• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / أبناء / مراهقون
علامة باركود

صراع الأجيال وأثره على الأسرة والمجتمع المسلم

صراع الأجيال وأثره على الأسرة والمجتمع المسلم
عبداللطيف الحسين خروبة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2012 ميلادي - 17/7/1433 هجري

الزيارات: 343949

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صراع الأجيال وأثره على الأسرة والمجتمع المسلم

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


تقديم:

يَشهَد العالم الإسلامي اليومَ - أكثرَ من أيِّ وقتٍ مَضَى - ظواهرَ سيِّئةً عديدةً، أصبحتْ تشكِّل خطرًا على صفِّ المجتمع الإسلامي، وتهدِّد بنيانه بالتصدُّع والانهيار، ومن أبرز هذه الظواهر: "صراع الأجيال"، هذه الظاهرة التي لم تَبْرُز في عهدِ السلفِ الصالح لهذه الأمة.

 

فما المقصودُ بصراعِ الأجيالِ؟

وما هي أشكالُه، ومظاهرُه؟

وأين تتجلَّى مخاطرُه؟

وما هي الأسبابُ التي أدَّت إليه؟

وكيف يُمكِن تجاوز هذه الأزمةِ؟

 

هذا ما ستُحاوِِل هذه المقالةُ تسليطَ الضوءِ عليه.

 

1- مفهومُ صراعِ الأجيال:

أ- الصراعُ في اللغة: الطرحُ بالأرض، و المصارعةُ والصراع معالجتهما، أيُّهما يَصرَع صاحبَه[1].

 

ب- والجيل جمع أجيال، وهو الصنفُ من الناسِ، وقيل:الأمةُ والجنسُ، والقَبِيل[2]، وهو ثُلُث القرن الذي يتعايش فيه الناسُ[3].

 

أما عند المؤرِّخين، فمفهومُ الجيل يعبِّر عن: حالةٍ عمرية، ومسافةٍ زمنيةٍ تَفصِل بين جيل وآخر، وهذا هو المفهومُ البيولوجي للجيلِ، ويُمكِن الحديث عن الجيلِ من الزاويةِ الزمنيةِ الطويلة، التي تصل إلى ثلاثين عامًا، كجيلِ الآباء وجيلِ الأبناء.

 

والعنصر الأساسي الذي يميزُ جيلاً عن آخرَ هو الثقافةُ؛ أي: وجودُ نظرةٍ أخرى إلى العالم، والمجتمع، والحياة. وهذه هي التي تحدِّد هُوِيَّة كلِّ جيل، وتميزُه عن السابق، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في قوله: "اعلم أن اختلافَ الأجيالِ في أحوالِهم، إنما هو باختلاف نِحلَتِهم من المعاش"[4].

 

أما عند علماءِ التربية، والاجتماع، وعلم النفس؛ فصراعُ الأجيالِ هو: الاختلافُ في الرؤى بين الجيلين الشباب والكبار، واضطرابُ العَلاقة بين الآباء والأبناء، وتأزُّمها[5]؛ فالأبناء يتَّهِمون الآباء بأنهم لا يَفهَمون، وأنهم متأخِّرون عن إيقاع العصر، ويَصِفونَهم بالملتزمِّتين والمتشددين.

 

بينما يتَّهِم الآباءُ الأبناءَ بأنهم لا يَحتَرِمون القِيَم، ولا العادات، ولا التقاليد، وهم قليلو الخبرةِ، ولا يَحتَرِمون آراءَ وخبرة الكبار.

 

إن صراعَ الأجيالِ تفاعلُ عَلاقاتـي بينَ عناصرِ ومكوِّناتِ المجتمع، يُولِد عدمَ الحوارِ، وعدمَ الرضا بين الجِيلَين، ونفورَ كلِّ طرفٍ من الآخر، هذا النفورُ قد يَصِل إلى درجةِ الصدامِ والعداء بين الآباء والأبناء. الشيء الذي يهدِّد كِيَان الأسرةِ، وبنيانَ المجتمع، وهُوِيَّته بصفة عامة.

 

2- أشكال صراع الأجيال ومظاهره:

إن المتأمِّل في الواقع الميداني للمجتمعات العربية والإسلامية يُدرِك - بسهولةٍ - أن هناك خلافًا في العَلاقة القائمة بين جيلِ الكبار وجيلِ الشبابِ، وأن هناك شرخًا فاصلاً بين الجيلين.

 

وقد اتَّخذ صراعُ الأجيالِ أبعادًا وأشكالاً متعدِّدة: فكريةً، ولغويةً، وثقافيةً، وسلوكيةً، وسياسيةً، ودينيةً، وتربويةً، واجتماعيةً، وفنيةً.

 

فالصراعُ الفكريُّ يتمثَّل في الأفكارِ الجديدةِ التي يحملُها جيلُ الشباب:كالدعوةِ إلى الحَدَاثة، وتجاوزِ الموروث، والانسلاخِ من الثقافةِ العربيةِ والإسلامية بصورةٍ كاملةٍ[6].

 

الصراعُ اللُّغَوي:

ويتجلَّى في الهجوم على اللغة العربية، واتِّهامها بالجمودِ، وعدمِ القدرةِ على مسايرة المستجدَّات العلمية والحضارية الجديدة، واتِّهامها بالصعوبةِ والتعقيدِ، والدعوةِ إلى اختيارِ لغاتٍ أوروبية للحديث، والتكلُّم والكتابة.

 

الصراع السلوكي:

يَظهَر الجيلُ الجديد بملابسَ لا تَمُتُّ إلى ما اعتادَ المجتمعُ أن يَلْبَسه: من سراويلَ متدلِّية، أو واسعةٍ جدًّا، وأَقْمِصَة فَضفَاضة ذاتِ ألوانٍ صارخةٍ، وقبعاتٍ تغطِّي الرأس بكامله، وإطالةِ الشعرِ وتسريحه بطرق غريبة - أو بظفرِه كما تفعل النساء - ووضعِ سلاسلَ غليظةٍ حول اليدِ أو العنقِ.

 

كما يتجلَّى في المَشْيِ، والحركة، وطريقة الكلام، ويبدو التقليدُ في ذلك للفنانينَ واللاعبينَ الغربيينَ واضحًا جدًّا، وهذا ما يسمَّى عند البعض بمظهر الخُنْفُس[7].

 

يَظهَرون بهذه المظاهرِ - رغم اعتراض الآباء والأهل والجيران عليها - ويَجِدون لذَّةً وهم يَلقَون المعارضةَ، وحين يَسأَلون عن ذلك يُجِيبون بأنهم أحرارٌ في نفوسِهم وتصرفاتِهم.

 

وكثيرًا ما يَثُورُون في وجهِ كلِّ مَن ينتقِدهم أو يوجِّههم، ولسانُ حالِهم يقول: اذهَبوا أَصلِحوا أحوالَ المجتمعِ الفاسدِ، الذي تفشَّت فيه الرِّشْوَة والجَرِيمة. وهذه المظاهر يَشتَرِك فيها الفِتْيَان والفَتَيات على السواء.

 

ومن المظاهر السلوكية الأخرى:

الكذبُ، والمراوغة والصُّرَاخ، وشدَّة الهَرْش، والإقبال على العنفِ داخل الأسرة وخارجها: في الشارعِ والمدرسةِ، ومع الرِّفاق والمعلِّمين، والتعرُّض للفتيات أمامَ المؤسَّسات التعليمية وغيرها، والتدخين، وشرب الخمر والمخدِّرات بحجَّة نسيانِ الواقع الذي يَرفُضُونه، ويَقتُلون مَن شاءوا وكيفما شاءوا، ويَرتَكِبون الفواحشَ المختلفة دون حياءٍ تحت غطاءِ الحرية، وغالبًا ما يَضِيعُون ويتحوَّلون إلى مجرمين.

 

كما يتجلَّى الصراع في: رفضِ أوامرِ الآباء، ونصائحِ المعلِّمين والمدرسين - إذا كانوا طلابًا - والتمرُّد على قوانينِ العمل - إذا كانوا عمالاً .

 

وأحيانًا يتَّخذُ شكلَ الانطواءِ على الذاتِ، والعزلة الدائمة، أو السهر خارجَ البيتِ أو داخله إلى وقت الفجر، والاستماعِ إلى الموسيقا الصاخبة، والرقص الماجن.

 

وأحيانًا يَظهَر الشبابُ المتمرِّد عاريَ الجسم، حَافِيَ القدمين، متجرِّدًا من أيَّة مسؤولية أو رقابة، بل من أخطرِ مظاهر الصراع: الهروبُ من البيت، ومغادرتُه، والتسكُّعُ في الشوارعِ والطرقات، وهذه ظاهرةٌ تَعُمُّ الأطفالَ والشبابَ من الجنسين على حدٍّ سواء[8].

 

الصراع السياسي:

يتجلَّى في انتقادِ الشبابِ سياسةَ الكبار، وكفاحِهم من أجل تولِّي مقاليد الأمور، وتسيير البلاد، من أجل إعطاءِ صورةٍ جديدةٍ للمجتمع تُوافِق طموحاته وأحلامَه.

 

وقد يتَّخذ طابعًا ثوريًّا أو انقلابيًّا، كما هو الحال في الكثير من البلدان العربية اليوم، أو خروجه في شكلِ مظاهراتٍ، أو انسحابٍ من السياسة، ومقاطعة الانتخابات، وتضاؤل الحسِّ الوطني مع مرور الزمن. فتمَسُّك جيلِ الكبار بمقاليدِ الحكم والسياسة وكراسِيِّ القيادة والمسؤولية، وإغلاقهم الأبواب أمام الشباب - بذريعة أنهم غير قادرين على تحمل المسؤوليات - يؤزِّم الوضع، ويَزِيده خطورةً، ويُضَاعِف من حدَّة نقمة الشباب عليهم.

 

الصراع الديني:

وهذا أخطرُ أشكالِ الصراعِ بين الأجيال؛ لأن فيه يَتِمُّ التهجُّم على الدين بما فيه من: عقائد، وقواعد، وأحكام، وما يَحمِله من قِيَم إنسانية رفيعة، والتشكيك في النبوةِ، والطعنِ في الحديث النبوي الشريف، والكذبِ على الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - واتِّهامِ الصحابة - رضي الله عنهم - بالاتهاماتِ الباطلةِ.

 

كما يتَّخذ طابعَ التهجُّمِ على أهلِ الدينِ المتَّقين، ويتَّهِمونهم بالرجعية والتخلُّف، وأنهم يستحِقُّون الطردَ من الأرضِ، أو القتلَ، أو السجنَ.

 

وصارت المجاهرةُ بالخروجِ عن الإسلام، واعتناقِ الدياناتِ والمذاهب الأخرى- تقدمًا وحداثةً، خاصة وأن أصحابَ هذه المذاهبِ والأديانِ يَظهَرون بمظهرِ الاهتمامِ بالشبابِ، وحلِّ كلِّ مشاكلِه المادية والمعنوية، وإخراجه من جميع الأزمات التي يُعانِيها.

 

الصراع الأُسْرِي:

لقد كانت الأُسْرَة المسلمة إلى زمنٍ قريبٍ متماسكةَ الأركانِ، يعيش الجَدُّ والأبناء والأحفاد تحتَ سقفٍ واحدٍ، تَسُودُها: المودَّة، والمحبةُ، والرحمةُ، والتعاونُ، ولكن الأمرَ أَخَذ اليوم في تغيُّر مستمرٍّ؛ حيث بدأت تَشهَد تفككًا واضحًا، بعد أن ثار الأبناءُ في وجهِ آبائهم، وخالفوهم في كلِّ شيءٍ، وخرجوا عن طاعتِهم، بل صاروا يُعرِّضونهم للضربِ والقتل، فضلاً عن السبِّ والشَّتم الذي يَجِدونه في كلِّ حينٍٍ؛ فأصبحنا نَرَاهم يَقطَعون الصِّلَة بهم، ولا يَقضُون حوائجَهم، فيضطر الأبُ أو الأمُّ العجوز إلى الخروج للتسوُّق وغيره، والأبناء غير مُبَالِين، ومتبرِّمين بهما؛ لأنهما فَقِيرين، وكثيرًا ما تَسوَدُّ وجوهُهم عندما يَزورُهم الآباء في بيوتِهم.

 

3- أسباب صراع الأجيال:

لقد تعدَّدت الأسبابُ التي أدَّت إلى الصراع بين الأجيال:

فمنها: ما هو ذاتي، يتصل بمستوى الوعي، والمستوى التعليمي، والثقافي، والتربوي لكلِّ جيل.

 

ومنها: ما هو خارجيٌّ موضوعيٌّ؛ كسرعةِ التغيراتِ الحاصلة في الحياة بصفةٍ عامَّةٍ، وما يؤدِّي إليه هذا التغيُّر من تنوُّعٍ في أشكالِ النشاط السياسي، والاجتماعي، والثقافي، والفكري.

 

وسواء أكان سببُ الصراع ذاتيًّا، أو موضوعيُّا؛ فإن أبرزَ أسبابِه، هي:

• فقدانُ القدوةِ الصالحة:

إن افتقادَ جيلِ الأبناءِ القدوةَ الصالحةَ في: الأسرة أو في المجتمع، في البيتِ، والشارعِ، والمدرسةِ، حيث يُدرِك الجيلُ الجديد أن الفرق شاسِعٌ بين أقوال الكبار وأفعالِهم، فكان لهذا الأمرِ الأثرُ السيِّئ في نفوسهم وقلوبِهم وعقولِهم، وبالتالي على سلوكهم؛ فالأبناء يتعوَّدون على الطباعِ الإيجابية أو السيِّئة، انطلاقًا مما يُشَاهِدونه في آبائهم، فإذا كان الوالدانِ يُحسِنان المعاملةَ مع الجَدِّ والجَدَّة، والأعمام والأخوال؛ فهذا يَنعَكِس على سلوكاتهم، فيُعَامِلون والديهم وأقاربَهم معاملةً جيدةً، والعكس صحيح؛ فالأبً عندما يَلطِم زوجتَه، ويَكِيلها الشتائم، فإنه يُعَلِّم أبناءه سلوكَ الشرِّ، والأمُّ تعلِّم ابنتَها الشرَّ، حين تكون لها الغلبةُ في البيت، فتَسُبُّ زوجَها، أو تصرخ في وجهِه.

 

وانعدامُ القدوةِ هذا راجعٌ إلى: الأميةِ والجهلِ بطرقِ ووسائلِ التربيةِ السليمةِ التي جاء بها الإسلامُ، وإلى ضعفِ الوازعِ الديني في النفوسِ، وسوءِ فهمِه، وتطبيقه تطبيقًا يوافِق الأهواءَ والنوازعَ، وإيثار المصالح الشخصية على المصالح العامة، كما أن: قلَّة العلماء والفاعلين، والدعاة الأَكفَاء، والمُصلِحين الصادقين - من العواملِ في حصول هذا الصراع.

 

وطبعًا عندما يُفتقَد تطبيقُ الإسلامِ كدينٍ، وشريعةٍ وسلوكٍ؛ فإن الشبابَ يتَّجِهون إلى الغربِ ليَجعَلوا من نجومِه: في الغناء، والموسيقا، والرياضة، والسينما، والمسرح - قدواتٍ لهم، وبئس هذه القدوات[9].

 

وكثيرا ما انحرف شباب، وثار آخرون على آبائهم، بل بلغ الصراع أحيانا إلى أقصى درجاته حين يطعن الإبن أمه أو أباه أثناء الصلاة ويرديهما قتيلين لأنهما لم يعطياه النقود الكافية ليشتري السائر أو غيرها.

 

• عدمُ وضوح المستقبل:

فقد رَبَط البعضً بين صراعِ الأجيالِ، وبين المستقبل المِهْنِي؛ فعدمُ وضوحِ المستقبل المِهْنِي للأبناء - رغم ما بَذَلوه من مجهود في الاستعداد والتحصيل - أدَّى إلى انسدادِ أُفُق التكيُّف الإيجابي داخل المجتمع[10]، ويَعظُم هذا عندما يكون الوالدانِ فَقِيرين، ودخلُهما محدودًا جدًّا.

 

ومن أسباب هذا الصراع أيضًا:

افتقارُ الشبابِ إلى الأمانِ والسعادةِ الأُسْرِية، ذلك أن الأُسَر تخلَّت عن دورِها التربوي، واهتمَّت بالماديات وجلبِ القوت، وتوفيرِ متطلَّبات الدراسة والحياة، فاضطرت الأمَّهاتُ إلى العملِ خارجَ البيت، وأَهْمَلن النَّشْءَ، وتُرِك للمُربِّيات، وأصبح البيتُ عوض المكان الذي تَحصُل فيه السكينة، ومراعاة شؤون الناشئة، - صار كالفندق أو النُّزُل، يُهَرِول إليه الزوجانِ، وهما يُغَالِبان النعاس، وضاع الأبناءُ في ظلِّ هذا الوضع، وعلى حدِّ تعبيرِ الأديب الإيرلندي "برنارد شو": "إذا كان آدمُ يَحرِث، وحواء تَحرِث؛ فمَن يربِّي الأبناء"[11].

 

وقد أخطأ الكثيرُ من الآباءِ، حين اعتقدوا أن توفيرَ المتطلَّبات الماديَّة للأبناء من أجلِ أن يتفوَّقوا في تحصيلِهم العلمي، وتركَهم مَيْسورين بعد الموت - هي الدنيا وما فيها، وأنهم سيكونون مُرتَاحِين حين ذاك؛ لأنهم قد أدَّوا ما عليهم من واجباتٍ نحو أبنائهم، إلا أن هؤلاءِ قد فَاتَهم أمرٌ مهمٌّ في التربية، وهو تعويدُهم على الأخلاقِ الفاضلةِ، والالتزامِ بالدين الإسلامي وشريعتِه في الحياة، فكانت المحصِّلة أن عقَّ هؤلاءِ الأبناءُ آباءهم. فما أفسَدَ الأبناءَ مثلُ تفريط الآباء.

 

ومن الأمورِ التي لا يتفطَّن إليها الكثيرُ من الناس - ولها أثرٌ بالغٌ في العقوق، وفساد الأخلاق - الدعاءً على الأبناءِ بالسوءِ، أثناء التضجر من تصرُّفاتهم، أو عندما لا يَستَمِعون إلى النصائح؛ فقد يُصادِف المرء وقت الاستجابةِ للدعاء، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم-  عن ذلك، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تَدْعُوا على أنفسِكم، ولا تَدْعُوا على أولادِكم، ولا تَدْعُوا على خدمِكم، ولا تَدْعُوا على أموالِكم؛ لا تُوَافِقوا من اللهِ ساعةً، فيَنْزِل فيها إعطاء؛ فيُستَجَاب لكم))[12].

 

جاء رجلٌ إلى عبدالله بن المبارك يَشْكُو إليه من عقوقِ ولَدٍ له، فقال له: هل دعوتَ عليه؟ فقال: بلى، فقال عبدالله بن المبارك: "أنت أفسدتَه"؛ أي: بسبب دعائك السيِّئ عليه، صار ابنك لك عاقًّا[13].

 

ومما يَزِيد الأمرَ خطورةً، هو التمييزُ الذي يَخُصُّ به الآباءُ بعضَ الأبناء على بعضٍ: كتفضيلِ الكبير على الصغير، وتفضيلِ الذكر على الأنثى، وهذا من شأنه أن يَزرَع الحقدَ في النفوسِ؛ ذلك أن الذين لا يَحْظَون بالحفاوة والتفضيل - سواء من الذكور أو الإناث - يَصُبُّون جامَ غضبِهم على الذين فرَّقوا بينهم، وهم الآباء.

 

ومن أسبابِ الصراع أيضًا:

إكثارُ الكبارِ: من اللوم، والعتاب، والتوبيخ للصغار أثناءَ حصولِ خطأ، أو فشلٍ دراسي، وهذا يُوغِر القلوبَ كراهيةً، ويَقتُل المشاعرَ الإيجابيةَ بين الطرفين - الكبار والصغار - كما أن كثرةَ الشتمِ تجعلُهم شَدِيدي اللسان سَلِيطين، سيِّئي الأخلاقِ مع الوالدين ومع غيرهم، وأحيانًا يَحصُل الصراعُ نتيجةَ الغَيْرَة؛ فالأمُّ مثلاً تَغَارُ من ابنتِها، التي تزوَّجت من رجل ٍغَنِي، أو تتنعَّم في الرفاهية، وهي تُكَابِد ضنكَ العيش، أو تَغَار من زوجةِ ابنها حين تَرى ابنَها يُصغِي لزوجته، أو اشترى لها شيئًا؛ فتظنُّ الأمُّ أن الزوجةَ قد سَلَبتها ابنَها الذي طالما تَعِبت من أجلِه، فيحتدُّ الصراع.

 

كما أن الخصومةَ بين الزوجين كثيرًا ما تنعكسُ سلبًا على سلوكِ الأبناءِ؛ فيَكرَهُون البيتَ، وبالتالي يَنفِرُون من الوالدين، أو من أحدهما.

 

وسوءُ التدخُّل الأبوي يَكُون سببًا في ما يَحصُل من صراعٍ بين الجيلين، ومن ذلك مثلاً تدخُّلهم حين يُرِيد الأبناءُ الزواجَ، فيَضَعُون أمامهم العقباتِ: إما بغلاءِ المهورِ، أو بالشروطِ التعجيزية أمامَ بناءِ الأسرة، أو برفضِ الزوج لفقره، أو يَشتَرِطون تزويجَ البنت الصغرى قبل الكبرى، فيَفوتُها قطارُ الزواجِ، وحين تُرِيد أن تعبِّر عن رأيها تُواجَه بالشتائم، وتُتَّهم بسوءِ الخلق، وقد يَدفَعها ضعفُ الإيمانِ إلى الزواج السري، أو عبر الإنترنت، رغم ما في هذا الزواجِ من خسارةٍ كبيرة[14].

 

• تَدهورُ الدورِ التربوي للمدرسةِ بسببِ ضعفِ برامجِها ومناهجِها، فقد أَبعَدتِ المدارسُ في العالم الإسلامي القرآنَ الكريم، والسنةَ النبوية المطهَّرة، وتاريخَ الإسلام عن المناهج، ولم تَعُدْ تَهْتَمُّ بأخلاقِ الإسلام التي تَحُثُّ على الاحترام.

 

ومعظمُ المدارسِ تَرتَبِط بالغرب في كلِّ مناهجِها أكثر من ارتباطها بالإسلام، وحتى إن أَدخَلَت بعضَ المفاهيم والجوانب من الثقافة الإسلامية، فهي تَحمِل مغالطاتٍ كثيرةَ؛ فكان نتيجةُ ذلك، أن تخرَّجت منها أجيالٌ مضطربةٌ دينيًّا وعقديًّا وفكريًّا، تَجهل اللغةَ العربيةَ، والدين الإسلامي، والتراث العربي الإسلامي، وما تَعرِفُه عن ذلك هو التاريخُ المشوَّه للإسلام والمسلمين، وفي نفسِ الوقت تمجِّد هذه الأجيالُ تاريخَ الغربِ والنصرانية.

 

لقد أدَّى هذا النظامُ التربوي التعليمي إلى تخريجِ جيلٍ ممسوخٍ، لا قيمةَ له ولا هُوِيَّة، يقدِّس الغربَ بأفكارِه ومبادئه وعقائدِه، ويُهمِل الحسَّ الفكري الإسلامي جملةً وتفصيلاً، وجيلٌ كهذا سيَتَحامَل على آبائه لا محالةَ[15].

 

الانفتاح على الحضارة الغربية:

إن الانفتاحَ الواسعَ على هذه الحضارةِ التي تَعرِف تطورًا سريعًا في كلِّ شيء، وفي المقابل يَظهَر المجتمع الإسلامي وهو يَغِطُّ في التخلُّف والركود، ولا يَقدِر على استيعابِ الجديد الذي أتى به العصر، أو المساهمةِ فيه - أدَّى إلى حصولِ شَرْخٍ خطيرٍ في بِنْيَة المجتمع، يتجلَّى في تمسُّك الآباء بما وَرِثوه، وتمسُّك الأبناء بما هم يَعِيشون فيه، فنَشَأ الصراع بين الجيلين[16].

 

والذين دَرَسوا في الغربِ كانوا أكثرَ تأثرًا به، فصاروا مِعْوَلاً هدَّامًا للعَلاقة الجيِّدة بالآباء، ويَعمَلُون جاهِدين على نشرِ ما رَضَعوه في الغرب من أفكارٍ وقيمٍ داخلَ بلدانِهم الأصلية، ويدَّعون أن ذلك أفضلُ، ويَستَحِقُّ أن يُقتَدَى به، و يَدْعُون إلى التخلِّي عن الدين الإسلامي، وعمَّا هو موروثٌ من: فكرٍ، وثقافةٍ، وفنونٍ، وهذا فتح باب الصراعِ واسعًا أمام الجيلين.

 

الضغوط الغربية:

إن الدولَ الغربيةَ تَعمَل جاهدةً من خلال المنظمات العالمية: على الضغطِ على الدول العربيةِ والإسلامية؛ من أجلِ تطبيق بنودِ الاتفاقيات الدولية المتعلِّقة بحقوقِ الإنسان عامَّة، وحقوقِ الطفل والمرأة خاصَّة، وما تَنطَوِي عليه هذه الاتفاقيات من هجومٍ شَرِسٍ على الدين الحنيف، وتشريعاته الحكيمة، وأخلاقه الفاضلة، وحرب مكشوفة على الأسرة المسلمة، وما تتميَّز به من تماسُكٍ قويٍّ بين أفرادها، وتركز كثيرًا على الطفولة؛ لأن الأطفالَ هم رجالً الغدِ لهذه الأمة، وهم مشروعها العظيم، إذا أَفسَدُوهم فَسَدت الأمة غدًا، وسهل انقيادُها[17].

 

• وأحيانًا كثيرة يكون الأبناءُ أنفسهم سببًا في الصراعِ الحاصل بينهم وبين آبائهم؛ وذلك حين لا يَعمَلون على التكيُّف مع الواقع الذي يَعِيشونه، ويتخلَّون عن الدَّور المَنُوط بهم في بناءِ الأمة، ويفضِّلون العزلةَ والتهاونَ، فيَكْرَه الآباءُ ذلك منهم.

 

إهمال الدين:

إن ضعفَ الوازعِ الديني في النفوس يُعَدُّ أخطرَ الأسبابِ المؤدِّية إلى صراعِ الأجيال؛ فقد أصبح في الكثيرِ من الدولِ الإسلامية محصورًا في الشعائر الدينية من صلاة وغيرِها، في حين أصبح في مجالِ المعاملات ضعيفَ الأثرِ، فغدا الفرقُ شاسعًا بين الدين كمعاملة في واقع المسلمين، وبينه كعبادةٍ في البيت أو المسجد، أصبح الدينُ في وادٍ والناس في وادٍ آخر.

 

والمسلمون يُصارِعون بعضهم البعض، بعد أن كانوا يُحارِبون الأعداءَ، ووضعوا مكان الشريعة الإسلامية نُظُمًا غربيةً بدعوى التقدُّم، وطبعًا هذا جعلهم يتخبَّطون في دوَّامة من الأزمات والمشاكل، صَنَعوها بأنفسِهم، وصعب عليهم حلُّها والتخلُّص منها، والجيل الذي تربَّى في مثلِ هذه الظروف، لا يُنتَظَر منه سوى التمرُّد والعصيان، والثورة على ما هو موجود[18].

 

فقدان البيئة الداعمة:

وعلى العمومِ يَبقَى مشكلُ صراعِ الأجيالِ في عالمنا العربي والإسلامي رهينًا بافتقادِ البيئة الداعمة للجيل الجديد في كلِّ شيءٍ، فلم تُعْطَ لهم حاجاتُهم الإنسانية الفطرية، ولم يَفهَم الشباب ذواتِهم، فرَكَنوا إلى الكسلِ والخمولِ، ونَقِموا على الوضعِ القائم، فلا يَملِكون إلا أن يُلْقُوا باللائمةِ على آبائهم وعلى الآخرين دائمًا؛ لتبريرِ فشلِهم وضياعِهم، فقد أصبحنا اليوم نَسمَع من الكثيرِ من الشباب يَقُولون لآبائهم: لماذا وَلَدتمونا؟ أنتم السببُ في فقرِنا.

 

وأَقدَم العديدُ من الشبابِ على الانتحارِ ليتخلَّصوا مما يُعانُونَه من متاعبَ ومشاكل[19].

 

الوسائل الإعلامية المعاصرة:

إن انتشارَ وسائلِ الإعلامِ والاتصالِ الجماهيري من: إذاعةٍ، وتلفزيون، وأنترنت، وصحافةٍ، وهاتف، ووسائل الدعاية المتطوِّرة، وتهجُّمها على الصغار والكبار في عقرِ دارِهم من غير إذنٍ منهم - أدَّى إلى الانفتاح عليها وعلى الدول التي تُوَجِّهها، وقد أثَّرت فيهم تأثيرًا بليغًا، وخصوصًا على جيلِ الأبناءِ؛ فكثيرًا ما انحرف الأبناءُ، وثَارُوا على آبائهم، ولربما ضَرَبوهم أو قتلوهم بسبب: فيلم، أو مسرحية، أو برنامج إذاعي، أو تلفزيوني، وكم من فتاةٍ أو فتًى غادر المنزلَ بسببِ ممثِّل أو ممثِّلة[20].

 

لقد أَفسَد التلفزيون العَلاقات الأُسْرِية؛ فنَشَأت النِّزاعات بين الآباءِ والأمهاتِ، فثارت النساءُ على الأزواجِ، وأَغرَى التلفزيون الرجالَ بارتكابِ المعاصي والفواحشِ؛ بسببِ ما يَرَونه من مشاهدَ فاضحةٍ للمرأةِ، ووسط هذا النزاعِ ضاعَ الأبناءُ وانحرفوا.

 

كما أن الكثيرَ من الآباءِ لا يَكتَرِثون بمشاهدةِ أبنائهم التلفزيونَ أو الأنترنت، واعتَبَروا ذلك عملاً شاغلاً لهم، ليرتاحوا من صراخِهم ومطالبِهم ولَغَطِهم، وهنا تكون الكارثةُ؛ فالأبناءُ لا يُحسِنون اختيارَ البرامجِ والمواقعِ، وغالبًا ما يفضِّلون مشاهدَ الصراعِ، فيتكوَّن لديهم سلوكٌ يعادِي الآباء[21].

 

• كما لا تَخلُو الكتب، والمجلات، والصحف - وخاصة التي توجِّه إلى الأطفالِ والشبابِ - من الأثر السلبي، فقد طَغَت على الساحةِ العربيةِ الآدابُ الرخيصةُ، والموضوعاتُ الساقطةُ، وهي حُبْلَى بأفكارِ التمرذُد على الآباء، وإِذْكَاءِ الصراع بينهم وبين الأبناء؛ فالشعر، والقصة، والمسرح، وغيرها من المنشورات تَبدُو حافلةً بأخلاق الغرب الفاسدة، مُعجَبة ببطولتِه التي لا تُعِير أدنى اهتمامٍ للحفاظ على شملِ الأسرة مجموعًا[22].

 

4-مخاطر صراع الأجيال:

إن للصراعِ بين الأجيال انعكاساتٍ سلبيةً خطيرةً على الفردِ، والأسرة، والمجتمع؛ فمعظمُ هؤلاءِ الشباب الذين خَرَجوا عن طاعةِ آبائهم فَاشِلون في دراستِهم، غيرُ موفَّقِين في حياتهم - رغم أنهم يدَّعون العلم والمعرفة - والكثيرُ منهم مُنحَرِفون أخلاقيًّا ودينيًّا، يُجَاهِرون بالانتماءِ إلى الشيوعية أو غيرها من المذاهب الفاسدة والضَّالَّة كالوجودية، ويُعلِنون عداءهم للدين الحنيف ومبادئه السمحة، وقِيَمه الإنسانية الرفيعة، بل يُعَادُون المجتمعَ بكلِّ هيئاته ومؤسساته، كما أن سوءَ التكيُّف الاجتماعي، والعجز عن مسايرة قوانينِ المجتمعِ - يَجعَل الفردَ يَشعُر بالنقصِ أمام غيرِه، سواء من الأقاربِ أو من الأباعد، أو يَشعُر بالعظمة الزائدة؛ فيكون عاجزًا عن الأخذِ والعطاء بطريقة جيِّدة مع مَن يتعامل معهم، وعلى مستوى الأسرة: فإن الصراع يؤدِّي إلى تصدُّعها، وانهيارِ بنيانِها، ويَجعَل مظاهر الحسدِ والكراهيةِ هي الطاغيةَ بين أفرادها، وانقطاع حبلِ التواصل بينهم، وهذا يَنعَكِس على المجتمعِ؛ حيث تَفسُد العَلاقة بين فئاته وطبقاته، وتَنعَدِم الثقة بينها، وهذا يؤدِّي إلى انهيارِه، وضعفِ مقاومتِه للتحدِّيات والتدخُّلات القَادِمة من الخارج، وفشله في تحقيق السعادة الاجتماعية.

 

خاتمةٌ وحلولٌ:

إذا كانت العَلاقةُ بين الآباء والأبناء تزدادُ سوءًا يومًا بعد يومٍ، وخطورتُها في تفاقُمٍ مستمرٍّ- كما سبق الذكر- وما دام الأبناءُ هم الرجال الذين يَحمِلون مشعلَ عمارةِ الأرض في المستقبل، وهم أملُ هذه الأمة؛ فإن الأمرَ يَقتَضِي التعجيلَ بوضعِ الحلول المناسبة، حتى لا يَنقَلِب الأمرُ إلى ما لا تُحمَد عقباه، ومن الحلول التي يمكن اقتراحُها في هذا المقامِ:

• التخلُّص من المفاهيم التربوية الغربية، وصياغةُ الناشئة وفقَ التربية الإسلامية، ورفضُ فكرةِ التناقض بين العلم والدين، وبيانُ زيفِ النظريات الإلحادية التي تتستَّر بستارِ العلم، وتعميمُ الدراسات الإسلامية في كلِّ المدارس والجامعات، والاهتمامُ باللغة العربية، وإعطاؤها الصورةَ التي تناسِب مكانتها الرفيعة باعتبارِها لغةَ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وفوق كلِّ هذا وذاك، العنايةُ بالقرآن الكريم والسنة النبوية حفظًا، وفهمًا، ودراسةً، وتحليلاً، وتطبيقًا؛ ففيهما ما يَكفِي الأمة الإسلامية شرَّ هذه المشاكل التي تُعانِيها.

 

قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾[23].

 

وقال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((ثلاثٌ أحبُّهن لنفسي ولإخواني: هذه السنةَ أن يتعلَّموها وسألوا عنها، والقرآنَ أن يتفهَّموه ويسألوا عنه، وأن يَدَعوا الناسَ إلا من خَيْر))[24].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيِّه))[25].

 

وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((قد تركتُم على البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يَزِيغ عنها بعدي إلا هالكٌ))[26].

 

• تركيزُ العقيدةِ الإيمانية الصحيحة في النفوسِ - وهذه مهمَّة العلماء والدعاة - فما من فضيلةٍ إلا وهي أساسُها؛ ففي ظلِّها يَعِيش النشءُ قريرَ العينِ، هادئَ النفسِ، مستريحَ البالِ، بعيدًا عن الحيرة والقلق، فضلاً عن كونِها تحرِّر الإنسانَ من الذلِّ للناس، ومن اتِّباع الأهواءِ الوضيعة، والشهوات القاتلة.

 

وتعليمُ الأبناءِ القيامَ بالعباداتِ من: صلاةٍ وصيامٍ وقيامٍ، لما للعبادات من أثرٍ واضحٍ في تقويمِ السلوكات والأفعالِ؛ فالصلاةُ تَنهَى عن الفحشاء والمنكر، قال الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾[27] ، والصيام يمنع من الوقوع في الآثام؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن استطاع الباءةَ فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومَن لم يستطع، فعليه بالصومِ؛ فإنه له وِجَاء))[28]، والزكاةُ تَحُثُّ على التضحية بالمال، وتحفظُ من البخلِ والشُّحِّ.

 

سلفُنا الصالح كانوا أوَّل ما يَقُومون به تُجَاه الأبناءِ، هو ترسيخُ العقيدة الصحيحة في النفوس، وتدريبُهم على التحلِّي بالأخلاق الفاضلة، والتنافس على الخيرات.

 

• ضرورةُ الاستفادةِ من تجارِب السلف الصالح في تنشئةِ الأبناء؛ فقد كانوا يُعطُونَهم الفرصةَ لفهمِ الذات، وحلِّ المشكلات، والتخطيط للحياة، وإدارة الوقتِ بالطريقة التي كانت تناسبهم، وفي نفس الوقت وفَّروا لهم أجواءَ التسامحِ، والبعد عن السخرية والاستهزاء، وكانوا يُراقِبون ويوجِّهون، ويتدخَّلون متى دَعَت الضرورة إلى ذلك، وهذا أَنْجَى الشبابَ من الصراع مع الآباء، والتمرُّد على المجتمع، فكان شبابًا سويًّا صالحًا لنفسه ولغيره، زيادة على ذلك أنهم جعلوا الحياة تتميَّز بعنصر الجدَّة، هذا العنصر الرائع الذي توفَّر في المجتمع الإسلامي الأول - كان عاملاً في تفوُّق الشباب، فكانت كلُّ حركةٍ شبابية جديدة في تلوينها وتحركها دعمًا لكل حركة سابقة، وأنشطَ وأبلغَ من الأجيال التي سبقتها؛ لأن المَوْلد الجديد يُعطِيها حيويَّة غير عادية.

 

كما ينبغي التأسِّي بالمربِّين الأوائل من المسلمين في طريقةِ بناءِ نفوس وعقول الناشئة، فقد كانوا يُقِيمون هذا البناءَ خطوةً خطوةً، درجةً درجةً، فلم يُثْقِلوا على أبنائهم، ولم ينفِّروهم من شيءٍ، سواء كان البناءُ نفسيًّا داخليًّا، أو بناءً اجتماعيًّا خارجيًّا، ويَبذُلون الجهودَ في كلِّ خطوةٍ، ويتحمَّلون المشقَّة حرصًا على سلامة البناء، وصيانته من كلِّ خدشٍ أو تشويه.

 

وكانت الأجيالُ اللاحقةُ تُحَافِظ على سلامةِ البناء، ولم تَتَهاوَن فيه، فكان ذلك عاملاً مهمًّا في حمايةِ الأمة من صراعِ الأجيالِ.

 

وبعد أن يأخذَ المسلمون ما هو موجودٌ في دينِهم وتراثهم، وما عَمِل به سلفُهم الصالح، فصاروا أسيادَ العالمِ، إذا وجد شيءٌ جيِّد جميلٌ في حضارةِ الغرب لا بأسَ من الاستفادةِ منه، والأخذِ به؛ لأن الحكمةَ ضالَّةَ المؤمنين، حيثما وجدوها فهم أحقُّ بها من غيرِهم.

 

كما يَجِب على الأسرة أن تَستَعِيد مكانتها في تنشئة الأبناء تنشئةً سليمةً، وهذه خطوةٌ ضروريةٌ لإعادةِ التوازن إلى العَلاقة بين الجيلين الآباء والأبناء.

 

والإسلامُ بمبادئه السمحةِ، وتشريعاتِه الخالدةِ قد رَسَم الطريقَ واضحًا أمام أولياءِ الأمور كي يربُّوا أبناءهم تربيةً صحيحةً، فيَكُونُون بذلك صالحين لأنفسِهم ولأمتهم، يُتَابِعون ما بدأه الآباء من تقدُّم وحضارة. كما يَنبَغِي للمجتمعِ بكل مؤسساته، وهيئاته، ومنظماته، وجمعياته: أن يتحمَّل المسؤولية من أجل وضع حدٍّ للظاهرة؛ لأن المشكلةَ عويصةٌ، وتوشِك أن تتحوَّل إلى أزمة، ولذلك فطرَف واحدٌ لا يُمكِنه أن يكون وحدَه فعالاً ومجديًا، فلابدَ أن تتضافر جهودُ: الأسرة، والمدرسة، والعلماء، والأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والجمعيات، ودور الشباب.

 

وقبل هذا وذاك لابدَّ أن تَعزِم الأجهزة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية على إيجادِ الحلول المناسبة، لما لها من إمكاناتٍ كبيرة، ووسائلَ متنوعةٍ، ولما لها من سلطةٍ على المجتمع، وقدرةٍ على إصدار القرار وتنفيذه.



[1] لسان العرب لابن منظور. ط4دار صادر بيروت2005.

[2] نفسه.

[3] المعجم الوسيط ج1، جماعة من المؤلفين، ط2.

[4] المقدمة لابن خلدون ص120، ط5، دار صادر 1984.

[5] الشباب والتنمية رؤية تنموية لمناصرة حقوق الشباب المغربي والعربي: ص91، ط1، طنجة المغرب 2007.

[6] أثر الإسلام في العقلية العربية ص340 للويس غارديه، ترجمة د. خليل أحمد خليل، ط1 دار الفكر1992.

[7] مجلة العربي ص21، ع 178 شتنبر 1983.

[8] المراهقون المزعجون ص52، د. مصطفى أبو سعد، ط1، شركة الإبداع الفكري الكويت2010.

[9] الوعي الإسلامي ص58، ع 535، ربيع الأول 1431، مارس2010.

[10] الشباب والتنمية ص91.

[11] - مراهقة بلا أزمة، ص 121، ج1، د. أكرم رضا، ط1، دار التوزيع والنشر الإسلامية2000.

[12] رياض الصالحين حديث رقم1497.

[13] الإشكالية المعاصرة في تربية الطفل المسلم ص67، د.سعيد عبدالعظيم،ج2، دار الإيمان الإسكندرية.

[14] الفرقان ص55،ع 57، س 2007.

[15] منهج القرآن الكريم في إصلاح المجتمع: ص311، د محمد السيد يوسف، ط2، دار السلام مصر 2004.

[16] الشباب والتنمية ص92.

[17] الوعي الإسلامي ص70،ع534، صفر1431، فبراير2010.

[18] الإشكالية المعاصرة ص13.

[19] المراهقون المزعجون ص259.

[20] الإشكالية المعاصرة ص16.

[21] الفرقان ص55ع57(سابق).

[22] الإشكالية المعاصرة ص32.

[23] سورة الأنعام الآية 154.

[24] صحيح البخاري،كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، حديث رقم7274.

[25] الموطأ لمالك كتاب القدر حديث رقم3.

[26] مسند الإمام أحمد،حديث رقم 17272.

[27] سورة العنكبوت الآية45.

[28] صحيح البخاري كتاب الصوم،حديث رقم 1905.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صراع الأجيال: نسخة إلحادية
  • أجيالنا والبناء الثقافي
  • وحدة صف المجتمع المسلم .. تحديات التعصب وضرورات الاعتدال
  • صراع الأجيال

مختارات من الشبكة

  • تفسير سورة القصص: قصة الصراع بين الخير والشر أو الصراع بين الحق والباطل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المدرسة الفرانكفونية وسلطة الأفضلية!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كره كبار السن وصراع الأجيال(استشارة - الاستشارات)
  • بلغاريا: الصراع على منصب الإفتاء بين الأجيال(مقالة - المسلمون في العالم)
  • العام الهجري الجديد عام تجديد أم تبديد؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأسرة صراع من أجل البقاء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أثر العقيدة الدينية في الصراعات الدولية المعاصرة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر العامل الاقتصادي في الحروب والصراعات ضد العالم الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر الصراعات والاضطراب على الحياة الاجتماعية بكشمير(مقالة - المترجمات)
  • صموئيل هنتنغتون وحدود الإسلام الدموية: رؤية نقدية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب