• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / بحوث ودراسات
علامة باركود

حكم الأخذ من اللحية

حكم الأخذ من اللحية
الشيخ دبيان محمد الدبيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/9/2012 ميلادي - 23/10/1433 هجري

الزيارات: 192922

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حكم الأخذ من اللحية

 

اختلفوا في حكم الأخذ من اللحية من غير حلق:

فقيل: يكره أن يأخذ منها في غير النسك، وهو مذهب الشافعية[1].


وقيل: له الأخذ منها، وهو مذهب كثير من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -[2]، والحسن وابن سيرين[3]، وقتادة[4]، وعطاء[5]، والشعبي[6]، والقاسم بن محمد[7]، وطاوس[8]، وإبراهيم النخعي[9]، ومذهب الحنفية والمالكية والحنابلة[10]، واستحبه الشافعي في النسك[11]، واختاره الطبري[12]، ورجحه ابن عبدالبر[13]، والقاضي عياض[14]، والغزالي من الشافعية[15]، والحافظ ابن حجر[16]، وغيرهم.


والقائلون بالأخذ منها اختلفوا في المقدار على قولين:

الأول: أنه لا حد لمقدار ما يؤخذ منها، إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، وهو مذهب المالكية[17].


والقول الثاني: أنه يؤخذ منها ما زاد على القبضة، وهو فعل ابن عمر[18].


ثم اختلفوا في حكم أخذ ما زاد على القبضة على خمسة أقوال:

فقيل: يجب أخذ ما زاد على القبضة، وهو قول في مذهب الحنفية[19]، واختاره الطبري - رحمه الله[20].


وقيل: إنه سنة، وهو المشهور من مذهب الحنفية[21]، واستحسنه الشعبي وابن سيرين[22].


وقيل: إنه بالخيار، فله أخذ ما زاد على القبضة وله تركه، نص عليه أحمد[23]، وظاهر هذا القول أنه يرى أن الأخذ من اللحية وتركها على الإباحة.


وقيل: الترك أولى، وهو قول في مذهب الحنابلة[24].


وقيل: يكره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة[25].


دليل من كره أن يأخذ من اللحية شيئًا إلا في النسك:

الدليل الأول:

(571-135) روى البخاري، قال: حدثني محمد، أخبرنا عبدة، أخبرنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى))[26].

وفي رواية لمسلم: ((أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى))[27].


(572-136) وروى مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية[28].


(573-137) وروى مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس))[29].


وجه الاستدلال:

قوله: " أعفوا اللحى ".


جاء في المصباح المنير: "عفا الشيء: كثر، وفي التنزيل: ﴿ حتى عفوا ﴾[30]؛ أي: حتى كثروا. ومنه عفا بنو فلان: إذا كثروا. وعفوت الشعر؛ أي: تركته حتى يكثر ويطول، ومنه: ((أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى))"[31].

 

وجاء في إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم: "قوله: ((وأعفوا اللحى))، وفي رواية: ((أوفوا اللحى))، وهما بمعنى؛ أي: اتركوها حتى تكثر وتطول. ثم قال:

وقال أبو عبيد: في إعفاء اللحى: هو أن توفر، وتكثر، يقال: عفا الشيء: إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا.


وعفا: إذا درس، وهو من الأضداد، ومنه الحديث: "فعلى الدنيا العفا"؛ أي: الدروس"[32].


وأجيب بأجوبة، منها:

الأول: إذا كان لفظ أعفوا: هو التكثير، كما يفهم من قوله تعالى: ﴿ حتى عفوا ﴾؛ أي: حتى كثروا، فمن أعفى لحيته بمقدار القبضة، فقد كثرت لحيته، وصدق على لحيته أنها قد عفت، وأن صاحبها قد أعفاها، وهذا ما فهمه الصحابة - رضوان الله عليهم.


الثاني: قال: معنى "أعفوا اللحى"؛ أي: أعفوها من الإحفاء.


قال القاضي أبو الوليد: ويحتمل عندي أنه يريد أن تعفى من الإحفاء؛ لأن كثرتها ليس بمأمور بتركه[33].


وقال السندي: المنهي قصها كصنع الأعاجم، وشعار كثير من الكفرة، فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولاً ولا عرضًا للإصلاح[34].


وجاء في فتح الباري: ذهب الأكثرون إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا، وهو الصواب.


قال ابن دقيق العيد: لا أعلم أحدًا فهم من الأمر في قوله: "أعفوا اللحى" تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس[35].


الجواب الثالث - وهذا قوي -: قال: إن اللفظ المطلق أو العام يقيد ويخصص بعمل الصحابة، أو بعضهم، وهي مسألة خلافية بعد الاتفاق على أن الصحابي إذا وجد من يخالفه فلا يخص به النص العام، ولا يقيد به المطلق[36].


قال بعض العلماء المعاصرين:

إذا كان عمل الصحابة خلاف العام أو خلاف المطلق، يكون العام والمطلق غير مراد، أو بعبارة أخرى: إذا كان فرد من أفراد العموم أو المطلق لم يجر العمل به، كان هذا الفرد غير مراد، وعليه فالمطلق في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعفوا اللحى)) غير مراد؛ لعدم جريان العمل به، فقد ثبت عن السلف الأخذ من اللحية، وكان معروفًا عندهم، وفيهم من روى العموم المذكور، كابن عمر، وحديثه في الصحيحين، وأبي هريرة وحديثه في مسلم وغيرهما. اهـ وسوف أسوق الآثار عن الصحابة في أدلة القول الثاني - إن شاء الله تعالى.


ولا يقال: إن فعل الصحابة يعارض النص، نعم يعارض النص لو أن ما جاء عن الصحابة يقتضي حلق اللحية، والنص يأمر بإعفاء اللحية، فحينئذٍ يقال: بينهما تعارض؛ لأنه يلزم من فعل هذا إبطال ذاك، أما الإعفاء فحقيقته لفظ مجمل، يصدق عليه إذا ترك اللحية حتى تكثر، فإذا أخذ ما زاد على القبضة لا يقال: إن هذا لم يعفِ لحيته، والله أعلم.


الدليل الثاني على كراهة الأخذ من اللحية خارج النسك:

أن فعل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مبين لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعفوا اللحى))؛ حيث لم يثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا قولاً ولا فعلاً أنه أخذ من لحيته، فيكون فعله مبينًا للمجمل في أمره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإعفاء اللحية، وقول الشارع لا يقيده إلا نص منه، فالمطلق باقٍ على إطلاقه، وكذا العام، وفعل الراوي ليس بحجة؛ لأن الحجة فيما روى، لا فيما رأى، خاصة أن فعله لم ينسبه للشرع، وقد يفهم الراوي خلاف المراد، وإن كان هذا نادرًا، وقد ينسى، ويبقى الشأن ليس للراوي عصمة؛ وإنما العصمة للنص، والله أعلم.


أدلة القائلين بالأخذ من اللحية:

الدليل الأول:

(574-138) روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب))، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته، فما فضل أخذه[37].


قال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله، وقصر من لحيته؛ ليدخل في عموم قوله تعالى: ﴿ محلقين رؤوسكم ومقصرين ﴾[38]، وخص ذلك من عموم قوله: ((وفروا اللحى))، فتعقبه الحافظ، فقال: "والذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه"[39].


قلت: هذا محتمل، ويؤيده أن المنقول عن أبي هريرة أنه كان يأخذ منها مطلقًا، ولم يقيد بحج أو عمرة، ويحتمل أن ابن عمر يراه من قضاء التفث، كما نقل عن ابن عباس وجماعة من التابعين كما سيأتي - إن شاء الله تعالى.


الدليل الثاني:

(575-139) رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن عمرو بن أيوب من ولد جرير، عن أبي زرعة، قال: كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فضل منها[40].

[ضعيف][41].


الدليل الثالث:

(576-140) ما رواه ابن أبي شيبة قال: نا ابن نمير، عن عبدالملك، عن عطاء، عن ابن عباس قال: التفث: الرمي والذبح، والحلق والتقصير، والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.

[سنده صحيح][42].


وقد فسر الآية بمثل ما فسرها ابن عباس تابعيان جليلان: مجاهد، ومحمد بن كعب القرظي.


أما تفسير مجاهد، فقد أخرجه الطبري، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى (ح)

(577-141) وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ قال: حلق الرأس، وحلق العانة، وقص الأظفار وقص الشارب، ورمي الجمار، وقص اللحية[43].


(578-142) وأما تفسير محمد القرظي، فهو عند الطبراني أيضًا: قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة[44].


الدليل الرابع:

(579-143) روى أبو داود، قال: حدثنا ابن نفيل، ثنا زهير، قرأت على عبدالملك بن أبي سليمان، وقرأه عبدالملك على أبي الزبير، ورواه أبو الزبير عن جابر قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة[45].

[إسناده حسن][46].


قال الحافظ في الفتح: قوله: "نعفي" بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرًا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السِّبَال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة: جمع سَبَلة بفتحتين: وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك[47].


وقوله: "كنا نعفي" حكاية عن الصحابة، كلهم أو أكثرهم، وهذا يؤيد أن الأخذ من اللحية لم يكن من فعل ابن عمر وحده، ولكن من فعل غالب الصحابة، وهذا الاستدلال يسلم إن كان يطلق السبال على اللحية. والحق أن السبال فيه سبعة أقوال، كلها تدور حول الشارب واللحية:

فقيل: السبلة: مقدم اللحية، وما أسبل منها على الصدر، وهذا نص الأزهري.


وقيل: ما على الذقن إلى طرف اللحية كلها أو مقدمها خاصة.


وقيل: السبلة: هي الدائرة في وسط الشفة العليا.


وقيل: ما على الشارب من الشعر.


وقيل: مجتمع الشاربين.


وقيل: طرف الشارب[48].


(580-144) وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشارب[49].


(581-145) وروى الطبراني في المعجم الكبير، قال: حدثنا أحمد بن داود المكي، ثنا قيس بن حفص الدارمي، ثنا سليمان بن الحارث[50]، ثنا جهضم بن الضحاك، قال:

مررت بالنرجيج، فرأيت به شيخًا، قالوا: هذا العداء بن خالد بن هوذة، فقال: رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلت: صفه لي، قال: كان حسن السبلة. وكانت العرب تسمي اللحية السبلة.

[إسناده ضعيف][51].


(582-146) وجاء إطلاق السبال على الشارب في السنة الصحيحة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من طريق معقل بن عبيدالله، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: ذكر لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المجوس، فقال: ((إنهم يوفون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم))، فكان ابن عمر يجز سباله، كما يجز الشاة والبعير[52].

 

والذي يظهر أن السبال على القول بأنه يطلق على اللحية والشارب، فإن المراد منه بحديث جابر: "كنا نعفي السبال" اللحية خاصة؛ لأن قص الشارب غير موقت بالحج أو العمرة، بل مطلوب أن لا يتركه أكثر من أربعين يومًا، فليس متوقعًا من الصحابة أنهم يعفون شواربهم إلا في الحج أو العمرة، فهذا قرينة أن المراد به شعر اللحية، وعلى هذا التفسير يطابق ما كان يفعله ابن عمر - رضي الله عنه - وبه يصح أن الصحابة كلهم أو غالبهم كانوا يأخذون من شعر اللحية في النسك، والله أعلم.


وإذا ثبت أن الصحابة يأخذون من اللحية في النسك، فإن هناك مقدمتين ونتيجة:

المقدمة الأولى: هل كان الصحابة يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، هذا الحكم الذي يعرفه آحاد المسلمين في بلادنا؟


المقدمة الثانية: إذا كانوا لا يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، فإن السؤال: هل كان الصحابة لا يعرفون لغة مدلول كلمة الإعفاء في الأمر النبوي؟ وهذا أيضًا لا يمكن أن يقال: إن الصحابة، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل التشريع، لا يمكن أن يقال: لا يعرفون مدلول كلمة الإعفاء. فبقي أن نقول بعد التسليم بالمقدمتين: وهما كون الأمر بإعفاء اللحية معلومًا لدى الصحابة، ومعنى الإعفاء معلوم أيضًا، فيبقى أن التسليم لفهم الصحابة أولى من التسليم لفهم من دونهم.


فإن قيل: إن الصحابة لم يأخذوا إلا في النسك.


قيل: ثبوته في النسك دليل على جوازه خارج النسك؛ ولأن النسك قيد غير مؤثِّر، كما لو قرأ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - سورة في صلاة، وكانت الصلاة في السفر، لا يقال: إنّ ذكْر السفر قيد في استحباب قراءة هذه السورة، والدليل على هذا:

أولاً: اللحية لا تعلق لها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بين الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - النسك من قوله، ومن فعله، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، ولم ينقل عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيان النسك أن اللحية لها تعلق به، فبطل اعتقاد أن الأخذ منها خاص بالنسك.


وثانيًا: أن السلف فهموا جواز الأخذ منها مطلقًا، ولم يقيدوه في النسك فيما أعلم إلا الشافعية، فإنه كرهوه خارج النسك، ولم يحرموه، وعبر بعضهم بالأولى كما هي عبارة العراقي، وقد سقتها عند عرض الأقوال.


ثالثًا: ولأني لا أعرف أحدًا من السلف حرم الأخذ من اللحية مطلقًا، فمن ادعى تحريم أخذ ما زاد من القبضة من فهم السلف، فليأتِ به، ولا أعلم أحدًا قال به إلا من بعض المعاصرين في البلاد النجدية، قاله الشيخ تفقهًا، وقلده طلابه من غير بحث، وهو فهم لم يسبق إليه، ولم يوافق عليه من سائر البلاد الإسلامية، ومن ادعى فهمًا من النص لم يسبق إليه، فهو رد عليه، وإني أدعو القوم إلى ترك أقوالهم إلى أقوال السلف، ومن دعانا إلى تقليده تاركين مذهب السلف، فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.


رابعًا: ولأن أحدًا لا يستطيع أن يقول: إن الصحابة الذين أخذوا من اللحية في النسك لم يعفوا لحاهم حينئذٍ، وقد تشبهوا بالمشركين في ترك الإعفاء. أو يقول: إن التشبه بالمشركين في ترك إعفاء اللحية داخل النسك مباح، وإذا كان خارج النسك كان محرمًا، فلا بد من القول بأن الصحابة، وإن أخذوا من لحاهم داخل النسك، لم يخرجوا عن حد الإعفاء، وإذا كانوا لم يخرجوا عنه داخل النسك، لم يخرجوا عنه خارج النسك، والعجب أن قومًا من الحنابلة ينقمون علينا اتباع الدليل وتعظيم الآثار في مسائل كثيرة يكون فيها المذهب الحنبلي خلاف القول الراجح، ويدعوننا إلى التقليد واتباع الرجال، وترك الاجتهاد، وفي هذه المسألة التي وافقت مذهب أحمد من قوله وفعله لم تعجبهم، فخالفوا منهجهم في اتباع التقليد، فإن كان التقليد لمذهب الحنابلة هو الراجح عندهم، فلِمَ الغضب والمسألة لم تخرج عن مذهب الحنابلة؟ وإن كان التقليد باطلاً والمسألة من باب تعظيم الدليل، فلماذا ينقمون علينا في هذه المسألة وفي غيرها حرصنا على اتباع الدليل ومخالفة المذهب؟ ولكن كما يقال: لهوى النفوس سريرة لا تعلم.


الدليل الرابع:

(583-147) وقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة[53].


وهذا إسناد صحيح، وظاهره أنه يحكي فعل من شاهد من الصحابة، وعلى أسوأ الأحوال أن يكون هذا فعل غالب التابعين، وإنما أخذوا مثل ذلك من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين.


الدليل الخامس:

(584-148) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن الحسن، قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها[54].

[وسنده ضعيف، ولكن يشهد له ما حكاه عطاء بسند صحيح].


وهل هذا خاص في النسك؟ فيه احتمال، وسبق الإشارة إليه، وقد روي عن ابن عمر الأخذ من اللحية بدون فعل الحج أو العمرة، كما سبق نقاشه، وعلى فرض أن هذا خاص في النسك، فإن فيه دلالة على أن الأخذ منها في النسك لا ينافي الإعفاء المأمور به في حديث ابن عمر وأبي هريرة، وإذا كان لا ينافي الإعفاء، جاز أخذه في غير النسك، ولكن يكون أخذه في النسك من العبادة، وأخذه في غيره من الأمور الجائزة، والله أعلم.


الدليل السادس:

(585-149) ما رواه الترمذي، قال: حدثنا هناد، حدثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأخذ من لحيته، من عرضها وطولها.

[إسناده ضعيف جدًّا][55].


الدليل السابع:

(586-150) ما رواه البيهقي في شعب الإيمان، قال: أخبرنا أبو عبدالرحمن السلمي ومحمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا شبابة، أنا أبو مالك النخعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله، قال: رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً مجفل الرأس واللحية، فقال: على ما شوه أحدكم أمس، قال: وأشار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى لحيته ورأسه يقول: خذ من لحيتك ورأسك[56].

[إسناده ضعيف][57].


وله شاهدان مرسلان صحيحا الإسناد:

(587-151) فقد روى أبو داود في المراسيل، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان - يعني: ابن معاوية - عن عثمان بن الأسود، سمع مجاهدًا يقول: رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً طويل اللحية، فقال: لِمَ يشوه أحدكم نفسه؟[58].


وأما الشاهد الثاني:

(588-152) فقد رواه مالك في الموطأ، قال: عن زيد بن أسلم، أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس، كأنه شيطان؟[59].

[ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وليس صريحًا في الأخذ من اللحية][60].


الدليل الثامن:

(589-153) ما رواه الخطيب في تاريخه، قال: أخبرنا علي بن المحسن المعدل، حدثنا أبو غانم محمد بن يوسف الأزرق، حدثنا محمد بن مخلد العطار، حدثنا أحمد بن الوليد وإبراهيم بن الهيثم البلدي، قالا: حدثنا أبو اليمان، حدثنا عفير بن معدان، عن عطاء، عن أبي سعيد، قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: لا يأخذ أحدكم من طول لحيته، ولكن من الصدغين.


قال أبو عبدالله: ابن مخلد هذا أحمد بن الوليد المخرمي لا يسوى فلسًا[61].

[ضعيف أو ضعيف جدًّا][62].


الدليل التاسع:

(590-154) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن سماك بن يزيد قال: كان علي يأخذ من لحيته مما يلي وجهه[63].

[ضعيف][64].


الدليل العاشر:

(591-155) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن أبي هلال، عن قتادة، قال: قال جابر: لا نأخذ من طولها إلا في حج أو عمرة[65].

[حسن لغيره][66].


الراجح من الأقوال:

أرى أن القول بأن الأخذ من اللحية بما زاد على القبضة جائز، ولا يجب:

(592-156) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يأخذ من لحيته، ولا يوجبه[67].


ولم أقل بوجوبه؛ لأن الأمر لم يثبت فيه قول أو فعل من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - غاية ما فيه النقل عن بعض الصحابة، وأفعال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تدل على الوجوب، فكذلك أفعال غيره من باب أولى، ولو كان مستحبًّا أو واجبًا لجاء الأمر به من الشارع، وما كان ربك نسيًّا، ولا يقال: إن هذا الفعل بيان للمجمل في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أعفوا)) فيأخذ حكمه؛ لأن فعل بعض الصحابة لا يعطى حكم فعل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع إمكان الفعل من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإما أن يقال: إن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن كانت له لحية كبيرة إلا أنها لم تبلغ ما يدعو إلى الأخذ منها، فلم تتجاوز القبضة، وهذا هو المنصوص عليه كما سيأتي.


وإما أن يقال: عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وهذا مسلم في ظاهره، لكن يبعد أن يكون الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعله ولا يُنقَل، في الوقت الذي نقل فيه فعل بعض الصحابة - رضوان الله عليهم.


والأدلة على أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان كثيف اللحية:

(593-157) ما رواه البخاري - رحمه الله - قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا عبدالواحد، قال: حدثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، قال: قلنا لخباب: أكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بمَ كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته[68].


(594-158) وروى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبيدالله، عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادَّهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية... الحديث [69]. والله أعلم.


(595-159) وروى النسائي، قال: أخبرنا علي بن الحسين، عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً مربوعًا، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية، تعلوه حمرة، جمته إلى شحمتي أذنيه، لقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت أحسن منه[70].

[رجاله ثقات، والحديث في الصحيحين، وليس فيه كث اللحية] [71].


وله شاهد من حديث علي عند أحمد، وفيه ابن عقيل[72]، ومن حديث هند بن أبي هالة، وهو ضعيف[73].


وكونه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كث اللحية لا يلزم منه أنها طويلة؛ فقد فسر أهل اللغة من اللغويين والفقهاء أن كلمة (كث) تعني الشعر الكثير غير الطويل.


جاء في تاج العروس: كث اللحية وكثيثها، أراد كثرة أصولها وشعرها، وأنها ليست بدقيقة، ولا طويلة، ولكن فيها كثافة.


وجاء في النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وهو من أهل اللغة والفقه، قال: كث اللحية: الكثاثة في اللحية: أن تكون غير رقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة[74].


فهذا تفسير أهل اللغة والفقه: أن لحية الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرة الشعر، ليست بالطويلة، وإذا لم تكن طويلة لم يستدل على كون الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يأخذ من لحيته على تحريم الأخذ من اللحية الطويلة.


وكذلك جاء في مسلم: "كان كثير شعر اللحية"، لا يلزم منه أن تكون طويلة إلى حد تتجاوز القبضة، والله أعلم.


والأخذ من اللحية ليس واجبًا؛ لكون النصوص عن الصحابة مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وفي دلالته على الاستحباب نظر، فإن كان من أمور العبادات كان مستحبًّا، وإن كان من قبيل العادات كان مباحًا.


والقول بتحريم أخذ ما زاد على القبضة قول شاذ، لا أعلم أحدًا من السلف قال به، فهؤلاء الصحابة - رضوان الله عليهم - يحكى عن غالبهم كما في أثر جابر وعطاء بن أبي رباح، ومن فعل ابن عمر، ولم ينقل إنكار الصحابة - رضوان الله عليهم.


أيظن بالصحابة أنهم يجهلون الأمر بإعفاء اللحية الذي يعرفه عوام المسلمين في بلادنا، خاصة وفيهم ممن روى أحاديث الإعفاء؟


أو يظن بهم أنهم لا يعرفون مدلول كلمة (أعفوا) وهم أهل اللسان، وبلسانهم نزل القرآن؟ أو يظن أننا أشد غيرة من الصحابة، حيث ننكر على من أخذ من لحيته، وقصر في هذا صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم أنصح الناس؟


وهؤلاء أئمة التابعين، عطاء في مكة، والقاسم في المدينة، وقتادة والحسن وابن سيرين في البصرة[75]، والشعبي[76] وإبراهيم النخعي في الكوفة[77]، وطاوس في اليمن، وغيرهم من أئمة الفقه والدين يرون جواز الأخذ من اللحية، فهذه بلاد المسلمين في زمن التابعين لا تكاد ترى بلدًا إلا وفيه من العلماء من يذهب إلى جواز الأخذ من اللحية، ولا يعلم لهم مخالف، أيظن بهم أنهم قد ضلوا في هذه المسألة؟ قد ضللت إذًا، وما أنا من المهتدين.


وهؤلاء الأئمة الأربعة يذهبون إلى جواز الأخذ منها، وأضيق المذاهب مذهب الشافعي - رضي الله عنه - فإنه قيد جواز الأخذ في النسك، وإذا كان الأخذ منها في النسك لا ينافي الإعفاء، فكذلك الأخذ منها في غير النسك[78].


وهذا ابن عبدالبر[79]، والقاضي عياض[80]، وابن جرير الطبري[81]، والطيبي[82]، والغزالي من الشافعية[83]، والحافظ ابن حجر[84] يرون جواز الأخذ من اللحية.


وقال ابن تيمية: وأما إعفاء اللحية، فإنه يترك، ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه[85].


فقل بالله عليك مَنِ العلماء غيرهم؟ أفيكون قول يراه كل هؤلاء من لدن الصحابة حتى عصر الإمام أحمد، أفيكون قولاً شاذًّا مخالفًا لسنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وقد اعترض على أحمدَ ابنُ هانئ بأحاديث الإعفاء، فأخبر بأن هذا من الإعفاء، والله أعلم.



[1] قال النووي في المجموع (1/344): والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، بل يتركها على حالها كيف كانت؛ للحديث الصحيح: ((وأعفوا اللحى))، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، فرواه الترمذي بإسناد ضعيف. اهـ

وقال أيضًا في شرحه لصحيح مسلم (3/151): "والمختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً". اهـ

وقال العراقي في طرح التثريب (2/83): "واستدل الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيئًا، وهو قول الشافعي وأصحابه". فالنووي عبر بالكراهة في غير النسك، والعراقي عبر بقوله: إنه خلاف الأولى، هذا أشد ما نقل من الأقوال في الأخذ من اللحية، وأما أن يقول أحد: إنه يحرم الأخذ منها في غير النسك، فهذا ينبغي أن يعترف صاحبه بأنه قال به تفقهًا، دون أن يدعي أنه أخذه عن إمام واحد من السلف، فضلاً أن يزعم صاحبه أنه قول استقرت عليه الشريعة من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا، ولو لم يكن في هذا القول إلا اتباع السلف، لكان خيرًا لي من أن أقلد الخلف في تشدد ليس عليه أثارة من علم، فالله المستعان.

على أن الأخذ منها كونه خلاف الأولى في مذهب الشافعية، ينبغي أن يقيد هذا في غير النسك، فإن مذهب الشافعية استحباب الأخذ من اللحية في النسك، وسوف يأتي النقل عن إمامهم - رحمه الله - بعد قليل.

وقد جاء في المجموع (1/342) كراهيته عن الحسن وقتادة، والمنقول عنهما خلاف هذا، فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، قال: سألت الحسن وابن سيرين، فقالا: لا بأس أن تأخذ من طول لحيتك.

وفي إسناده أبو هلال الراسبي صدوق فيه لين، إلا أنه هنا يحكي شيئًا وقع له، فالأقرب صحته، ويختلف هذا عن شيء سمعه فرواه؛ لأن هذا قد يدخله الوهم، وقد يعتريه سوء الحفظ، والله أعلم.

وروى ابن أبي شيبة أيضًا (5/225)، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن الحسن، قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها.

وهذا إسناد ضعيف؛ فيه أشعث بن سوار الكندي، وهذه المتابعة تقوي الطريق الأول. وانظر مذهب قتادة في التمهيد (24/146).

[2] ذكر ذلك عنهم جابر بن عبدالله بسند حسن، وسيأتي تخريجه، والكلام عليه.

[3] مصنف ابن أبي شيبة (5/225) بسند حسن، وسبق أن نقلت إسناده، وفيه أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين، راجع كلامي على الإسناد، وجاء من طريق أشعث، عن الحسن، وفيه ضعف، وانظر التمهيد (24/146).

[4] التمهيد (24/146).

[5] مصنف ابن أبي شيبة (5/225) رقم 25482 بسند على شرط الشيخين، وانظر فتح الباري (10/350).

[6] المجموع (1/342).

[7] روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/225): حدثنا أبو عامر العقدي، عن أفلح، قال: كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه. وسنده صحيح، وأفلح هو ابن حميد بن نافع، ثقة من رجال الشيخين؛ بل روى له الجماعة سوى الترمذي.

[8] رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) حدثنا أبو خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه، ورجاله ثقات.

[9] رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده صحيح.

[10] سيأتي العزو إلى كتبهم قريبًا - إن شاء الله تعالى.

[11] قال في الأم ( 2/232 ): "وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه، حتى يضع من شعره شيئًا لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية". اهـ

[12] قال الحافظ في الفتح (10/350): "واختار - يعني: الطبري - قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها، لعرض نفسه لمن يسخر به".

[13] التمهيد (24/145).

[14] إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64).

[15] المجموع (1/344).

[16] فتح الباري (10/350).

[17] قال الباجي في المنتقى (7/266): "روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؟ قال: أرى أن يؤخذ منها، وتقص". اهـ

وقول الإمام مالك: "لا بأس" لا يعني التخيير، فقد جاء في الفواكه الدواني (2/307): "وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة".

وقال القرطبي في المفهم (1/512): "لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضًا، فحسن عند مالك وغيره من السلف".

وقال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (2/64): "وأما الأخذ من طولها وعرضها، فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها، كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف هل لذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد، إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة".

وقال ابن عبدالبر في التمهيد (24/145): "اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم، وأجازه آخرون. ثم ساق بسنده عن ابن القاسم، قال: سمعت مالكًا يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ. قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؛ فإن من اللحى ما تطول؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر. وقد روى سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.

وذكر الساجي: حدثنا بندار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبدالوهاب، حدثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة، كان يقبض عليها، ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة.

قال ابن عبدالبر: هذا ابن عمر روى ((أعفوا اللحى)) وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.

وروى ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب، في قوله: ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ قال: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار، والطواف بالبيت، وبالصفا والمروة.

وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسًا، وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. اهـ كلام ابن عبدالبر نقلته بطوله؛ ليعلم أن من يرى جواز الأخذ من اللحية هم السواد الأعظم من العلماء.

[18] سيأتي تخريج الأثر المنسوب إليه - إن شاء الله - في أدلة الأقوال.

[19] الدر المختار (2/44).

[20] عمدة القاري (22/46، 47).

[21] قال في البحر الرائق ( 3/12): "قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ" اهـ. ونقل نحوه في الفتاوى الهندية (5/358). وانظر حاشية ابن عابدين (6/407).

[22] المجموع (1/342).

[23] الفروع (3/329)، ويعبر بعض الأصحاب بقوله: ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة؛ انظر مطالب أولي النهى (1/85).

[24] قال في المستوعب (1/260): "ولا يقص من لحيته إلا ما زاد على القبضة إن أحب، والأولى أن لا يفعله". وانظر الإنصاف (1/121).

[25] إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64).

[26] صحيح البخاري (5893).

[27] صحيح مسلم (259).

[28] صحيح مسلم (259).

[29] مسلم (260).

[30] الأعراف: 95.

[31] المصباح المنير (ص: 217).

[32] إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم (2/63).

[33] المنتقى للباجي (7/266)، وقال ابن حجر في الفتح (10/350): "حكى الطبري اختلافًا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش. وعن عطاء نحوه. قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها. قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة. وأسند عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها، لعرض نفسه لمن يسخر به".

[34] حاشية السندي على النسائي (1/18).

[35] فتح الباري (10/351).

[36] فعل الصحابي الموقوف عليه، له حالتان:

الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.

الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.

فإن كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع، كما تقرر في علم الحديث، فيقدم على القياس، ويخص به النص، إن لم يعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات.

وإن كان مما للرأي فيه مجال، فإن انتشر في الصحابة، ولم يظهر له مخالف، فهو الإجماع السكوتي، وهو حجة عند الأكثر، وإن علم له مخالف من الصحابة، فلا يجوز العمل بقول أحدهما إلا بترجيح بالنظر في الأدلة.

وإن لم ينتشر، فقيل: حجة على التابعي ومن بعده؛ لأن الصحابي حضر التنزيل، فعرف التأويل؛ لمشاهدته لقرائن الأحوال.

وقيل: ليس بحجة على المجتهد التابعي مثلاً؛ لأن كليهما مجتهد، يجوز في حقه أن يخطئ وأن يصيب، والأول أظهر... إلخ؛ انظر أصول الفقه للشنقيطي (ص: 165، 166).

فإذا تبين هذا، فالمسألة التي معنا قد نقل عن الصحابة - عموم الصحابة - أنهم كانوا يأخذون من اللحية في النسك، وتعليق الأخذ في النسك دليل على جوازه في غيره؛ لأن اللحية لا تعلق لها بالنسك، وحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نقلها لنا الصحابة جابر وغيره، ولم يذكروا أن الأخذ من اللحية من المناسك، فيكون قيد النسك قيدًا غير مؤثِّر، كما لو فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلاً، وصادف أن ذلك الفعل كان في السفر، لا يقال: لا يفعل إلا في السفر، وإذا كان الأخذ منها في النسك لا ينافي أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإعفاء، فكذلك لا ينافيه خارج النسك. ولا يقال: إن الصحابة لا يعفون لحاهم في النسك.

[37] صحيح البخاري ( 5892 ). جاء التصريح عن ابن عمر بأنه كان يأخذ من لحيته من ثلاثة طرق، أو أكثر:

الأول: عن نافع، رواه عنه جماعة:

منهم: عمر بن محمد بن زيد، كما في حديث الباب من صحيح البخاري.

ومنهم: مالك، عن نافع. رواه مالك في الموطأ (1 /396) عن نافع: أن عبدالله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته وشاربه. ورجاله في أعلى درجات الصحة.

وفي رواية لمالك (1/396) عن نافع: أن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئًا حتى يحج.

وقد يقول قائل: مفهوم هذه الرواية "كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج، لم يأخذ من لحيته ولا من رأسه" مفهومها أنه إذا لم يرد الحج، أخذ ولو كان في غير نسك.

ومنها: طريق ابن أبي ليلى، عن نافع:

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) رقم 25486 قال: حدثنا علي بن هاشم ووكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يأخذ ما فوق القبضة، وقال وكيع: ما جاوز القبضة.

وابن أبي ليلى ضعيف الحفظ، لكنه قد توبع، كما سبق.

ومنها: طريق محمد بن عجلان، عن نافع:

رواها ابن سعد في الطبقات (4/181) قال: أخبرنا محمد بن عبدالله الأسدي، حدثنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن نافع قال: كان ابن عمر يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.

وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، لولا أن محمد بن عبدالله الأسدي ضعيفٌ في الثوري.

قال حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل: كان كثير الخطأ في حديث سفيان. تهذيب التهذيب (9/227).

وفي التقريب: ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري.

ويغتفر له هذا؛ لموافقته الثقات في روايتهم لهذا الحديث.

ومنها: طريق ابن جريج عن نافع:

أخرجها ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/181) قال: أخبرنا عبدالوهاب بن عطاء العجلي، قال: حدثنا ابن جريج، عن نافع، قال: ترك ابن عمر الحلق مرة أو مرتين، فقصر نواحي مؤخرة رأسه، قال: وكان أصلع، قال: قلت لنافع: أمن لحيته؟

قال: كان يأخذ من أطرافها. وفيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس. وقد تفرد عبدالوهاب بذكر الصلع في الأثر، ولم يذكره غيره.

ومنها: طريق عبدالله بن عمر المكبر، عن نافع:

رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/223)، وسنده ضعيف.

ومنها: عيسى بن جعفر وحفص بن غياث، عن نافع: كما في طبقات ابن سعد (4/134) وفيه الواقدي، وهو متروك. ولفظه: كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.

ومنها: عبدالعزيز بن أبي رواد، عن نافع: أخرجها البيهقي في شعب الإيمان (5/220) رقم 6435 من طريق حبان، ثنا عبدالله، عن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن نافع به: أنه كان إذا حلق في الحج أو العمرة قبض على لحيته، ثم أمر فسوى بين أطراف لحيته. وعبدالعزيز بن أبي رواد متكلم فيه، ولكن حديثه هذا قد وافق فيه الثقات، وستأتي ترجمته - إن شاء الله تعالى.

الطريق الثاني: مروان بن سالم بن المقفع، عن ابن عمر:

رواه أبو داود في سننه (2357) قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن يحيى أبو محمد، ثنا علي بن الحسن، أخبرني الحسين بن واقد، ثنا مروان - يعني ابن سالم المقفع - قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته، فيقطع ما زاد على الكف.

والحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3329)، قال: خبرني قريش بن عبدالرحمن، قال: أنبأ علي بن الحسن، قال: أنبأ الحسين بن واقد به. وأعاده في رقم (10131).

ومن طريق علي بن الحسن بن شقيق أخرجه كل من الدارقطني (2/185)، والحاكم (1/422)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/239).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما؛ فإن مروان بن سالم لم يحتج به أحد منهما.

إسناده فيه لين؛ فيه مروان بن سالم المقفع:

ذكره ابن حبان في الثقات (5/424).

وحسن الدارقطني حديثه، فقال في سننه (2/185): تفرد به الحسين بن واقد، وإسناده حسن. اهـ

وقال الحافظ في التقريب: مروان بن سالم مقبول. يعني إن توبع، وقد توبع في كون ابن عمر كان يأخذ من اللحية مطلقًا، في غير الحج.

فقد روى أبو يوسف في كتاب الآثار (2/234)، قال: حدثنا أبو حنيفة، عن الهيثم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه كان يقبض على لحيته، فيأخذ منها ما جاوز القبضة. والله أعلم.

والهيثم لم ينسب، فإن كان الهيثم بن أبي سنان، فإنه يروي عن ابن عمر، فهو ثقة، وإن كان غيره فالله أعلم، وقد وقفت على نصب الراية (2/458) قال: "الهيثم بن أبي الهيثم" ولم أقف على سماعه من ابن عمر، والله أعلم، وعلى كلٍّ، فهذا إسناد صالح في المتابعات، وفيه أبو حنيفة، وهو إمام في الفقه والنظر.

ورواه ابن أبي شيبة أيضًا، ولم يذكر حجًّا أو عمرة، (5/225) رقم 25486 حدثنا علي بن هاشم ووكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يأخذ ما فوق القبضة. وقال وكيع: ما جاوز القبضة.

وهذا الإسناد فيه ابن أبي ليلى، وفي حفظه شيء، ولكنه قد توبع كما قرأت، وسبقت الإشارة إليه.

وقد يقال: إن هذه الطرق الثلاث، والتي تذكر عن ابن عمر أنه أخذ من اللحية خارج النسك، مخالفة لرواية الأحفظ من أصحاب نافع؛ كمالك - رحمه الله - وغيره، فلا تكون محفوظة، والله أعلم.

الطريق الثالث: مجاهد، عن ابن عمر:

رواه ابن عبدالبر في الاستذكار (3/117) قال: أخبرنا عبدالوارث، قال: حدثني قاسم، قال: حدثنا الخشني، حدثني محمد بن أبي عمر العدني، قال: حدثني سفيان، قال: حدثني ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: رأيت ابن عمر قبض على لحيته يوم النحر، ثم قال للحجام: خذ ما تحت القبضة. وعنعنة ابن أبي نجيح قد زالت بالمتابعة، والله أعلم.

[38] الفتح: 27.

[39] فتح الباري (10/350).

[40] المصنف (5/225) رقم 25481.

[41] فيه عمرو بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي:

ذكره ابن حبان في الثقات. (7/224)

وقال أبو حاتم الرازي: شيخ كوفي. الجرح والتعديل (6/98)، وبقية رجاله ثقات.

ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/324)، قال: قال أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا شيخ أظنه من أهل المدينة، قال: رأيت أبا هريرة يحفي عارضيه يأخذ منهما، قال: ورأيته أصفر اللحية.

وهذا إسناد ضعيف؛ لإبهام في إسناده، وفيه متابعة لرواية عمرو بن أيوب. فهل يكون الأثر ثابتًا بمجموع الطريقين عن أبي هريرة؟ ويكون ما ثبت عن ابن عباس، وابن عمر، وجابر شاهدًا له؟

أو يقال: إن عمرو بن أيوب هذا بعد البحث ليس له في الكتب إلا هذا الحديث، ولم يذكره غير ابن حبان، فتفرُّده بمثل هذا عن أبي زرعة لا يقبل مع جهالته، ولا يتقوى الإسناد بمثل الإسناد الثاني، خصوصًا مثل أبي هريرة - رضي الله عنه - في كثرة الأصحاب، فقد ذكر أنه أخذ عنه أكثر من ثمانمائة راوٍ من الصحابة والتابعين، فأين روايتهم مثل هذا، وهو يشتهر، ويرى بالعين؟ كما أن في المتابعة علة أخرى، فإن متنها منكر، وهو كون أبي هريرة يحفي عارضيه، والإحفاء في اللغة: المبالغة في القص كما في غريب الحديث لابن الأثير (1/410) فلا يمكن أن يقال: إن أبا هريرة كان يبالغ في قص عارضيه، خاصة أنه لم يرد عنه إلا في هذا الطريق الضعيف.

[42] المصنف (3/429) رقم 15673. وسبق تخريجه.

[43] سنده صحيح - إن شاء الله تعالى.

ابن أبي نجيح مدلس، ولم يسمع من مجاهد التفسير، لكن قد عرف الواسطة، وهو ثقة، فقد أخذه من كتاب القاسم بن أبي بزة، والقاسم بن أبي بزة قد قال فيه ابن حبان: لم يسمع التفسير أحد من مجاهد غير القاسم بن أبي بزة، وأخذ الحكم وليث بن أبي سليم وابن أبي نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه، ولم يسمعوا من مجاهد. الثقات (7/330).

- محمد بن عمرو فيه أكثر من راوٍ يروي عنه الطبري اسمه محمد بن عمرو:

فمنهم: محمد بن عمرو الباهلي، وهو من شيوخ الطبري الثقات، أكثر من الرواية عنه، إلا أنه لم يذكر من شيوخه أبو عاصم الضحاك بن مخلد.

وفيه محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، مترجم له في الجرح والتعديل، ولم أقف على أنه من تلاميذ أبي عاصم، وهذا أبعد من الأول.

وأغلب ظني أنه محمد بن عمرو بن عباد، فإنه يروي عن أبي عاصم، كما ذكره المزي، وهو في سن شيوخ الطبري إلا أن المزي لم يذكر الطبري من تلاميذه، فأظنه يستدرك عليه فيه، وباقي رجال الإسناد الأول ثقات.

- وأما الحارث شيخ الطبري في الإسناد الثاني، فهو الحارث بن محمد بن أبي أسامة:

قال الحافظ الذهبي: وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم، وأبو حاتم بن حبان.

وقال الدارقطني: صدوق.

قال الذهبي: وأما أخذ الدراهم على الرواية، فكان فقيرًا كثير البنات.

وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم: ضعيف. تاريخ بغداد (8/218) وتذكرة الحفاظ (2/619).

والحسن: هو الحسن بن موسى، ثقة. وبقية رجال الإسناد ثقات.

[44] تفسير الطبري (17/149)، ورجاله كلهم ثقات إلا أبا صخر حميد بن زياد، وحديثه حسن - إن شاء الله.

[45] سنن أبي داود (4201).

[46] وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/350)، إلا أن من يرى أبا الزبير مدلسًا قد يعله بالعنعنة. والله أعلم. والحديث سبق تخريجه.

[47] الفتح (10/350).

[48] تاج العروس (14/327).

[49] المصنف (5/227) رقم 25504، وسنده ضعيف؛ لأن فيه أشعث، وعنعنة أبي الزبير عند من عده مدلسًا. وقد سبق تخريجه، وقد ترجم ابن أبي شيبة في هذا الباب، فقال: باب ما يؤمر به الرجل من إعفاء اللحية، والأخذ من الشارب، فلما أمر بإعفاء السبال والأخذ من الشارب، كان مقتضى ذلك أن السبال ليس من الشارب، لا لفظًا؛ لأنه عطفه عليه، والعطف يقتضي المغايرة، ولا حكمًا، فإن السبال لا يؤخذ منها شيء بخلاف الشارب، والله أعلم.

[50] الصواب سليم بن الحارث، انظر التاريخ الكبير (4/123)، والثقات لابن حبان (6/414).

[51] المعجم الكبير (18/14) رقم 19، ورواه ابن حبان في الثقات ( 4/113 )، قال: ثنا قيس بن حفص الدارمي به. وذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/246)، (4/123).

وجهضم: ذكره ابن حبان في الثقات ( 4/113 )، ولم أقف على توثيق غيره.

وسليم بن الحارث، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه في الجرح والتعديل (4/215)، ولم أقف على توثيق أحد غير ابن حبان في الثقات (6/414).

وقيس بن حفص الدارمي، أبو محمد ثقة. وهذا الإسناد على ضعفه إلا أن الشاهد منه لغوي، وليس حكمًا شرعيًّا، ومثل هذا قد يتساهل فيه.

[52] صحيح ابن حبان (5476).

[53] المصنف (5/225) رقم 25482.

[54] المصنف (5/225).

[55] سنن الترمذي (2762) وفي إسناده عمر بن هارون:

قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث، لا أعرف له حديثًا ليس له أصل - أو قال: ينفرد به - إلا هذا الحديث، ولا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن الرأي في عمر. قال أبو عيسى: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان قول وعمل. سنن الترمذي (2762).

قال العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء. الجرح والتعديل (6/140).

وقال ابن معين كما في رواية ابن الجنيد: كذاب قدم مكة، وقد مات جعفر بن محمد، فحدث عنه. المرجع السابق.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عمر بن هارون، فقال: تكلم ابن المبارك فيه، فذهب حديثه. قلت لأبي: إن أبا سعيد الأشج حدثنا عن عمر بن هارون البلخي، فقال: هو ضعيف الحديث، نخسه ابن المبارك نخسه، فقال: إن عمر بن هارون يروي عن جعفر بن محمد، وقدمت قبل قدومه، وكان قد توفي جعفر بن محمد. المرجع السابق.

وقال إبراهيم بن موسى، وقد قيل له: لم لا تحدث عن عمر بن هارون؟ فقال: الناس تركوا حديثه. المرجع السابق.

وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (475).

وقال أبو طالب، عن أحمد: لا أروي عنه شيئًا، وقد أكثرت عنه، ولكن كان ابن مهدي يقول: لم يكن له عندي قيمة، وبلغني أنه قال: حدثني بأحاديث، فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس، عن أولئك، فتركت حديثه. تهذيب التهذيب (7/441).

وقال أبو داود: غير ثقة. المرجع السابق.

وقال ابن المديني: ضعيف جدًّا. المرجع السابق. وفي التقريب: متروك، وكان حافظًا.

[تخريج الحديث]:

الحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/686) من طريق الترمذي.

ورواه العقيلي في الضعفاء (3/194) من طريق هناد السري، قال: حدثنا عمر بن هارون به.

وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - (885) قال عبدان، نا أبو كامل، نا عمر بن هارون به.

ومن طريق أبي كامل أخرجه ابن عدي في الكامل (5/30) والبيهقي في شعب الإيمان (5/220).

[56] شعب الإيمان (5/221) رقم 6440.

[57] فيه عبدالملك بن الحسين النخعي:

قال البيهقي: أبو مالك عبدالملك بن الحسين النخعي: غير قوي.

وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. التاريخ الكبير (5/411).

وقال ابن حبان: كان ممن يروي المقلوبات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، ولا الاعتبار فيما لم يخالف الأثبات. المجروحين (2/134).

قال الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو مالك النخعي ليس بشيء. الجرح والتعديل (5/347).

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث. المرجع السابق.

وقال أيضًا: سألت أبا زرعة عن أبي مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث. المرجع السابق.

وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. تهذيب التهذيب (12/240).

وقال الأزدي والنسائي أيضًا: متروك الحديث. المرجع السابق.

وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. المرجع السابق.

كما أن في الإسناد يحيى بن أبي طالب مختلف فيه، وقد حررته في كتاب الحيض والنفاس.

[58] المراسيل (448)، ورجاله ثقات، وما نسب إلى مروان بن معاوية من التدليس وجدته في تدليس الشيوخ، وهذا لا تضر عنعنته، والله أعلم.

[59] الموطأ (2/949).

[60] ورواه البيهقي في شعب الإيمان (2/225) من طريق مالك به.

[61] تاريخ بغداد (5/187).

[62] قلت: تابع ابن مخلد إبراهيم بن الهيثم، وهو ثقة، لكن علته عفير بن معدان:

قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: عفير بن معدان لا شيء. الجرح والتعديل (7/36).

وقال عباس: سمعت يحيى، قال: عفير بن معدان ليس بثقة. الضعفاء الكبير (3/430).

وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، قال: سمعت دحيمًا يقول: عفير بن معدان ليس بشيء، لزم الرواية عن سليم بن عامر وشبهه بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير. الجرح والتعديل (7/36).

وقال عبدالرحمن: سألت أبي عن عفير بن معدان، فقال: هو ضعيف الحديث يكثر الرواية عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمناكير ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته. المرجع السابق.

وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن عفير بن معدان، فقال: شيخ صالح ضعيف الحديث. تهذيب الكمال (20/176).

وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. المرجع السابق.

وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة رواياته غير محفوظة. الكامل (5/379).

[63] المصنف (5/225) رقم 25480.

[64] سماك بن يزيد، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (4/280).

وفيه زمعة بن صالح، قال عنه الحافظ في التقريب: ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون.

[65] المصنف برقم (25478).

[66] أبو هلال الراسبي تقدمت ترجمته، وهو حسن الحديث إن شاء الله، لكن قد تكلم في روايته عن قتادة، قال ابن عدي: أحاديثه عن قتادة كلها أو عامتها غير محفوظة. الكامل (6/212)، لكن قد توبع أبو هلال من رواية أبي الزبير عن جابر، وقد تقدمت.

كما أن فيه علة أخرى، وهو أن قتادة لم يسمع من جابر - رضي الله عنه.

[67] المصنف (5/225) رقم 25483. ورجاله ثقات.

[68] صحيح البخاري (746).

[69] صحيح مسلم (2344).

[70] سنن النسائي الصغرى (5232).

[71] الحديث رواه البخاري (3551) من طريق حفص بن عمر، ورواه البخاري أيضًا (3549) من طريق أبي الوليد، ورواه مسلم (2337) من طريق محمد بن جعفر.

ورواه النسائي (5314) من طريق هشيم، أربعتهم، عن شعبة به، بدون ذكر كث اللحية.

ورواه البخاري (5901) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق به، بدون ذكر كث اللحية.

ورواه مسلم (2337) من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق به بدون ذكر قوله: "كث اللحية".

ورواه النسائي (5062) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه به، وليس فيه هذه الزيادة، ولم أستقصِ كل الطرق. المهم أن زيادة "كث اللحية" تفرد بها أمية بن خالد، وهو صدوق، وقد خالفه من هو أحفظ منه. وله شاهد من حديث علي في المسند.

[72] رواه أحمد في المسند (1/89)، قال: حدثنا يونس، حدثنا حماد، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضخم الرأس، عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية، أزهر اللون، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد، وإذا الْتفتَ التفتَ جميعًا، شـثن الكفين والقدمين.

وفي الإسناد ابن عقيل، مختلف فيه، والأكثر على ضعفه.

والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد (1315)، والبزار (660)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/210) من طريق حماد بن سلمة به.

[73] رواه الطبراني في المعجم (22/155) من طريق جميع بن عمر بن عبدالرحمن العجلي، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي - وكان وصافًا - عن حلية النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "كث اللحية"، وفي إسناده مبهم.

وفي إسناده أيضًا: جميع بن عمر:

قال أبو نعيم الفضل بن دكين: كان فاسقًا. تهذيب التهذيب (2/95).

وقال الآجري، عن أبي داود: جميع بن عمر، راوي حديث هند بن أبي هالة، أخشى أن يكون كذابًا. المرجع السابق.

وقال العجلي: جميع لا بأس به، يكتب حديثه، وليس بالقوي. المرجع السابق.

وذكره بن حبان في الثقات (8/166).

والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/154) من طريق جميع بن عمير به.

[74] النهاية في غريب الحديث (4/152).

[75] سبق لي أن نقلت عنهم نصوصهم فيما سبق.

[76] المجموع (1/342).

[77] مصنف ابن أبي شيبة (5/225) رقم 25482 قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده على شرط الشيخين.

وروى ابن عبدالبر في التمهيد (24/146) قال: وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء، أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. وانظر الفتح (10/350).

[78] وقولي: إن الأئمة يرون جواز الأخذ هذا في الجملة، بل منهم من استحبه، ومنهم من أوجبه، ومنهم من أباحه، وإليك النقول:

فالحنفية لهم قولان: أحدهما: وجوب الأخذ من اللحية، انظر الدر المختار (2/44).

والثاني: أن الأخذ منها من السنة، فليس الأخذ عندهم مباحًا فقط.

قال في البحر الرائق (3/12): "قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ" اهـ. ونقل نحوه في الفتاوى الهندية (5/358). وانظر حاشية ابن عابدين (6/407).

وأما مذهب الإمام مالك، فقد جاء في المدونة (1/430): "قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب إذا حلق أن يقلم، وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله". واستحباب مالك الأخذ منها ليس مقيدًا في النسك، ومع أنه يستحب الأخذ منها، فهو يكره أن تطول جدًّا، وإليك النقول في ذلك:

قال الباجي في المنتقى (7/266): "روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقص". اهـ

وقول الإمام مالك: "لا بأس" لا يعني التخيير؛ فقد جاء في الفواكه الدواني (2/307): "وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة".

وقال القرطبي في المفهم (1/512): "لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضًا، فحسن عند مالك وغيره من السلف".

وقال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (2/64): "وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها، كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف هل لذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد، إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة". فهنا النص عن مالك أنه كان يكره طولها جدًّا.

وقال ابن عبدالبر في التمهيد (24/145): "اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم، وأجازه آخرون. ثم ساق بسنده عن ابن القاسم، قال: سمعت مالكًا يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ. قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؛ فإن من اللحى ما تطول؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر". اهـ

وأما النقل عن الشافعي - رحمه الله - فقد قال في الأم ( 2/232 ): "وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه، حتى يضع من شعره شيئًا لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية". اهـ

وأما النقول عن الإمام أحمد - رحمه الله - فإليك إياها:

جاء في كتاب الوقوف والترجل للخلال (ص: 129): "أخبرني حرب، قال: سئل أحمد عن الأخذ من اللحية؟

قال: كان ابن عمر يأخذ ما زاد عن القبضة. وكأنه ذهب إليه، قلت له: ما الإعفاء؟ قال: يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كأن هذا عنده الإعفاء".

قلت: وعليه فالإمام أحمد يرى أن إعفاء اللحية، وأخذ ما زاد على القبضة لا يتنافيان، فليس المراد بالإعفاء إطالة اللحية إلى حد الشهرة. ثم قال موصولاً بالكلام السابق:

"أخبرني محمد بن هارون أن إسحاق حدثهم، قال: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه؟ قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة. قلت: فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى))؟ قال: يأخذ من طولها، ومن تحت حلقه، ورأيت أبا عبدالله يأخذ من طولها، ومن تحت حلقه. وهذا النص في أحكام أهل الملل للخلال (ص: 11).

وجاء في مسائل أحمد رواية ابن هانئ (2/151): "سألت أبا عبدالله عن الرجل يأخذ من عارضيه؟

قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.

قلت: فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى))؟ قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه، ورأيت أبا عبدالله يأخذ من عارضيه، ومن تحت حلقه".

[79] التمهيد (24/145): "واختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم وأجازه آخرون، ثم ساق بسنده عن ابن القاسم قال: سمعت مالكًا يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ، قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؛ فإن من اللحى ما تطول؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر.

وقد روى سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.

وذكر الساجي، حدثنا بندار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبدالوهاب، حدثنا عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة، كان يقبض عليها، ويأخذ من طرفها ما خرج عن القبضة.

قال ابن عبدالبر: هذا ابن عمر روى: ((أعفوا اللحى)) وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.

وروى ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب في قوله: ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ [ الحج: 29]، قال: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظافر، والطواف بالبيت، وبالصفا والمروة.

وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسًا.

وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية". اهـ

[80] إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64).

[81] نقل العيني في عمدة القاري (22/46،47): "وقال الطبري: فإن قلت ما وجه قوله: ((أعفوا اللحى))، وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعًا منه لظاهر قوله: ((أعفوا)) فيتفاحش طولاً وعرضًا ويسمج حتى يصير للناس حديثًا ومثلاً؟

قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خصوص هذا الخبر، وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده.

فقال بعضهم: حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولاً، وأن ينتشر عرضًا فيقبح ذلك، وروى عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كبرت، فأخذ يجذبها، ثم قال: ائتوني بجلمتين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده، ثم قال: اذهب فأصلح شعرك، أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع، ثم قال:

وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حدًّا... إلخ كلامه رحمه الله، فهذا ابن جرير الطبري يرى وجوب الأخذ من اللحية.

[82] قال الطيبي في شرح المشكاة (8/ 254 ) عن الأخذ من اللحية: "هذا لا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعفوا اللحى))؛ لأن المنهي هو قصها، كفعل الأعاجم، أو جعلها كذنب الحمام، فالمراد بالإعفاء التوفير منه، كما في الرواية الأخرى، والأخذ من الأطراف قليلاً لا يكون من القص في شيء". اهـ

[83] المجموع (1/344).

[84] فتح الباري (10/350).

[85] شرح العمدة في الفقه (1/236).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكم إعفاء اللحية وتغيير الشيب
  • حكم تخليل اللحية وصفته
  • التحذير من حلق اللحية
  • تعريف اللحية وبيان أنها من الفطرة
  • تحريم حلق اللحية
  • المنافع العلمية للِّحية
  • اللحية شعار وجمال
  • بعض من وصف بعظم اللحية

مختارات من الشبكة

  • الآثار الواردة في الأخذ من اللحية(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • مخطوطة توضيح المقال في الرد على من أنكر الأخذ من اللحية والاكتحال(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأخذ بالأسباب لا ينافي الأخذ بالقدر، وثمرات الإيمان به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصف لحية النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حلق اللحية والأخذ منها(مقالة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
  • تفسير: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سنة الأخذ (فأخذهم الله بذنوبهم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة حلق اللحية انتكاس للفطرة وبوابة الفواحش وسبب للهزيمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إعفاء اللحية واجب(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- اعتراض قابل للتقويم
أبو زرعة حمزة الأندلسي - المغرب 09-05-2014 06:55 PM

بارك الله فيكم و زادكم علما
الظاهر أن مشائخنا و أحبتنا-متقدمهم و متأخرهم- ممن كتب في الموضوع يطيل عنانه دون تأصيله الحقيقي ذلكم أن ذكر الأصل في المسائل أظهر للحجة و أبين للمحجة
و أحفظ لذهن الطلاب من الشرود في النقول و الأقوال لهذا عني العلماء بمراعاة ترتيب الأدلة

فأقول لشيخنا حفظه الله و أطال عمره في الصالحات
يجب أولا أن نضع الإعفاء في بابه

أهو من العادات ?
أم هو من العبادات?

فإن كان من الأول-العادات- فالأمر واسع إعفاءا و حلقا و غاية الأمر النبوي الإرشادُ كما في قوله صلى الله عليه و سلم(كلوا الزيت و ادهنوا) فهو عادة بالأصل, عبادة بالقصد,و من ثم جاز لكم أن تقولوا-شيخنا المكرم-((...ولو كان مستحبًّا أو واجبًا لجاء الأمر به من الشارع...)) أزيدكم-محرما أو مكروها-
إن (لا) ف (لا)

أما إن كان من الثاني-العبادات-امتنع الجواز المحض فيه لأن العبادة لا تكون مباحة ألبتة ذلكم أن المباح يتساوى فيه الطرفان: الفعل والترك, و لا يترجح أحدهما على الآخر إلا بالقصد كما مر.
فعدُه عبادة مصيره الحكم بإحدى الأحكام الخمسة خلا المباح, فيصبر هذا القائل هو المطالب بأمر الشارع

و لا إخالكم أيها المكرم أنكم تعدون الإعفاء من باب العبادات و إلا لجاز حلقها, هذا ما جعلكم تتحرجون غير جازمين بباب الإعفاء عند قولكم
((وفي دلالته على الاستحباب نظر، فإن كان من أمور العبادات كان مستحبًّا، وإن كان من قبيل العادات كان مباحًا))
فأين الأمر الدال على الإستحباب أو الوجوب ??!!
إن قلتم فعل الصحابة أجبناكم بقولكم أنتم شيخنا((النصوص عن الصحابة مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وفي دلالته على الاستحباب نظر))

أما مطالبتكم للقائلين-من علمائنا لا من أمثالي- بالإعفاء المطلق بقول إمام مسبوق في المسألة فيجيبك عنه ابن القيم الإمام ابن القيم حيث قال في " إعلام الموقعين " (4 / 222) :
" وَقَالَ الإِمامُ أَحمدُ لِبعضِ أَصْحَابِهِ : ...
(إِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ في مَسأَلَةٍ لَّيسَ لَكَ فِيهاَ إِمَامٌ)..
((والحَقُّ الَّتفصِيلُ)) :
- فَإِنْ كَانَ فِي المَسْألَةِ :
(أ) - (نَصٌّ) مِن كَتاَبِ اللهِ .
(ب) - أَو(سُنَّةٌ) عَن رَّسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - .
(ج) - أَو (أَثَرٌ) عَن ِالصَّحاَبَةِ :
((لَمْ يُكرَهْ الكَلَامُ فِيهَا)) !!

- وَإِن لَّمْ يَكُنْ فِيهَا :
(أ) و (ب) - (نَصٌّ).. يَعنِي مٍن كِتابٍ أَو سُنَّة
(ج) - وَلَا (أَثَرٌ)..
- فَإِنْ كَانَتْ :
(بَعيدةَ) الوُقُوعِ !
أَوْمُقَدَّرَةً (لَا تَقَعُ) ! :
(لمَ يُسْتَحَبَّ لَهُ الكَلَامُ فِيهَا)..
- وإِنْ كَانَ وُقُوعُهَا :
غَيرَ نَادِرٍ..
وَلا مُسْتَبعَدٍ..
(وَغَرَضُ السَّائِلِ الإِحَاطَةَ بِعِلْمِها ؛ لِيَكُونَ مِنها على بَصِيرَةٍ
إِذا وَقَعَتْ) :
((اسْتُحِبَّ لَهُ الجوَابُ بِمَا يَعْلَمُ)) !!
(لَا سِيّمَا إِنْ كَانَ السَّائِلُ يَتَفَقَّهُ بِذلك , وَيَعتَبرُ بِهَا نَظائِرَهَا وَيُفَرِّعُ عَلَيها)
((فَحَيثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الجَوَابِ رَاجِحَةً ؛ كَانَ هُوَ الأَولَى)) (!!)
والله أعلم .
انتهى
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

1- هل هو الكتاب بالكامل
أبو هاني - السعودية 03-03-2013 05:42 PM

هل هذا كتابك عن اللحية كاملا؟

سكرتير التحرير:

هذا مقال أخي الكريم وليس كتابا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب