لمحات في نظام القضاء (4)

فقه التقاضي

الحلقة (93)

لمحات في نظام القضاء (4)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا دلفنا إلى نظام القضاء السعودي الجديد، الصادر عام 1428هـ، الذي أحدث نقلة نوعية للقضاء السعودي، وترتب عليه تعديل درجات التقاضي، وإنشاء المحاكم والدوائر المتخصصة، وتضمن إنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وتحديد اختصاصاته ومهماته، وتعديل اختصاصات وزارة العدل حيال القضاة والمحاكم.

وذكرت أن هذا النظام اشتمل على خمس وثمانين مادة، انتظمت في ثمانية أبواب، ووقف بنا الحديث عند الباب الثالث في نظام القضاء الذي حمل عنوان: (المحاكم وولايتها)، واشتمل الباب على خمسة فصول، تحدثت عن فصلين منها: الفصل الأول: ترتيب المحاكم، والفصل الثاني: المحكمة العليا، وأما الفصل الثالث فهو موضوعنا في هذه الحلقة، وهو مخصص للحديث عن محاكم الاستئناف، ومحكمة الاستئناف: محكمة ذات درجة أعلى من محاكم الدرجة الأولى، تنظر في الأحكام الصادرة من محكمة دُونها في جهاز قضائيٍّ، في حال عدم قَبول طرفي القضية بحكم المحكمة في الدرجة الأولى، وتتولى محكمة الاستئناف النَّظر في أحكام المحكمة الأدنى منها، فإما أن تقرر الموافقة عليه، أو تستأنف النظر فيه؛ أي: تعيد النظر في القضية ابتداءً، بأن تسمع الدعوى والإجابة من طرَفَي القضية، وتنظر ما لديهما من أقوال وبينات ودفوعات، ثم تتولى الحكم في القضية، ويكون حكمها نهائيًّا، ما لم يكن الحكم من الصور المستثناة، التي تجعله خاضعًا لتدقيق المحكمة العليا.

ولذا، فإن محاكم الاستئناف تُعَد درجة ثانية في مراحل التقاضي بعد محكمة الدرجة الأولى.

ويبدأ الفصل المخصص لمحاكم الاستئناف في نظام القضاء بالمادة الخامسة عشرة، التي توضح مقر محاكم الاستئناف، وتأليف الدوائر فيها، ونصها:

1- يكون في كل منطقة محكمة استئناف أو أكثر، وتباشر أعمالها من خلال دوائر متخصصة، تؤلَّف كل دائرة منها من ثلاثة قضاة، باستثناء الدائرة الجزائية التي تنظر في قضايا القتل والقطع والرجم والقِصاص في النفس أو فيما دونها، فتؤلف من خمسة قضاة، ولا تقل درجة القاضي في محكمة الاستئناف عن درجة قاضي استئناف، ويكون لكل دائرة رئيس.

2- يجوز إنشاء دائرة استئناف متخصصة أو أكثر في المحافظات التابعة للمنطقة التي فيها محكمة استئناف.

3- يسمى رئيسُ كل دائرة وأعضاؤُها بقرار من رئيس محكمة الاستئناف، ويتولى رئيس المحكمة - أو من ينيبه من أعضاء المحكمة - رئاسة الدائرة عند غياب رئيسها).

وواضحٌ - أيها المستمعون الأفاضل - مدى العناية بكون قضاة محكمة الاستئناف من ذوي الخبرة والكفاية، كما أن دوائر الاستئناف تتألف من ثلاثة قضاة أو خمسة ممن هم على درجة (قاضي استئناف)، وهي درجة قضائية عليا، يكون الحاصل عليها قد عمِل في القضاء ما لا يقل عن ستة عشر عامًا، أو عمل في الأعمال القضائية النظيرة أو قام بتدريس الفقه وأصوله تسع عشرة سنة على الأقل، مما يعطي المتخاصمين درجة كافية من الطمأنينة والثقة في أداء قضاة الاستئناف وخبرتهم.

وأما المادة السادسة عشرة فتحدد دوائر محاكم الاستئناف، وأنها على النحو الآتي: (الدوائر الحقوقية. الدوائر الجزائية. دوائر الأحوال الشخصية. الدوائر التجارية. الدوائر العمالية)، وفي تخصيص كل نوع من القضايا بدائرة مستقلة مزيدُ عناية وتركيز، وفي ذلك أيضًا ضبطٌ لمسار القضايا وانضباط أحكامها، وتقليلٌ لاختلاف الأحكام في القضايا المتماثلة.

وتوضح المادة السابعة عشرة اختصاص محاكم الاستئناف، ونصها:

(تتولى محاكم الاستئناف النظر في الأحكام القابلة للاستئناف، الصادرة من محاكم الدرجة الأولى، وتحكم بعد سماع أقوال الخصوم وَفْق الإجراءات المقررة في نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية).

وأما الفصل الرابع فقد خُصص للحديث عن محاكم الدرجة الأولى.

ففي المادة الثامنة عشرة: (تنشأ محاكم الدرجة الأولى في المناطق والمحافظات والمراكز بحسب الحاجة).

ثم شرع النظام في بيان أسماء محاكم الدرجة الأولى، واختصاص كل محكمة.

ففي المادة التاسعة عشرة: (تؤلف المحاكم العامة في المناطق من دوائر متخصصة، يكون من بينها دوائر للتنفيذ، وللإثباتات الإنهائية وما في حكمها - الخارجة عن اختصاصات المحاكم الأخرى وكتابات العدل - وللفصل في الدعاوى الناشئة عن حوادث السير، وعن المخالفات المنصوص عليها في نظام المرور ولائحته التنفيذية، وتكون كل دائرة فيها من قاضٍ فرد أو ثلاثة قضاة، وَفْق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء).

والمادة العشرون تبين المحكمة الجزائية، وأنها تتألف من دوائر متخصصة، هي:

أ - دوائر قضايا القِصاص والحدود.

ب - دوائر القضايا التعزيرية.

ج - دوائر قضايا الأحداث.

وأنه تشكَّل كل دائرة من ثلاثة قضاة، باستثناء القضايا التي يحددها المجلس الأعلى للقضاء، فينظرها قاضٍ فرد.

وفي المادة الحادية والعشرين: (تؤلَّف محكمة الأحوال الشخصية من دائرة أو أكثر، وتكون كل دائرة من قاضٍ فرد أو أكثر، وَفْق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء، ويجوز أن يكون من بينها دوائر متخصصة بحسب الحاجة).

وفي المادة الثانية والعشرين: (تؤلف المحكمة التجارية والمحكمة العمالية من دوائر متخصصة، وتكون كل دائرة من قاضٍ فرد أو أكثر، وَفْق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء).

وفي المادة الثالثة والعشرين: بيان اختصاص المحكمة العامة التي تُنشأ في محافظات أو مراكز ليس فيها محاكم متخصصة، ونص المادة: (تؤلَّف المحكمة العامة في المحافظة أو المركز من دائرة أو أكثر، وتكون كل دائرة من قاضٍ فرد أو أكثر، وفق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء، ويجوز إنشاء دوائر متخصصة جزائية وتجارية وعمالية وأحوال شخصية في المحاكم العامة الواقعة في المراكز والمحافظات التي لم تنشأ فيها محاكمُ متخصصة، متى دعت الحاجةُ إلى ذلك، ويكون لهذه الدوائر اختصاصاتُ المحاكم المتخصصة، ويحدد المجلس الأعلى للقضاء القضايا التي تختص بنظرها المحكمة العامة المكوَّنة من قاضٍ فرد).

مستمعي الأفاضل، بانتهاء حديثنا عن أنواع المحاكم في الدرجة الأولى نكون قد أنهينا الفصل الرابع من الباب الثالث من نظام القضاء، وموعدنا في الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - للحديث عن (الفصل الخامس)، وعنوانه: (ولاية المحاكم).

وحتى ذلك الحين، أستودعكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله.