ترجيحات القاضي أبي بكر ابن العربي في كتابه (أحكام القرآن) عرضا ودراسة من أول سورة الروم إلى آخر سورة فصلت

ملخص الرسالة

ترجيحات القاضي أبي بكر ابن العربي في كتابه (أحكام القرآن)

عرضا ودراسة

من أول سورة الروم إلى آخر سورة فصلت

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71][1].

أما بعد:

فلا شك في أن "أكرم ما تمتد إليه أعناق الهمم، وأعظم ما تتنافس فيه الأمم: العلم الذي هو حياة القلب، وصحة اللب. وأجل أصنافه وأرفعها، وأكمل معالمه وأنفعها: هي العلوم الشرعية، والمعارف الدينية؛ إذ بها انتظام صلاح العباد، واغتنام الفلاح في المعاد. وعلم التفسير، من بينها، أعلاها شأنًا، وأقواها بيانًا، وأوثقها بنيانًا، وأوضحها تبيانًا. فإنه مأخذها وأساسها، وإليه يستند اقتناصها واقتباسها، بل هو كما وصف به، رئيسها ورأسها"[2].

ولما كان الأمر بهذه المثابة، عُني العلماء بهذا العلم- قديمًا وحديثًا- فاشتغلوا بخدمته وتعلمه وتعليمه، فصنّفوا فيه التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف.

فمنهم من قصد إلى جمع ما رُوي عن السلف من كل ما هو بيان لكلام الله - عز وجل -، ومنهم من ضم إلى ذلك شيئًا من الرأي والاجتهاد، فاستنبط الأحكام الفقهية، وناقش الأقوال ورجّح بينها، وطائفة اشتغلت ببيان غريب القرآن وإعرابه، وآخرون نقّبوا عن اللطائف التي كُنزت في تراكيب آي الذكر الحكيم، فاستخرجوا درره، وأظهروا بلاغته وروائع بيانه، وأفصحوا عن إعجازه وعن صلاحيّته دستورًا للثقلين في كل زمان ومكان.

وإنه لما كانت الأقوال تختلف في تفسير كثير من الآيات، فتجمع الغث والسمين، والباطل الواضح، والحق المبين، وكان الإمام ابن العربي- رحمه الله - مفسرًا، فقيهًا، بلغ رتبة الاجتهاد، ذا شخصية علمية قوية، يأخذ بما ساقته إليه الأدلة، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وضمّن كتابه (أحكام القرآن) كثيرًا من آرائه واختياراته؛ صح العزم منى على اختيار موضوع بعنوان:

ترجيحات القاضي أبي بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن، عرضًا ودراسةً،

من أول سورة الروم إلى آخر سورة فصلت.

ليكون هذا الموضوع المهم أطروحةً لي لنيل درجة العالمية (الماجستير)، ومشاركةً مني في العمل الذي قام به بعض الإخوة الأجلاء عن هذا الموضوع في عدة رسائل علمية، وهي:

1- رسالة الأخ/ محمد سيدي عبد القادر (من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة النساء). وهي رسالة (دكتوراه) سجلت في قسم التفسير في هذه الجامعة المباركة، وأجيزت بتاريخ 27/ 7/ 1425هـ.

2- رسالة الأخ/ آدم عثمان علي (من أول سورة المائدة إلى آخر الآية (34) من سورة التوبة). وهي رسالة (دكتوراه) سجلت في قسم التفسير في هذه الجامعة المباركة، وأجيزت بتاريخ 23/ 2/ 1426هـ.

3- رسالة الأخ موسى سليمان (من أول الآية (35) من سورة التوبة إلى آخر السورة). وهي رسالة (ماجستير) سجلت في قسم التفسير في هذه الجامعة المباركة أيضًا. ولا زالت قيد الدراسة.

4- رسالة الأخ/ سالم المدني (من أول سورة يونس إلى آخر سورة الكهف).

وهي رسالة (ماجستير) سجلت في جامعة الإيمان باليمن. ولست أدري أنوقشت أم لا؟

5- رسالة الأخت/ عواطف أمين (من أول سورة مريم إلى آخر سورة العنكبوت)، وهي رسالة (ماجستير) سجلت في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. ولست أدري أنوقشت أم لا؟

6- رسالة الأخ/ محمد القشعمي (من أول سورة الشورى إلى آخر سورة المنافقون). وهي رسالة (ماجستير) سجلت في قسم التفسير في هذه الجامعة المباركة. ولا زالت قيد الدراسة.

7- رسالة الأخ/ صالح بن محمد بن فلاح الحربي (من أول سورة التغابن إلى آخر القرآن). وهي رسالة (ماجستير) سجلت في قسم التفسير في هذه الجامعة المباركة، وأجيزت بتاريخ 14/ 2/ 1427هـ.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

والدوافع إلى اختيار هذا الموضوع كثيرة منها:

1- أنه قد كثرت المؤلفات في التفسير، بيد أن الذين اهتموا بذكر الراجح قلة قليلة، ومن هؤلاء الإمام ابن العربي - رحمه الله - في كتابه (أحكام القرآن).

2- مكانة مؤلف الكتاب؛ فهو إمام مفسر، محدث فقيه، أصولي لغوي، أديب ناقد، ويشهد لتضلعه بتلك العلوم كتابه هذا (أحكام القرآن)، وكما شهد بذلك المترجمون له.

3- مكانة الكتاب وقيمته العلمية بين كتب التفسير عامة، وكتب أحكام القرآن خاصة، ويتلخص ذلك في وجوه:

• كونه أحد المصنفات الكبار في هذا اللون من التفسير (التفسير الفقهي).

• جودة عرض المؤلف لمادته؛ إذ يذكر الآية، ويقسّم الحديث عنها إلى مسائل عدة، مضمّنًا كل مسألة ما فيها من أقوال، ثم يقوم بنخل الأقوال وتنقيحها، فيرجح ما يراه راجحًا في الأعم الأغلب.

• أنه إلى جانب معالجته لآيات الأحكام يذكر أسباب النزول، والأحاديث المرفوعة -تصحيحًا وتضعيفًا- والناسخ والمنسوخ، والمسائل اللغوية والأصولية، إلى غير ذلك من العلوم التي لها مساس بالآيات التي تناولها تفسيرًا.

4- البحث عن معرفة الراجح في معاني الكتاب العزيز من أهم مقاصد تحصيل العلم الشرعي، لذا كان الاشتغال به من أوجب الواجبات على طلاب العلم.

5- هذا الموضوع يمثّل لونًا من ألوان التفسير، وهو المسمَّى بالتفسير المقارن الذي يعرض النصوص والآراء ويوازن بينها ويبين الراجح ويرد على المرجوح.

6- هذا الموضوع يسهم كثيرًا في تحقيق القول الصواب في كثير من المسائل المختلف فيها في التفسير، فعند ما نطالع كتب التفسير نكون أمام حشد كبير من الأقوال، منها الصحيح، ومنها الضعيف الذي لا دليل عليه، أو لا دلالة عليه فيما يذكر له دليلًا-.

7- هذه الدراسة تكشف عن وجوه الخطإ في الأقوال المرجوحة بطريقة علمية دقيقة، وفي الوقت ذاته تبرز المنهج الأمثل في مجال الترجيح.

8- هذه الدراسة تتيح للباحث الوقوفَ على كم كبير من كتب التفسير، بل وسائر المصنفات من حديث وفقه، وأصول ولغة، تبعًا لتنوع ثقافة الإمام ابن العربي، مما يكسب الطالب توسعًا في المعارف الإسلامية.

9- إن المؤلف - رحمه الله - قد يرجح أحيانًا بعض الأقوال دون أن يذكر دليله، مما يجعل الكشف عن ذلك المرجح تكميلًا لفائدة الكتاب.

10- كما قد يرد أحيانًا القول المرجوح دون بيان وجه الرد، مما يجعل الإفصاح عن علة الضعف مطلبًا علميًا.

خطة البحث:

اقتضت طبيعة البحث أن تكون خطته على مقدمة وقسمين وخاتمة وفهارس. المقدمة: وفيها:

أ- الافتتاحية.

ب- أهمية الموضوع وأسباب اختياره.

ج- خطة البحث.

د- منهج البحث.

هـ- شكر وتقدير.

القسم الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن العربي مع دراسة منهجه في الترجيح، ومصادره، وذكر من أفادوا منه.

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ترجمة موجزة عنه.

وفيه تسعة مباحث:

المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه.

المبحث الثاني: مولده ونشأته.

المبحث الثالث: حياته العلمية ورحلاته.

المبحث الرابع: شيوخه.

المبحث الخامس: تلاميذه.

المبحث السادس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.

المبحث السابع: مذ هبه العقدي والفقهي.

المبحث الثامن: مؤلفاته.

المبحث التاسع: وفاته.

الفصل الثاني: دراسة منهجه في الترجيح.

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الترجيح.

المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح وأساليبه عند ابن العربي.

المبحث الثالث: قواعد الترجيح التي طبقها في ترجيحاته، وذكر نماذج لذلك.

الفصل الثالث: مصادر ابن العربي، والذين أفادوا منه وتأثروا به.

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: مصادره.

المبحث الثاني: الذين أفادوا منه وتأثروا به.

القسم الثاني: ترجيحاته من أول سورة الروم إلى آخر سورة فصلت.

ويتضمن ما يلي:

• ترجيحاته في سورة الروم.

• ترجيحاته في سورة لقمان.

• ترجيحاته في سورة السجدة.

• ترجيحاته في سورة الأحزاب.

• ترجيحاته في سورة سبأ.

• ترجيحاته في سورة فاطر.

• ترجيحاته في سورة يس.

• ترجيحاته في سورة الصافات.

• ترجيحاته في سورة ص.

• ترجيحاته في سورة الزمر.

• ترجيحاته في سورة المؤمن.

• ترجيحاته في سورة فصلت.

الخاتمة:

وفيها نتائج البحث والتوصيات.

الفهارس:

وتحتوي على:

1- فهرس الآيات.

2- فهرس الأحاديث.

3- فهرس الآثار.

4- فهرس الأشعار.

5- فهرس الأعلام.

6- فهرس الأماكن والبلدان.

7- فهرس الكلمات الغريبة.

8- فهرس المصادر والمراجع.

9- فهرس المسائل

10- فهرس الموضوعات.

منهج البحث:

سلكت في دراسة هذا الموضوع منهجًا أبيّن معالمه فيما يلي:

الأول: كتبت الآية التي هي محل الدراسة، ووضعت رقمها أعلى الصفحة، ثم أردفتها بالمسائل التي تضمنتها، معنونًا لكل مسألة بما يناسب معناها وفقهها.

الثاني: عرضت المسائل مرتّبةً حسب ترتيب المصحف، وحسب ترتيب القاضي ابن العربي في الآية الواحدة.

الثالث: عرضت الأقوال في كل مسألة حسبما يذكره القاضي ابن العربي- رحمه الله - بما في ذلك القول الراجح عنده، فإن ترك قولًا ذا بال أوردته في التعليق والإيضاح.

الرابع: التزمت نص القاضي في عرض المسألة إن كانت واضحةَ المعالم في عرضه، كأن يقول: اختلف العلماء في كذا على أقوال ثم يسردها مرتبةً.

أما إن داخل بين الأقوال، وسلك في عرضها مسلك الرد والمناقشة، فإني أتصرف في عرضها تهذيبًا وتلخيصًا وتوضيحًا.

الخامس: فصلت بين عرض المسألة والحديث عنها، وبسط الأدلة وإيراد المناقشات بقولي: التعليق والإيضاح.

السادس: أرجأت أدلة القاضي- رحمه الله - ومناقشاته للأقوال المخالفة إلى التعليق، مميزًا حديثي عن كلامه.

السابع: ذكرت في صدر التعليق منشأ الخلاف في المسألة، وأشرت في آخره إلى ثمرة الخلاف-إن كانت هناك ثمرة لخلافهم- ناسبًا ذلك كله إلى قائله أو المصدر الذي اقتبسته منه، فإن لم أجد مَن نص عليه، وظهر لي من خلال النظر في الأدلة والمناقشات ذكرته من قولي، وآيته أن أذكره مرسلًا دون عزو.

وربما بدأت بعرض المسألة إن كان القاضي-في عرضه إياها- داخل بين أقوالها، أو عرضها بصفة تحتاج إلى بيان.

الثامن: عقّبت بالتعليق على الأقوال بذكر أدلتها، ومن قال بها من أهل العلم، وناقشتها مع بيان حالها قوةً وضعفًا، بما في ذلك القول المختار عند ابن العربي- رحمه الله -.

وقد أزيد في الاستدلال على ما ذكر القاضي من كتب التفسير والفقه وشروح الحديث.

التاسع: استدللت للأقوال التي يرسلها القاضي دون ذكر دليله، ناسبًا ذلك إلى قائله، أو المصدر الذي اقتبسته منه، فإن لم أجد من استدل لها من العلماء، اجتهدت في الاستدلال لها ما وجدت إلى ذلك سبيلًا، وذلك فيما أقول دون عزو: يمكن أن يستدل لهذا القول مثلًا.

العاشر: بيّنت الأقوال المرجوحة، ووجه ضعفها من كلام القاضي، أو من كلام غيره من المحققين، فإن لم أجد بذلت قصارى جهدي في بيانه.

الحادي عشر: لخصت حاصل كل مسألة عند نهاية العرض والمناقشة، مفصحًا عما يظهر لي راجحًا -موافقًا له أو مخالفًا- مع بيان وجه الرجحان.

الثاني عشر: قمت بتوثيق الأقوال إن كانت معزوّةً، وبنسبتها إلى قائليها إن أغفل القاضي ذلك.

الثالث عشر: عزوت الآيات إلى سورها وكتبتها بالرسم العثماني.

الرابع عشر: خرجت الأحاديث الواردة في البحث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بذلك، وإن كان في غيرهما خرجته من مصادر الحديث المعتبرة، مع بيان درجته مستنيرًا بأقوال أهل الاختصاص.

الخامس عشر: قمت بشرح الكلمات الغريبة، ونسبة الشواهد الشعرية إلى قائليها، وتوثيقها من دواوين الشعر، أو غيرها من مصادر اللغة العربية، ما أمكني ذلك.

السادس عشر: قمت بتعريف الأعلام الواردة أسماؤهم في البحث، ما عدا المشهورين، كالخلفاء الأربعة، والأئمة الأربعة، وذلك في أول موضع يرد فيه ذكر العَلم.

السابع عشر: ضبطت ما احتاج إلى ضبط، والتزمت بعلامات الترقيم.

الثامن عشر: ذيلت البحث بالفهارس العلمية المذكورة في الخطة.

التعريف ببعض المصطلحات المستخدمة في الرسالة:

• عوّلت على ثلاث نسخ لأحكام القرآن للقاضي أبي بكر بن العربي:

الأولى: نسخة/ علي محمد البجاوي، ورمزت لها بحرف ج.

الثانية: نسخة/ محمد عبد القادر عطا، ورمزت لها بحرف ع.

الثالثة: نسخة/ عبد الرزاق المهدي، ورمزت لها بحرف م.

وأحلت إلى النسخ الثلاث في توثيق كل مسألة من كتاب الأحكام، وما يتبعها من مناقشات ابن العربي، فأقول مثلًا:

الأحكام ج: 3/ 443، ع: 3/ 522، م: 3/ 406.

وذلك مرةً واحدةً عند عرض المسألة؛ لئلا تثقل الحواشي بالإحالات، وفي مسائل الكتاب، أما في غيرها فاكتفيت بالإحالة إلى نسخة عبد الرزاق المهدي.

وقوّمت نص النسخ الثلاث من نسخة خطية بمركز الملك فيصل بالرياض.

• ذكرت اسم المصدر مع مؤلفه في أول وروده، ثم اكتفيت اختصارًا بذكر اسم المصدر.

• قد أختزل اسم المصدر أو المرجع طلبًا للاختصار، فأقول مثلا: الأحكام؛ أي: أحكام القرآن لابن العربي. السير؛ أي: سير أعلام النبلاء للذهبي. الإشراف؛ أي: الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب. التقريب؛ أي: تقريب التهذيب لابن حجر.

• وفي حالة تشابه أسماء الكتب أميز بينها تقييدًا باسم مؤلف.

• لظروف قاسرة رجعت إلى طبعتين في مصادر قليلة، وميزت بينهما بذكر دار النشر، لإحداهما، فأقول مثلا: ينظر: فتح القدير للشوكاني 4/ 347، ط/ دار الفكر، وإن رجعت إلى طبعة دار الحديث أرسلتها. وقد أميز بينهما تقييدًا باسم محقق.

شكر وتقدير:

أحمد الله - عز وجل - على ما منّ به علينا من نعمة الإسلام، وسلك بنا سبيل طلب العلم، ويسّر من إتمام هذا البحث؛ فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرّضى.

وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأشكر والدي العزيزين- حفظهما الله - اللذين ربياني صغيرًا، وأحاطاني بالرعاية حتى غدوت كبيرًا، فوجهاني نحو طلب العلم الشرعي الذي يسعد به في الدنيا والآخرة، ولا يزالان يشجعانني على ذلك، فيا رب ارحم ضعفهما، واغفر لهما، والبسهما لباس الصحة والعافية، وارزقني برهما.

كما أتقدّم بالشكر الجزيل إلى القائمين على هذه الجامعة المباركة؛ لما أتاحوا لي من فرصة النهل من منابعها الصافية، وهيأوا لي ولزملائي من أبناء الأمة الإسلامية من أسباب التحصيل العلمي.

فأسأل الله - عز وجل - أن يوفقهم ويسدد خطاهم، ويجزل لهم المثوبة على ما يبذلونه من جهود، ويتكلفونه من مشاق في سبيل خدمة الإسلام وأهله.

كما أخص بشكر يعقبه شكر، وبإشادة يردفها امتنان وعرفان بفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور/ عماد زهير حافظ-حفظه الله - المشرف على هذه الرسالة على ما منحني من ثمين وقته رغم مشاغله الكثيرة، وأولانيه من التوجيهات السديدة، والملاحظات الدقيقة، فجزاه الله عني خير ما يجزي أستاذا عن تلميذه، وأطال في عمره، وبارك له في علمه وعقبه.

وأصل بالشكر القائمين على كلية القرآن الكريم من إداريين وأساتذة على ما ألفيته عندهم من تعاون ورحابة صدر لا حدود لها، وأخص منهم بالذكر: فضيلة شيخي رئيس قسم التفسير الدكتور/ صالح يوسف كاتب-حفظه الله تعالى- والأستاذين الجليلين: فضيلة الأستاذ الدكتور/ رزق سيد عبد القادر سيد، وفضيلة شيخي الدكتور/ محمد بكر عابد - حفظهما الله - اللذين تفضلا بقراءة هذه الرسالة، وبإبداء ملحوظاتهما عليها، فلهما مني جزيل الشكر والامتنان.

كما أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهم بأي شكل من الأشكال في إنجاز هذا البحث من مشائخي الأجلاء، وزملائي الكرام، الذين لم يبخلوا علي بإعارة كتاب، ولا بإسداء نصيحة، ولم يضِنّوا عليّ برأي أو توجيه.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بشكر جزيل، إلى جميع أساتذتي ومشائخي الذين تتلمذت على أيديهم منذ نعومة أظفاري إلى يومنا هذا.

فجزى الله الجميع خير الجزاء، وجعل ما أسدوه إليّ من المعروف، وجميل الصنع في موازين حسناتهم؛ إنه سميع مجيب.

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فقد لازمت كتاب (أحكام القرآن) للقاضي أبي بكر بن العربي- رحمه الله - وعايشته مدةً من الزمن، حتى تم هذا البحث بفضل المولى - عز وجل - وتوفيقه، حسب الخطة الموضوعة له.

وفي ختام هذا العمل، أود أن أوضح أهم النتائج التي توصلت إليها فيما قمت به من جهد المقل، في المحاور الآتية:

المحور الأول: بعض ملامح شخصية القاضي العلمية:

1- أبو بكر بن العربي مالكي مجتهد، يتبع الدليل حيث أوصله، ولا يحجم عن الجهر بمخالفته للإمام مالك، إذا رأى أن الدليل يخالفه، كما لا يتردد في أن يرد على المالكية قولهم إذا لمس فيه ضعفًا، غير أنه يؤخذ عليه قسوته على المخالفين له أحيانًا، وإطلاقه عبارات لاذعةً أحيانًا أخرى في حق أئمة أعلام، كأبي حنيفة، والشافعي، وابن حزم- رحمة الله عليهم-.

وربما كان هذا التصرف ردة فعل منه، يريد منها الانتقام من الخصم الذي قد يكون نال من المالكية، أو انتقص إمامه مالكًا.

2- يمتاز القاضي- رحمه الله - باعتماده على الأخبار الصحيحة في الاستدلال غالبًا، وهو في الوقت نفسه يورد الأحاديث الواهية، لينبه على ضعفها، ويحذر من الأخذ بها[3].

المحور الثاني: بعض مميزات هذا الكتاب:

1- أحكام القرآن للقاضي ابن العربي موسوعة علمية نادرة في بابه، اشتملت على كثير من الفنون، واحتوت على عدد من العلوم:

أ- فهو كتاب تفسير بديع في نسجه، فريد في بابه، حافل بالمعاني اللغوية، عمد فيه القاضي إلى ألفاظ القرآن الكريم فنبه على أصول اشتقاقها، ليحتكم إليها عند الخلاف.

كما قرر فيه الأوجه الإعرابية الصحيحة؛ ليصل إلى المعنى الأقوم للآية، وليأخذ بصحيح الأقوال عند النزاع في المعاني، فما جرى وفق الصناعة النحوية يعتمد، وما خالفها يهجر ويستبعد.

ب- وهو كتاب أورد فيه القاضي- رحمه الله - الأحاديث النبوية والآثار عن سلف هذه الأمة، وعرضها على آي القرآن، واعتبرها بها، متحريًا الجمع بينها، فإن أعوزه ذلك لجأ إلى الترجيح بين الأقوال، وفق ضوابط علمية دقيقة.

فهو من هذه الحيثية كتاب في جمع السنة وفقهها.

ج- وهو كذلك كتاب في الفقه المقارن، انتهج فيه القاضي- رحمه الله - إيراد أقوال الفقهاء وأدلتها في مسائل الخلاف، ومناقشتها مناقشة علميةً هادفةً، وصولًا في النهاية إلى القول الراجح بدليله. يبني ذلك كله - تصريحًا أوتلويحًا- على قواعد أصولية معروفة عند أهل العلم.

د- كما أن القاضي- رحمه الله - أورد فيه الروايات التاريخية، وسلط عليها مسبار النقد، فما قوي سنده، وعرف متنه، اعتمده وعول عليه، وما ضعف سنده، وشذ متنه أنكره، وحذر من الاغترار به.

فهو من هذا الوجه كتاب في التاريخ والسير.

وبالجملة فإن مادة هذا الكتاب نفيسة جدًا، تعطينا فكرةً عن شخصية ابن العربي العلمية القوية، وحاصلها: أنه إمام مفسر بارع، ولغوي متقن، ومحدث حافظ، وفقيه متضلع مجتهد، وأصولي نظار، ومؤرخ ناقد.

2- أن ابن العربي وإن استطرد في مسائل فقهية كثيرة في هذا الكتاب، إلا أنه لم يبتعد عن مدلول الآية تصريحًا أو تلويحًا، فإذا خرج البحث عن مدلول الآية أحال على الكتب المختصة، كأن يقول: بيناه في كتاب مسائل الخلاف أو الملجئة، أو كتب الحديث، ونحو ذلك.

3- أن مادة هذا الكتاب معروضة بأسلوب سهل وواضح، يغلب عليه الاختصار في عامة مباحثه، وإن أسهب القاضي في إيضاح بعض مسائله، فلأن الحال يقتضي ذلك، ثم لا يتجاوز القدر الذي تتضح به المسألة، وتنجلي به معالم الخلاف فيها.

4- يستدل فيه القاضي للراجح غالبًا، وإن خالف ذلك بأن يختار رأيًا دون ذكر مأخذه، فإنما يفعل ذلك اختصارًا لظهوره عند طلاب العلم.

5- اعتمد القاضي- رحمه الله - في كتابه هذا بصفة مطردة قواعد الترجيح المعمول بها لدى أهل العلم.

المحور الثالث: التوصيات:

1- كتاب أحكام القرآن لابن العربي- رحمه الله - حقق أكثر من مرة، وخرج في عدة طبعات، لكنه رغم ذلك لازال يحتاج إلى مزيد من العناية، وإلى تحقيق علمي جاد يخدم نصه، ويكمل نقصه، ويحقق مسائله.

2- أوصي من يبحث في تفسير كتاب الله - عز وجل -، أن يكون على قدر كبير من الحذر والدقة في تعامله مع كثير من كتب التفسير؛ إذ بعضها مشحون بتفاسير وأقوال وحكايات وأسباب نزول تحتاج إلى مراجعة وتمحيص، بل بعضها مما يجب إبعاده عن تفسير كتاب الله تعالى، وعن حمل آي الكتاب العزيز عليه.

هذا وأرفع أكف الضراعة إلى المولى - عز وجل - أن يغفر لي ولوالديّ، وأن يتقبل عملي، ويحسن عاقبتي في الأمور كلها.

وختامًا فما كان في هذا البحث من سديد القول وصواب الرأي فمن فضل الله وتوفيقه - عز وجل -، وما كان فيه من خطأ وقصور-ولا بد- فمن ضعف الإنسان ونقصه، فأسأل العليم الحكيم أن يغفر الزلات، ويقيل العثرات، وأن يبصرني بخطئي، ويرزقني التراجع عنه؛ إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس الموضوعات