نهيق في مزابل السكون

نهيق في مزابل السكون

حوافرُ أكَلَها الشقاء، وظهرٌ ألهبتْه سياطُ القسوة، يقبع بين البغل والحصان فيرميانه بالبَلادة، يُحدِّثُ نفسه كثيرًا أن يهشم صدرَ صاحبه برفسة خلفيَّة، أو يقضم وجهَه الكالحَ، يلقونه في زريبة القهر، ويكيلون له السِّباب كلما نهق، من ثقب الباب الخشبي ينظر لمزرعة الحميرِ الحرة، طنينٌ يضربُ رأسه، كَسَر قيودَه وولَّى هاربًا، في مزرعة الحمير أصبح سميكَ الجلد، خاويَ الوِفاض، لكنَّ لمعانَ سكينِ الجزار تُخيفُه! وفي هزيع الليل جرجروه مع إخوته في حوش كبير، سَنُّوا سكاكينَهم على عتبة الباب، يسمع ضحكةً تأتي من الخلف، ما أحلى لحمَ الحمير في الكباب! تذكَّر المسكين الأيام الخوالي، ودمعات ملأت مآقيه وهو مقيد للذَّبح! وزعوا لحمه على المطاعم، كان صاحبه نَهِمًا في الطعام، دخل المطعم القاطن في وسط البلد، طلب كيلو كباب، التهمه بسرعة؛ كي يعود مسرعًا لقريته، شعر بقرية من النمل تهاجِمُ جسده، وأشواك كأشواك البرسيم تنبت في جسده، رأسه أصابتْها تخمة البلادة، نام فور وصوله، وفي المنام جاءه حمارُه يضحك، ويقول ساخرًا: قسوت عليَّ حيًّا، وسأقسو عليك ميِّتًا، لقد نبت لحمي في قيعان قلبك، تَظلِمون الحمير وأنتم بغال في الجفاء! تتهموننا بالبلادة وأنتم ترتكسون في وحل الحيوانية! تضربوننا لنعرف الطريق، وقد ضَلَلْتُم الطريق باختياركم! تبصقون علينا قذارةَ الجهل، والجهل يَتنصَّلُ منكم! استيقظ فَزِعًا، أفرغ ما في جوفه، حملق في المرآة فوجد صورة الحمار تظهر من بعيد على ملامح وجهه.