ملخص رسالة دكتوراه: قواعد نقد العقائد عند ابن تيمية

ملخص الرسالة

ملخص رسالة دكتوراه

قواعد نقد العقائد عند ابن تيمية

تُوسَم مباحث مقالات الإسلاميين وغيرهم أنها من ضنائن العلم وغواليه؛ فهي تحمل معالم الصوت الإسلامي عاليًا، والقلم له راقمًا، بإظهار شعار من شعائر علماء الأمة الإسلامية، وبيان وظيفة من وظائفهم الْمِلِّية، وأصل أصولها التعبدية، وهو مشروعية الرد على المخالف، ونقد عقائد وآراء ومقالات أهل الملل وأصحاب النِّحَل، ليميز الخبيث من الطيب، والغث من السمين، فيطرد الدخيل، ويستخرج الدخن.

كل هذا؛ حراسة للدين عشية وصُبحًا، وحماية له من العاديات قدحًا، وليبقى سوق الأمر بالمعروف قائمًا نصحًا، وتحفظ الوحدة جمعًا.

وابن تيمية شغل فكره وحياته بالتأصيل للعقائد السَّلَفية، والدفاع عن العقيدة الإسلامية، من كل ما يراه دخيلاً عليها، ويسعى لتشييد قواعد كالرواسي، وبيان ما يخالفها، والنظر فيما عند الفِرَق والطوائف الأخرى، ونقد الآراء وتمحيصها ليميز الخبيث من الطيب، ابتغاء تصنيفها بعدما كثر الاضطراب، وتشعبت الأقوال، والتَبَسَت كثير من المسائل على الناس.

وهو من الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في الأمة الإسلامية، سواء من المُقبِلين عليه وعلى منهجه، أو الرافضين له ولمنهجه.

فقد شغَل الورى بعِلمه، وما خلت نِحْلة أو مِلَّة عَلِمَ بها إلا نقدها، من اتِّباع أو ابتداع، أو جودة فهم، أو علة وهم، وخلَّف ندوبًا على مذاهبهم.

وله مصنفات مشهودة، ورسائل منضودة، كثرت حتى عسُر حصرها، أضاء بها دياجير الظلام الحالك للبِدَع، بمشكاة يكاد نورها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور؛ نور القرآن، ونور السُّنة النبوية، ورام بذاك بيان القسطاس المستقيم، والطريق القويم، لإحياء الدين.

وعصرُ ابن تيمية زَمَنٌ ضعُفَ أمرُ الخلافة العباسية فيه، وتدهورت أحوالها السياسية، فكان الخليفة لا يَسُوس غيرَ حاضرة البلاد، وسلطانُهُ لا يباعِدُ أسوار بغداد، وبعد تدمير بغداد، وتخريب مكتباتها ومدارسها ودُورها وقصورها، وفرار العلماء والأدباءوالفضلاء منها، انتقلت الحركة العلمية والفكرية نحو الشام ومصر، فحدثت نهضة علمية، بإقبال العلماء بِهِمَّة عالية على نشر العلم، في حِلَق التدريس والتصنيف، استدراكًا لما فُقِدَ بأرض خُراسان والعراق.

إذ لَمَّا خَرِبت تلك الأمصار، وذهبت منها الحضارة، التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع -ذهب العِلم من العجم جملة، لِمَا شملهم من البداوة، واختص العلم بالأمصار الموفورة الحضارة.

وبذَهَاب العلم كثُر الخلاف، وتشعَّب الشقاق؛ لوقوع الاضطراب في سَبْر الأقوال وفهمها عن أهلها، وقلة النظر، وتفرُّع الآراء في المسائل العلمية والعملية.

وكانت دوافع الاختلاف عديدة، وبواعث الخلاف متعددة، بعضها له خصوصيات المكان، وظروف الزمان، وبعضها متعلِّقٌ بطائفة من الناس دون غيرهم، وأفراد دون سواهم.

والخلاف العَقَدِيُّ قسَّم الناس بين مسلم وكافر، ومن معهم أصل الإسلام بين جماعة سُنِّيَّة، وفِرَقٍ مبتدعة، وأهل السنة والجماعة بين مصيبٍ ومخطئ.

مع اعتبار أنْ لا تلازُمَ بين الوقوع في البدعة، والحكم على صاحبها بها، ولا من كان من الفرق السبعينية المخالفة للفرقة الناجية أن يكفر، بل معهم أصل الإسلام، وللفرقة الناجية أصولها؛ فمن دخل الإسلام بيقين وإثبات أركانه، لا يخرج إلا بيقين ونقض أركانه، وكذا من كان من الفرقة الناجية من أهل السُّنة والجماعة.

فالمخالفون لأهل السنة ليسوا سواء؛ منهم مجتهد مخطئ، ومتأول مقتصد، وجاهل معذور، ومتعَدٍّ ظالم، وكافر ضال.

ومن هنا كان موضوع الرسالة بحثَ قواعد ابن تيمية في نقد العقائد، بتجلية أسباب الاختلاف بين المسلمين في عقيدتهم؛ رغم أنهم ورثوا على المحجة البيضاء، ثم ظهر بينهم الانقسام، وتشعبت بهم السبل، فكانوا طرائق قِدَدًا، واختلفوا على دينهم كما اختلف الذين من قبلهم، وإن كان للخلاف دوافع طبيعية كونية تقتضيها التركيبة البشرية الفطرية.

لذا لم يَعُدَّ ابنُ تيمية كلَّ اختلاف مذمومًا لذاته، فكان منه بيان القسمة الحَسنة فيما يراه من اختلاف مقبول ويصعب دفعه، وآخر مذموم، وهو متنوع، والحكم فيه لا يطَّرِد.

مما بحث في منهج ابن تيمية من تضاعيفه، وفرز من قواعده في النقد: نتلمس أنه يبني منهجه النقدي على قاعدة الموازنة، الموازنة في النظر في المقالة، واعتبار الحيثيات التي تكتنف ظهورها، والموازنة في القائل بالنظر لتدينه وتقواه وعلمه وخدمته للإسلام.

فكان يُفَرِّق بين مستوى الرد، ومستوى النقد والتقييم، ويُفَرِّق في الحكم بين القول وقائله، والفعل وفاعله.

وقاعدة الموازنة عنده مبنيَّة على مسألة التزاحم في الأحكام الشرعية، وهي مسألة لها علائق وشُعَبٌ في علوم عِدَّة، غير أنه تكْثُر الحاجة لها في الحكم على أفعال المكلف، وعلى المكلف نفسه، وتقييم الحال ونقد الرجال.

وبناءً على ذلك، يُعلَم أن ابن تيمية يُعمِل الموازنة الشرعية حال التزاحم في الحكم على الْمُعَيَّن، فلا يُسْتَساغ الاستدلال بنقده لبعض المقالات لأفراد من الناس، فيُحْكَمَ عليهم بما أورده من كلام في الرد، ولا يتضمن توسُّعه في الرد على طوائف من أهل الكلام، أن يرفض كلامهم جملة وتفصيلاً، بل هو يستعين ببعض ما يراه صائبًا، ويستثمر كلام نظار المسلمين من جميع الطوائف حالَ مناقشة الباطنية والمناطقة والفلاسفة.

ويمدح فضائلهم، ويذكر خيرهم وإن قلَّ، وهو هنا يبني كلامه على قاعدة الموازنة الشرعية، والنصرة حتى بِمَنْ فيه بدعة.

ومسألة تزاحم الأحكام يَعُدُّها من مقاصد الإسلام التي يُطالَب بها المجتهد إن رام الفصل في النوازل، أو القضاء في أحوال المكلفين، أو تصنيف الناس على منهج مستقيم.

وفي نقده للفرق الكلامية يَعُدُّ الأشاعرة أفاضل أهل الكلام، وهم عنده من متكلمي أهل السُّنة والجماعة، والأقرب للحنابلة عقدًا، والأكثر تعظيمًا للسُّنَّة بين أهل الكلام.

أما التصوف فهو من العلوم الإسلامية، شأنه شأن باقي الفنون، وأهله طبقاتٌ ونِحَل، منهم مشايخ الكتاب والسُّنة، وآخرون فلاسفة، وبين هؤلاء وهؤلاء أقوامٌ ومدارس وطُرُق.

واهتم ابن تيمية في النقد ببحث أصول المقالات وتاريخ نشأتها، وعلاقتها مع غيرها، ونقد أدلتها ومسالك الإثبات.