• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / فن الكتابة
علامة باركود

فن المراسلة عند العلامة محمود الآلوسي رحمه الله

مرشد الحيالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/11/2014 ميلادي - 4/2/1436 هجري

الزيارات: 8740

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فن المراسلة عند العلامة محمود الآلوسي رحمه الله


تكملة لبحث مراسلات الآلوسي رحمه الله:

المراسلة فن أدبي رفيع، ورافد من روافده الهامة، وفن من الفنون التقليدية من تراثنا العربي؛ كالخطابة، والمناظرة، ونحوها، وقد سلك الأدباء والعلماء في المراسلة أساليب عدة، اختلفت في التعبير والمضمون، وفي الجملة: المراسلةُ عبارة عن (نص نثري سهل، يوجَّه إلى إنسان مخصوص، ويمكن أن يكون الخطاب فيها عامًّا؛ فهي صياغة وجدانية حانية مؤنسة، في عتاب رقيق يظهر النجوى أو الشكوى، ويبوح بما في الوجدان من أحاسيس وأشجان)[1]؛ ولذا أولاها العلماء اهتمامًا كثيرًا، بل منهم من قام بجمعها وحفظها ونشرها، وعلى رأسهم علامة العراق محمود شكري الآلوسي رحمه الله، وتعتبر هذه الرسائل[2] ثروة من المنظور العلمي؛ لِما تضمنته من معلومات وأساليب أدبية ربما لم تَحْوِه المصنفات والمؤلفات، وللآلوسي رحمه الله في ذلك أهداف تربوية ودعوية، وله طريقته في المراسلة، يمكن إجمالها فيما يلي:

من ناحية الأسلوب:

• يتبع أسلوب السجع وما يتبعه من ترصيع ونحوه، وقد التزم أوَّل أمره طريقة السجع؛ حيث كانت ذات السُّلطان القوي على أقلام الأدباء لذلك العهد، ثم مال إلى طريقة الترسُّل، حيث يتمكَّن من الإفادة والتبيان، وأخذ يسير مع الطبع؛ أي: يكتب كما يفكِّر أو كما يتحدَّث، تاركًا السجع[3]، وهي المرحلة الأخيرة من حياته حين زادت شهرته، وسطع نجمه، بعد أن خلع رِبقة التَّقليد من عنقه، ونالتْ يده من خزائن كتُب عمِّه نعمان الآلوسي، الَّتي فتحت له آفاقًا واسعة في العلم، والتعرُّف على دعاة الإصلاح والاتِّصال بهم، وكان ذلك من الدَّوافع للمراسلة؛ لما يرِدُ عليه من أسئلة وفتاوى واستفسارات، بالرَّغم من صعوبة المراسلة وكُلْفَتها آنذاك، فبدأتْ مراسلاته مع أغلب مثقَّفي العالم من علماء وأدباء ودعاة إصلاح، وعرب ومستشرقين، وقد تناولت المراسلات كلَّ ما يهم المفكر المصلح الغيور على تراث أمَّته وعروبتها، والمحافظة على دينها وعقيدتها.

 

• ومن الناحية الشكلية، فالمراسلات الَّتي أرسلها بخطِّه إلى علماء وأُدباء عصره كان يفضل فيها خط التعليق أو النستعليق فرع منه - في عامَّة مؤلَّفاته ومراسلاته، والتَّعليق المسمَّى بالفارسي يعدُّ من أفضل وأجمل الخطوط في العالَم[4].

 

وهاتان رسالتان لم تنشرا[5] من قبل، يظهر فيهما جليًّا أدب الآلوسي رحمه الله في المراسلة، وأسلوبه فيها، وتضمنت ما يلي:

• الديباجة الأدبية للرسالة، وتضمنها لعناصرها؛ من البسملة، والنداء، والمخاطبة بألقاب الاحترام والتبجيل، والخاتمة.

 

• أظهرت الرسالتان مدى ما كان يتمتع به الآلوسي من أخلاق فاضلة، ومزايا حسنة، وسيرة طيبة، وأخلاق زكية مع أعدائه، فضلاً عن أصحابه وأحبابه، وقد ورث تلك الأخلاق الفاضلة الكاملة - من أدب رفيع، وفقهٍ بديع، وتواضع جم، وتوجُّع لمصاب الخِلاَّن، ومحبة للجميع - من البيئة الأسرية الصالحة، والعلم الواسع من مشايخه الذين تربى في أحضانهم، وشرب من موردهم، ونهل من فهومهم وعلومهم؛ يقول الآلوسي في شرحه للبيت عن واجب الأخوة من القصيدة الشاوية[6]:

أخ ماجد ما دنَّس اللؤمُ عِرضَه
ولا خاط كشحيهِ على اللؤم والغدرِ

 

(والواجب على العاقل أن يسلم أن الغرض من المؤاخاة ليس الاجتماع والمواكلة والمشاربة، والسراق يدخلون الرِّحال على التعارف، ولا يزدادون بذلك مودة، ولكن من أساليب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها مشي القصد، وخفضالصوت، وقلة الإعجاب، ولزوم التواضع، وترك الخلاف، والعاقل لا يؤاخي لئيمًا؛ لأن اللئيم كالحية الصماء، لا يوجد عندها إلا اللدغ، ولا يصل اللئيم ولا يؤاخي إلا عن رغبة أو رهبة)، وقال في موضع آخر: (والواجب على العاقل إذا رزقه الله رد امرئ مسلمٍ صحيحِ الوداد محافظٍ عليه، أن يتمسك به، ثم يوطِّن نفسه على صلته إن حرمه، وعلى الإقبال عليه إن صدَّ عنه، وعلى البذل له إن حرمه وعلى الدنو منه إن باعده، حتى كأنه ركن من أركانه، وإن من أعظم عيب المرء تلونه في الوداد.....)[7].

 

• استعماله لكثير من التعابير المجازية - كالاستعارة ونحوها -؛ كالسجود والتسبيح والخضوع ونحوه، وهو كثير في الشعر والنثر، فالسجود والخضوع في اللغة له معانٍ عدة غير العبادة ووضع الجبهة على الأرض؛ منها: الطاعة والانقياد، قال ابن منظور في لسان العرب[8]:

سجد: إذا انحنى وتطامن إِلى الأَرض، وأَسجَدَ الرجلُ: طأْطأَ رأسه وانحنى، وكذلك البعير، قال الأسدي: أَنشده أَبو عبيد:

وقلنَ له أَسجِدْ لِلَيْلى فأَسجَدَا؛ يعني بعيرها أَنه طأْطأَ رأْسه لتركبه، وقال حميد بن ثور يصف نساءً:

فُضولَ أَزِمَّتِها أَسجَدَتْ
سجودَ النصارى لأَرْبابِها

 

يقول: لما ارتحلن ولَوَيْن فضول أَزمَّة جمالهن على معاصمهن أَسْجدت لهن، قال ابن بري: صواب إِنشاده:

فلما لَوَيْنَ على مِعْصَمٍ
وكَفٍّ خضيبٍ وأَسوارِها
فُضولَ أَزِمَّتِها أَسْجدت
سجودَ النصارى لأَحْبارِها

 

وسجدَت وأَسجدَتْ: إِذا خفضت رأْسها لتُركَبَ، وفي الحديث: كان كسرى يسجد للطالع؛ أَي يتطامن وينحني، والطالِعُ: هو السهم الذي يجاوز الهَدَفَ من أعلاه.

 

• المبالغة والإغراق في المدح: وهو مختلف فيه، فطائفة من الأدباء منعوه، قالوا: لأن الشاعر الجاهلي كان يستعمل المدح في الشعر، مع محافظته على كرامته في مدح الملوك، ومع ذلك لم يتذلل وهو في أمسِّ الحاجة لعطاياهم، وذكر النُّقاد أن هذا اللون من المدح - الإغراق - مستعمل؛ حيث (إن الخلفاء بالغوا في الحرص على المبالغة والإغراق مبلغًا، لا يُرضيهم شعرُ شاعر واختلاقُه إلاَّ أن يضعَهم موضعًا يتناهى إليه الفضائلُ والمکارمُ)[9]، ما أجمل قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]! وطائفة أخرى حسَّنته، متمسكين بالقول المشهور: "أحسن الشعر أكذَبُه"، وقد اختفى هذا النمط من المراسلات لدى الآلوسي رحمه الله، وخاصة بعد انتقاله إلى المرحلة والطور الأخير من حياته الأدبية والعلمية، فلم نعد نرى هذا المدح في مراسلاته إلى العلماء والأدباء والشعراء، بل يكتفي بما هو معهود، وما هو مكتوب ومشهود.

 

الرسالة الأولى:

أعرض لمولاي بحر العلم[10]، وكنز الأدب، وعباب البيان، من بين فصحاء العرب، وتيار الفضل الذي ينسل من كلِّ إرْب، أفضل مَن تضلَّع من الدقائق، وأجلِّ مَن اطَّلع على غوامض الحقائق، بعد تقبيل أياديه التي رَفعتْ للمجد رايات، ونالت من الشرف غاية الغايات، متعنا الله تعالى بحياته، ومعجز أقواله، وبينات آياته، إن العبد الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، قد تشرف من سيده وسنده، ومطلع شموس فخره ومجده، بقصيدة تخر لها تيجان رؤوس أساطين الأدب على الأذقان، مشتملة على فرائد تتحلى بها المسامع والأذهان، وأبيات كآيات بينات، يسجد عند تلاوتها فصحاء قحطان وعدنان، ألبسني بها حلل مجد لا تنخرق، وأَوْلاني نعمًا لا يؤدي اللسان شكرها بكل ما نطق، وفتح لي أبواب سؤدد لا تُسدُّ ولا تغلق، حين نفَّست من كربي، وداوت من آلام قلبي، بما حوته من الإشارات، ودقائق العبارات؛ فإن كل بيت منها سهم مِن أنفذ السهام، في أفئدة الطَّغام واللئام، بل كل كلمة منها صخر يدمغ رأس الزائغين، ويدق أعناق المتطاولين من العباد أجمعين، وحيث إني وجدت بها ضالتي، وظفِرت بها بأملي وبغيتي، بقيت أمرح بين أرآم مقاصدها، وأسرح في رياض بدائع فرائدها، وأردد تلاوتها آناء الليل وأطراف النهار، وأترنم بنغماتها كما تترنم بلابل الأسحار، واتخذتها رقية لي أسترقي بها من عفاريت الهموم والأكدار، فجزاك الله عني خير الجزاء، وحباك في الدارين منزلة أوصاف بِيض حسان كواعبها، ومحامدي لا تصل إلى ما تستحقه وإن اتسعت مذاهبها؛ حيث كانت كما أمَر المولى أحسن هدية للجماعة، فإنها خلدت عليهم ما يستحقونه إلى قيام الساعة، ولسان حالي يا سيد الأفاضل يقول كما قال القائل:

أمولاي ما عندي إليك وسيلة
تقرِّبني زُلفى وإنِّي لراغبُ
محاسنُ شعري ما إذا أنا قستها
بشعرك والإِنصاف فهْي مثالبُ
وإنِّي مع الإِطناب فيك مقصِّرٌ
وإن كانَ شعري فيك ممَّا يناسبُ
أهنِّيكَ فيه مَنصِبًا أنت فوقَه
بمرتبة لو أنصفتك المراتبُ
فإنَّك شرَّفتَ المناصبَ كلَّها
وما أنتَ ممَّن شرَّفَتْهُ المناصبُ
وَهَنَّيْتُ نفسي والعراق وأهلَهُ
وكلَّ امرئ أهل لذاك وصاحبُ
وزُفَّت إليه كلُّ عذراء باكرٍ
كما زفَّت البيض الحسان الكواعبُ[11]

وإني لأقسم عليك بالذي حباك شرف الذات، وأحسن الشمائل والصفات، ومنحك بغزارةٍ العلم، والذكاء القريحة وغاية الفهم والحلم، وحلاوة المنطق والعبارة، وحسن السيرة، ودماثة الخلق والسريرة، إلا ما وليت عليك مثل هذه النعم، بل الدرر الغالية القيم، فقد أضر بنا فِراقك، وآلمنا ما كابده من ألم البُعادِ رفاقُك، وفقدنا بَعْد بُعْدك من نلجأ إليه من جور الزمان ومكره، ونهرع إليه لمقاومة ظلم الدهر وغدره[12]، وإن كان يكفيني من عناية سيدي أطال الله بقاءه، ومتعنا جل شأنه بشريف رؤياه: تخطُّره لهذا العبد على البال، وكفى بذلك فخرًا لي من بين الأمثال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

في أواخر جمادى الأولى سنة 1311 هـ.

العبد محمود شكري.

 

الرسالة الثانية:

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت رواة الحديث والأنباء تقول: (إن الله كنز مفتاحه ألسنة الشعراء)، وقد أدركت - ولله تعالى الحمد - من هذا الحديث الصحيح[13] مغزاه، وتحققت من صحة لفظه البديع معناه؛ حيث وردتني أبيات عربية في تخميس القصيدة الأحمدية[14]، اشتملت على جوهر ذلك الكنز المطلسم، وحوت فرائد قلائد دُرِّه المنظم قرأتها قراءة من استفزه الطرب لها، وملكه الشغف بها، فوجدتها جامعة للطبع السهل، واللفظ الجزل، والأغراض الصحيحة، وامتزجت مع الأصل امتزاج الماء بالراح، والأجسام بالأرواح، نظمها سيد بني الآداب، ومفخر من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، المولى الذي استرقَّ الفصاحة فهي طوع لسانه، واستعبد حر البيان فهو منقاد لبنانه، ولو تعاطيت وصف محاسنه بنطق اللسان، وفضل البيان، وجهود الطاقة، وغاية الاستطاعة، لم آتِ على ما في صدري، ولم أبلغ ما في نفسي؛ لعلو مراقيه، وجليل مناقبه، وعظم شأنه، وبُعد لعلها: شأوِه، وتكاثر مآثره ومفاخره، وكرم أوائله وأواخره، وشرف أصله ومحتدِه، وطيب مغرسه ومولده، واستعلائه في كل ذروة من المجد، واستيلائه على كل غاية من الحمد، مع كتاب شُهد له بعلو المكان في صناعة الكلام في دقائق النظر، وجُعل في الفضل إمامًا، وعند التفاضل أمامًا، وللخير عَلَمًا منشورًا، ومنارًا مرفوعًا، حمله على ذلك المحبة الغيبية والمحبة الحقيقية، حيث جعل سبحانه تلاقي الإخلاص عوضًا عن تلاقي الأشخاص، وتحاور الأرواح بدلاً من تحاور الأشباح، وترائي الخواطر بدلاً من ترائي النواظر، وتناجي القلوب منابًا عن تناجي الألسن، مع ما اقتضاه أوله الكريم، وتالده القديم، وأصله الراسخ، وفرعه الشامخ، وما جمعه الله فيه من عرق زكي، وعَرف ذكي، ووجه حيي، وبشر خفي، ومحاسن كاملة، ومناقب زائدة، ومعالٍ شامخة، ومساعٍ سابقة، وكم له - أدام الله تعالى تأييده - من خير أبداه، وبرٍّ أسداه، ومَنٍّ اعتقده، وحرٍّ استعبده، وحق أوجبه، وسبق أحرزه، ومجدٍ أثَّله، وحمد أوصله، وإني لأشكرك أيها السيد الرئيس على ما أبدعت من التخميس والنثر النفيس، كل ذلك لم يسبقك إليه سابق، ولم يشقَّ غبارك فيه لاحق، ولا أعدمك الله العز الشامل، والحمد المتواصل، ما اختلفت الأدوار، وتعاقَب الليل والنهار، غير أن ما أبدعته من الثناء، وحسن المدح والإطراء، لست من أهله ولا من رجاله، ولا ممن يليق به أن يجول في تفكركم العالي بخطر أمثاله، وما كان ما كان من المدائح العلية الشأن إنما هو من حسن ظن النظم، وتغافله عما يعلم، وإلا فالعبد أعرف بنفسه من أبناء جنسه، ولو لم تجرِ عوائد الله تعالى في الطاقة وستر عيوب عباده إمهالهم في المؤاخذة عن ذنوبهم إلى يوم معاده، لكنت أحق الناس بالجرح والقدح، ولم أكن أهلاً لأقل ثناء ومدح، ولكنه حسن ظن الإخوان المستوجب غض الطرف عن الصفات الهجان:

ورصاصُ مَن أحببته ذهبٌ كما
ذهَبُ الذي لم ترضَ عنه رصاصُ[15]

وعلى كل حال، أعرض إليك أيها المولى المفضال، أن ما أتحفتني به قد اتخذته مأثرة من أعظم المآثر عُدَّةً لي إذا فاخرني مُناظِر، ويدًا أطاول بها الراسيات، وأقتاد بها أزمَّة المعالي، وعنان العنايات، فإن محاسنك أشهر من أن توصف، وأظهر من أن تعرف؛ لأنها لائحة في وجه الزمان، ورائدة في مجاري الامتحان، وشبيهة الشمس في انتشارها وإشراقها، والسماء في إطلالها وإطباقها، فما أحد من ذي لسان قائل، ونظر عادل، ووعد ثاقب، ورأي صائب إلا وهو شاهد بها شهادة العلم الصريح، واليقين الصحيح، التي لا يقع فيها محاباة، ولا يتداخلها محاماة، بل هي بالحق قائمة، وعن لسان الصدق ناطقة، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت الإشارة إليها أبلغ من الدلالة عليها، والإمساك عن ذكرها كالإطالة في نشرها.

فمهما ادعى ذو النقد أنك واحد
فما أنت إلا في الأنام كما ادَّعى
وإن مدَّتِ الأبواع في طلب العُلا
مددت إلى العلياء بوعًا وأذرعا
فإنك في هذا الطريق الذي به
سلكت طريقًا أعجز الناس مُسبِعا

 

جزاك الله تعالى عني خير الجزاء في الدنيا والأخرى، وألبسك في مشاهد العز والهناء حُلل المجد الفاخرة، وقد طوَّقت عنقي أياديك، وقيدت لسان نطقي بقيد إلطافك ومعاليك.

أرى مدحيَ العالي عليَّ فريضة
وغيرك لم أمدحهُ إلا تطوعا
عليَّ لك الفضل الذي هو شاملي
وإنك قد حزتَ الفضائل أجمعا

 

 

وقد أتعبت سمعكم فيما جرى به القلم، وكتب رجال في هذا المجال الواسع والمقال المطنب، وإن لم يُعبِّر قولي عما في نفسي، وقد بذلت فيه قدرتي، واستفرغت فيه وُسعي، لزيادة ذلك على ما يتعاطاه لساني من استيفائه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[16].



[1] الرسائل الأدبية بين النشر والإتلاف، بقلم الكاتب: سعد بن عايض العتيبي، وتجد بعض المصادر لفن المراسلة في بحث فن الرسالة عند الأديب نجيب الكيلاني، بقلم الكاتب: د. أحمد عيساوي.

[2] مراسلات محمود شكري الآلوسي مع معاصريه، بقلم مرشد الحيالي - شبكة الألوكة.

[3] أعلام العراق، للعلامة محمد بهجة الأثري، في موضوع: "أسلوبه الكتابي وأمثلة متنوعة من إنشائه"، وانظر مقدمة رد علامة العراق محمود شكري الآلوسي على حصون العاملي الرافضي، تحقيق الأستاذ: إياد القيسي.

[4] أعلام العراق، محمد بهجة الأثري، ومقال: "المخطوطات والرسائل الموقَّعة بقلم الآلوسي"، بقلم الدكتورة ضمياء عباس السامرائي.

[5] مخطوط "الدر النضيد أو شرح القصيدة الشاوية"، محمود الآلوسي، ص 4، والمخطوط لم يطبع بعد، وقد عمِلت له دراسة نشرت على الموقع الكريم "موقع الألوكة"، على أنَّ ما ورد في الرِّسالة هو مما جرى وفق الأسلوب العربي في الخطاب، وهو ما يسمَّى بالمجاز.

[6] وُلد الشاعر الشاوي عام 1844م -1260هـ، وتُوفِّي في مدينة البصرة عام 1899م -1317هـ، درَس العلوم العقلية والنقلية على أعلام عصره، ليس له ديوانٌ مطبوع، وقصائدُه تكشف عن موهبة خاصة في فنِّ الهجاء والسخرية، وتنحدر أسرةُ آل شاوي البغدادية من جَدِّها السابع/ شاوي بك الشاهري العبيدي القضاعي الحميـري، انظر: (محمد بهجة الأثري)، "أعلام العراق"، المطبعة السلفية، القاهرة 1345هـ/ 1926م، (عباس العزاوي)، "تاريخ الأدب العربي في العراق"، جـ2، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد 1962م، و(علي الخاقاني)، "شعراء بغداد" جـ1، دار البيان، بغداد 1962م.

[7] مخطوط "الدر النضيد أو شرح القصيدة الشاوية"، محمود الآلوسي، ص44.

[8] لسان العرب، لابن منظور 2 /98 (مادة سجد).

[9] المدح في الشعر العربي القديم نشأته وتطوره وشروطه وبناء قصيدته، بقلم محمد شرفبياني، انظر موقع جامعة أم القرى.

[10] مخطوط "الدر النضيد أو شرح القصيدة الشاوية"، محمود الآلوسي رحمه الله.

[11] القصيدة للشاعر العراقي عبدالغفار الأخرس، مطلعها:

زمانًا وهنَّتني لديك المطالبُ
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ
فأصبحت لا أرجو سوى ما رجوته
مَرامًا وما لي في سواك مآرب

وهذا الشاعر من العراق، ولد عام 1225 هـ، وتوفي عام 1290 هـ، وهو من شعراء العصر الحديث، له 377 قصيدة، واسمه: عبدالغفار بن عبدالواحد بن وهب، شاعر من فحول المتأخرين، ولد في الموصل، ونشأ ببغداد، وتوفي في البصرة، ارتفعت شهرته، وتناقل الناس شعره، ولُقِّب بالأخرس؛ لحُبسة كانت في لسانه، له ديوان سمي: (الطراز الأنفس في شعر الأخرس) مطبوع.

[12] قد يُعتذر عن المؤلف بأن ذلك جرى على لسانه دون أن يقصد حقيقته، كما هو عادة العرب في أشعارهم ونثرهم، ومن ذلك قول الشاعر:

المرء يجمع والزمان يُفرِّق
ويظل يَرْقَعُ والخطوب تُمزِّقُ
ولَأن يُعادي عاقلاً خير له
من أن يكون له صديقٌ أحمقُ

وإلا فقد ورد النهي الصريح عن سبِّ الدهر، أو نسبة الأشياء إليه.

[13] لم أجد هذا الحديث في دواوين السنة، والله أعلم.

[14] التشطير والتخميس من الكلمات التي يكثر ورودها في الشعر العربي وعلم العروض، والمقصود بـ: "التشطير": أن يَعمد الشاعر إلى أبيات مشهورة لغيره، فيقسِّم أبياتها إلى شطرين، يُضيف إلى كلٍّ منهما شطرًا من عنده، مراعيًا تناسُبَ اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع، أما "التخميس" فهو أن يأخذ الشاعر بيتًا لسواه، فيجعل صدَره بعد ثلاثة أشطر ملائمةً له في الوزن والقافية؛ أي: يجعله عَجُزَ بيت ثانٍ، ثم يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين، فيحصل على خمسة أشطر، راجع بحث شرح القصيدة الشاوية - الألوكة - بقلم: مرشد الحيالي.

[15] القصيدة من العصر العثماني، للشاعر عبدالرحمن بن عبدالله بن الحسين السويدي العباسي البغدادي، زين الدين، أبو الخير، مؤرخ، من بيت قديم في العراق، ولد ونشأ وتوفي في بغداد، ولد عام 1134 هـ، وتوفي عام 1200 هـ، وهو من شعراء العصر العثماني، له 132 قصيدة، وله كتب؛ منها: (حديقة الزوراء - خ) ثلاثة أجزاء كبيرة في تاريخ بغداد، و(حاشية على شرح الحضرمية) في فروع الشافعية، و(حاشية على شرح القطر للعصامي) نحو، و(شرح الشيبانية) في العقائد، و(حاشية على تحفة ابن حجر)، وانظر بوابة الشعراء.

[16] والرسالة موجهة إلى السيد محمد سعيد محمود، وهو من علماء الرافضة الاثنى عشرية، وهو لا يستحق هذا الإطراء والمدح والثناء من الشيخ الآلوسي رحمه الله، بل ضده، وقد ذكرنا مرارًا أن هذا قبل أن يتحول الآلوسي رحمه الله إلى منهج أهل السنة والجماعة، وتتضح له الأمور، وينكشف له الفرقان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جولة مع مؤلفات الآلوسي رحمه الله المطبوعة والمخطوطة
  • مراسلات محمود شكري الآلوسي مع معاصريه

مختارات من الشبكة

  • فن المعاملات أو الإتيكيت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أضواء على كلمة الفن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تصنيف الفنون الإسلامية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الفن للفن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة ألفية الآثاري(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • خصائص فن الزخرفة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة فنون الأفنان في عيون علوم القرآن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفن وفلسفة التربية: فن الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن إسلامي.. أم فن مسلمين؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن الكاريكاتير والفن الرديء(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب