرياتُ الشباب، وروضه النَّضير، وما كان له فيه مع الخلان والرفاق: من أدمعٍ - فرح اللقاء - تسقي وردة خدِّه، وها هو قد ذوى نرجس لحْظه، وكان الهجْر والصدُّ من آسراتٍ بلحظ، ومائلاتِ قَدٍّ - فيدعو لِعَهْد شَبَابِه، وليالي أُنْسِه، بخير الجزاء، وغدق السُّقيا.

لعله مِن الواضح الجليِّ، أن بكاء الشباب وندبه، وعرض ذكراه، ومعاهد جدِّه ولعبه ولهوه، ودعاء الشعراء - خاصة، والناس عامَّة - له وتمنِّي شرائه وعوده - أمارة حبِّه، ودليل بُغض المشيب، وآثاره، ورسله.



[1] ديوان ابن خفاجة صـ 76.

[2] المحار: المرجع. انظر المرجع السابق صـ 76، وله في المعنى نفسه في المرجع نفسه صـ 42، أبيات، أولها: [من الطويل ]

وكيف يَغيض الدمعُ أو يَبرُد الحشا ♦♦♦ وقد بان أقرانٌ وفات شبابُ

وانظر في مثل هذا المعنى - في ديوانه صـ 112 - وكذلك صـ 35، 36، واللطائف صـ 121، 122، ومنه [ من الكامل ]

سُقْيا ليومٍ قد أنختُ بِسَرْحةٍ... رَيًّا، تلاعِبُها الشَّمال فَتَلْعَبُ

وله كذلك - في ديوانه - صـ 139 - في ندْب أيام الشباب وتمنِّي عوْدتها، أبيات. منها: [ من الطويل ]

ويا رُبَّ ذيلٍ للشباب سَحَبْتُه = وما كنتُ أدري أنه سَيُقَلَّصُ

إلى أن يقول: ................... = فيا ليت ذاك العيش لو كان ينكص!.. إلخ.

[3] انظر: ديوان ابن خفاجة صـ 197، قلائد العقيان صـ 232، خريدة القصر ق2 / 162، ولابن بقي ( ت 540 ) موشحة في المعنى نفسه، في المغرب حـ 2 / 25.

[4] البشام: شجر طيِّب الريح والطعم يُستاك به. اللسان "ب. ش. م".

[5] انظر: ملامح الشعر الأندلسي د / عمر الدقاق صـ 195 - بتصرف - ط دار الشروق العربي. بيروت. د. ت

[6] هو "عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف، فقيه حافظ. محدث مشهور. أديب نحوي شاعر. بليغ. كاتب. ألَّف في التفسير كتابًا ضخمًا أربى فيه على كل متقدِّم، مولدُه في عام إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفِّي - بمدينة لورقة - عام اثنين (أو إحدى) وأربعين وخمسمائة" "فرع أصل العلاء، ونبع دوح الذكاء، وهو في كل عِلْم عَلَم، وله في كلٍّ معرفةٌ وقدم." انظر: بُغية الملتمس صـ 389 برقم 1103، قلائد العقيان صـ 208، 209. المغرب حـ 2 / 117، نفح الطيب حـ 2 / 526، 527، وفيه: أنه توفِّي سنة 546 هـ، معجم الشعراء الأندلسيين... صـ202.

[7] انظر: بُغية الملتمِس صـ 389، 390، وفيه "رونن" - لعله تصحيف - بدلًا من "رونق"، قلائد العقيان صـ 209، خريدة القصر ق 3 / 491.

[8] سورة الأنبياء: 69.

[9] انظر: الذخيرة ق3 ح 2 / 887: 891، خريدة القصر ق 2 / 216، 581: 583.

[10] انظر: آخر مرجعين وصفحاتهما.

[11] انظر: أزهار الرياض حـ 2 / 211.

[12] انظر: أزهار الرياض 2 / 232، 233، وله في مثل هذا المعنى، في نفس المرجع صـ 241، ويلاحظ تطرُّقه إلى نوح الحمام، مثل ابن خفاجة، ولعل مرجع ذلك إلى بيان الرقة في النوح والبكاء، ولابن خميس أبيات في هذا المعنى - في أزهار الرياض حـ 2 / 317: 319 - منها: [ من الطويل ]

وهيهات مِن بعد الشبابِ وشرخهِ = يلذُّ طعَامِي أو يَسُوغُ شَرَابي، وانظر - في نفس المرجع - في نفس المعنى صـ 324.

[13] ديوان ابن سهل صـ 17.

[14] انظر: المرأة في الشعر الأندلسي صـ 353.

[15] هي "قسمونة بنت إسماعيل اليهودي، شاعرة يهودية، كان أبوها من يهود غرناطة، أديبًا شاعرًا، نشَّأها على حب الأدب والشعر حتى كانت تجيز، فتثير إعجابه، فيضمها إلى صدره قائلًا: أنتِ والعشرُ كلمات أشعَرُ منِّي...". انظر: نفح الطيب حـ 3 / 530، شعر المرأة في العصر الأندلسي صـ 249.

[16] انظر: نفح الطيب حـ 3 / 530، الشعر النسوي في الأندلس صـ 104، المرأة في الشعر الأندلسي صـ 66.

[17] النفح حـ 3 / 530.

[18] انظر: نفح الطيب حـ 6 / 70، 71، الإحاطة حـ 2 / 296، نفاضة الجراب صـ 383.

[19] البخاري برقم 3088.

[20] انظر: الإحاطة: حـ 4 / 143.

[21] ندَّت الإبل: نفرَتْ وذهبتْ شرودًا. انظر: اللسان "ن. د. د".

[22] انظر: الكتيبة الكامنة صـ 137، 138.

[23] انظر: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار صـ 73، 74 لم أجده في الصيب والجهام، وانظر في مثل هذا المعنى له، في ديوان الصيب والجهام صـ 485، وللشيخ القاضي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي جبل المعافري، أبيات يتفجع فيها على عمره الماضي، ويجزع مما حل به على يد المشيب، فيقول: [ من الوافر]

مضى مِن دنِّ عمري كلُّ صفوِ
فما أبغي مِن الدرديِّ لهفي
وولتْ طيِّباتُ العيش عني
وأَعْوز مِن بقاياها التشفِّي
فلا قدمٌ تُسَاعِدُني لمشيِي
ولا بصرٌ بمرئيٍّ يُوفِّي

إلى أن يقول:

وقد جعلت لي الستُّون قينًا
وثيقًا مُؤْذنًا بلحاق حَتْفِ
وشيبي مُنْذرٌ لو أنَّ نفْسي
تُطاوع بالمتاب بغير خُلْف

إلخ الأبيات، التي يبيِّن فيها مدى حزنه على أطايب عمره، ووهنه، وتمادي نفْسه في غيِّها، وحسْن ظنِّه بربِّه. انظر الأبيات في الكتيبة الكامنة صـ 108.

[24] انظر: الصيب والجَهام صـ 445، وفيه: واحتملت الأمر، نفح الطيب حـ 7 / 300، 301، وله أبيات أخرى ينكر فيها عودة شبابه، منها: [ من الكامل ]

أَتُرى يُعِيُد الدّهْرُ عَهْدًا لِلصِّبا ♦♦♦ دَرَسَتْ مَغَاني الأُنْس فيها دُرُوسا

انظر: نفح الطيب حـ 6 / 196.

[25] انظر: نفح الطيب حـ 7 / 373، 374، ولدى بمعنى: هل، وفي نفس المعنى، يقول الخضر بن أحمد بن أبي العافية - يكنى أبا القاسم، من أهل غرناطة، توفِّي قاضيًا ببرجة، وسبق إلى غرناطة، فدُفن بباب إلبيرة آخر ربيع سنة 745 هـ؛ انظر: الترجمة، والأبيات في الإحاطة حـ 1 / 498 - أبياتًا منها: [ من الكامل ]

لو أنَّ أيام الشباب تعود لي ♦♦♦ عود النضارة للقضيب المورقِ

[26] انظر: النفح حـ 7 / 280، 281.

[27] انظر: أزهار الرياض حـ 2 / 66، 67، ولابن أبي جمعة التلالسبي (آخر القرن الثامن الهجري) موشحة في هذا المعنى منها - انظر: ديوان الموشحات د / محمد زكريا عناني صـ 100 -:

سحِّي أيا مقلتي وانهلي = بدمعك الواكف المنهل = على شبابي الذي قد ولى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عيد الفطر في عيون شعراء الأندلس
  • مأساة الأندلس وموقف العثمانيين
  • كلمات في رثاء فقيه الطائف ومسندها

مختارات من الشبكة

  • الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • زينة الدهر في ذكر محاسن شعراء العصر لسعد بن علي الحظيري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • القصيدة الحرة عند شعراء العراق الرواد في الخطاب النقدي العراقي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • معاني الحروف الثنائية والثلاثية بين القرآن الكريم ودواوين شعراء المعلقات السبع(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مع شعراء الأرض المحتلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أسماء شعراء مدرسة أبولو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من شعراء جماعة الديوان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شعراء يتحدثون عن وظائف الشعر الخلقية(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب