• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي / بحوث ودراسات
علامة باركود

المدارس السلفية المعاصرة: قراءة في التنوع، والعلاقة بالآخر

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/5/2011 ميلادي - 17/6/1432 هجري

الزيارات: 67339

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المدارس السلفية المعاصرة

قراءة في التنوع، والعلاقة بالآخر

 

مقدمة

الحمد للّه الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والآل والأصحاب.

 

أما بعد:

فإن الحديث عن السلفية يتسم بأمور:

1- أنه موضوع قديم جديد، قديم في أصوله وتطبيقاته، جديد في فروعه وتعدد نماذجه ومدارسه.

 

2- أنه عالم لمجهول من لدن كثير من المسلمين، فضلاً عن غيرهم، والطالب الراغب، أو الباحث النهم يحب الولوج في عالم المجهول.

 

3- أنه يحمل فكراً جاداً وصلباً، يقوم على:

أ- نصوص الوحيين، مما ظهرت دلالته من المتواتر، وما صح ثبوته من أحاديث الآحاد.

 

ب- إعمال دلالات تلك النصوص وعدم إهمالها، أو تأويلها.

 

جـ- انتهاج الاعتدال والوسطية في الأحكام وفي المواقف والتصرفات والعلاقات.

 

من هنا تأتي أهمية الموضوع إذن، وتبدو أسباب اختياره إلا أن حديثنا عن السلفية ليس مطلقاً، بل هو مؤطر ومحدد بهذا العنوان (المدارس السلفية المعاصرة، قراءة في التنوع، والعلاقة بالآخر).

 

الدراسة وتساؤلاتها.

قد لا تبدو أهميه الموضوع بدون شرح مشكلته.

 

ولذا يمكن اختصار المشكلة في الآتي:

السلفية ظاهرة إسلامية عالية، أخذت في الانتشار والتوسع على شكل أفراد وجماعات أو جمعيات، وفرضت وجودها في معظم المجتمعات البشرية، ولقد يبدو للناظر أنها مدرسة واحدة لا تعدد فيها ولا تنوع ولا اختلاف، سواء أصولها النظرية أو توصلها وعلاقتها الخير.

 

إلا أن من يسبر غورها، وغور ذويها ربما بدا له شيء آخر.

وهذه الدراسة تحاول معالجة هذه المشكلة وبيان كنهها وحقيقتها

 

كما تحاول أن تجيب عن التساؤلات الآتية:

س- ما المراد بالسلفية؟

س- وهل تحتوي على مدارس مختلفة؟

س- وإذا كان ثمة مدارس فما أشهرها؟

س- وما سمات كل مدرسة؟

س- وما مدى تواصلها مع الغير؟

س- وهل يمكن هذه المدارس على قدم المساواة أم بينها فروق؟

 

الدراسات السابقة:

قد يكون من المتعذر إحصاء الدراسات المتعلقة بالسلفية، تاريخاً وموضوعاً، نظرا لكثرتها  وتشتها، يستوي في ذلك ما كتب من داخل السلفية، وما كتب من خارجها، من المسلمين  وغير المسلمين.

 

أمّا ما يتعلق بموضوع "المدارس السلفية المعاصرة" فإنني- بحسب مطالعاتي المحدودة- لم أظفر بشيء عنها، وذلك بقدر ما كان يكتنفه من الصعوبة، كان حافزًا لدراسته، برغم ما فيه من مغامرة.

 

منهج الدراسة:

لعل من أليق المناهج العلمية المناسبة والمفيدة في هذا الموضوع:

1- المنهج الاستقرائي، بتتبع جزئيات الموضوع للوصول إلى نتائج كلية.

 

2- المنهج الوصفي، الذي يصور واقع المدارس السلفية المعاصرة ويرصد نشاطها كما هو.

 

3- المنهج التحليلي، الذي يقوم على بيان الجزئيات ووظيفة كل جزء.

 

وأعترف أن هذا التحليل من اجتهادي الشخصي، فإن أصبت فيه فذلك محض التوفيق من أدله التوفيق من الله تعالى.

 

تقسيمات الدراسة:

المقدمة.

التمهيد.

المبحث الأول: المدرسة المحافظة.

• مفهومها، وشعارها، وجذورهـا.

• معالمها العامة.

• أنواعها، سمات كل نوع.

• علاقتها بالآخر.

• تقويم إجمالي.

 

المبحث الثاني: المدرسة التجديدية.

• مفهومها، شعارها، جذورها.

• معالمها العامة.

• أنواعها، سمات كل نوع.

• العلاقة بالآخر.

• تقويم إجمالي.

 

المبحث الثالث: دعوة الشيخ محمد بن الوهاب المعاصرة.

• مدخل في سبب تخصيصها.

• دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب والسلفية.

• سمات الدعوة العاصرة.

• أنواعها.

• علاقتها بالآخر.

• تقويم إجمالي.

 

خاتمة.

هذا وأسأل اللّه تعالى السداد في القول والعمل.

 

وأزجي شكري للقائمين على مهرجان الجنادرية بالحرس الوطني في المملكة العربية السعودية الذين شجعوني على تدوين هذه الورقات.

 

والله ولي التوفيق،،،،،

 

تمهيد موجز في:

• مفهوم السلفية وحقيقتها وتاريخها.

• المراد بالسلفية المعاصرة.

• المراد بالمدارس.

• أنواع المدارس.

 

أولاً: مفهوم السلفية وحقيقتها، وتاريخها:

السلفية نسبة إلى السلف:

والأصل اللغوي لمادة "سلف" يدل على تقدم وسبق، كما يذكر ابن فارس، قال: "ومن ذلك السلف: الذين مضوا"[1].

 

أما الأزهري فقد فسر السلف بالقرض، وهو تفسير شرعي، لكن استدرك بقوله: والسلف أيضًا: من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، واحدهم سالف ومنه قول طفيل الغنوي:

مضوا سلفًا قصد السبيل عليهم
وصرف المنايا بالرجال تقلب

 

أراد أنهم تقدمونا، وقصد سبيلنا عليهم: أي نموت كما ماتوا"[2].

 

وذكر ابن الأثير قريبًا من ذلك، وزاد: "ولهذا سمي الصدد الأول من التابعين السلف الصالح"[3].

ووردت لفظة "سلف" في قوله تعالى إخبارًا عن فرعون وقومه: ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 56]. قال ابن عطية: "هو جمع سالف كحارس وحرس، والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلاً لهم يعتبرون بهم أو يقعون فيما وقعوا فيه"[4].

 

وعلى هذا فـ(السلف) يطلق على المتقدم أيًا كان، هذا من حيث الحقيقة اللغوية، أما الحقيقة الشرعية فليس لهذه اللفظة معنى خاص فيها، وأما الحقيقة العرفية لدى علماء الشريعة فإنها تطلق مرادًا بها الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم في القرون الثلاثة الأولى[5].

 

قلت: ولعل ذلك المفهوم المطلق من حيث اللغة ما جعل أكثر العلماء السابقين واللاحقين لا يكتفون بلفظة "السلف" بل يأتون بها موصوفة فيقولون: "السلف الصالح".

 

هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون أو الموضوع، فإن السلفية في حقيقتها: منهج فكري يقوم على قاعدتين:

الأولى: طريقة في التفكير.

الأخرى: التزام في السلوك.

 

أما الطريقة في التفكير؛ فيمكن إجمالها بإجلال النصوص التشريعية وتفسيرها في ضوء لسان العرب، ووفقًا لفهوم الصحابة والتابعين وعدم إعمال التأويل فيها إلا في حالات استثنائية.

 

وأما التزام السلوك، فهو موافقة العمل العلم، في جملة الأحكام، عبادات، ومعاملات، وأخلاق وآداب.

 

وباختصار فإن مدلول السلفية كما يقول الدكتور مصطفى حلمي: "أصبح اصطلاحًا جامعًا يطلق على طريقة السلف في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه"[6].

 

وبناء على ذلك فالسلفية منهج، وليست جماعة، أو فرقة أو طائفة، أو حزبًا.

 

ومن فهم غير ذلك فهو مخطئ.

 

إذ لا يمكن تصنيفها ضمن الجماعات والفرق، بل هي منهج قد تلتزمه جماعة ما، أو بعض أفرادها أو تلتزم به دولة، كما هو واقع بالنسبة للمملكة العربية السعودية، أو يلتزم به أفراد لا علاقة لهم بدولة أو جماعة.

 

أما تاريخ السلفية فإنه يبدأ منذ عصر الصحابة، فإنهم قد أخذوا بمنهج الاتباع والتأسي بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وقد تبرز معالم الاتباع بشكل صريح عند وجود الأضداد من المناهج المخالفة، كمنهج التكفير، ونفي القدر، وتأليه الإمام علي - رضي الله عنه -، وسب الصحابة.

 

ولاشك أن مثل هذه المناهج والآراء قد ظهرت منذ عصر الصحابة، ووقفوا منها موقفًا صلبًا، واقتدى بهم في هذا التابعون ثم تابعوا التابعين... وهكذا.

 

وأخذ التفرق الفكري في الانتشار والتشتت ونمت مذاهب وتيارات وفلسفات، حتى أصبح للسلفية تميزها ومعالمها.

 

وفي العصر الحديث والحاضر تطور مفهوم السلفية عند أنصارها وخصومها.

 

فأما الأنصار فقد أخذ بعضهم - وبدافع الغيرة على السلفية – في التقعر والتشقق والمماحكات، فأقحم في مضمونها ما ليس منها، وبنى سدودًا وحدودًا حولها، تؤدي إلى احتكارها، وادعاء الوصاية على الآخرين.

 

وفي المقابل نلحظ وجود فئة أخرى من الأنصار تسلك مسلك التيسير والترغيب، وفتح أبواب السلفية مشرعة يدخل منها كل راغب، وإن أخطأ.

 

ثم نجد بين هؤلاء وأولئك من يمسك العصا مع الوسط فحينًا يوفق للوسطية والاعتدال، وحينًا آخر تتقاذفه الآراء والاتجاهات فيحتار في الاختيار.

 

ذلك عند الأنصار، أما مفهوم السلفية المعاصرة عند الخصوم، فهو أمر قد يثير العجب، نظرًا لاختلاف المنطلق، والمنطق، والمنهج.

 

ويمكن تقسيم هؤلاء إلى قسمين:

الأول: التغريبيون، الذين يعدون الماضي - بتراثه وتطبيقاته - سلفية ماضوية، انتهت صلاحيتها، فلا تصلح للعصر الحاضر[7].

 

الثاني: أهل الفرق والاتجاهات الإسلامية المعارضة للسلفية وهؤلاء نوعان:

أحدهما: الفرق المغايرة لمذهب أهل السنة والجماعة من الخوارج والشيعة ونحوهم.

ثانيهما: المنتسبون لمذهب أهل السنة، ولكنهم غير متقيدين به من كل الوجوه، بل يوجد لديهم مخالفات ومبتدعات فكرية أو سلوكية.

 

وكلا النوعين أساء الفهم فأساء الموقف.

 

أما المدارس المقصودة في هذه الدراسة، فهي ما اتحدت في الأصول في الجملة وتنوعت في الفروع، وتعددت آراؤها الاجتهادية، كما نقول: مدرسة أهل الحديث وأهل الرأي، فهي متحدة في الأصول تقريبًا، ولكنها متنوعة في الفروع والاجتهادات.

 

وهذه المدارس يمكن إجمالها في مدرستين: المدرسة المحافظة والمدرسة التجديدية.

 

والأولى تجنح للتقيد بالأصول والفروع، وتضييق نطاق الاجتهاد في حين أن الثانية تمارس الاجتهاد في أوسع نطاق.

والقاسم المشترك بينهما التزام منهج السلف فكرًا ومنهجًا في جملة القضايا والأحكام.

 

المبحث الأول: المدرسة المحافظة:

لعل أول علامة استفهام ترد هنا عند لفظة "المحافظة" ماذا تعني؟ وماذا يراد بها؟

 

فأصل المادة يدل على التعاهد وقلة الغفلة، والمحافظة: المواظبة على الأمر[8].

 

ومن حيث الاستعمال المعاصر ذكر مجمع اللغة العربية بالقاهرة أن المحافظ هو: "المتمسك بالتقاليد الاجتماعية والسياسية"[9].

 

ويتمحور الحديث عن هذه المدرسة في المسائل الآتية:

الأولى: مفهومها وشعارها، وجذورها.

الثانية: معالمها العامة.

الثالثة: أنواعها، سمات كل نوع.

الرابعة: العلاقة بالآخر.

الخامسة: تقويم إجمالي.

 

أولاً: مفهومها وشعارها وجذورها:

فمن حيث المفهوم فإن هذه المدرسة تبدو في صورة المعلم الأثري الذي يحافظ على وجوده، ويقاوم عوامل الزمن والتعرية، فلا يكاد يتغير فيه شيء من معالمه وملامحه.

 

وهكذا بالنسبة لهذه المدرسة فهي محافظة على أصولها، ومنهجها، ولا تكاد تحدث شيئًا يذكر، حتى في مجال الوسائل، بحيث تبدو صلبة، لا تلين قناتها بسهولة لأي من المتغيرات الحياتية.

 

شعارها:

قد لا يظفر الباحث بشعار محدد الكلمات عند هذه المدرسة، بل عند كثير من أهل المبادئ والاتجاهات.

 

ولذا يمكننا بعد الاستقراء والتتبع - أن نستنتج إن صح لنا ذلك - شعارًا لهذه المدرسة يمكن صياغته بعبارة موجزة هي: "كل محدثة بدعة"[10].

 

وجذور هذه المدرسة يمكن تقسيمها قسمين:

الأول: الجذور الفكرية، التي تغوص في أعماق النصوص التشريعية، ولاسيما السنة النبوية التي قد لا تحظى بالعناية كما في هذه المدرسة.

 

الثاني: الجذور التاريخية، وتتمثل في مواقف السلف من المخالفين التي كان طابعها التصلب والتمنع الشديدين.

 

ويأتي في مقدمة هذه المواقف، موقف الإمام أحمد بن حنبل من فتنة القول بخلق القرآن، وابن تيمية من المخالفين، ومحمد بن عبدالوهاب من مظاهر الشرك والبدع.

 

ثانيًا: معالم المدرسة العامة:

عند التأمل في حقيقة هذه المدرسة تبدو المعالم المميزة الآتية:

1- تركيز المدرسة على توحيد الله جل وعز، ولاسيما توحيد العبادة أو ما يعرف بتوحيد الألوهية، وكذلك توحيد الأسماء والصفات.

2- محاربة مظاهر الشرك بكل أنواعه وأشكاله القولية والعملية.

3- التحذير من البدع أيًا كانت، كلية أم جزئية، وحقيقية أم إضافية.

4- العناية بالسنن والمستحبات.

5- التركيز على العالم الشرعي، وعلوم الآلة ذات الصلة.

6- العناية بالفقه الفردي المتعلق بفقه العبادات والمعاملات، دون عناية كافية بالفقر الجماعي كالعلوم السياسية والاقتصادية والقانونية (النظامية).

7- والوعي السياسي ضئيل، لا يلقى عناية تذكر.

8- بطء الاستجابة لمتطلبات العصر ومتغيراته.

 

ثالثًا: أنواعها:

عندما نقول: "المدرسة المحافظة" فذلك لا يقتضي بالضرورة أنها مدرسة واحدة ومتحددة في كل شيء، بل العقل يقتضي التنوع ولو في بعض الفروع.

 

ويمكننا تقسيم هذه المدرسة إلى قسمين:

الأول: ما يمكن تسميته بالنصوصية (الظاهرية).

 

الثاني: ما يمكن تسميته بالفقهية.

 

فأما القسم الأول فتبدو ملامحه بالاهتمام بالنصوص التشريعية من حيث توثيقها، والوقوف عند ظواهرها، علمًا وعملاً.

 

وهذا القسم بدوره يتشعب إلى شعبتين:

الأولى: النصوصية العملية، وهي التي تركز على النشاط العملي معتمدة على ظواهر النصوص.

 

والعمل هنا كثيرة صوره، إلا أن أبرز هذه الصور تبدو في شيئين: الجهاد والدعوة.

 

والفئات الجهادية لا يمكن حصرها في سل واحد، أو أنموذج واحد، بل نماذجها متنوعة.

 

ومن نماذجها الحركات الجهادية المتوزعة في العالم، سواء كان جهادها دفاعيًا محضًا، أو وقائيًا، أو أعمال شغب وبلبلة، أو غير ذلك، مما قد يصنف من جملة الإرهاب.

 

ومن الخطأ البين؛ اختزال هذه الحركات الجهادية في نموذج واحد، كالقاعدة مثلاً، أو الفئة الضالة التي اقتحمت المسجد الحرام غرة المحرم من عام 1400هـ.

 

بل ثمة حركات جهادية تقوم بواجب الدفاع عن حقوقها المشروعة هي أشبه بحركات سبقتها، مثل: حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ودولة محمد بن سعود، وحركات التحرير من الاستعمار في الجزائر وليبيا والشام وغيرها.

 

ومثل هذه الأعمال الجهادية لا يعقل وصفها بأوصاف سلبية كالتمرد أو التخريب، أو الإرهاب، أو انتهاك حقوق الإنسان، بل هو جهاد مشروع بلا جدال.

 

ولذا يكون من اللازم فرز الجهاد المشروع عن الأعمال القتالية العشوائية أو ذات الأغراض المشبوهة.

 

وأما الفئات الدعوية، وهي التي يقوم عملها على الدعوة والإصلاح فقد تكون هي الأكثر والأبرز في الحراك السلفي، ونحن هنا لا نقصد جميع العاملين في حقل الدعوة ممن ينتسب إلى السلفية، بل نقصد نوعًا خاصًا منهم، يأخذ سمات الجهاديين العامة، التي تكتفي بدراسة ظواهر النصوص.

 

وهذا النوع في تقديري يقبل التنوع أيضًا كالحركات الجهادية، وذلك ما بين متشدد ومعتدل.

 

وإذا جاز لنا التمثيل هنا فقد تكون جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر والسودان من أفضل الأمثلة للنموذج المعتدل.

 

لذا أرى أنه يمكن تقسيم تلك الفئات (الجهادية والدعوية) إلى قسمين:

الأول: المتشدد، وتبدو ملامحه في:

1- اختيار الأشد من الأقوال والأعمال.

2- تجهيل الآخرين والتقليل من شأنهم.

3- تضليل المجتمعات المسلمة.

4- تصنيف الناس تصنيفًا فكريًا، يقوم على إساءة الظن والتشكيك.

5- القراءة الانتقائية والمجتزأة.

6- الميل إلى الروح الفدائية، وبذل النفس في سبيل تحقيق المراد.

 

الثاني: المعتدل: وهو الذي لا يتعسف في استعمال حقه، بل يقوم بعمل الدعوة والجهاد في ضوء ظواهر النصوص، مستلهمًا قصص الماضين، ومستحضرًا تضحيات الدعاة والمجاهدين.

 

وفي كل الأحوال فإن أبرز سمات هذه المدرسة المحافظة (النصوصية):

1- الابتعاد عن السلطة، والسياسة، والمناصب القيادية في أي من دول العالم الإسلامي.

2- تقديم الحرب على السلم، ولو نظريًا، في العلاقات الدولية، واعتبار السلم استثناء أو ضرورة تقدر بقدرها.

3- تأثيم القاعدين عن الجهاد والدعوة.

 

ذلك عن الشعبة الأولى، وأما الشعبة الثانية فهي النصوصية العلمية، التي تركز على الجانب النظري، المتمثل بالنشاط العلمي، تعلمًا وتعليمًا وتأليفًا ومحاضرة ومناظرة.

 

وتبدو ملامح هذه الشعبة في الاهتمام بالسنة النبوية تصحيحًا وتضعيفًا، والتحذير من التقليد، والتقليل من شأن التمذهب الفقهي، بل ربما رفعت شعار "اللا مذهبية".

 

وقد تكون مدرسة الشيخ ناصر الدين الألباني من أقرب الأمثلة لهذا.

 

بيد أن ثمة سمات أخرى قد تبدو للمتأمل في هذه الشعبة، ومنها:

1- الاهتمام بالجرح والتعديل.

2- تصنيف الناس وفق معايير خاصة.

3- تجسير العلاقة بالسلطة السياسية، ولاسيما أجهزة الأمن.

4- استعداء السلطة على الخصم.

5- الابتعاد عن ممارسة السياسة، أو المشاركة السياسية ألبتة.

6- عدم اعتبار الجهاد القائم شرعيًا في شتى بقاع العالم.

 

إلا أنه عند التفحص يلحظ أن أتباع هذه المدرسة تتأرجح بين التشدد والاعتدال، كما يتجاذبها الاجتهاد المحض وحضوض النفس.

 

وأما المدرسة الفقهية وهي القسم الثاني من المدرسة المحافظة فأعني بها: صاحبة الاهتمام بالعلم الشرعي بمفهومه العام، ولاسيما الجانب الفقهي.

 

ولقد تكون هذه المدرسة أشهر وأظهر من المدرسة السابقة (الظاهرية) وأشياعها أكثر.

 

وتبدو سمات هذه المدرسة في:

1- العناية بالفقه العملي، إضافة إلى الفقه الأكبر (التوحيد).

2- الميل إلى التقليد، وتحجيم نطاق الاجتهاد.

3- التأقلم والتعايش مع الواقع السياسي والاجتماعي والعالمي، مع عدم الخوض في تكييفه، أو تفصيل أحكامه.

4- المشاركة المحدودة في القضايا العامة أو العالمية.

 

هذا بالإضافة إلى السمات السابقة المنوه عنها في (ثانيًا) من هذا المبحث.

 

وأمثلة هذه المدرسة لا تكاد تحصى.

 

وأظن أن كثيرًا من علماء هذه البلاد - المملكة العربية السعودية - يصلح مثالاً هنا.

 

رابعًا: علاقة المدرسة بالآخر:

بدا لنا في العرض السابق أن هذه المدرسة لا تمثل تيارًا واحدًا، ولا فئة واحدة، أو جماعة محددة، بل هي ذات مناهج شتى وآراء متعددة، قد يصل إلى حد التباين أحيانًا، كما يلحظ ذلك بين دعاة الاجتهاد، ودعاة التقليد من المدرسة ذاتها. أو بين الجهاديين ومخالفيهم ممن لا يرى الجهاد سائغًا في هذا العصر، أو بين من يتواصل مع الأنظمة السياسية الحاكمة، ومن يقطع حبل التواصل، وهكذا...

 

لذا فإن رسم علاقة هذه المدرسة بالآخر يمكن وصفه بالرقم على الماء، أي أنه متعذر أو شبه متعذر.

 

وتعود الصعوبة هنا إلى أمرين جوهريين:

1- تنوع هذه المدرسة – كما سبق التنويه.

2- أن هذا الآخر الوارد في العنوان، جنس يدخل فيه كل من عدا هذه المدرسة، بل قد يدخل فيه أجنحة أخرى من داخل المدرسة.

 

غير أننا - وبرغم ذلك كله - سنبذل الجهد في محاولة توصيف هذه العلاقة بالقدر الممكن.

 

وفي ظني أن المدرسة بشكل عام يتجاذبها تياران:

1- تيار متشدد ويمثله الجهاديون والتصنيفيون والاستعدائيون.

 

2- تيار معتدل، و يمثله الأكثرية الساحقة من أتباع المدرسة.

 

فأما التيار المتشدد فإن علاقته بالآخر، يمكن وصفها بالعلاقة المتأزمة، أو علاقة شد الحبل.

 

وتبدو معالم هذه العلاقة[11] في الآتي:

1- تضخم مبدأ "الولاء والبراء" والمغالاة في تطبيقه.

 

2- قصر الولاء على الاتباع.

 

3- البراءة من جميع المخالفين بغض النظر عن أصل ديانتهم، أو انتظامهم في السلك السلفي" أو عدم انتظامهم.

 

4- إساءة الظن بعموم الناس، حتى من المسلمين.

 

5- عدم التمييز بين المخالفات، العقدية والعملية، أو الكبيرة والصغيرة، أو القطعية والظنية.

 

6- رفع راية الجهاد في أي مكان، دون تفريق بين دولة مسلمة وغير مسلمة، أو دولة مسلمة ملتزمة بالإسلام ودولة أخرى غير ملتزمة.

 

وهذا عند الجناح السلفي الجهادي خاصة.

 

7-ا لحدة والغلظة في الإنكار وعدم التفكير في مآلات الأمور، وما قد يترتب على التصرف من مفاسد عظيمة وفساد عريض.

 

8- الرد على المخالف بالأسلوب العنيف، ولو كان المخالف سلفيًا.

 

9- محاولة النيل من الخصم أيًا كان بكل الوسائل الممكنة.

 

وهذا النوع من العلاقة الحادة لابد أن ينتهي إلى طريق مسدود، ومن ثم تكون المواجهة بين الطرفين المختلفين التي تكون نهايتها التنازع والشقاق والفرقة، أو كيل الاتهامات والتكفير، بل قد تتطور إلى الحراب والقتال بين المسلمين.

 

وأما التيار المعتدل[12]، فإن علاقته بالآخر ليست ذات طابع واحد بل تختلف بحسب هذا الآخر.

 

فأما العلاقة بالمسلمين، فهي نسبية.

 

فإن كانوا من أهل السنة والجماعة، فالعلاقة قائمة على الأخوة والمودة، إلا إذا كان هذا الآخر هذا الآخر منحرفًا في بعض أفكاره، أو سلوكه، فإن العلاقة تكون مطبوعة بالجفاء أو التجاهل، أو الرد العنيف.

 

وإن كان المسلمون من أصحاب الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة، أو كانوا من أصحاب الاتجاهات وأرباب الطرق فالعلاقة هنا تكاد تكون منقطعة، فلا تواصل، ولا حوار ولا مناظرة، ويشاطرهم ذلك الآخر الموقف نفسه والعلاقة ذاتها، مما ينتج التباعد والبراءة التامة، بل السجالات والاتهامات التي لا تنقطع.

 

على أن هذا التيار قد يبدو عند بعض أفراده اعتدال أكثر ومرونة أكبر في التعامل مع المخالف، فلا يجد غضاضة في التعامل المرن معه وحسن صحبته.

 

وأما العلاقة بغير المسلمين فيمكن بلورتها في الآتي:

1- البراءة منهم وعدم محبتهم أو معاشرتهم.

 

2- مجاهرتهم بالبراءة من دينهم.

 

3- الإعلان العام بأن الدين الحق هو دين الإسلام، وأن ما عداه فهو باطل. والشعار دائمًا قول الحق تعالى:﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

 

4- التعامل الحذر مع المستجدات والمتغيرات ذات النتاج الغربي.

 

5- عدم التفاعل مع الحضارة الغربية في كل مكوناتها وأشكالها، لا سلبًا ولا إيجابًا.

 

وهذا النوع من العلاقة بغير المسلمين بقدر ما فيه من فوائد كالاعتزاز بالشخصية الإسلامية وبالموروث الإسلامي، إلا أنه قد ينشأ عند المغالاة في التطبيق آثار عكسية على التابعين، أو السواد الأعظم من المجتمع، تتمثل بالمفاجآت، وعدم القدرة على التكيف مع المتغيرات، والازدواجية التي يعانيها الفرد والمجتمع جراء المتناقضات، أو الصراع بين القديم والجديد حتى يكون الزمن هو العامل الرئيس في التكييف.

 

وعندئذ تصدق المقولة المأثورة "الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم"[13].

 

خامسًا: تقويم عام للمدرسة:

إن تقويم مدرسة تضم بين حيطانها ألوانًا شتى من الأساتذة والمربين والموجهين والطلاب يكتنفه كثير من الصعوبات.

 

وهذه المدرسة السلفية المحافظة قد لحظنا أنها تضم أصنافًا شتى من الشيوخ والطلاب، والدعاة والمدعوين فهناك المحدث والفقيه، وهناك المجتهد والمقلد، وهناك العالم والمجاهد، ثم هؤلاء ما بين متشدد ومعتدل.

 

وأزعم أن مثل ذلك ليس شرا محضًا، بل ليس شره أكثر من خيره.

 

بل إن الخيرية هي الغالبة فيما يبدو، سواء من حيث الأفكار، أو من حيث الأشخاص.

 

فأما الأفكار فهي مقتبسة من النصوص مباشرة، أو من التطبيقات التاريخية (سير الصالحين).

 

نعم قد يكون سوء فهم أو مبالغة في التطبيق، أو خطأ في تخريج المناط وتحقيقه[14]، أو تكييف المسألة[15] أو ما أشبه ذلك، وفي مثل هذه الحالات تكون أخطاء فردية يحاسب عليها الفرد وفق الإجراءات الشرعية والنظامية، ولا يجوز أن ينسب ذلك إلى أصول المدرسة ومناهجها، أو أن تتهم بما ليس فيها.

 

وأما من حيث الأشخاص؛ فالخيرية الغالبة هنا هي من حيث المجموع لا الجميع، أي أن أكثر من يمثل التيار السلفي المحافظ يميل إلى الاعتدال المقبول، ويرفض التطرف والغلو في أبرز صورهما.

 

وقد يوجد لدى الجناح المعتدل صور من التشدد في الرأي، وصور من الجفاء في المعاملة، وصور من المبالغة في سد الذرائع، إلا أن ذلك في نظري لا يقوم حجة في رد الحق، أو إلقاء التهم الجزاف، أو التهويل في تصوير الأخطاء.

 

بلى، يوجد جوانب سلبية في مجال العلاقة والتعامل مع الآخر، قد تصل عند المتشددين والغلاة إلى درجة بالغة السوء.

 

وتلك ندوب في وجه السلفية الحقة، يجدر بأصحابها أن يراجعوا أنفسهم فيها، ويأخذوا بمنهج السلف الصالح.

 

المبحث الثاني: المدرسة التجديدية:

مدخل: التجديد في الإسلام مطلب شرعي كما هو كون قدري كما جاء في الحديث: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)[16].

 

قال الشيخ ملا علي قاري: "والأظهر عندي - والله أعلم - أن المراد بمن يجدد: ليس شخصًا واحدًا، بل المراد به جماعة يجدد كل أحد في بلد في فن أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسر له من الأمور التقريرية أو التحريرية ويكون سببًا لبقائه وعدم اندراسه وانقضائه إلى أن يأتي أمر الله، ولا شك أن هذا التجديد أمر إضافي"[17].

 

والتجديد في أصل اللغوي مصدر جدد، بتضعيف الدال الأولى من الجدة بكسر الجيم وتضعيف الدال وهي: نقيض البلى.

 

يقال: جد الثوب والشيء يجد بالكسر: صار جديدًا وهو نقيض الخلق[18].

 

أما المراد بالتجديد في الحديث فالظاهر أنه: "إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاها"[19].

 

وستكون محاور البحث في هذه المدرسة وفق الآتي:

1- مفهومها وشعارها وجذورها.

2- المعالم العامة للمدرسة.

3- أنواع المدرسة التجديدية.

4- علاقة المدرسة بالآخر.

5- تقويم عام.

 

أولاً: مفهوم المدرسة التجديدية وشعارها وجذورها:

ماذا نريد بالتجديد هنا؟

الحديث عن تجديد الدين واسع الأبواب، كثير التشعب، نظرًا إلى كثرة الباحثين والخائضين فيه، ويمكن حصرهم في ثلاثة اتجاهات:

الأول: دعاة التغريب، وهؤلاء يفسرون التجديد بالتغيير أي تغيير الأصول والمناهج وفق مقتضيات العصر.

 

الثاني: دعاة التنوير، وهؤلاء يفسرون التجديد بالتطوير أي تطوير الأحكام والتشريعات بما يناسب العصر.

 

الثالث: دعاة الإصلاح: وهؤلاء يفسرون التجديد بأمرين:

أحدهما: إحياء ما اندرس من الدين الصحيح.

وهو ما يتفق مع التفسير للتجديد آنف الذكر.

 

ثانيهما: المرونة في التعاطي مع مستجدات العصر ونوازله بما يتفق مع السياسة الشرعية، وهو ما يمكن التعبير عنه بفقه المتغيرات، أو فقه المقاصد والموازنات.

 

وهذا الاتجاه الأخير (الثالث) لمفهوم التجديد هو مرادنا في هذا الطرح.

 

أما الاتجاه الأول فهو مسخ للديانات كلها، كما هو سخرية برب الأرباب، ومشرع الشرائع.

 

وأما الاتجاه الثاني فهو موقف متخاذل ومداهن وهو داخل في قول الحق تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 8، 9].

 

قال الحسن البصري معناها: "ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم": "والإدهان كما يقول القرطبي: اللين والمصانعة وقيل: مجاملة العدو وممايلته، وقيل: المقاربة في الكلام والتليين"[20].

 

وأعتقد أن ما يهدف إليه التنويريون هو لا يخرج عن المصانعة للعدو وملاينته وممايلته ومقاربته بالكلام.

 

أما شعار هذه المدرسة فيمكن استنتاجه من نتاج رواد هذه المدرسة. فيجوز أن يكون الشعار هو مثل هذه العبارات:

1- فهم النصوص الجزئية في إطار المقاصد الكلية[21].

2- أو إعمال المصلحة وفق الثوابت والقواعد الكلية.

 

أما جذور المدرسة فهي نوعان:

الأول: الجذور الفكرية، المتمثلة بالنصوص التشريعية، والقواعد والأصول الكلية والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والتي عني بها كثير من علماء الإسلام مثل العز بن عبدالسلام، وابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي.

 

الثاني: الجذور التاريخية، المتمثلة بالنماذج الإصلاحية التي انطلقت من القواعد والأصول نفسها.

 

ومنها جهود الإمام الشافعي في تأسيس أصول الفقه، وجهود الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم التي انطلقت من فهم شمولي للإسلام وكذا جهود الإمام الشاطبي في تأسيس علم المقاصد.

 

وهذه المدرسة لاشك أنها استلهمت مبادئها من تلك الجذور وما أشبهها، وذلك ما جعلها - وهي تنطلق من رحم "السلفية" - تجمع بين منهجين متوازيين.

 

أحدهما: المنهج الكلي المقاصدي.

الثاني: المنهج الجزئي "النصي".

 

ثانيًا: معالم المدرسة العامة:

إن الراصد لهذه المدرسة، المتأمل في فكرها ومواقفها يمكن الوقوف على المعالم العامة الآتية:

1- فتح باب الاجتهاد، والدعوة إليه.

2- عدم الالتزام بمذهب فقهي معين.

3- إبراز مقاصد الشريعة، وحكمها وأسرارها.

4- التفاعل مع المتغيرات والمستجدات.

 

وسيأتي مزيد بيان في الفقرة التالية.

 

ثالثًا: أنواع المدرسة التجديدية:

هل لهذه المدرسة أنواع؟

سؤال قد لا يرد على الذهن ابتداء، نظرًا إلى أن المدرسة واضحة الحدود والمعالم فكيف تتنوع؟

 

والحق أن التنوع يرد بسهولة، وبخاصة حينما نفترض أن التجديد يدخل مجالات كثيرة متعددة نظرية وعملية.

 

ومن النظرية تجديد العلوم الشرعية، أو أساليب التفكير.

 

ومن العملية الإصلاح في جانب العبادات، وفي جوانب المعاملات المالية والسياسية والاجتماعية، ونحوها.

 

من هنا أرى أنه يمكن تقسيم المدرسة قسمين:

الأول: التجديد الرأسي.

الثاني: التجديد الأفقي.

 

وأعني بالرأسي، ما يكون تجديده في العمق ثم يستمر في البناء إلى الأعلى.

 

أما الأفقي فهو الذي يتسع تجديده أفقيًا، في شتى الاتجاهات.

 

ويمكن استشراف معالم المدرسة الرأسية في الأمور الآتية:

1- العناية بالعلم الشرعي في كافة فروعه.

2- الجمع بين مدرسة الفقه (الرأي) ومدرسة الحديث.

3- الاجتهاد في إطار المذهب الفقهي.

4- عدم التخرج في مناقشة القضايا المستجدة، وفقًا لمعطيات النصوص، ومقتضيات المصلحة العامة.

5- والخطاب يعتمد على النصوص والآثار، مع شيء من الأدلة العقلية.

6- نطاق الخطاب إسلامي[22]، من حيث المكان والأشخاص.

 

ولعل من النماذج الصالحة لهذه المدرسة:

1- الشيخ عبدالرحمن السعدي (ت1376هـ) الذي تأثر بمدرسة ابن تيمية، وناقش قضايا عصره بأفق واسع، ونظرة ثاقبة.

2- الشيخ أحمد شاكر (ت1377هـ)، الذي خدم علمي التفسير والحديث، وحقق كثيرًا من كتب السلف بمنهجية دقيقة.

3- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (ت1420هـ) الذي كان معروفًا بغزارة العلم، وسعة الأفق، وتصدي لقضايا الأمة المسلمة ومشكلاتها بمواقفه وفتاويه المعتدلة.

4- الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت1423هـ) الأصولي الفقيه المفسر، صاحب المؤلفات والتحقيقات العلمية الرصينة.

5- الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية وخطيب المسجد الحرام، ذو الثقافة الواسعة، والمنهجية المتزنة.

 

أما المدرسة الأفقية فإن من أهم ملامحها:

1- توسيع دائرة الاجتهاد.

2- عدم الالتزام بمذهب فقهي معين.

3- التركيز على مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها.

4- والنقل والعقل هما عمدة الخطاب.

5- ونطاق الخطاب إسلامي عالمي،  من حيث المكان والأشخاص.

6- الانفتاح على الآخر، حوارًا واستفادة ومقارنة.

7- التفاعل مع المتغيرات العالمية.

8- المبادرة في عرض الآراء والأطروحات.

9- حض الأمناء على المشاركة السياسية.

10- توسيع مجال عمل المرأة.

11- تغليب مبدأ التيسير في جملة المسائل الخلافية.

 

وهذه الملامح تبرز هذه المدرسة بصورة مقبولة الشكل والمضمون من لدن المثقفين بعامة، مسلمين وغير مسلمين، الذين قد لا يجدون في المدارس الإسلامية المحافظة ما يشبع نهمتهم، أو يروي غلتهم، أو يشفي علتهم.

 

وممن يصلح للتمثيل في هذا المقام من وجهة نظري:

1- الشيخ محمد رشيد رضا (ت1354هـ). قال عنه الزركلي: "أصبح مرجع الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية"[23]وقد خدم كتب السلف.

 

2- الدكتور/يوسف القرضاوي، العالم الداعية المعروف، والذي يعد من أبرز علماء أهل السنة في العهد الحاضر وله عشرات المؤلفات[24].

 

3- الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمعروف بجهوده العلمية، وبالآراء المعتدلة[25].

 

4- الدكتور/سلمان بن فهد العودة، العالم والمفكر المعروف[26].

 

ولاشك أن الأسماء هنا تبدأ ولا تنتهي، بل يوجد جماعات وجمعيات إسلامية في أقطار كثيرة تنتهج هذا المنهج.

 

ولكن المقصود هنا التمثيل لا الحصر.

 

رابعًا: علاقة المدرسة بالآخر:

برغم التنوع في هذه المدرسة، فإن المرونة في العلاقة بالآخر سمة عامة فيها.

 

ولكي تبدو هذه العلاقة جلية، ينبغي علينا التفصيل.

 

فأما بالنسبة للمدرسة التجديدية (الرأسية) فعلاقاتها بالغير هي على النحو الآتي:

1- أما العلاقة بأهل السنة من المسلمين، فهي متينة، لا يشوبها غبش، إلا عند وجود أخطاء فاحشة فيتعين عندهم حينئذ الرد والتصحيح، مع التركيز على الفكرة دون صاحبها.

 

2- وأما العلاقة بالمخالفين فكريًا وعقديًا، سواء من أصحاب الفرق الإسلامية أو الاتجاهات المنحرفة الأخرى، فإنها غير مبتورة، ولكنها متحفظة، وقد يعتريها الجفاء أو الغلظة أحيانًا، بحسب الملابسات.

 

3- وأما العلاقة بغير المسلمين فتقوم على احترام العهود والمواثيق، وعلى حسن الصحبة، ولكن بدون مودة، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، ولكن بحسب القدرة.

 

4- والعلاقة بالسلطة تقوم على الإعانة والنصرة والسمع والطاعة[27]، مع عدم استشراف للمناصب.

 

وأما بالنسبة للمدرسة التجديدية (الأفقية) فعلائقها تبدو وفق التوصيف الآتي:

أ- أما أهل السنة فالعلاقة بهم مطبوعة بالمودة والأخوة في جملة الأمر.

 

ب- وأما غيرهم من المسلمين من شتى الفرق والاتجاهات فالعلاقة بهم لا تختلف عن سابقهم، إلا إذا أعلن المخالف بدعته وكانت بدعة كلية، فهنا يكون التحفظ في العلاقة الذي قد يصل إلى حد الجفاء.

 

ولذا تركز المدرسة على تقوية أواصر الأخوة الإسلامية، وجمع الكلمة ووحدة الأمة.

 

جـ- وأما غير المسلمين من غير المحاربين، فلهم حق الأخوة والمودة أيضًا، والعلاقة معهم مطبوعة بالسلم والأمن العام، والحرب لا تكون إلا دفعًا للعدوان.

 

والشدة في التعامل خاصة بالمحاربين.

 

ومن هنا لا مندوحة للمسلمين عن الانضمام للتنظيم الدولي والقبول بالسلام العالمي.

 

خامسًا: تقويم عام للمدرسة:

إن تقدير مثل هذه المدرسة وتقويم منهجها ونشاطها، يتطلب الإنصاف والواقعية.

 

وهذا - فيما أظن - يتحقق بالفصل بين جناحي المدرسة: الرأسي، والأفقي.

 

فأما بالنسبة للمدرسة التجديدية (الرأسية)؛ فإنها بحق سلكت منهجًا معتدلاً جمع بين الثبات على الأصول، والمرونة في الفروع القابلة للتغير.

 

ومن معالم الثبات على الأصول:

1- التركيز على قضايا الاعتقاد والتعبد.

2- محاربة البدع بكل أشكالها.

3- استحضار النصوص الشرعية عند المناقشات والمحاورات وإصدار الأحكام.

4- عدم تأويل النصوص الصحيحة، وإن كانت في درجة الآحاد.

 

ومن معالم المرونة:

1- عرض المنتج الحضاري على معايير الشريعة الإسلامية، لتمييز ما يناسب أخذه عما لا يناسب.

 

2- مراعاة ظروف الأمة المسلمة ومدى إمكاناتها وقدراتها في مواجهة أعدائها، فلا يطلب منها ما لا طاقة لها به.

 

3- والتعامل مع الأنظمة السياسية الحاكمة ينبغي أن يكون مطبوعًا بالحكمة واللين، لا العنف والشدة، حتى لو كانت الأنظمة علمانية.

 

4- دعوة المصلحين إلى المشاركة السياسية.

 

وأما بالنسبة للمدرسة (الأفقية) فإنها - بحق - ذات أفق وعطن واسعين: فكرًا ومنهجًا وعملاً وتعاملاً.

 

فهي لا تجد حرجًا في إعمال المقاصد عند كل ضائقة ونازلة، كما لا تترد في الأخذ بمبدأ التيسير عند حصول الخلاف أو التعارض. وهي مع هذا وذاك لا تفرط بالمبادئ السلفية.

 

أي أنها تأخذ بالمبادئ العامة للسلفية فكرًا ومنهجًا، دون الالتزام بالجزئيات أو الآليات والوسائل.

 

وهي بهذه المنهجية تلتقي مع طوائف إسلامية كثيرة، بدون مواجهة تصادمية، الأمر الذي يخولها أن تتبوأ في قلوب كثير من الناس ومشاعرهم مبوأ صدق، قلما ينافسها فيه غيرها.

 

المبحث الثالث: دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب المعاصرة:

مدخل: مولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العيينة سنة 1115هـ، ونشأ وترعرع في بيت أبيه وتعلم على يديه، فحفظ القرآن الكريم ثم بدأت رحلة الطلب في ريعان الشباب فحج وزار المدينة وبقي بها متعلمًا فتتلمذ على يد الشيخين عبدالله بن إبراهيم بن سيف (ت1140هـ) ومحمد حياة السندي (ت1163هـ) اللذين تركا أثرًا إيجابيًا في نفسه، ثم واصل رحلة الطلب إلى البصرة، والتقى الشيخ محمد المجموعي، ثم إلى الإحساء وجلس إلى عالمها عبدالله بن محمد بن عبداللطيف، ثم قفل راجعًا إلى بلده.

 

وبدأ في التأليف، مع قيامه بالحسبة، وبعد وفاة والده تفرد بالتعليم والاحتساب، لكنه لم يجد في القرى المجاورة ذلك التجاوب الذي كان يؤمله فرحل إلى الدرعية 1157هـ وبايع الأمير محمد بن سعود على إقامة الشرع ونشر الدعوة.

 

ومن ذلك التاريخ بدأت الدعوة عملها المنظم، داخل الدرعية وخارجها، فتعززت الدولة والدعوة، وانتشرت الدعوة في آفاق الجزيرة العربية بسرعة، ووقف منها العلماء بين مؤيد ومعارض ومحايد.

 

وبقى - كما يقول المؤرخ حسين بن غنام: "يدعو إلى سبيل ربه بالحجة الواضحة وبالموعظة الحسنة، فلم يبادر أحدًا بالتكفير، ولم يبدأ أحدًا بالعدوان، بل توقف عن كل ذلك تورعًا منه وأملاً في أن يهدي الله الضالين إلى أن نهضوا عليه جميعهم بالعدوان وصاحوا في جميع البلاد بتكفيره هو وجماعته وأباحوا دماءهم... فأمر الشيخ حينئذ جماعته بالجهاد"[28].

 

ولئن سأل سائل، وما سبب هذه المعاداة التي ألجأت الشيخ ودولة ابن سعود إلى الجهاد، قيل: هو ما جعل الشيخ ينهض بالدعوة من أجله منذ نعومة أظفاره، وهو الظروف الدينية الحالكة التي ظهر فيها الشيخ، والتي تبدو فيها جملة الأوضاع الفكرية والعلمية والسياسية في أسوأ أحوالها، حيث مظاهر الشرك، والبدع والخرافات والتخلف العلمي، والتفرق السياسي.

 

ونحن إذ نتحدث عن هذه الدعوة لن نتعرض لتاريخها ونشأتها وتطورها، بل نقصر الحديث عنها في العهد الحاضر، لنربط بينها وبين المدارس السلفية المعاصرة.

 

وذلك وفق النقاط الآتية:

1- دعوة ابن عبدالوهاب والسلفية.

2- سمات الدعوة المعاصرة.

3- أنواعها.

4- العلاقة بالآخر.

5- تقويمها.

 

أولاً: دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب والسلفية:

ربما يبدو العنوان غريبًا عند بعض القراء، كما قد يبدو بديهيًا عند آخرين، ومنشأ الغرابة، والبدهية واحد، هو أن من البدهيات أن هذه الدعوة امتداد للسلفية، بل قد لا يفهم البعض السلفية إلا من خلاله هذه الدعوة.

 

ولكن هذا الفهم الأخير ليس إلا مبالغة خاطئة، فقد بان لذي عينين أن السلفية في مفهومها الصحيح هي ما كان عليه الصحابة والتابعون، وما هذه الدعوة إلا أنموذج لإحياء هذا المنهج.

 

والذي يهمنا في هذه الفقرة بيان العلاقة بين الدعوة والسلفية.

 

فالحقيقة أن هذه الدعوة نسخة أصلية من نسخ السلفية المتعددة، والتي يمكن أن يذكر منها هنا على سبيل المثال، دعوات: الأمير الصنعاني والشوكاني في اليمن، وصديق حسن خان في الهند، وعثمان بن فودي في نيجيريا، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

 

والفروق بينها، أن دعوة ابن عبدالوهاب وعثمان بن فودي هي دعوات جماعية، تحركتا في ظل دولة في حين أن الأخريات كانت دعوات فردية.

 

ثانيًا: سمات الدعوة المعاصرة:

إذا كان العرض السابق في المبحثين الأولين قد استطاع أن يبرز سمات السلفية المعاصرة ومعالمها البارزة، فإن ذلك سيختصر لنا الطريق إلى معرفة سمات دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب المعاصرة، لأمرين:

1- أن دعوة الشيخ هي إحدى نسخ السلفية. كما مر قبل قليل.

 

2- أن أكثر الذين يمثلون المدارس السلفية التي سبق الحديث عنها هم من مدرسة ابن عبدالوهاب.

 

وسمات هذه المدرسة المعاصرة يمكن وضعها في مجالين: فكري، ومنهجي.

 

أما السمات الفكرية فمن أظهرها:

1- العناية بتوحيد العبادة.

2- الولاء والبراء من مقتضيات كلمة التوحيد.

3- تعديل جملة الصحابة – رضي الله عنهم -، والتنويه بفضائلهم وفضائل سائر أئمة العلم.

4- نبذ البدع والخرافة.

5- الجهاد ماض إلى يوم القيامة، مع أنه لا يكاد يتوافر جهاد صحيح في العصر الحاضر في نظر هذه المدرسة.

6- التوكيد المستمر على طاعة أولي الأمر في المعروف.

7- تفويض أولي الأمر في التنظيمات والتراتيب الإدارية.

8- التحذير من كافة أساليب المعارضة للسلطة.

9- رفض القوانين الوضعية.

10- عدم الخوض في القضايا السياسية الشائكة.

11- التفاعل الحذر والمتئد مع القضايا المستجدة.

 

وأما السمات المنهجية فمن أظهرها:

1- العناية بعقيدة السلف، ونقد عقيدة الخلف.

2- ترجيح التفسير الأثري للقرآن العظيم.

3- ترجيح مذهب الإمام أحمد في مجال العقيدة والفقه.

4- الميل إلى مدرسة ابن تيمية وابن القيم.

5- العناية بالعلم الشرعي، وعلوم الآلة التي تخدمه.

6- نشر فكر الشيخ ابن عبدالوهاب في المجال العقدي.

7- العناية بالفقه الجزئي الفردي.

 

ولقد يلحظ بعض التداخل بين فقرات المجموعة الأولى والمجموعة الثانية، نظرًا لتداخل الفكر والمنهج، والفصل بينهما غايته زيادة الإيضاح ليس إلا.

 

ثالثًا: أنواعها:

مع التسليم بأن التنوع يكاد تظهر علاماته في كل شخص، إلا أن مدرسة كمدرسة الشيخ ابن عبدالوهاب قد لا يبدو فيها التنوع بوضوح.

 

فهل لهذه المدرسة المعاصرة أنواع؟

لعل التنوع هنا ينطلق من الآليات.

 

فحينما ننظر في واقع هذه المدرسة في إطار نطاق مكان محدد كالمملكة العربية السعودية، تظهر لنا هذه المدرسة من خلال قناتين: إحداهما: القناة الرسمية، والثانية: القناة غير الرسمية.

 

ويقصد بالرسمية: الأعمال التي تشرف عليها الدولة مباشرة، أو يصدر عنها بصفة رسمية.

 

وأما غير الرسمية: فهي تلك الأعمال والآراء التي لا تمثل الدولة.

 

القناة الرسمية:

معروف أن الدولة السعودية منذ أول عهدها قامت على فكر الشيخ ابن عبدالوهاب، واستمر ذلك حتى عهد الدولة السعودية الثالثة التي جدد بناءها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وبرغم أن هذه الدولة في عهدها الجديد جاءت وفق مواصفات الدولة الحديثة، إلا أنها لم تنفك عن مبادئ دعوة ابن عبدالوهاب بل هي في حقيقة أمرها امتداد فكري وتاريخي للدولة السعودية الأولى والثانية.

 

والفارق الجوهري بين القديم والجديد هو آليات التطبيق وأساليبه وفق متطلبات المرحلة، مع شيء من تغير الأحكام المستندة إلى المصلحة أو العرف.

 

ومن دلائل انتماء هذه الدولة الحديثة الحقيقي للإسلام أولاً، ثم لفكر ابن عبدالوهاب ثانيًا: وأنها دولة فكرية وليست علمانية:

1- تصريحات الملك عبدالعزيز في جميع المناسبات والخطابات بذلك.

2- تأكيده على أهمية قيام الشعائر الإسلامية وعدم التفريط فيها كالصلاة والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- عدم التسامح مع ما يخل بأصول الدين وقواعده.

4- محاربة البدع والخرافات.

5- قيام القضاء على الشريعة الإسلامية، وإسناده إلى أهل العلم المتأهلين لهز

6- تنفيذ الحدود الشرعية.

7- تشجيع العلم الشرعي، ونشر علوم السلف.

8- السلوك الشخصي للملك عبدالعزيز، المطبوع بالديانة وحسن السمت، كما يشهد بذلك معاصروه.

 

والمملكة العربية السعودية الحاضرة هي  - بلا شك - امتداد لدولة المؤسس عبدالعزيز.

 

فهي إذًا دولة فكرية، إسلامية.

 

والذي نريده هنا أن ما تقوم به الدولة بكل مؤسساتها وبخاصة المؤسسات ذات الطابع الشرعي كالقضاء، والشؤون الإسلامية، والحج، والتربية، والحسبة، والشورى والفتوى، ونحوها، فكل ذلك ينطلق من فلسفة إسلامية، متأثرة إلى حد بعيد بمبادئ دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب.

 

وأهم السمات لهذه القناة:

1- تنظيم العمل وتقنينه، بحيث يسير في منظومة واحدة مهما تنوع أو اختلفت مصادره وجهاته.

 

2- مراعاة النظام العام للدولة القائم على شريعة الله كما أكد على ذلك النظام الأساسي للحكم، وعدم السماح بالإخلال به.

 

3- مراعاة الآداب العامة والاجتماعية، وعدم السماح بممارسة الأخلاق الشاذة.

 

4- مراعاة التنظيم الدولي والمواثيق والأعراف الدولية.

 

5- تنظيم الفتوى في القضايا العامة وحصرها في هيئة كبار العلماء، أو ما تفرع منها كاللجنة الدائمة للإفتاء.

 

6- كل مسؤول في الدولة، أيًا كانت وظيفته، تنفيذية أو علمية أو استشارية أو فنية، فعليه ألا يخرج من فلك المنظومة الرسمية، فإن فعل كان تحت طائلة المساءلة.

 

القناة غير الرسمية:

والمراد بها عموم الأفراد والعلماء، والجمعيات، والهيئات، ومؤسسات المجتمع المدني[29] الأخرى، فإن مثل هؤلاء يعملون باستقلال عن الدولة، وفق قناعاتهم، وبما لا يخل بالنظام العام للدولة وذلك لأنهم مكلفون بالعمل بما يحقق مصالحهم الخاصة، وما يحقق المصالح العامة.

 

والمتأمل في خطاب الشارع الحكيم يجده عامًا لجميع المسلمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]، ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].

 

بل يكون الخطاب أحيانًا عامًا للبشرية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ﴾ [الانشقاق: 6]، ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 27]، الأمر الذي يؤكد أن التكليف موجه إلى كل إنسان يعقل الخطاب، وأن المسؤولية هي في الأصل فردية، ثم هي في نهايتها مسؤولية اجتماعية، لكون الإنسان مدني الطبع.

 

وبناء على ذلك يكون لدينا فئات كثيرة من علماء ومتعلمين ومثقفين وأدباء ورجال أعمال و غيرهم ممن ينتسب لمدرسة ابن عبدالوهاب وينهل من معينها، وتصدر عنهم آراء ومواقف وأعمال متأثرة بالمدرسة.

 

فما سمات هذه القناة إذًا؟ يمكن إجمالها في:

1- تنوع الأداء بتنوع الاهتمام، وبحسب الاجتهاد.

2- تعدد الآراء وفق القناعات.

3- اختلاف الفتوى في مسائل الخلاف والنزاع.

4- اتساع مساحة التعاون والتنسيق بين الشخصيات والهيئات العلمية والفكرية والأدبية في المملكة من جهة، وفي غيرها من جهة أخرى.

 

رابعًا: العلاقة بالآخر:

نظرًا لظروف نشأة الشيخ ابن عبدالوهاب في القرن الثاني عشر المتمثلة في صعوبة التواصل بين الأمم والدول آنذاك، فقد كانت علاقة الدولة السعودية – ممثلة بالدعوة- تكاد أن تكون قاصرة على المناطق والدويلات المجاورة، سواء أكانت هذه العلاقة سياسية أم دينية أم علمية، أم غيرهما.

 

وقد نجح ذلك التواصل في إيجاد نهضة علمية واجتماعية وسياسية وتجارية، ولاسيما في عهد الشيخ نفسه الذي توفي سنة 1206هـ.

 

وفي عهد الدولة السعودية الثانية وحتى فتح الرياض سنة 1319هـ لم تكن الأحوال مستقرة، ولذلك كانت علاقة الدعوة بغيرها مطبوعة بالتوتر وتبادل الاتهامات بين الخصوم.

 

فإذا ما انتقلنا إلى العهد الجديد أو عهد الدولة الحديثة أو المملكة العربية السعودية،، فستبدوا لنا العلاقة بين هذه الدولة وبين العالم الآخر، ومنه العالم العربي والإسلامي في صورة أخرى مختلفة عن العهود السابقة، في أي من المجالات السياسية، والثقافية، والعلمية، والاجتماعية والدعوية وغيرها.

 

ويمكننا إجمال معالم هذه العلاقة في النقاط التالية:

1- من الناحية السياسية:

فقد أصبحت المملكة العربية السعودية جزءًا من المنظومة الدولية وعضوًا فاعلاً في جامعة الدول العربية، وفي هيئة الأمم المتحدة، وارتبطت مع معظم الدول باتفاقيات ومواثيق.

 

2- من الناحية الثقافية والعلمية:

ارتبطت مع كثير من الدول بعلاقات ثقافية في مجالات عديدة: تربية، وآثار ومتاحف ومخطوطات ومطبوعات، وغيرها هذا فضلاً عن الابتعاث وقبول المنح، وتبادل الخبرات في المجالات العلمية.

 

3- من الناحية الاجتماعية:

وجد التواصل بين هذا المجتمع والمجتمعات الأخرى، عن طريق السفر والهجرة والتجارة ورحلات الاستكشاف، والسياحة، بل وجد التزاوج وتداخل العوائل والأسر كما يلحظ في دول شبه الجزيرة العربية وغيرها.

 

وكان لوجود الحرمين الشريفين وقصدهما من قبل عموم المسلمين وارتباطهم الروحي بهما، كان لذلك تأثير مباشر في تجسير العلاقة الاجتماعية وتقوية أواصر الأخوة.

 

4- من الناحية التجارية:

دخلت المملكة في معاهدات تجارية واسعة النطاق. وتوثقت الصلات التجارية بين التجار في المملكة وبين تجار العالم.

 

5- من الناحية الدعوية:

نشطت كل الجهات ذات الاختصاص، مثل الشؤون الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي، والوسائل الإعلامية المقروءة، والمسموعة والمرئية في بث الوعي الإسلامي والفتاوى والأحكام ونشرها في محيط المجتمعات المسلمة، والمجتمع الإنساني بعامة.

 

هذا إلى تقديم الدعم والمساندة للدعاة والمراكز الإسلامية.

 

على أنه يلحظ هنا أن موضوع الدعوة ربما اختلف عنه فيما قبل عهد الملك عبد العزيز.

 

فإذا كان موضوع الدعوة في تلك العهود هو أصول الدين الإسلامي، وفق فكر دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب بالإضافة إلى بيان الشبهات ورد الاتهامات.

 

فإن موضوع الدعوة في العهد الجديد لم يعد مقتصرًا على ذلك الفكر، بل قد أصبح موضوع الدعوة "حقائق الدين وأصوله، وأحكامه" وفقًا للاطروحات السلفية على مر العصور.

 

ولا أظن أن هذا المنهج الدعوي يخص القناة الرسمية، فقط، أو القناة غير الرسمية، بل ينطبق عليهما معًا. بحيث أصبح الخطاب مطلقًا وعامًا.

 

ولعل من أهم ملامح علاقة مدرسة ابن عبدالوهاب المعاصرة بالآخرة:

1- علاقتها مع المخالفين في داخل البلاد:

إن مما يلحظ أن فكر مدرسة ابن عبدالوهاب لا تزال صبغته ظاهرة في النظام العام للدولة، برغم الانفتاح على المدارس الأخرى، وعدم التقيد بالمدرسة.

 

وتعليل ذلك ظاهر ومعقول، كون هذه الدولة المعاصرة امتدادًا فكريًا وتاريخيًا للدولة السعودية التي يبلغ عمرها زهاء ثلاثة قرون.

 

ولذا يصح القول بأن محتوى الفكر الذي تقوم عليه هذه الدولة هو فكر السلف الذي جدده الشيخ ابن عبدالوهاب.

 

بل ليس للدولة خيار آخر غيره.

 

ومما يعزز ذلك ما قرره إمام الحرمين الجويني (ت478هـ) من اعتبار ذلك مسؤولية الدولة المسلمة.

 

فقد تساءل: ما الحق الذي يحمل الإمام الخلق عليه في الاعتقاد إذا تمكن منه؟

ثم أجاب بقوله: "... إن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء، وكانوا ينهون عن التعرض للغوامض، والتعمق في المشكلات والإمعان في ملابسة المعضلات والاعتناء بجمع الشبهات"[30].

 

وتأسيسًا على ذلك، فأي فكر آخر يناهض هذا الفكر فإن النظام العام للدولة يمنعه، ومن حق الدولة رفضه.

 

لكن برغم ذلك، فإن الإستراتيجية العامة لعلاقة المدرسة بمخالفيها في هذه البلاد قد تختلف منطلقاتها في القناة الرسمية عنها في القناة غير الرسمية.

 

فالقناة الرسمية تجعل من المصلحة الوطنية منطلقًا لإستراتيجية العلاقة مع المخالفين.

 

في حين أن منطلق القناة الأخرى هو أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

 

وعندئذ تلتقي القناتان على أهمية المصالحة والمفاهمة مع الأطراف والطوائف كافة، وعدم الرغبة في إثارة النزاع الذي يؤدي إلى الفرقة والفشل.

 

2- علاقة المدرسة بالمخالفين في خارج البلاد.

ينقسم المخالفون إلى مسلمين وغير المسلمين، ولابد أن تكون العلاقة بكل منهما ذات سمات تختلف عن الأخرى.

 

فأما العلاقة بالمسلمين المخالفين فكرًا، فهي تنطلق من محورين:

الأول: الأخوة العامة، وتظهر آثارها في التواصل معهم علميًا وثقافيًا، وسياسيًا إلا أنه لما كانت هذه الأخوة ظاهرية وشكلية لم تحقق أغراضها المأمولة.

 

الثاني: الانقباض النفسي المتبادل بين المختلفين، بحيث لا تتحقق الموالاة أو المودة بصورة تامة، بل تكون ناقصة بقدر حجم الاختلاف وعمقه.

 

ومن هنا يصاب جسد الأمة بالشلل وفقدان الحس وهو ما أشار إليه الحديث الشريف: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[31].

 

وأما العلاقة بغير المسلمين فهي تقوم على ثلاثة محاور:

الأول: الاشتراك بالقيمة الإنسانية العامة.

 

وهو ما يحقق عدة مصالح منها:

أ- الاحترام المتبادل بين عموم البشر.

ب- الرفق في التعامل.

جـ- البر والإحسان إلى كل نفس.

د- التعاون على البر والتقوى، والمصالح المشتركة.

هـ- احترام العهود والمواثيق.

و- العدل في المعاملة.

ز- السعي نحو الصلاح للإنسان والبيئة، والبعد عن الفساد في الأرض.

 

ودلائل ذلك في النصوص الشرعية كثيرة، لا يتسع المجال لذكرها.

 

ولكن هل استطاعت المدرسة أن تحقق هذه المصالح؟ والظاهر أن الجواب بالإيجاب إلى حد كبير.

 

الثاني: البراءة من الشرك وأهله:

وأصل معنى البراءة: "التباعد من الشيء ومزايلته"[32] وهو تباعد معنوي أكثر من كونه ماديًا. وقد دلت على ذلك آيات قرآنية عديدة. كقول الحق تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4].

 

وهذا أصل مهم من أصول دعوة ابن عبدالوهاب، ويكاد أن يكون حاضرًا في واقع العلاقة المعاصرة.

 

الثالث: العزة الإسلامية:

وأصل العزة: "حالة مانعة للإنسان من أن يغلب"[33].

 

فإذا كانت هذه العزة بالله وبالإسلام كانت حقيقية وباقية.

 

أما إذا كانت العزة بغير الله فهي وهمية وزائلة.

 

وفي التنزيل: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].

 

وإذا تنازل المسلم عنها فلم يتعزز بالله وبالإسلام فإنه يكون ذليلاً أمام خصوم الإسلام.

 

لكن يجب أن يفهم أن هذه العزة هي إباء وأنفة ترفض الذلة والهوان، وليست استكبارًا أو علوًا في الأرض.

 

ومدرسة ابن عبدالوهاب المعاصرة مازالت متمسكة بهذه العزة وعروتها الوثيقة.

 

خامسًا: تقويم عام:

أعترف مسبقًا بأن تقدير مثل هذه المدرسة وتقويمها غير يسير، لسببين:

أحدهما: تداخل هذه المدرسة مع المدارس السلفية الأخرى في كثير من جوانب الفكر والمنهج.

 

الآخر: وجود التنوع والتعدد داخل المدرسة نفسها، ناهيك عن وجود القناتين السابقتين، القناة الرسمية، والقناة غير الرسمية، اللتين تعكسان مسارين مختلفين في الآليات والأطروحات والوسائل.

 

إلا أن ذلك لا يمنعنا من التقويم أو التقدير المجمل، وليس المفصل.

 

فهذه المدرسة برغم ثباتها على الأصول العامة لدعوة ابن عبدالوهاب إلا أنها تعصرنت وتفاعلت مع الواقع بكل متغيراته ومعطياته.

 

ولعل من أهم معالم الثبات على الأصول، تلك السمات الفكرية والمنهجية التي أشرنا إليها، فإن كثيرًا منها هو من صميم فكر ابن عبدالوهاب، ومن ذلك:

أ- العناية بتوحيد العبادة.

ب- العناية بالولاء والبراء.

جـ- التحذير من البدع.

د- تعديل جملة الصحابة.

هـ- ترجيح مذهب الإمام أحمد في الاعتقاد والفقه.

و- الإشادة بمدرسة ابن تيمية وابن القيم.

 

أما أهم معالم التحديث والعصرنة:

أ- الاعتراف بالواقع السياسي الدولي، الذي ينتظم أشخاص الدول والمنظمات الدولية.

ب- التعامل الدبلوماسي والتجاري والثقافي مع معظم الدول والمجتمعات الإنسانية.

ج- السفر والسياحة في شتى أصقاع المعمورة.

د- قبول العمالة الأجنبية من شتى الجنسيات.

هـ- تشجيع حوار الحضارات، والتعايش السلمي.

و- الانفتاح على العالم أخذًا وإعطاء.

 

وقبل أن نغادر هذه المدرسة، لا بأس أن نثبت في أسطر معدودة شهادات بعض المنصفين والمحايدين نحو مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لننظر كيف هي نظرتهم تجاهها؟

 

1- يقول لوثروب ستودارد الأمريكي: "وفيما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته، إذا بصوت يدوي في قلب صحراء شبه الجزيرة، مهد الإسلام، يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبدالوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت، واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد" ويضيف: "وفي الواقع فإن المنهج الذي نهجه ابن عبدالوهاب ليشبه شبهًا كبيرًا ذاك الذي نهجه الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر..."[34].

 

2- يقول أمير البيان شكيب أرسلان (1366هـ): "لا ينكر أن الوهابية هي نهضة في الإسلام عظيمة ممتدة في أكثر بلاد العرب وفي الهند، والقائمون بها أولو تعصب شديد، وربما أفرطوا في مبادئهم وغلوا في عقائدهم شأن جميع المذاهب التي  لا يقف أتباعها عند الحد الذي وضعه أصحابها، ولكن المقرر أنها حركة إنابة إلى العقيدة الحق وهدي السلف الصالح واقتفاء أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ونبذ الخرافات والبدع، وحظر الاستغاثة بغير الله ومنع التمسح بالقبور والتعبد عند مقامات الأولياء ولذلك يسمونها عقيدة السلف ويلقب الوهابيون أنفسهم سفليين..."[35].

 

3- يقول الأستاذ أحمد أمين (ت1373هـ): "... وهكذا شغلت ذهنه - يعني ابن عبدالوهاب - فكرة التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك وفكرة التوحيد في التشريع، فلا مصدر له إلا الكتاب والسنة، هذا هو أساس دعوة محمد بن عبدالوهاب، وعلى هذا الأساس بنيت الجزئيات... فكانت دعوة ابن عبدالوهاب حربًا على كل ما ابتدع بعد الإسلام الأول من عادات وتقاليد... لم ينظر محمد بن عبدالوهاب إلى المدنية الحديثة وموقف المسلمين منها، ولم يتجه في إصلاحه إلى الحياة المادية كما فعل معاصره محمد علي باشا وإنما اتجه إلى العقيدة وحدها والروح وحدها، فعنده أن العقيدة والروح هما الأساس وهما القلب، إن صلحا صلح كل شيء، وإن فسدا فسد كل شيء"[36].

 

4- يقول الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار (ت1411هـ): "نشر العلماء المغرضون عن الوهابية الأكاذيب المختلفة والدعاية السيئة فأطلقوا على الدعوة التي قام بها الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب اسم "الوهابية" وأحاطوه بكل شر ورذيلة، وجعلوا اسم الوهابية علمًا على الوحشية والجمود والهمجية وأفهموا الناس ذلك عن طريق السفسطة والمنطق الخادع فصدقوهم... ليس للوهابيين مذهب خاص تفردوا به عن أهل السنة والجماعة، كما يظن الذين لم يدرسوا الوهابية أو المغرضون وكذلك لم يكن الشيخ محمد مبتكرًا طقوسًا دينية تخالف ما جاء به القرآن والحديث، ولم ينفرد بأمور لا تتفق والإسلام"[37].

 

تلك بعض الأقلام المحايدة التي كتبت عن دعوة ابن عبدالوهاب جئت بها ضميمة لا أصيلة، لكون هذه الدعوة أصلاً ومصدرًا للدعوة السلفية المعاصرة.

 

الخاتمة

قد يبدو للقارئ للمباحث السابقة، أن المدارس السلفية المعاصرة متعددة في رؤاها ومشاربها، ومختلفة في أصولها وفروعها، إلى حد التنافر والتشتت، بحيث لا يجمعها جامع، ولا يربطها رابط.

 

والحق أن في هذا التصور شيئًا من الواقعية، إلا أنها ليست كل الواقعية.

 

إذ بقدر ما تفترق تلك المدارس، تكون وجوه الالتقاء والاتفاق.

 

ولعل من أهم وجوه الاتفاق:

1- اعتماد النصوص التشريعية الثابتة، وتعظيمها.

2- الاستغناء عن الأحاديث الواهية وعدم التعويل عليها.

3- عدم الميل إلى التأويل.

4- نبذ البدع والخرافة.

5- إجلال علماء السلف بعامة، وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخاصة.

 

وهذه الوجوه (المبادئ) لها أثر كبير على الفكر والمنهج لدى جميع المدارس السلفية، مما يجعل التواصل بينها ممكنًا ومتيسرًا، إذا تزكت النفوس من الأهواء والعصبيات.

 

أما وجوه الاختلاف بين هذه المدارس فهي كثيرة، لكنها ليست كلها على درجة واحدة، وذات بعد واحد.

 

فقد يكون خلافًا شكليًا، أو فرعيًا، كما قد يكون خلافًا حقيقيًا أو أصليًا، سواء في طبيعة الفكر أو التفكير أو المنهجية أو الآليات والوسائل.

 

وهذا الاختلاف هو ما جعلها مدارس؛ وليست مدرسة واحدة. إنها مدارس متنوعة أو مختلف، تلتقي أحيانًا و تفترق أحيانًا أخرى.

 

وذلك في تقديري يمكن أن يحسب للسلفية لا أن يحسب عليها. وهو عنوان المرونة فيها، وسعة رحمها، بحيث يستوعب أصنافًا شتى، ممن يستظل بظل أهل السنة والجماعة، وينضوي تحت لوائهم.

 

وهو يصحح مفهومًا سائدًا عند بعض السلفيين، وعند كثير من خصومهم، وهو أن السلفية وعاء ضيق، لا يستوعب إلا فئة محدودة من المسلمين، قد تحويها منطقة محدودة؛ أو دولة معينة، أو يجمعها شيخ واحد، أو ما إلى ذلك من التخيلات.

 

ومما يدل على سعة رحم "السلفية" استيعابها لمدرسة أهل الحديث، وأهل الفقه، أو أهل الأثر وأهل الرأي.

 

كما أظلت على مدار الزمن أنظمة سياسية متعددة في الحجاز، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة والدرعية والرياض وغيرها.

 

ولذا يصح القول بأن السلفية مصطلح مرادف لأهل السنة والجماعة.

 

والقاعدة أن كل من أخذ بالوحيين وآمن بهما فهو من أهل السنة، حتى لو وجدت عنده مخالفات ومعاص، ما لم تكن عنده بدعة كلية حقيقية.

 

ومن هنا يدخل في لوائهم علماء الإسلام المشاهير كالأئمة الأربعة والمحدثين، والفقهاء الكبار من أتباع الأئمة منذ القرن الثاني الهجري، وحتى اليوم.

والله ولي التوفيق؛؛؛؛؛؛؛؛


[1] معجم مقاييس اللغة 3/95.

[2] تهذيب اللغة 12/431.

[3]النهاية في غريب الحديث 2/390.

[4] المحرر الوجيز 25/556 تحقيق الرحالة الفاروق وآخرين.

[5] ينظر: السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي، للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ص9.

[6] قواعد المنهج السلفي، مصطفى حلمي ص209.

[7] ينظر السلفية وقضايا العصر، للدكتور عبدالرحمن الزنيدي، ص34.

[8] تهذيب اللغة للأزهري 4/458- 459.

[9] المعجم الوسيط ص185 مادة حفظ.

[10] جوء من حديث أخرجه النسائي في سننه، كتاب العيدين الباب 22.

[11] ينظر في هذا: منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف، دكتور/ربيع المدخلي، ومدارك النظر في السياسة للشيخ عبدالملك الجزائري، والمصارعة للشيخ مقبل الوادعي.

[12] ينظر في هذا: الرد على المخالف من أصول الإسلام، للشيخ بكر أبو زيد.

[13] يراجع في هذا: الحكمة، للشيخ الدكتور/ ناصر بن سليمان العمر.

[14] تخريج المناط: هو استنباط العلة غير المنصوص عليها، أو المجمع عليها، بأي طريق من طرق التعرف عليها. وتحقي المناط: هو النظر والبحث عن مدى وجود علة الأصل في الفرع (ينظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار 4/200 تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد.

[15] قد يحصل أحيانًا المبالغة في تكييف المسألة، فتوضع في قائمة المعتقدات، مع أنها من المسائل العملية، ومن ذلك المعاملة مع غير المسلم في المجالات المدنية، وفي العلاقات الدولية، بحيث لا يرد على الذهن إلا قاعدة (البراء والعداء).

[16] الحديث أخرجه أبو داود في سننه برقم (4291).

قال ملا علي قاري: "وأخرجه الطبراني في الأوسط وسنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات وكذا صححه الحاكم" [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/302 مكتبة إمدادية.

[17] مرقاة المفاتيح 1/302 مرجع سابق.

[18] لسان العرب حرف الدال فصل الجيم 3/111.

[19] عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب شمس الحق آبادي 11/386.

[20] الجامع لأحكام القرآن 21/147، تحقيق الدكتور عبدالله التركي.

[21] ينظر: السياسة الشرعية، للدكتور يوسف القرضاوي ص26.

[22] أي أنه موجه إلى المسلمين.

[23] الأعلام 6/126.

[24] ينظر له مثلاً: فتاوى معاصرة، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، في فقه الأولويات.

[25] ينظر مثلاً كتابه: (الفكر الأصولي – دراسة تحليلية نقدية).

[26] ينظر كتابة: (ولا يزالون مختلفين) وكتابة الآخر: (الأمة الواحدة).

[27] ينظر في هذه المسألة: تعليقات الشيخ ابن عثيمين على كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية.

[28] روضة الأفكار والأفهام لابن غنام 1/83.

[29] (المجتمع المدني) مصطلح حديث، وقد يختلف الناس في مفهومه، فقد يعبر به عما يكون مستقلاً عن الدين، أو عن الأخلاق، أو عن النظام السياسي (الدولة). ينظر: قاموس الفكر السياسي لمجموعة من المختصين، ترجمة أنطون حمصي 2/231. والذي أعنيه في هذا البحث هو المفهوم الأخير، الذي يراد به: النشاط غير الرسمي.

[30] غياث الأمم في التياث الظلم ص190 تحقيق: د.عبدالعظيم ديب.

[31] متفق عليه، واللفظ لمسلم (صحيح البخاري برقم 6011، وصحيح مسلم برقم 2586).

[32] معجم مقاييس اللغة لابن فارس ص128.

[33] المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني ص332.

[34] حاضر العالم الإسلامي 1/260- 261.

[35] حاضر العالم الإسلامي، الحاشية رقم (1) 1/264 مرجع سابق.

[36] زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص12- 15 بتصرف.

[37] محمد بن عبدالوهاب، أحمد عبدالغفور عطار، ص125- 126.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السلفية في الكتاب والسنة
  • الآخر المسلم وإشكاليات الحوار
  • الأسماء والصفات عند المدرسة السلفية المعاصرة
  • الحوار والاعتراف بالآخر وحقوقه في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • المدارس السلفية المعاصرة قراءة في التنوع، والعلاقة بالآخر (PDF)(كتاب - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • بريطانيا: المدارس الإسلامية أفضل المدارس في بريطانيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نيجيريا: تخريج الدفعة الستين من المدرسة السلفية بجنوب البلاد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • السلفية في اتباع منهج السلف عقيدة وقولا وعملا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هولندا: المدارس الابتدائية الإسلامية تحقق أفضل النتائج(مقالة - المسلمون في العالم)
  • درء الهجوم على السلفية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • بلجيكا: السماح بالحجاب للمدرسات في المدارس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: اختيار مدرسة إسلامية واحدة فقط ضمن المدارس النموذجية(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
1- السلفية على منهاج النبوة
هواري شريف - الجزائر 21-02-2016 07:37 PM

أريد أن اكون سلفيا على منهاج النبوة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب