• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تنمية المهارات
علامة باركود

نحن وثنائية الخوف والحزن

نحن وثنائية الخوف والحزن
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2014 ميلادي - 3/11/1435 هجري

الزيارات: 26670

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مخاوفنا بين إخضاعها والخضوع لها

(نحن وثنائية الخوف والحزن)


مقدمة: الخوف حالة نفسية لها دورها في حياتنا، ولا يكون الخوف إيجابيًّا إلا في أوقات وظروف محددة، حين يدعو الإنسان لاتخاذ إجراءات وقائية وخطوات حماية، وقديمًا كان الخوف من أهمِّ الدوافع والانفعالات التي دعت الإنسانَ لبناء المسكن، وإشعال النار، وتطوير السلاح، وهذا هو الخوف الفِطري.

 

ويعرَّف الخوف بأنه انفعال يؤدي لسلوك، يولد مع الإنسان، ويتم توجيهه من قِبل الأهل، وإفادة الطفل منه تربويًّا وباعتدال، فلا يتضخم ليصبح مرَضيًّا، ولا يتضاءل أو ينمحي ليسيطر التهورُ والعناد على سلوك الطفل.

 

وتكون البداية عادة في الاستجابة للمثيرات المادية؛ كتجنُّبه الآنيَة الحارة خوف حرق الإصبع، وهي تتطور مع النضج العاطفي والنفسي، فيتجنب الطفلُ ما يغضب الأم؛ لأن هذا يحزنها، ويحزنه بدوره، بما يتناسب مع نُضجه وتربيته: إما لألمه لحزنها، أو لِما يرافق ذلك الحزن والغضب من عقوبة، معنوية كانت أم مادية، وهنا يبدأ ارتباط الخوف والحزن، ويتطور هذا الارتباط بحسب التربية المقدَّمة للطفل في المنزل أولاً، ثم في المدرسة والمجتمع، وبحسب تطوير المرء لنفسه فيما بعدُ وتعهدها بالعافية - كما يتعهد صحة بدنه، أما تلازمهما واجتماعهما على الإنسان (الخوف والحزن) فهو عبء حقيقي على صحة النفس والرُّوح.

 

وفي هذه الثنائية يبرز الوجه السلبي للخوف، وهو الوجه المتضخم في الظروف البيئية الضاغطة على الإنسان منذ وعيه وانخراطه في المجتمع والعالم - عصر العولمة، تلك الظروف التي تزداد سوءًا بابتعاد الناس عن شرعة المولى، فإنها ستؤدي إلى سيطرة الجانب السلبي على معظم مشاعرنا وانفعالاتنا، ومنها الخوف.

 

الخوف السلبي الوقاية والعلاج:

كيف تطوِّع مخاوفك ويزول الحزن المرافق لها؟ كثيرة هي النصائح والإجابات، ولكنني وجدت أن خير تدبير لخوف وحزن الإنسان هو من كلام رب الإنسان وبارئه والأعلم به!

 

• العلاج الوقائي العام: الإيمان بالله تعالى:

وهو العلاج الأول الذي يبنى عليه، ونذكره مع علاجين داعمين يلازمانه.

 

وبلغ من عموميته أنه للثقلين: الجن والإنس، وهل يخاف الجن؟ نعم يخافون، ومثلنا قد يصبح خوفهم سلبيًّا بانتشار الظلم، فيخافون البَخْس والرهق.

 

فهذه الوصفة الوقائية العلاجية في آن: وهي الإيمان، نجدد تعلمها من مسلمي الجن مجرد تجديد؛ لأن أكثرنا يعرفها بطريقة أو بأخرى، ولكن غفل عنها بسبب الإلف والعادة، علمًا أن الإيمان عاصم عجيب من الخوف:

ولقد قالت الجنُّ بعد أن أعلنوا إيمانهم بالله تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ [الجن: 13]، وكأن الجن عندهم مشكلة الخوف من الجن أمثالهم، ومنا نحن البشر، بينما البشر يخافونهم!

 

فنجاهم الإيمان بالله تعالى من الخوف، لا سيما خوف بخس الحقوق وإنقاصها، وخوف الرهق، وهو غشيان الذلة، والمؤمن بحق - يقينًا وعملًا - هو الذي لا يخاف بخسًا ولا رهقًا، حرره الله تعالى من الخوف والذل عندما آمن به وحده!

 

الحمد لله، الإيمان بالله عز وإعزاز لكل مخلوق.

 

ثم لنتذكر أن تمكن خوف البخس والرهق يورث الحزن؛ لذلك نقرأ في آيات أخرى التأكيد على أن الخلاص من كليهما يتم بفضل الإيمان والانعتاق من العبوديات الأرضية؛ وذلك بصيغة الانضمام لزمرة أولياء الله، فمن هم أولياء الله؟


قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63].

 

وانظر - سبحان الله - كيف يحتوي هذا المعنى العام جدًّا، الواسع جدًّا، أولياء الله في بلاغة وإيجاز معجزين بصفتين فقط، هما: الإيمان والتقوى!

 

وإن الحديث عن التقوى طويل ذو شجون، وكتب عنه الكثير، وفي مقامنا هي جزء من العلاج العام للخوف السلبي، ونخصها ببعض التركيز والتبيين كعلاج داعم يتبع الإيمان بالله تعالى:

الدعم الأول: تقوى الله:

التقوى والخوف المحمود: من المعاني الجميلة المتعلقة ببحثنا لتقوى الله: أن تطيعه سبحانه اتقاءً لغضبه؛ طمعًا في جنته، وخوفًا من عذابه، وقال بعض العلماء جوابًا على: "من هم المتقون؟": "هم الخائفون من الجليل، العاملون بالتنزيل"، وهذا هو الخوف المحمود، والذي يبلغ ذروته بالخشية والخشوع، ولا يكونان إلا لله وحده، وإن تقوى الله وخوف عذابه تعالى هي رحمة لعباده؛ لأنه يدلهم بها على السلامة والراحة في الدارين، مثلما تخوِّفُ مَن تحب مِن أكل طعام ملوَّث، أو من عاقبة التدخين، أو من التيار الكهربائي (الذي لا يراه ولكنه يصدقك؛ لأنه يحبك، وربما لأنه يرى آثاره)، وأنت تفعل ذلك إشفاقًا عليه، وحبًّا له لتدله على السلامة، ولله المثَل الأعلى، فبينما من تنصحه قد يخافك - لا سيما الطفل - إلى حد ما، ولمرحلة مؤقتة، فيستجيب لنصحك، ولكنه خوف ممزوج بالحب؛ فإن تقوى الله تعالى وخوف عذابه هي خَصلة أبدية، يملِكها صاحب "القلب السليم"، كما أنها لا تورث الحزن أبدًا عندما تكون على حقيقتها!

 

فالمدهش أن خوف الله تعالى - على إيجابيته - لا ينفرد بالإنسان؛ إذ تتم موازنته بـ: "الرجاء"، وهذا من فضل الله علينا؛ لذلك لا نجد في نفوسنا أي سيطرة للسلبية، كوننا دائمًا بين الخوف والرجاء، الحمد لله!

 

التقوى والخوف السلبي: إن تقوى الله ليست فقط ترياقًا للمخاوف الدنيوية مهما عصفت بالإنسان، (مثل: إطباق السماء على الأرض، أو ما يشبهه في عصرنا)، بل إنها وذلك النوع من الخوف على طرفي نقيض تمامًا.

 

ومن أعجب التأكيدات على أمان "المتقين" التام من الخوف قول ابن عباس: (لو أطبقت السماء على الأرض، لجعل الله للمتقين فتحات يخرجون منها! ألا ترون قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2])؟! رضي الله عنك يا بن عباس، مثل هؤلاء ممَّ يخافون؟ وعلامَ يحزنون؟!

 

فالتقوى باعتبار ما تورث صاحبها من طمأنينة التوكل الصادق على المولى مع الأخذ بالأسباب، تمتن وتقوِّي الحالة النفسية المتهلهلة لأحدنا، فتمكنك من التغلب على الخوف، وتشعرك بالأمن حتى في ظلمات البر والبحر[1].

 

الدعم الثاني: العمل الصالح (بما يوجبه الإيمان):

"أنا مؤمن، ولكنني لا زلت أعيش في خوف وحزن"، مقولة تتكرر.

 

في هذه المرحلة ما يلبث أن يطالعنا قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277].

 

وهي آية شاملة، تذكرنا من جديد بأولياء الله الذين آمنوا واتقوا في سورة يونس، ومع ذلك نجدها تركز على عمل الصالحات، وتخص الصلاة والزكاة بالذكر من بين "الصالحات"، فتفردهما كشرط للانعتاق من عبودية الخوف والحزن.

 

مع تأكيد الآية أن الإيمان، والعمل الصالح، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كلها أجرها عند الله، ومع هذا الأجر حرية تامة من الخوف، ومن الحزن.

 

وكلمة: ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 277] في حد ذاتها مَدْعاة لزوال الخوف والحزن، سبحان الله؛ لأن النفس البشرية تأمن وتسر للعدل والفضل الذي يتحقق لنا بالتمام والكمال عند ربنا.

 

متى يصبح الخوف عقوبة جماعية وملابسة للإنسان؟

سبحان الله! وهل يحصل ذلك وكيف؟ ومتى؟!

 

الجواب تجده في مجتمع الدَّعة والرخاء مع ضعف الإيمان، وشح التقوى والمتقين، والتراخي في الصلوات، مع الاستغراق في المتع، وحين تصبح الصالحات مراءاة للناس؛ ذلك أن الأمر لا يتوقف هنا، ما يلبث كل ذلك أن ينقلب جحودًا لنعمة المولى، وكفرًا بفضل المنعِم وأنعُمه السابغة! سبحانه! والخطورة أن يسيطر النفاق والكفر على أغلب السكان، هكذا، مجتمع يصبح عبرة ومثلاً يضرب! قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وليس أي خوف عابر، بل "لباس الجوع والخوف"، هم افتروا على أنفسهم، أليست العقوبة من نوع العمل؟! بلى سبحانك، ربنا غفرانك!

 

• علاجات خاصة للخوف السلبي (خاصة المترافق مع حزن):

أقدم أهمها لنفسي وإياكم الإخوة القراء، ولا شك أن كلاًّ في جَعبته المزيد!

 

عالج الحزن وتجنبه وجنِّبه من تحب بما استطعت، عندها يصبح الخوف الدنيوي عدوًّا هينًا، وقد يصبح - بغياب الحزن المكبل - حافزًا للعمل!

 

• وأبسطها - علاجات الحزن - الابتسامة، وما أكثر بخلنا بها مع الأسف، لا سيما داخل بيوتنا وبين أهلنا! قالت عائشة رضي الله عنها تصف نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "كان ألينَ الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم، إلا أنه كان بسَّامًا"، اللين والكرم وما إليها من خصال حميدة تبقى ناقصةً بدون تبسُّم، صحيح أن كلام أم المؤمنين رضي الله عنها هو عن الزوج ورب المنزل أولاً، ولكنه ينطبق على كل مسلم ومسلمة.

 

• ومن علاجات الحزن: الصبر، وهو ينجح بشرط أن يكون الصبر بالله ولله؛ كما أخبر المولى نبينا صلى الله عليه وسلم عندما أمره ألا يحزن في سورة النحل ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].

 

وبحث (علاج الحزن) واسع، ليس هذا مجال الإسهاب فيه، وقد أُلفت فيه كتب، وكتب عنه في أدبيات جميع الأمم، لا سيما وهم يعانون اليوم من ارتفاع نسبة الانتحار في العالم المتحضر ماديًّا، والمتقهقر روحيًّا، (وبعضنا يحاول دخول جحر الضب هذا)!

 

وهذه ترجمتي لشعر فرنسي جميل قرأته منذ زمن قصير:

• لأننا يجب أن نعيش فليكن مع ابتسامة

• هذا يعني أن الأفضل هو القادم * وأن الإيمان يسمح ببناء ما نأمل به حقًّا

• وهذا يعني أنه مهما اشتدت الأزمات * هنالك دائمًا أمل (بغد مشرق).

 

أما أكثر ما أثر فيَّ، فهي الكلمات التالية للشيخ الألباني: "يُغْنيك عن الدنيا مصحف شريف، وبيت لطيف، ومتاع خفيف، وكوب ماء ورغيف، وثوب نظيف، العزلة بيت الأفكار، والدواء في صيدلية الأذكار.

 

وإذا أصبحتَ طائعًا لربك، وغناك في قلبك، وأنت آمنٌ في سِربك، راضٍ بكَسبك، فقد حصلت على السعادة، ونِلت الزيادة، وبلغت السيادة.

 

واعلم أن الدنيا خداعة، لا تساوي همَّ ساعة، فاجعلها لربك سعيًا وطاعة!

 

أتحزن لأجل دنيا فانية؟ أنسيت الجنانَ ذات القطوف الدانية! أتضيقُ واللهُ ربُّك؟ أتبكي واللهُ حسبك؟ الحزن يرحل بسَجْدة! والبهجة تأتي بدعوة!".

 

حقًّا أخي، هي لا تساوي همَّ ساعة.

 

لا بد من نهاية للهمِّ والحزن.

 

عَظِّم الخوف المحمود في نفسك:

عندما تستنقذ الجانب الإيجابي للخوف الذي يبلغ ذروته في خوف الله تعالى، وتنميه وتنفض عنه الحزن، يتضاءل قسمه السلبي حكمًا؛ فالخوف الإيجابي يبعثك على العمل، والدفاع عن نفسك، والعيش الكريم بين الحق المستعاد المصون والواجب المؤدى، وصحيح أنه علاج خاص لخوف كل فرد، ولكن الأهم أنه علاج للمجتمع، فكيف ذلك؟!

 

عندما يخاف الجميعُ اللهَ تعالى، يأمنون، ولا يتظالمون، فيزول خوف الغَبن، وخوف الرهق، وبدل أن ينطوي المرء على مخاوفه وتدبيرها ومقاضاة من ظلمه، ويحبط ويحزن إذ يُتعتَع ولا يُمكَّن من حقه، فإنه سوف ينطلق بالقوة التي يمنحها خوف الله تعالى في نفسه وفيمن حوله، ذلك الخوف الذي كان منجيًا لهم ابتداءً من "لباس الجوع والخوف"، واستمر حاديًا يهديهم للسعي في البناء والاستقرار والعمل الصالح في إعمار الكون.

 

والمدهش أن القرآن الكريم لخص لنا هذه المراحل في حياة الأمم ببلاغة معجزة:

عندما أخبرنا أن ثواب الذي يخاف مقام ربه: التمكين في الأرض، وإهلاك الظالمين، وهذا عجيب، كأنه تعالى يُكافئه على ذاك الخوف المحمود بعدم الخوف في الأرض؛ فالساكن المتمكِّن مطمئن لا يخاف!

 

قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13، 14].

 

بلى، ولنا في الرسل أسوة حسنة.

 

أخي، إذا أردت أن تبني وطنًا تسكن فيه، ضامنًا أمنك، متمكنًا من أدوات العيش الكريم، وممكنًا لذريتك من بعدك، فاجعل دعامتيه:

أن تخاف مقام ربك، تطيعه، ولا تفسد في الأرض.


وأن تخاف وعيده بالبعث والحساب العادل ولو لمثقال ذرة، فتتخلق وَفْقًا لذلك بمكارم الأخلاق.


ومن التمكين أن يريَك إن شاء سبحانه هلاكَ الظلمة وخيبتهم مهما بلغ بهم الجبروت والعناد، ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 15].

 

مارِسْ عبادة الإنفاق: في قراءة تالية لسورة البقرة، تذكرت تلك الرحمات القرآنية، وهذا الانعتاق لأولياء الله، وخاصة في الجزء الأخير من السورة؛ حيث برز طريق أكثر تخصصًا للخلاص من الخوف والحزن، (وكنا قد أشرنا له):

قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وقال عز من قائل: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].

 

وإذًا هنا أيضًا حرية مطلقة تمنحها عبادة الإنفاق: زكاة أو صدقة، وهي من العلاجات الخاصة التي أجملناها مع العلاج العام.

 

والذي جعل الإنفاق في سبيل الله على خصوصيته، يستحق هذا الفضل الذي استحقته ولاية الله بما اشتملته من معاني التقوى والإيمان الواسعة، فأثيب أهلها بأنهم: ﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]:

هو أن النفقة في سبيل الله، بالليل والنهار، سرًّا وعلانية، دون منٍّ أو أذى، النفقة التي يحبها الله ويريدها بصفاتها المذكورة هي ضمانة الحرية المطلقة للإنسان، وعندما يؤديها بهذا الشكل، وهذا الاندفاع، فإنه ينعتق من العبودية للمادة، (وهي بلاء عصرنا، وهي فتنة أمتنا، كما تنبَّأ به نبينا في الصحيح)، فإذا هان المال في عينيه، وصار بذلُه عبادة، ورخص في نظره، وأصبح إنفاقه في سبيل الله غاية وأمنية، فإنه لن يخاف مما سيأتي، ولن يحزَنَ على ما فات.

 

وإذًا ها هي الآيات المذكورة تقدم لك دواءً ناجعًا للهمِّ والخوف والحزن، وحتى لو أن الإنسان - للوهلة الأولى - لم يفهم لماذا، فإنه إن كان باحثًا عن الشفاء من هموم الدنيا، وعلى رأسها الخوف والحزن، فعليه أن يجرِّب هذا الدواء، الإنفاق في سبيل الله بصفاته المحددة في البند الأول العام: الإيمان والتقوى.

 

وكما في أمراض الجسم وأسقامه، ليس كل مريض بعارفٍ آليةَ تأثيرِ كل دواء يتناوله، بل هو يطمئن لطبيبه، ويتناول الدواء دون أن يناقش عمله، وسيره في الجسم، ودقائق فعله في الداء.

 

ولكن من رحمة الله بنا أن يكشف لنا عن بعض خفايا الأدوية التي يصفها لنا في كتابه الكريم.

 

وهنا يتضح لنا مدى ارتباط قول نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم: ((داووا مرضاكم بالصدقة)) بمدلول آيِ الذِّكر الحكيم؛ فأمراض الجسم وأسقامه كثيرًا ما تتفاقم بسبب: الخوف، والحزن، الناتجين عنها نفسها، أو عن أسباب أخرى (كما ثبت علميًّا)، وعندما يزول الخوف والحزن بالإنفاق في سبيل الله، زكاة أو صدقة، فإن هذا يسرع كثيرًا في شفاء المرض العضوي الذي ألَمَّ بالجسم، وينعتق الجسم من آلامه وأسقامه، كما انعتقت الرُّوح قبله.

 

فكر بالمكافأة وتذكر الآخرة: وأنت في حضارة كهوف الإسمنت والليزر، وما فوق الصوت وما تحت الضوء، ومع كيمياء التبر والوقود، وفي حضرة الإعلام والعولمة التي تنشر المعاناة اليومية لأفراد وشعوب من وطأةِ خوف البخس وخوف الرهق:

تخيَّل يوم الآزفة وقد بلغت القلوبُ الحناجرَ، فكِّر بها!

 

سواءٌ كنت خائفًا أو سببًا لخوف الآخرين وحزنهم، قِفْ مع أهل "الأعراف"، وانظر الفريقين، تأمل الفرق بين الخوف رعبًا، والحزن حسرة خالدة! وبين الأمن والحبور، واجعل نفسك حيث تحب ويحب بارئُك أن تكون! اجهد لتجعل المعادلة لصالحك فتأمن "الخوف الدنيوي" وما يترتَّب عليه من أحزان بتقوى الله: حين تُحسن عبادته وتحسن أداء الأمانة وتتجنَّب ظلم نفسك والعباد، فالذي لا يظلم لا يخاف، تضمن تجنب الخسران.

 

وأختم بالآية الكريمة التي بدأت بها، وهي قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ [الجن: 13].

 

لقد سررت عندما وجدت أن علماءنا زادوا في معنى البخس: نقص الثواب، قلت لنفسي: نعم المؤمن لا يخاف نقص ثواب الآخرة حتى لو بُخس حقه الدنيوي، وفوق ذلك هو على يقين أنه سيسترد حقه، ويشهد "وضع الميزان"، ومحاكمة الظالم! إنها الطمأنينة التامة لعدل الآخرة التي تمسح كل خوف وحزن.

 

هنالك حيث "لا ظلم" لحق ولا لثواب، سبحان الله! أليس ((أمر المؤمن كله خير))؟! بلى، غفرانك ربنا، نسألك الثبات وإيمانًا نافعًا!

 

سبحان الله! الحمد لله!



[1] حفظت من عامي فصيح أهلنا في الشام قولهم عن شخص: "فلان شغل تقوى فلا تخف عليه"؛ أي: إنه متين قوي وثابت في موقفه أو عمله، وتطلق على الشيء؛ أي: صنعته متقنة ومتينة، [لغة: التقوى: - كما تعلمون - من وقى، الزيادة في القوة، والوقاية، أو الحماية، ليكون أقوى وأمتن، وهي بالنسبة للطاعات: في القلب بين العبد وربه؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((التقوى ها هنا)) وأشار إلى صدره].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دواء الهم والغم والحزن
  • هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج الكرب والهم والغم والحزن
  • الحزن الواهي
  • تيسير الخروج من رحم الدنيا
  • نحن بحاجة لذكرياتنا من أجل وجودنا
  • دليل الخوف
  • عبادات تدفع الخوف والحزن

مختارات من الشبكة

  • الخوف من الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قراءة نقدية في قصيدة "نفثة مصدور": صراع الحضارات وثنائية المركز والهامش(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تدريس تاريخ العالم المتوسطي بين المركزية الأوروبية وثنائية التوازن والاختلال(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • توحيد الله تعالى في الخوف والرجاء: مسائل عقدية وأحكام في عبادة الخوف والرجاء (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا الخوف من الله؟ الخوف من التقصير(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الخوف كل الخوف على من لا تعرف التوبة إليه سبيلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخوف من علاج الخوف(استشارة - الاستشارات)
  • عبودية الخوف والرجاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخلاصة والنتيجة من كتاب صدام الثنائيات افتعال الصراع بين الملتقيات(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الخوف من الناس والخوف من الله(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
1- الشكر لكم
خديجة - السودان 04-03-2023 01:47 PM

جزاكم الله من الثواب أجزاه

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب