تعقيب على تقرير حول التحديات القانونية التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن القادم

تعقيب على تقرير حول

التحديات القانونية التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن القادم

وسبل مواجهتها[1]

جامعة آل البيت

الرقم: 16/98م أ/1353.

التاريخ: 13 شعبان 1420هـ.

الموافق: 22/11/1999م.

الأستاذ الدكتور محمد جبر الألفي المحترم

جامعة اليرموك

تحية طيبة، وبعد:

فبمناسبة اختتام أعمال المؤتمر العام السادس لرابطة الجامعات الإسلامية، والمؤتمر العلمي المواكب له تحت عنوان: (إعلان عمَّان) دليل عمل لنهضة العالم الإسلامي، اللذين عقدا في رحاب جامعة آل البيت تحت الرعاية الملكية السامية خلال الفترة من 15 - 18/11/1999.

يسرني أن أعرب لكم عن صادق الشكر وعميق التقدير، على تعاونكم الكريم، واستجابتكم الطيبة لرغبة الجامعة، من خلال تفضلكم بالتعقيب على محور التحديات القانونية، الأمر الذي جاء ليؤكد اهتمامكم بجامعة آل البيت، وبدعم الحركة العلمية والثقافية، والذي أسهم مساهمة فاعلة في إثراء أعمال المؤتمر، وتحقيق الأهداف المرجوة من وراء عقده.

أكرر الشكر والتقدير، مؤكدًا الاعتزاز بتعاونكم، ومتطلعًا إلى استمرار التعاون بيننا لِما فيه المصلحة العامة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

التقرير المقدم من الأستاذ الدكتور عبدالغني محمود، مقرر لجنة التحديات القانونية، يمثل نقلة نوعية في الفكر القانوني الإسلامي؛ لِما اشتمل عليه من وضوح الرؤية، وعمق التحليل، والإحاطة الواعية بالتحديات التي تواجه التقنين الإسلامي المأمول، ووسائل تطبيقه في الواقع العملي.

وينبثق هذا التعقيب من منطلق الحرص على الوصول إلى أعلى درجات الكمال البشري - شكلًا وموضوعًا - بقدر الإمكان.

ولهذا، فإنه يبدأ بجانب شكلي ينصب على بعض أخطاء الطباعة التي قد تسيء إلى التقرير، وعلى منهج الصياغة لبعض جزئيات التقرير.

ثم يأتي دور تحديد المفاهيم، حتى لا تختلط التصورات، وخاصة أمام غير العاملين في المجال الشرعي/ القانوني، وحرصًا على الدقة عند ترجمة التقرير إلى غير العربية.

أما الوقفة الأخيرة فسوف تكون مع توصيات اللجنة، التي وردت في نهاية التقرير.

والله من وراء القصد

♦♦♦

الجانب الشكلي

أولًا: أخطاء الطباعة:

ص1 س13: وضوح الرؤيا، الصواب: الرؤية.

ص5 س12: إذ أنه، الصواب: إذ إنه، وهكذا في نفس الصفحة "السطر الأخير"، وفي ص26 س18، وفي ص28 س16 وغيرها.

ص11 س16: وتعزير الدول، الصواب: وتعزيز.

ص18 س5، 6: تقنينات للقوانين، الصواب: للأحكام.

ص20 س9: ليكون فقهيًا، الصواب: فقيهًا.

ص20 س14: أعضاء التدريس، الصواب: أعضاء هيئة التدريس.

ص20 س20: الكليات الشريعة، الصواب: كليات الشريعة.

ص27 س7: مجمع الفقه بالكويت، الصواب: لا يوجد مجمع، والذي أنجز الموسوعة الفقهية: إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف.

ص32 س12: وتهيئة المجمعات، الصواب: المجتمعات.

ص33 س8: جزية رؤسهم، الصواب: رؤوسهم.

ص34 س5: فأنا حجية، الصواب: حَجِيجُه "حديث".

ص37 س5: فإذا لم، الصواب: فإذْ لم "آية".

ص41 س18: قضايا المسلمين، الصواب: المسلمين.

ثانيًا: منهج الصياغة:

حرص التقرير على توضيح بعض الأفكار، وإزالة الشُّبَه التي أثيرت حول بعض الأحكام الشرعية، فأورد أمثلة ووقائع يجمل الاستغناء عنها؛ لأن محلها المناسب هو الشروح والحواشي، وخاصة ما يكون منها مجالًا لاختلاف الآراء أو التوثيق التاريخي.

من ذلك على سبيل المثال:

1- في ص3: الفقرة "ثانيًا" تتداخل مع الفقرة "أولًا"؛ لأن إطار القانون العام ينطوي على العلاقات الدولية في وقتيِ السلم والحرب.

2- في ص6 س1: تعبير "تنقل إلى الإنسان صورة كاملة للعالم داخل غرفة نومه" غير ملائم، ويحسن أن تستبدل به عبارة تليق بتقرير علمي، مثل: الصور الإباحية، أو الخليعة.

3- في ص6 س10: الكلام صحيح؛ غير أن لهجة الخطاب تحتاج إلى شيء من التخفيف.

4- في الصفحات من 12 إلى 16: توجد معلومات ووقائع تاريخية تنقصها الدقة والموضوعية؛ ولهذا فإن من المفيد إعادة صياغة هذه الصفحات على ضوء الوثائق التاريخية والكتابات المعتمدة.

5- في ص34 حتى ص40: نجد شرحًا مطولًا ليس محله التقرير المقدم، كما نجد أمثلة ووقائع لا تكفي لإقناع المعارضين، ولا تغطي ما يقدمونه من نقدٍ لاذع للعقوبات الشرعية؛ فالأفضل الاكتفاء بالرد العام، وترك التفاصيل للمناقشات العلمية المتخصصة.

تحديد المفاهيم

1- حدد التقرير (ص2) مفهوم كل من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي بوضوح، ولكنه لم يلتزم بهذا التحديد، مما قد يؤدي إلى اختلاط المفاهيم، وخاصة عند الترجمة إلى اللغات الأخرى. ظهر ذلك في ص3 س1: حيث وردت عبارة القانون الإسلامي مرادفة للشريعة الإسلامية، وفي ص6 س6: "القانون الإسلامي الذي شرعه الله سبحانه وتعالى ... إلخ"، وفي ص10 س5: الشريعة الإسلامية "القانون الإسلامي"، وفي ص11 س8: القانون الإسلامي "الشريعة الإسلامية"، وفي ص13 س17: فالشريعة الإسلامية ضاق مجال تطبيقها ...إلخ، وفي ص15 س16: محاولات العودة إلى الشريعة الإسلامية ... وهكذا.

والواقع أنه ينبغي التمييز بوضوح ودقة بين مفاهيم ثلاثة:

أ- الشريعة الإسلامية: وهي الأحكام التي شرعها الله لعباده في مجال العقيدة والأخلاق والمعاملات، ويختص منها بالمجال القانوني ما يقصد به إيجاد حُكم شرعي مبتدأ، يمكن تسميته بالحكم الشرعي (Loi Divine)، ولا يجوز تغييره مع الزمن.

ب- الفقه الإسلامي (Jurisprudence mulumane): بمعنى بيان حكم تقتضيه الشريعة الإسلامية، فهو مجموعة الأحكام العملية التي تنظم أفعال المكلفين وأقوالهم، والفقهاء (Jurisconsultes) لم يشرعوا أحكامًا مبتدأةً، بل اجتهدوا في الكشف عن الحكم الشرعي من دلالات النصوص، وتتبع العلل والحكم، والتعرف على مقاصد الشارع، وكثير من هذه الأحكام الفقهية قد بُنِي على غلبة الظن، ويمكن وصفه بالصواب أو بالخطأ؛ ولهذا ساغ الاختلاف تبعًا لأصول الاجتهاد ووسائله، وتعددت الفتوى بتعدد الاتجاهات لدى المدارس الفقهية، وفي داخل المذهب الواحد.

جـ- القانون الإسلامي، أو التشريع الإسلامي (Legislation Islamique): ويقصد به مجموعة القواعد الملزمة التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع الإسلامي، سواء كانت هذه القواعد والأحكام قد شُرعت ابتداءً عن طريق القرآن والسنَّة، أو شُرعت بيانًا واستنباطًا عن طريق الأدلة التي نصبها الشارع، وتتبع مقاصد الشرع، فإذا تمَّت صياغة هذه الأحكام في مدونات رسمية، ثبتت لها صفة الإلزام، حتى لو كانت تخالف المذهبَ الفقهي للقاضي أو المتقاضين.

2- أحسن التقرير حين عرض في الفقرة (ثامنًا - ص7، 8) مراقبة المسلم لربِّه في تنفيذ وتطبيق الأحكام الشرعية، مراعاة لمصدرها، بيد أنه تحدث عن التهرب من القوانين الوضعية التي تسنُّها السلطات العامة.

وأعتقد أن التقرير ينبغي أن ينأى بنفسه عن هذه المسألة؛ فالقوانين الوضعية - عند أصحاب الديموقراطيات السليمة - تنبع من حاجة المجتمع، وتضعها السلطة التشريعية المنتخبة التي تمثل الأغلبية الشعبية، وللقانون الوضعي - عندهم - احترامٌ واضح في الأعم الأغلب من الحالات.

3- أورد التقرير في صفحتي 24، 25 عرضًا موجزًا للمراحل التي مرَّ بها الفقه الإسلامي، وتبنَّى الرأي الشائع الذي يدعي إغلاق باب الاجتهاد في أواخر القرن الرابع الهجري، ليبدأ دور التقليد وجمود الحياة الفكرية.

وهذا الأمر غير مسلَّم، وإيراده في التقرير غير منتج لسببين:

الأول: أن هذا التقسيم متأثر بالمناهج الغربية في دراسة تاريخ الأدب، مع أن الاختلاف واضح بين الظاهرتين الأدبية والتشريعية؛ حيث يعتمد الأدب على ظهور النوابغ الموهوبين في فترات التحول التاريخية، على حين يستند التشريع إلى واقع اجتماعي لا يستغني عن استمرار التشريع.

والثاني: أن هذا التقسيم لا يناسب الفقه الإسلامي؛ فباب الاجتهاد لم يغلق أبدًا، بل تحددت الأصول واتضحت القواعد - كما حدث في علم النحو - فانصرفت الهِمم إلى تنقيح التراث، وتصحيح الروايات، وتخريج الأحكام، وظهرت علوم وفنون جديدة، مثل: الأشباه والنظائر، والفروق، وتخريج الفروع على الأصول الفقهية أو النحوية، وصياغة القواعد الفقهية على نحو كلي... إلى غير ذلك.

ولا يستطيع الباحث المنصف نفي صفة الاجتهاد عن الكاساني (587)، أو المرغيناني (593)، أو ابن الهمام (861)، أو ابن نجيم (970)، أو ابن عابدين (1252) من فقهاء الحنفية، ولا عن القَرافي (684)، أو ابن رشد (597)، أو الحطاب (954) من فقهاء المالكية، ولا عن الغزالي (505)، أو النووي (676)، أو الماوردي (450)، أو العز بن عبدالسلام (660)، أو السيوطي (911) من فقهاء الشافعية، ولا عن ابن تيمية (728)، أو ابن القيم (751)، أو ابن قدامة (620) من فقهاء الحنابلة، ولا عن ابن حزم (456)، أو الشوكاني (1250)... وغيرهم كثير.

التوصيات

أتت توصيات اللجنة (ص41 /42) مواكبة لِما بذل من جهد مشكور في إعداد التقرير؛ فكانت تعبيرًا صادقًا عما يَجيش بصدر كل عامل في حق الشريعة والقانون.

وحتى تكتمل الصورة المشرقة لتقرير لجنة التحديات القانونية، فإني أقترح أمرين:

• يتعلق أولهما بالتوصية الثالثة؛ وذلك بالنص على أن المجال الأمثل للدراسة المقارنة المتعمقة في الفقه والقانون يكون في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، مع الحرص على أن تتضمن الرسائل أوجه المقارنة في شتى فروع الشريعة والقانون.

• ويتعلق الأمر الآخر بإضافة توصية تحُثُّ على ضم الجهود المتفرقة التي تهدف إلى إعداد مدونات قانونية إسلامية في شتى فروع القانون، تحت مظلة لجنة التحديات القانونية، حتى يجد رجال الفقه والقانون والتشريع والقضاء أمامهم تصورًا واضحًا للبديل الذي ينشدون.

والله من وراء القصد