• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أنثى في القلب
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    خلف الكواليس
    د. ابتهال محمد علي البار
  •  
    إن لم تحرز تقدما تراجعت!
    أسامة طبش
  •  
    المحطة السابعة عشرة: المرونة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الآباء والأمهات لهم دور كبير في توجيه الطفل حتى ...
    عثمان ظهير
  •  
    جيل الحساسية الاجتماعية المفرطة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الطفل (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    معذور لأنه مراهق!
    محمد شلبي محمد شلبي
  •  
    الزواج وفوائده وآثاره النافعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الحقوق بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    حقوق الطفل (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة السادسة عشرة: الاستقلالية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    العنف المدرسي في زمن الحياة المدرسية: من الصمت ...
    عبدالخالق الزهراوي
  •  
    في العمق
    د. خالد النجار
  •  
    كيف يمكن للشباب التكيف مع ضغوط الدراسة وتحديات ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    المحطة الخامسة عشرة: استخدام القدرات
    أسامة سيد محمد زكي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

سورة البقرة (9) آيات الصيام (خطبة)

سورة البقرة (9) آيات الصيام (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/3/2023 ميلادي - 1/9/1444 هجري

الزيارات: 18962

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة البقرة (9)

آيات الصيام

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ فَرَضَ الصِّيَامَ وَشَرَعَ الْقِيَامَ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَأَمَرَ بِالْإِطْعَامِ وَالْإِحْسَانِ، وَنَهَى عَنِ الزُّورِ وَالْجَهْلِ وَالْبُهْتَانِ؛ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِأَجْرِ الصِّيَامِ، وَتُورِدُ أَصْحَابَهَا مَوَارِدَ الْخُسْرَانِ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ الْقُرْآنَ هِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأُنْسًا لِلْمُتَهَجِّدِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَعَرَضَهُ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ مَرَّتَيْنِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَاعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ؛ فَإِنَّ الْعُمْرَ يَمْضِي، وَالشَّهْرَ الْكَرِيمَ يَنْقَضِي؛ فَمُحْسِنٌ فِيهِ وَمُسِيءٌ، وَمَأْجُورٌ فِيهِ وَمَوْزُورٌ، وَفَائِزٌ فِيهِ وَخَاسِرٌ، فَكُونُوا فِيهِ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمَأْجُورِينَ الْفَائِزِينَ؛ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: اخْتُصَّتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ بِذِكْرِ آيَاتِ الصِّيَامِ فِيهَا، وَبُدِئَتْ بِبَيَانِ فَرْضِ الصِّيَامِ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صُورَةُ الصِّيَامِ وَوَقْتُهُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، بَيْدَ أَنَّ الْأَمَةَ الْخَاتِمَةَ حَظِيَتْ بِأَعْلَى شَرَائِعِ الصَّوْمِ وَأَحْسَنِهِ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 183]، وَعُلِمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الصِّيَامَ سَبِيلٌ مِنْ سُبُلِ التَّقْوَى.

 

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنَّهُ جَعَلَ صِيَامَهُمْ ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]، وَهِيَ أَيَّامُ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَوُصِفَ بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ «تَهْوِينًا لِأَمْرِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ»، وَرُخِّصَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بِالْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184].

 

وَلِأَنَّهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَعْتَادُوا الصِّيَامَ، وَهُوَ ثَقِيلٌ عَلَيْهِمْ؛ خُيِّرُوا بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]، «فَإِنْ أَطْعَمَ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَهُوَ خَيْرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]، وَإِنْ صَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِطْعَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]»، ثُمَّ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُقِيمَ الصَّحِيحَ بِالصِّيَامِ دُونَ الْإِطْعَامِ. قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185] فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَثَبَّتَ الْإِطْعَامَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَالشَّيْخُ الْهَرِمُ قَدْ يَعْجِزُ عَنِ الصَّوْمِ وَلَا مَرَضَ فِيهِ، وَيَكُونُ عَجْزُهُ دَائِمًا لِضَعْفِ جَسَدِهِ؛ فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ بَدَلَ الصِّيَامِ؛ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَطْعَمَ بَعْدَمَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ».

 

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي فُرِضَ فِيهَا الصِّيَامُ هِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ فَضْلَ رَمَضَانَ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهِ؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، وَكَانَ نُزُولُهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي فُضِّلَتْ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [الْقَدْرِ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدُّخَانِ: 3]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضَائِلِ رَمَضَانَ إِلَّا نُزُولُ الْقُرْآنِ فِيهِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي فَضْلِهِ، فَكَيْفَ وَفَضَائِلُ رَمَضَانَ كَثِيرَةٌ جِدًّا؟!

 

وَخِلَالَ آيَاتِ الصِّيَامِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ بِأَوْصَافٍ عَظِيمَةٍ جَلِيلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، «فَالْقُرْآنُ هُدًى لِقُلُوبِ الْعِبَادِ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، وَدَلَائِلُ وَحُجَجٌ بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ لِمَنْ فَهِمَهَا وَتَدَبَّرَهَا، دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى الْمُنَافِي لِلضَّلَالِ، وَالرُّشْدِ الْمُخَالَفِ لِلْغَيِّ، وَمُفَرِّقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ».

 

﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، «هَذَا إِيجَابُ حَتْمٍ عَلَى مَنْ شَهِدَ اسْتِهْلَالَ الشَّهْرِ -أَيْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْبَلَدِ حِينَ دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَدَنِهِ- أَنْ يَصُومَ لَا مَحَالَةَ». «وَلَمَّا حَتَّمَ الصِّيَامَ أَعَادَ ذِكْرَ الرُّخْصَةِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمُسَافِرِ فِي الْإِفْطَارِ، بِشَرْطِ الْقَضَاءِ فَقَالَ: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]؛ مَعْنَاهُ: وَمَنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فِي بَدَنِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ أَوْ يُؤْذِيهِ، أَوْ كَانَ عَلَى سَفَرٍ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ، فَإِذَا أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ بِعِدَّةِ مَا أَفْطَرَهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الْأَيَّامِ» وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]؛ «أَيْ: إِنَّمَا رَخَّصَ لَكُمْ فِي الْفِطْرِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَفِي السَّفَرِ، مَعَ تَحَتُّمِهِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ؛ تَيْسِيرًا عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةً بِكُمْ».

 

وَأَمَرَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عِبَادَهُ بِإِكْمَالِ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، وَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِتَكْبِيرِهِ عَلَى هِدَايَتِهِ لِلْإِيمَانِ وَالصِّيَامِ وَمَعْرِفَةِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ؛ ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، وَأُخِذَ مِنْهُ التَّكْبِيرُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، وَيَا لَهَا مِنْ نِعَمٍ عَظِيمَةٍ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ: نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَنِعْمَةِ الْقُرْآنِ، وَنِعْمَةِ إِدْرَاكِ رَمَضَانَ، وَنِعْمَةِ تَيْسِيرِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَنِعْمَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَنِعْمَةِ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَنِعْمَةِ الْفَرَحِ بِالْفِطْرِ مَغْرِبَ كُلِّ يَوْمٍ، وَنِعْمَةِ الْفَرَحِ بِيَوْمِ الْعِيدِ.

 

وَدُعَاءُ رَمَضَانَ حَرِيٌّ بِالْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ ذَلِكَ وَأَكَّدَهُ بِمُؤَكِّدَاتٍ عِدَّةٍ خِلَالَ آيَاتِ الصِّيَامِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186].

 

﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186] «إِذَا دَعَوْتُهُمْ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ كَمَا أَنِّي أُجِيبُهُمْ إِذَا دَعَوْنِي لِحَوَائِجِهِمْ» ﴿ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 186] «أَيْ: يَحْصُلُ لَهُمُ الرُّشْدُ الَّذِي هُوَ الْهِدَايَةُ لِلْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَزُولُ عَنْهُمُ الْغَيُّ الْمُنَافِي لِلْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ وَسَائِرَ الْأَعْمَالِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خُتِمَتْ آيَاتُ الصِّيَامِ بِالرُّخْصَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ، وَفِي أَوَّلِ فَرْضِ الصِّيَامِ كَانَ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَوْ جُزْءً مِنَ اللَّيْلِ يُوَاصِلُ الصِّيَامَ إِلَى غُرُوبِ الْغَدِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ؛ ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَشَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الِاعْتِكَافَ فِي رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَأَزْوَاجُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ قُرْبَانُ النِّسَاءِ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187] «أَيْ: هَذَا الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَفَرَضْنَاهُ وَحَدَّدْنَاهُ مِنَ الصِّيَامِ وَأَحْكَامِهِ، وَمَا أَبَحْنَا فِيهِ وَمَا حَرَّمْنَا، وَذِكْرِ غَايَاتِهِ وَرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ؛ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، شَرَعَهَا وَبَيَّنَهَا بِنَفْسِهِ فَلَا تُجَاوِزُوهَا وَتَعْتَدُوهَا».

 

﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]، «فَإِنَّهُمْ إِذَا بَانَ لَهُمُ الْحَقُّ اتَّبَعُوهُ، وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْبَاطِلُ اجْتَنَبُوهُ، فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَفْعَلُ الْمُحَرَّمَ عَلَى وَجْهِ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، فَإِذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ آيَاتِهِ؛ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ وَلَا حُجَّةٌ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّقْوَى». وَكَمَا افْتُتِحَتْ آيَاتُ الصِّيَامِ بِذِكْرِ التَّقْوَى خُتِمَتْ بِهَا أَيْضًا؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ أَمْرِ التَّقْوَى، وَصِلَتِهَا الْوَثِيقَةِ بِالصِّيَامِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة البقرة (1) الفضل والأثر
  • سورة البقرة (2) أقسام الناس
  • سورة البقرة (3) قصة الخلق والابتلاء
  • سورة البقرة (4) الإسلام والإيمان والإحسان
  • سورة البقرة (5) تقرير الربوبية
  • سورة البقرة (6) تقرير الألوهية
  • سورة البقرة (7) آيات الصلاة
  • سورة البقرة (8) آيات الصدقة والإنفاق
  • سورة البقرة (10) تطهير البيت وبناؤه
  • سورة البقرة (11) آيات الحج (خطبة)
  • خطبة تدبر آيات الصيام

مختارات من الشبكة

  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نور البيان في مقاصد سور القرآن: سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير الجلالين (من سورة البقرة إلى آخر سورة الإسراء)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • لطائف وإشارات حول السور والآي والمتشابهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/1/1447هـ - الساعة: 15:12
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب