العلامة زيد بن فياض وجهوده الفكرية

اليوم سأتحدث عن شخصية عظيمة خدمت الفكر السعودي والإسلامي مما يحمل من طرح جري إلا وهو العلامة زيد بن فياض ويمتاز مسيرته بما يلي:

1- اسمه ونسبة ومولدة هو زيد بن عبدالعزيز بن زيد بن عبدالوهاب، يلتقي اسمه مع الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب في سليمان بن علي؛ فهو تميمي وهيبي من المعاضيد من المشارفة، ونسبته (ابن فياض) إلى جدة السادس.

ولد في روضة سدير عام 1350هـ، وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة ودرس القران على يد خاله عبدالله بن فوزان القديري، فحفظه وهو ابن عشر، ثم أعاد تسميعه وهو ابن اثنتا عشر.

2- ثم انتقل إلى الرياض، فكان من شيوخه: العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وكان يناديه (الابن زيد)، والشيخ محمد الشنقيطي صاحب كتاب "أضواء البيان"، والعلامة ابن باز رحمة الله، وعبدالرزاق عفيفي رحمة الله، وعلامة الجزيرة حمد الجاسر.

3- عندما افتتح المعهد العلمي عام 1371هـ التحق بالصف الثاني الثانوي لارتفاع مستواه العلمي، وكان من زملائه في تلك الفترة الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي رحمة الله، وحصل على الترتيب الأول.

4- كان له نشاط ثقافي في المعهد وكلية الشريعة؛ فكان يرأس النادي، ويشرف على تحرير ونشر المقالات الصادرة عن النادي.

5- كان رحمه الله يحفظ الكثير من المتون: مثل "كتاب التوحيد" و"ثلاثة الأصول" و"العقيدة الواسطية" و"الورقات" و"ألفية ابن مالك" و"الآجرومية" وغيرها.

6- له من المؤلفات 90 كتابًا، أذكر منها: "الروضة الندية شرح العقيدة الوسطية"، وهي من أحسن الشروح، وقد طُبع وحصلت به الفائدة.

وكتاب "نظرات في الشريعة" وكتاب "من كل صوب" وكتاب "الوحدة الإسلامية" وكتب لم تُطبع مثل: "حقيقة الدروز" و"الدفاع عن معاوية" و"صلاح الدين الأيوبي" وغيرها.

توفي في 19/ 11/ 1416هـ، بعد أن ظل قعيد شلل طولي نصفي لمدة ثلاث سنوات.

أعماله:

1- عمل في دار الإفتاء عام 1376هــ، ثم انتقل إلى التدريس في المعهد وكلية الشريعة، ثم انتقل إلى رئاسة القضاء، بعد ذلك نقل إلية امتياز مؤسسة اليمامة من شوال 1381 حتى شوال 1383هـ، وكان عضوا في مؤسسة الدعوة الصحفية، وكذلك عمل مدرسًا في كلية أصول الدين، وعمل مساعدًا لمدير عام إدارات المكتبات.

2- كتب عن الشيعة والدروز واضطهاد السنة في لبنان وغيرها، وسأغوص معكم في ثنايا مقالات زيد بن فياض؛ لنتعرف على شخصيته الفكرية:

أولاً: في الجانب الاقتصادي:

تحدث عن كاتب يطالب بوجود الضرائب والرسوم، رمز لنفسه باسم عربي في جريدة عكاظ، ذكر أن تعود الضرائب بتشريع جديد، ويعاد النظر في القائم منها؛ لأن الضرائب تدل المساهمة الفعلية من المواطنين، وأن الشعب يتمتع بالرخاء؛ فكان رد شيخنا:

1- أنها تثير الشعب ويشعر بالتذمر.

2- تجعل هوة بين الحاكم والمحكوم.

3- الشرع يرفضها؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد عندما شتم الزانية: ((لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكس لَغُفِر له)).

4- في الدولة من الخيرات من زيت ومعادن ونخيل، لو استفيد منها بطريقة صحيحة لأصبحنا في مصاف الدول القوية في زراعتها وصناعتها وإنتاجها.

5- الدولة التي تتدخل في حرية الاقتصاد بشكل قوي تعاني شعوبها من المتاعب ويكثر الانقلابات.

6- إن ازدهار أي شعب يظهر من خلال قوة البلاد الاقتصادية والزراعية والصناعية، وقوة العملة، وعظمة جيشها ومخترعاتها، وليس بطريقة زيادة الضرائب أيها الكاتب المتواري.

ثانيًا: عندما تحدث عن أهداف الحج ذكر:

1- أن الفرد يودي الأعمال في أوقات معلومة مع إخوانه، ليس انزواء كما يفعل المتحذلقين.

2- من مقاصد الحج أن يتذكر أن له أخوان يقاسون الآلام من الدول الاستعمارية والشيوعية المجرمة، ويتذكروا إخوانهم في الحبشة وكينيا وبخارى وألبانيا، ومن مزايا الحج:

أ- أن يتعاونوا في حل مشاكل بعضهم البعض، ويتعاونوا على البر لإنقاذ إخوانهم تحت نيران الدول الشيوعية والغربية، أو غيرها من حكام الطواغيت.

ب- أوقاف الحرمين، والاستفادة منها في نشر العلن، أو مساعدة المحتاجين في بلاد الحرمين، وبعض الحكومات استولت على لأوقاف؛ فليُعاضد المسلمين لاسترجاعها لأهلها الشرعيين، وينددوا على من صرفها في غير محالِّها.

ج- يتأزروا لمحاربة الوثنية والشيوعية.

ثالثًا: ورد خبر في مجلة (آخر ساعة) أن السفير الإندونيسي في القاهرة أمر بعدم تقديم الخمور في سفارته، وتقديم الليمون بدلاً عنه. المجلة أوردت الخبر باستطراف: "مرحبا بهذا السفير، وأكثر الله من أمثاله، الذين لا يستجيبون للشياطين الناعقة".

رابعًا: من أين لك هذا:

1- هذا تعليق بمناسبة صدور مرسوم ملكي عام 1382 فيما تقضيه المصلحة العامة من أن يحاسب الموظفين عن مصادر ثروتهم، فإن عجز الموظف عن إثبات مصادر ثروته يصادر نصف ماله ويُفصل من عمله.

يقول زيد بن فياض عن هذه الفكرة: "إنها فكرة جريئة جديرة بأن يُنظر إليها بجد، وأن تُعطى من الدراسة، ولست أعرف سببًا يمنع من تطبيق هذا المبدأ.

جاء في حديث أبي سعيد الخدري: ((هدايا العمال غلول))، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هدايا الأمراء غلول))".

ويقول زيد بن فياض في مقال آخر: "وهذا الاتجاه (من أين لك هذا) مما تحمد عليه الحكومة، وينبغي شد أزرها للوصول إلى هذه الغاية".

2- البعض يتحايل ليأخذ تعويضًا من الحكومة، وربما بلغ التحايل إلى الكذب، وربما التحايل ببعض الناس إلى أخذ الرشوة، ولا يرى في ذلك جريمة طالما إن ذلك من أموال الدولة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لولاة الأموال أن يقسموها على حسب أهوائهم؛ فإنما هم نواب وليسوا ملاكًا".

3- يطالب زيد بن فياض أن يكون للموظفين دون المرتبة الخامسة بدل نقل لسببين:

أولهما: حدوث فوارق بين الموظفين.

ثانيهما: أن السيارات التي صُرفت لصغار الموظفين استخدمها كبار الموظفين! (مجلة اليمامة 1381هـ).

خامسًا:كنا ننتظر إذاعة الرياض أن تكون تحكي عن ما حققه المجتمع السعودي من نهضة في جميع الاتجاهات، وكان مفهوما وبديهيًّا أن يستعد المسئولون في تقديم شي مفيد فيه الجدية والسمو والمتعة، لكن الإذاعة بدأت في فترتها التجريبية بأغان خليعة منحطة! وما الدافع لها؟ يقولون: إنها فترة تجريبية!

قد يقال: إن المستمع بحاجة إلى ترفية، وحتى مع هذا الرأي؛ أليس هناك أناشيد حماسية وفكاهية؟ ولا أظن أن المسئولين تفاجئوا وأُخذوا على غرة؛ لأن الصحف تتحدث عن الإذاعة المرتقبة منذ سنتين.

إننا بحاجة إلى قناة قوية وصوت مسموع؛ لينطق عن أمال البلد وآلامها، لا ينقصه أغاني هابطة.

سادسًا: الأغاني في الإذاعة السعودية

أثير جدل حول الأغاني في الإذاعة؛ فمنهم من حبذ الأغاني بحجة أنها مسلية وتروِّح عن النفس؛ فراحوا يكيلون عليه المدح، ووضعوا عليه ألقابًا؛ فرد عليهم أحد الغيورين في جريدة الندوة يندد بفكرة وجود الأغاني في الإذاعة، ولا يضيرها أن تكون الإذاعة السعودية الوحيدة في العالم من دون أغاني، وان تكون مثلاً عاليًّا يُحتذى به.

وكتب الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ حسن بن عبدالله مبدين استياءهما من هذه الفكرة.

سابعًا: الصحافة

1- إن الصحفي يتنازعه أمران: أن يجعل صحيفته مرآة للقارئ، وأن ينهج الصراحة وقول كلمة الحق من غير مجاملة. وهذا النوع قد يُساء له شخصيًّا، وقد يكون عرضة لخسائر مادية، فهذا يغضب الآخرين، ويقاد العداء البعض إلى شكوته والتهجم الشديد عليه، ووقف الإعلانات عن صحيفته أمعانًا في التشفي.

ومن حق الصحفي أن تكون له حماية حتى يستطيع أن يجهر بكلمة الحق ويلبي رغبات القراء العادلة، والصحفي الذي يريد أن يرضي ضميره لابد أن ينتقد بعض الأوضاع في الدوائر الرسمية والشركات، ومن العدل أن يكون للصحافة حماية حتى لا تتحكم فيها الأهواء ومن لا يطيقون النقد البناء، وحري بوزارة الإعلام إن تقف مع أصحاب الصحافة المسئولة.

2- الصحافة لها دور في التوجيه؛ لأن الصحافة مرآة للواقع، تحاول إصلاح المعوج، ولابد من النقد، حتى لو كان مرًّا لفريق آخر.

وبعض الصحف العربية فيها الشعوذة وقراءة الطالع ونشر الصور الخليعة!

3– حوار بين قارئ وبين زيد بن فياض، أبرز ما ذُكر فيه أن صحيفةً ما تلتقي مع شخصية إلا والصحف الأخرى تسارع في مقابلة نفس الشخصية، ومع الإمكان الاستعاضة عنها بشخص آخر من نفس الوظيفة والصنعة، وأحيانًا تقرأ خبرًا فتجده في جريدة أخرى بعد أسبوع، وكأنه وردها لساعته! وما يعجبه في الصحف المحلية ابتعادها عن المهاترات الشخصية، ووجود المقالات الدينية.

4- تجربته مع (اليمامة): مع مطلع عام جديد على اليمامة بزغ فجر جديد، وذلك بصدورها نصف أسبوعية، والمرء يشعر بالاعتزاز إذا عمل عملاً نافعًا نحو أمته ودينه، أو قام بمجهود أدبي أو مادي في هذا السبيل.

وعندما تحوي الصحيفة مادة دسمة وثقافة هادفة واقتراحات إصلاحية؛ نشعر براحة ضمير بأننا قمنا بواجب الصحافة، ولا نقطع الأمل في الذين لا يرضون عن صحافة بلادهم؛ فمنهم من سبب عدم رضاه أنه لا يعلم الصعوبات التي تواجهها الصحافة، وآخرون غير راضين بسبب أنهم لا يعجبهم إلا ما يأتي من خارج البلاد، ولابد أن نتفاءل، خاصةً بعد كلمة جلاله الملك في الدمام (عزم الحكومة تأسيس المصانع، وأولها مصنع المشتقات الكيمائية، يكون في هذه المنطقة، ومعهد للبترول والمعادن، وسننشئ مصنعًا للحديد والصلب والتنقيب للثروة البترولية في المنطقة الغربية، ونحن مجتهدون للوصول إلى استخدام الذَّرَّة وإنشاء أفران ذرية، بعد أن تتم الدراسات التي بُدئ فيها من الآن).

ومنذ أن صدرت اليمامة النصف أسبوعية انقضى عام، وكنا ننوي مفاجأة القراء بإصدارها يومية، بل أكثر من ذلك: مشروع استيراد آلات طباعة وتنضيد الحروف من ألمانيا وبريطانيا، وكادت أن تتم الصفقة، وبقي فتح اعتماد من أحد البنوك المحلية، وجرت مفاوضات لأخذ سلفه من أحد البنوك، وفي هذه الأثناء طلع بيان وزارة الإعلام بإلغاء امتيازات الصحف!

لقد كنا نعمل في صمت لتلتقي بالقراء مع طلوع الشمس، ويكون توزيعها على نطاق واسع مع زيادة عدد المرسلين زيادة كبيرة.