• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (13)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2009 ميلادي - 14/1/1431 هجري

الزيارات: 15788

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

 فصلٌ
في الإخبار بكلِّ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
 

- قال المصنِّف - رحمه الله -:

"ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وصَحَّ به النَّقلُ عَنْه فيما شَاهَدْناه، أو غابَ عَنَّا نَعْلَمُ أنَّه حَقٌّ وصِدقٌ، وسواءٌ في ذلك ما عقلناه وجَهِلناهُ، ولم نَطَّلِعْ على حقيقةِ معناه، مِثْل: حديث الإسْراء والمعراج، وكان يَقَظَةً لا مَنامًا، فإنَّ قُريْشًا أنْكَرَته وأَكْبَرَته، ولم تُنْكِر المنامات".

 

الشرْح

هذا الفصْل ذكرَهُ المصنف؛ لأنه يتعلق بمسألة عظيمة من مسائل الإيمان، وهي التَّسليم والإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواءٌ شاهدها العبد، أو كانت من الأمور الغيبية، وسواء أدركتْها عقولُنا، أو قصرت عقولنا عنها، فعلى العبد الإيمانُ والتسليم دون الدخول في تأويل أو تحريف؛ لأن الدخول في التأويل والتحريف مما خاض فيه المبتدِعة؛ كالفلاسفة، والعقلانيين، والقرآنيين، والحديث على هذا الفصل تحت المباحث الآتية:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرط ذلك:
أهل السنة والجماعة يؤمنون بكلِّ ما أخبر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سواء كان ذلك مما يشاهده العبد، أو كان من الأمور الغيبية، وسواء أدركتْها عقولُنا وحواسنا، أو قصرت عن ذلك، إنما هو التصديق والتسليم دون الدخول في تأويل أو تحْريف.

وذكر المصنِّف في هذه الأخبار شرطَيْن؛ فقال: "ويجب الإيمان بكلِّ ما أخْبَرَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحَّ به النقل"؛ إذًا لا بد من شرطَيْن في هذه الأخبار:
الأول: أن تأتي هذه الأخبار بالغيبيات من جهة الشرع، وهذا يؤخَذ من قوله: "بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم"، وهذا عامٌّ، سواء ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة القرآن، أو جهة السنة، أو ما جاء به الصحابة منَ الأخبار الغيبية التي لا مجال للرأي فيها، وأما غيرها من الأشياء غير المدركة، ولَم تأتِ مِن جهة الشرع - كأن تأتي عن طريق الظن - فلا يجب الإيمان بها.

الثاني: أن يكونَ هذا الخبرُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا، فيشترط أن يكونَ الحديث أو الأثر صحيحًا، وهذا يؤخَذ من قول المصنف: "وصَحَّ النَّقلُ به"، أما الضعيف فلا يكون مقبولاً، أما الحديث الصحيح - ولو كان مِن قبيل الآحاد - فإنه مقبولٌ عند السلَف - رحمهم الله - بخلاف المبتدعة فلا يقبلون إلا الأحاديث المتواترة، ويردُّون الآحاد، وهناك من المتبدعة مَن لا يقبل الاحتجاج بالسنة مطلقًا، ويرد كل ما جاء بها، ويكتفون بالقرآن فقط، وهؤلاء يسمون بالقرآنيين، حجتهم في ذلك: أنَّ السنة فيها الصحيح والضعيف؛ فنتركها لأجْل ذلك، وهم بذلك تركوا القرآن والسنة؛ إذ إنَّ كثيرًا من نُصُوص القرآن تفسرها السُّنَّة.

وهناك طائفة أعظم ضلالاً وإلحادًا، وهم الفلاسفة والعقلانيون، الذين يُنكرون الخلْق والخالق، ويَرُدُّون كلَّ شيء للطبيعة، وأنها هكذا وجدتْ، ورد عليهم حافظ حكمي في منظومته قائلاً:
وَلا   نُصِيخُ   لِعَصْرِيٍّ   يَفُوهُ   بِمَا        يُنَاقِضُ   الشَّرْعَ   أَوْ   إِيَّاهُ    يَعْتَقِدُ
يَرَى  الطَبِيعَةَ  فِي   الْأَشْيَاءِ   مُؤْثِرَةً        أَيْنَ الطَبِيعَةُ يَا مَخْذُولُ إِذْ وُجِدُوا؟!
وهؤلاء يُسَمَّونَ الفلاسفة الطبيعيون، وهناك قسم آخر من الفلاسفة ويُسَمَّون: الفلاسفة الإلهيين، أو فلاسفة إسلاميين؛ أي: ينتسبون للإسلام، وهؤلاء يُقِرُّون بأن هناك إلهًا، ولكنهم لا يؤمنون بالغيب، ولا شك أنَّ مَن كذَّب بآية من كتاب الله، فقد كفَر باتِّفاق العلماء، هذا باختصارٍ مَنْ خالف أهل السنة والجماعة في هذه العقيدة.

المبحث الثاني: الأمور الغيبية التي ذكرها المصنِّف:
المصنِّف ذَكَر جُملةً منَ الأُمُور الغيبية التي لا بدَّ للعبد أن يؤمنَ بها؛ لأنه صَحَّ نقلُ الشرع بها، وهي:
أولاً: الإسراء والمعراج:
والكلام على الإسراء والمعراج من عِدَّة وجوه:
معنى الإسراء والمعراج:
الإسراء لغة: السير بالشخص ليلاً.
وشرعًا: سير جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيت المقدس ليلاً.
ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[1].

والمعراج لغة: الآلة التي يُعرج بها، وهي المصعد.
وشرعًا: عُرُوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأرض إلى السماء، والله أعلم بكيفية الآلة التي عرجت به.
ويدل على ذلك: قوله - تعالى - من أول سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[2]، إلى قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[3].

الإسراء والمعراج ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[4]، والأقصى يعني: الأبعد، سمي بذلك؛ قيل: لبُعْده عنْ مكَّة.
ومن السُّنَّة: الأحاديث كثيرة؛ منها: حديث مالك بن صعصعة في الصحيحَيْن، وأيضًا حديث أنس، وحديث أبي ذر، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - وكلها في الصحيحَيْن، وورد في أحاديث أخرى في غير الصحيحَيْن، حتى ذَكَرَ القاسمي أن حادثة الإسراء والمعراج رواها عشرون صحابيًّا.
وأجمع السلَف - رحمهم الله - على أنه - صلى الله عليه وسلم - أُسْرِيَ وعُرِجَ به.

والإسراء والمعراج باختصار:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بدابة يُقال لها: البُراق، وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها دون البغل وفوق الحمار، فأسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم ربط دابته هناك بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم خرج، فجاءه جبريل - عليه السلام - ثم بدأت رحلةُ المعراج، فعرج به إلى السماء، فوجد في السماء الأولى آدم - عليه السلام - وفي السماء الثانية عيسى ويحيى - عليهما السلام - وفي السماء الثالثة يوسف - عليه السلام - وفي السماء الرابعة إدريس - عليه السلام - وفي السماء الخامسة هارون - عليه السلام - وفي السماء السادسة موسى - عليه السلام - وفي السماء السابعة إبراهيم - عليه السلام - مُسْنِدًا ظهره إلى البيت المعمور، كل نبي من الأنبياء يسلم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يُرَحِّبُ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع للنبي البيت المعمور، وسأل جبريل عنه فأخبره جبريل: أن البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا مرة أخرى، ورفعت له سِدْرَةُ المنتهى، ووصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من أنهار، وعُرِضَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثةُ أقداح، قَدَحٌ فيه لبن، وقَدَحٌ فيه عسل، وقَدَحٌ فيه خمرٌ، فأخذ الذي فيه اللبن فشرب؛ فقيل له: أصبت الفطرة، ودنا الجبارُ - جل وعلا - ففَرَض عليه وعلى أمته خمسين صلاة، ثم نزل إلى موسى، وأمَرَه موسى أن يرجعَ ويسأل الله - جل وعلا – التخفيف، فسأل الله ذلك؛ فجعلها الله أربعين، فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم - يتردَّد بين موسى وبين الله - جل وعلا - وفي كل مرة يأمره موسى أن يسأله التخفيف؛ فجعلها الله أربعين، ثم ثلاثين، ثم عشرين، ثم عشرًا، ثم خمسًا، فقال الله - عز وجل -: "إني أَمْضَيْتُ فريضتي، وخَفَّفْتُ عن عبادي، وأَجْزِي الحسنة عشرًا"؛ أي: إن خمس صلوات بخمسين صلاة، وهذا من فضله - جل وعلا - ثم أُهْبِطَ - صلى الله عليه وسلم - ورَجَع من ليلته إلى المسجد الحرام، وكل ما تقدَّم ذكره هو في الصحيحَيْن.

مكان الإسراء والمعراج ووقته:
مكانه: بالاتِّفاق أن الإسراء كان من مكة إلى بيت المقدس، وبالاتفاق أن المعراج كان من بيت المقدس.
ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[5]، وحديث مالك بن صعصعة، وأيضًا أنس بن مالك في الصحيحَيْن: يدُلاّن على أن المعراج كان من بيت المقدس.

وأما وقته: لَم يثبت دليلٌ صريحٌ صحيحٌ في تحديد تاريخ الإسراء والمعراج، والذي يُعْرَف من كتب السيرة أنَّ الإسراء والمعراج كانت بعد عام الحزن، الذي تُوُفِّي فيه عَمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو طالب، وزوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة، وفيه طُرِدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطائف، وليس في معرفة تاريخ الإسراء والمعراج كبيرُ فائدة؛ لأنه لا يَتَرَتَّب عليه حكمٌ شرعي، والأقوال في تحديدها كثيرةٌ، وليس هناك نصٌّ صحيح صريحٌ؛ فقيل: قبل البعثة، وقيل: بعد الهجرة، وقيل: قبل الهجرة بخمس، وقيل: بست، وقيل: بسنة وشهرين، حتى بلغتْ أكثر من عشرة أقوال[6].

والإسراءُ والمعراج كان برُوحه - صلَّى الله عليه وسلم - وبدنه، وكان يقظةً مَرَّة واحدةً لا منامًا.

وهذا قولُ جُمهور العلماء: أنه كان بروحه وجسده يقظةً لا منامًا مرة واحدة.

ويدل عليه: أن لفظ (عبد) يصدق على الجسد والروح، والله - عز وجل - يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[7]، وأيضًا لو كان بروحه فقط، لم يستبعده كفارُ قريش ويُنْكِروه ويستهزئوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه يكون كالرُّؤَى المنامية، ولكنها معجزة جعلَها الله لنبيِّه.

وقيل: الإسراءُ كان منامًا، وقيل: كان بروحه دون جسده، وقيل: كان الإسراءُ مرارًا: مرة بروحه، ومرة بجسده، ومرة يقظة، ومرة منامًا، والصواب كما تقدَّم، وهو قولُ الجُمْهُور - والله أعلم.

قال ابن حجر: "وإلى هذا – يعني: الإسراء والمعراج بالروح والجسد - ذَهَب جمهورُ الأمة من العلماء؛ المحدِّثين، والفقهاء، والمتكلِّمين، وتَوَارَدت عليه الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك"[8].

وإلى هذا ذَهَب ابنُ القيِّم في "زاد المعاد"، ونصر القولَ بأنه عُرِج به بجسده وروحه[9].

والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة:
وذلك فعل بعض الجُهَّال حيث يتعبَّدون بالاحتفال بليلة سبع وعشرين من شهر رجب؛ زاعمين أنها هي ليلة الإسراء، والاحتفال بتلك الليلة لَمْ يفْعَلْه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة ولا التابعون، فضلاً على أنه لا يُعْرَف تَحْديد هذه الليلة؛ إذ لَم يأتِ دليلٌ صريحٌ صحيحٌ في تحديدها كما تقدَّم بيانُه، وهؤلاء يحتفلون بهذه الليلة، فيجتمعون في المساجد، ويأتي القارئ فيقرأ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[10]، وكذلك الإذاعات وبعض القنوات تستفتح ذلك اليوم بسورة الإسراء، والمذهب الحقُّ وسط بين هؤلاء الذين أفرطوا وغالوا فاحتفلوا في تلك الليلة، ومنهم مَن يجعلها سُنَّة أو عيدًا؛ فابتدع، وبين كفار قريش الذين فرَّطوا وكذبوا بالإسراء والمعراج، وعلى المؤمن كما ذكر المصنف أنْ يقول: آمنَّا وصدَّقْنا بما جاء به نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - وثبت في صحيح الأخبار، ومنها حادثة الإسراء والمعراج.
Ÿ   Ÿ   Ÿ

56- قال المصنِّف - رحمه الله -:
"ومِنْ ذلك أنَّ ملَكَ الموْتِ لمَّا جاءَ إلى موسى - عليه السلام - ليَقْبِضَ روحَهُ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إلى ربِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ".



الشرح

ثانيًا: مَجيء ملك الموت لِمُوسى - عليه السلام - فلَطَمَه موسى - عليه السلام - وفَقَأ عينه.
والمقصود من إيراد المصنِّف لهذا الخبر: أنه خبرٌ منَ الأخبار الغيبيَّة، التي أخبر بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وصحَّ بها النقْل؛ فعلى العبد أن يؤمنَ بما جاء بهذا الخبر، ولا يقول: كيف يَلْطِم موسى مَلَكَ الموت، وكيف يفقأ عينه؟ وهل عرفه؟ وإلى غير ذلك من الأسئلة التي أرادوا بها الإنكار والتكذيب، بل على المؤمن التسليمُ والتصديقُ، وما دام أنه صحَّ الخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا بُدَّ من الإيمان به، ولا يشابه المبتدعة من العقلانيين والفلاسفة وغيرهم من المعتزلة الذين أنْكَرُوا هذا الحديث، وحكَّموا عُقُولَهم؛ لأنهم يُنكرون الأمور الغيبية.

ويدل على هذا الخبر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أُرْسِلَ ملكُ الموت إلى موسى - عليه السلام - فلما جاءه صكَّه، ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، قال: فردَّ الله عليه عينه، وقال: ارجع إليه، فقُلْ له: يضع يده على مَتْنِ ثَوْرٍ، فله بما غطَّت يدُه بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم مَهْ؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر"[11].

Ÿ قال ابن حجر: "قال ابن خُزيمة: أنكر بعضُ المبتدِعة هذا الحديث، وقالوا: إن كان موسى عرفه، فقد استخفَّ به، وإن كان لَم يعرفه، فكيف لَم يقتص له من فقْءِ عينه؟
والجواب: أن الله لَم يبعث ملكَ الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذٍ، وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى مَلَكَ الموت؛ لأنه رأى آدميًّا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقْء عين الناظر في دار المسلم بغير إذْنٍ، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوطٍ في صورة آدميِّين، فلم يعرفاهم ابتداءً، ولو عَرَفَهم إبراهيم، لَمَا قدَّم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه"[12].

Ÿ   Ÿ   Ÿ


58- قال المصَنِّف - رحمه الله -:
"وعذابُ القبْرِ ونعيمُه حقٌّ، وقد استعاذَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ، وأَمَرَ بِهِ في كلِّ صلاةٍ.
59- وفِتْنَةُ القَبْرِ حقٌّ، وسُؤالُ مُنْكَر ونَكيرٍ حقٌّ".



الشرح


رابعًا: القبْر: فتنته، عذابُه، ونعيمُه:
فتنة القبْر هي سؤالُ المَلَكَيْن للميت عن: ربِّه، ونبيه، ودينه، وهي فتنةٌ ثابتة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع:
فمن الكتاب: قول الله - عز وجل -: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}[13].
ومن السُّنَّة: حديث البَراء بن عازب - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسلمُ إذا سُئِلَ في القبر يشهد أن لا إله لا الله وأن محمدًا رسول الله))، فذلك قوله - تعالى -: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}[14].
وحديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - في حديث صلاة الكُسُوف - وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وإنه قد أُوحِيَ إليَّ أنَّكم تُفتنون في القُبُور))[15].

وحديث عائشة: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((اللهم إنِّي أَعُوذُ بك منَ الكَسَل والهرَم، والمأْثَم والمَغْرم، ومِن فتنة القبْر وعذاب القبر))[16]، والأحاديث في هذا كثيرةٌ، وأجمع السلَفُ على إثبات فتنة القبْر.

Ÿ ما اسم المَلَكَيْن اللذين يَسْألان المَيِّت؟
روى التِّرمذي في "سُنَنه" حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قُبِرَ الميت - أو قال: أحدكم - أتاه مَلَكان أسودان أزرقان، يُقال لأحدهما: المُنْكَر، والآخر: النكير، فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبدالله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقولان: قد كُنَّا نعلم أنك تقول هذا، ثم يُفْسَح له في قبْره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم ينوَّر له فيه، ثم يُقال له: نَمْ، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نَمْ كنومة العروس الذي لا يُوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله مِنْ مَضْجعه ذلك.

وإن كان منافقًا؛ قال: سمعتُ الناس يقولون فقلْتُ مثله، لا أدري، فيقولان: قد كُنَّا نعلم أنك تقول ذلك، فيُقَال للأرض: الْتَئِمِي عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها مُعَذَّبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك))[17].

Ÿ وجاء في حديثٍ: أنَّ اسم الملكين: مبشِّر، وبَشِير، وفي حديث: أنَّ عددهم أربعة، وأن اسم الثالث والرابع: ناكور، ورمان، وكلها أحاديث ضعيفة.
ومن أهل العلم مَن أنكر تسميتهما بـ(مُنكَر، ونكير)؛ لأنهما اسمان لا يليقان بالملائكة الذين وصفهم الله - عز وجل - بأوصاف الثناء؛ فضعَّفوا الحديث السابق، ورُدَّ هذا القول بأن تسميتهما بذلك ليس لأنهما منكران من حيث ذواتهما، وإنما من حيث إنَّ الميت لا يعرفهما فينكرهما، كما قال إبراهيم - عليه السلام - لأضيافه الملائكة: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}[18]؛ لأنه لا يعرفهم.

فائدة: 
كلمة (مُنْكَر) بفتح الكاف على الصحيح؛ ولذا يقول السيوطي:
وَضَبْطُ مُنْكَرٍ  بِفَتْحِ  الْكَافِ        فَلَسْتُ أَدْرِي فِيهِ مِنْ خِلافِ
Ÿ هل فتنة القبْر خاصَّة بهذه الأمة، أو أنها عامَّة؟
القول الأول: إنَّ السؤال في القبْر خاصٌّ بهذه الأمَّة:
واستدلُّوا:
1- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها))[19].
2- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولقد أوحي إليَّ أنكم تُفتَنُون في قبوركم))[20].

والقول الثاني: إنَّ السؤال عامٌّ لجميع الأُمَم:
واختاره ابنُ القيِّم، والقُرطبي، واختاره شيخُنا ابن عثيمين في شرحه للواسطية[21].
واستدلوا بأدلة العموم منها:
1- قول الله - جل وعلا -: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}[22].
2- حديث البَراء الطويل، وفيه: ((إنَّ العبد المؤمن...، وإن العبد الكافر...)) الحديث، وفيه سؤال العبد المؤمن والكافر، وكلمة العبْد تَصْدُق على جميع العباد المؤمنين والكافرين من هذه الأمة وغيرها، وكذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق، وفيه سؤال المؤمِن والمنافق، وغيرها من الأدلة العامة، وهذا القولُ هو الأظْهَرُ - والله أعلم.

والخلاف في الأطفال والمجانين: هل يُسْأَلُون في قبورهم؟
فلم يَرِدْ في النصوص أنَّهُم يُسألون، ولم يردْ أنَّهُم لا يُسألون؛ فمِنْ أهْلِ العلم مَن قال: إنهم يُسْأَلُون؛ لأنَّهُم يدْخُلُون في عُمُوم الأحاديث الدالَّة على السؤال، ومنهم مَن قال: إنَّهُم لا يُسْألون؛ لأنهم غير مكلَّفين، وأنهم وُلِدُوا على الفطرة.

Ÿ وهل هناك أحد لا يُفتَن؟
هناك مَن يُستَثْنَى فلا يفتن في القبر:
أولاً: شُهداء المعركة:
فعن رجلٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، ما بالُ المؤمنين يُفْتَنُون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: ((كفى ببَارِقة السيوف على رأسه فتنة))[23].
وكذلك الأنبياء؛ لأنَّ الأنبياء يُسْأَلُ عنهم في فتنة القبر، فيقال: مَن نبيُّك؟

ثانيًا: المرابط في سيبل الله:
فعن سلْمان - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عَمَلُه الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقُه، وأُمِنَ الفتَّان))[24].
Ÿ وبعدما يُسْأَلُ العبد في قبره يكون المصير إما النعيم وإما العذاب.
Ÿ عذاب القبْر ونعيمه ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع:
فمنَ الكتاب: قوله - تعالى -: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[25]،   قال ابن كثير في "تفسيره": "هذه الآية أصلٌ كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البَرْزخ في القبور".

ومن السنة: حديث أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ العبد إذا وُضِعَ في قبْرِه، وتولَّى عنه أصحابه، حتى إنه ليسمع قَرْعَ نِعَالهم - أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل، محمد - صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبْدَلَكَ الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا، وأما الكافر - أو المنافق - فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريتَ ولا تَلَيْتَ، ثم يُضْرَب بمطرقةٍ من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يَسْمَعها من يليه إلا الثقلين))[26].

وحديث عائشة في الصحيحين: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((عذاب القبر حق))، وتقَدَّم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند التِّرمذي، وحديث عائشة المتَّفق عليه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من عذاب القبر، والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ.

Ÿ وأجْمَعَ السلَف على إثبات عذاب القبر: بل كل المسلمين يقولون في صلاتهم: "اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم..."، ولو كان غير مجمع عليه لما قالوه في صلاتهم، وإنما يُنْكِر ذلك الملاحدة والزنادقة، ونقول لهم: الحمد لله، بِمِثْل هذا يتمَيَّز المؤمن من الزنديق المُلْحِد، وسَلَكْتُم هذا المسلك؛ لأنكم حكَّمتُم عقولكم، فكان مِنْ أقوالهم: لو وضعنا الزئبق في عيني هذا الميت ودفناه، وجئنا إليه من الغد؛ لَوَجَدْنا الزئبق لم يَتَأَثَّر، وأنتم تقولون: إنَّ الملَكَيْن يُجْلِسَان الميت، ويسألانه، وبعدها معذَّبٌ أو منعَّم، وهذه التجرِبةُ تُبطل ما تعتقدون، ولكن هذا هو حال مَنْ طَمَس الله قلوبهم؛ فهم يُحاولون التشكيك في عقيدة المسلم، ويقال لهم: إنَّ الله قادرٌ على أن يعيدَ الزئبق مكانه بعد ذلك، وأيضًا هذه الأمور غيبيَّة لا تُدركها العقول، ولو كل شيء من أمور الغيب كُشِفَ للإنسان على ما يدركه عقله، لَمَا تَمَيَّز المؤمنُ منَ المُلحِد، ولكنها صفات المؤمنين: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[27].

Ÿ عذاب القبر يسمعه كلُّ شيء إلا الجن والإنس:
ويدل على ذلك: ما تقدَّم من حديث أنس - رضي الله عنه - المتفق   عليه، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم يُضْرَبُ بمطرقة من حديد ضربةً بين أذنيه؛ فيصيح صيحةً يسمعها ما يليه إلا الثقلَيْن)).

لماذا أخفى الله - عز وجل - عذاب القبر؟
أخفى الله - عز وجل - عذاب القبر لعِدَّة حِكَم؛ منها:
1- رحمته - جل وعلا – بعباده؛ إذ لو كَشَف العذابَ لهم، لتنكَّد عيشهم، وتواصلتْ أحزانُهم.
2- أن في كشف العذاب فضيحة للميت.
3- أن في كشْف العذابِ عدم تدافن الناس بعضهم لبعض، فلو كُشِفَ العذاب لما دَفَن أحدٌ ميتًا؛ خوفًا من سوء العاقبة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا ألا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر))[28].

عذاب القبر أو نعيمه حاصل لكلِّ إنسان أيًّا كان: 
سواءٌ أُحْرِقَ أو غرق، أو أكلتْه السباعُ والطيور، أو مات على أيَّة حال كان، فإنه بموته ينتقل لحياته البرزخية؛ سواءٌٌ دُفِنَ أو لَم يُدفن؛ وذلك لأنَّ الإنسان مُرَكَّب من جسَد وروح، وهذه الروح بعد الموت تخرج من الجسد، فتبقى إمَّا مُعَذَّبة أو مُنَعَّمَة.

وهل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو البدَن؟
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: "مذهبُ سلَف الأمة وأئمتها: أن العذاب والنعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأنَّ الروح تبقى بعد مُفارقة البدَن مُعَذَّبة أو مُنَعَّمَة، وأنها تتَّصل بالبدَن أحيانًا؛ فيحصل له معها النعيم والعذاب"[29].

فائدة:
تقدَّم أنَّ مذهبَ سلَف الأمة: أن عذاب القبر يكون على البدَن والروح، فالرُّوح تتعَلَّق بالبدَن في خمسة مواطن:
1- تعلقها في بطن الأم جنينًا.
2- تعلقها به بعد ولادته.
3- تعلقها به في حال النوم.
4- تعلقها به في البرزخ.
5- تعلقها به يوم البَعْث.

وهل يستمر عذاب القبر؟
قال شيخُنا ابن عثيمين: "أمَّا إذا كان الإنسانُ كافرًا - والعياذ بالله - فإنه لا طريق إلى وُصُول النعيم أبدًا، ويكون عذابُه مُسْتَمِرًّا، وأمَّا إن كان عاصيًا وهو مؤمن، فإنه إذا عُذِّب في قبره يعُذَّب على قدْر ذُنُوبه، وربما يكون عذاب ذنوبه أقل من البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وحينئذ يكون منقطعًا"[30].

وهل يستفيد المسلمُ من فتنة القبر بتخفيف سيئاته أو محوها؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما يُكَفَّر به الخطايا"[31].
وقال أيضًا: "ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبَرْزخ والقيامة من الأَلَم التي هي عذاب، فإن ذلك يُكَفِّر الله به خطاياه؛ كما ثبت في الصحيحين، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلاَّ كفَّر الله به من خطاياه))[32].

أسباب عذاب القبر:
1- النميمة.
2- عدم التنَزه من البول:
ويدل على ذلك: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه مَرَّ على قبْرَيْن فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذَّبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة...))[33].

فائدة: 
الاسْتِنْزاه من البول يكون بأمرَيْن:
الأول: أن يتحَرَّزَ الإنسان من رَشَاشِ البول أن يصيبه أو يصيب ثيابه، وذلك بأن يتبوَّل في مكانٍ رخو من الأرض، ولا يتبوَّل في مكان صلب؛ فيرجع رذاذ البول على جسمه أو ثيابه.
الثاني: أنه إذا أصابَهُ البولُ يبادر إلى غسله وإزالته؛ لأن هذا من الاستنْزاه، وهذا يجب عليه فِعْله.

3- الغِيبَة:
قال ابن حجَر في "الفتح": "وأخْرَجَ أحمد والطبراني بإسناد صحيح، عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقَبْرَيْن، فقال: ((إنهما يُعَذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبير، وبكى - وفيه -: وما يعذبان إلا في الغيبة والبَوْل))، ولأحمد والطبراني أيضًا من حديث يعلى بن شبابة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على قبر يُعذَّب صاحبه فقال: ((إن هذا كان يأكل لحوم الناس، ثم دعا بجريدة رطبة))[34].

4- الغلول من الغنيمة:
والغلول: هو السَّرِقة مِنْ مال الغنيمة قبل قسمتها، والغلول من الغَنيمة من أسباب عذاب القبْر.

ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خَيْبر، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاع والطعام والشراب، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدٌ له، فلمَّا نزلنا قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله، فرُمِيَ بِسَهْمٍ فكان فيه حتفُه، فقلنا: هنيئًا له الشهادةُ يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((كلا، والذي نفس محمد بيده؛ إن الشملة لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر لَم تصبها المقاسم، ففزع الناس))[35].

وهناك أسبابٌ لعذاب القبر:
جاءتْ في حديث طويل رواه البخاري، من حديث سَمُرة بن جندب، في قصة رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المَلَكَيْن فرأى أنواعًا من عذاب القبْر، وذكر له الملكان سبب كل عذاب رآه ومن ذلك:
5- هجر القرآن الكريم ورفضه.
6- النوم عن الصلاة المكتوبة:
ويدل على ذلك: ما جاء في حديث سمُرة بن جندب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الملكين: ((أما الرجل الأول الذي أتيتُ عليه يُثلغُ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))، قال ابن حجَر في "الفتح": "ويحتمل أن يكونَ التعذيبُ على مجموع الأمرين: ترك القراءة، وترك العمل"[36].

7- الكَذِب:
ويدلُّ على ذلك: ما جاء في حديث سَمُرة بن جندب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الملكين: ((وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق))، قال ابن حجر: "وإنما استحقَّ التعذيب؛ لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد، وهو فيها مختارٌ غير مكره ولا مُلجَأ، قال ابن هُبَيْرَة: لما كان الكاذبُ يساعد أنفه وعينه ولسانه على الكذب بترويج باطله؛ وقعت المشاركة بينهم في العقوبة"[37].

8- الزنا:
ويدلُّ على ذلك: ما جاء في حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الملكين: ((وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التَّنُّور، فهم الزُّنَاة والزَّواني))، وفي أول الحديث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لَغَطٌ وأصواتٌ، قال: فاطَّلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عُراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم))، قال ابن حجر: "مُناسَبة العُرْيِ لهم؛ لاستحقاقهم أن يفضحوا؛ لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهَتْكِ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم: كون جنايتهم من أعضائهم السفلى"[38].

9- أكْل الرِّبا:
ويدلُّ على ذلك: ما جاء في حديث سَمُرة بن جندب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الملكين: ((وأما الرجل الذي أتيتَ عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر، فإنه آكل الربا))، قال ابنُ حجَر: "قال ابن هُبَيْرَة: إنما عُوقِبَ آكلُ الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر، وأما إلقام الملك له الحجرَ، فإنه إشارةٌ إلى أنه لا يُغْنِي عنه شيئًا، وكذلك الربا فإنَّ صاحبَه يتخيَّل أن ماله يزداد، والله من ورائه يمَحَقُه"[39].

وقد ذَكَر ابنُ القيِّم أسباب عذاب القبر، والأسباب المنجية منه، فانظُر للاستزادة كتابه "الرُّوح".
 
الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ــــــــــــــــــــــ
[1]   [الإسراء: 1].
[2]   [النجم: 1- 2].
[3]   [النجم: 18].
[4]   [الإسراء: 1].
[5]   [الإسراء: 1].
[6]   انظر: "فتح الباري" 7/ 203.
[7]   [الإسراء: 1].
[8]   انظر: "فتح الباري" المجلد السابع، كتاب مناقب الأنصار، باب حديث الإسراء.
[9]   انظر: "زاد المعاد" 3/ 4، 24.
[10]   [الإسراء: 1].
[11]   متفق عليه.
[12]   انظر: "الفتح" المجلد السادس، باب وفاة موسى وذكره بعد، حديث (3407).
[13]   [إبراهيم: 27].
[14]   رواه البخاري.
[15]   متفق عليه.
[16]   متفق عليه.
[17]   صححه ابن حبان، وحسنه الألباني.
[18]   [الذاريات: 25].
[19]   رواه مسلم.
[20]   متفق عليه.
[21]   "شرح ابن عثيمين للواسطية" صـ (478).
[22]   [إبراهيم: 27].
[23]   رواه النسائي، وصحَّحه الألباني.
[24]   رواه مسلم.
[25]   [غافر: 45 - 46].
[26]   متفق عليه.
[27]   [البقرة: 3].
[28]   رواه مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه.
[29]   انظر: "مجموع الفتاوى" 4/ 282.
[30]   انظر: "الممتع" 3/ 253.
[31]   انظر: "مجموع الفتاوى" 7/ 500.
[32]   انظر: "مجموع الفتاوى" 24/ 375.
[33]   الحديث متفق عليه.
[34]   الحديث رواته ثقات؛ انظر: "فتح الباري" المجلد العاشر حديث (6052).
[35]   متفق عليه.
[36]   انظر: "فتح الباري" المجلد الثاني عشر، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
[37]   انظر: "فتح الباري" المرجع السابق.
[38]   انظر: المرجع السابق.
[39]   انظر: "الفتح" المرجع السابق.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (1)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (2)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (3)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (4)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (5)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (6)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (7)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (8)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (9)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (10)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (11)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (12)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (17)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (20)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (21)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (22)

مختارات من الشبكة

  • تيسير رب العباد شرح لمعة الاعتقاد(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين يسر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • تيسير الخبير البصير في ذكر أسانيد العبد الفقير وحيد بن عبد السلام بالي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة في تيسير الله المعايش لعباده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصار تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لمحمد طه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تيسير المقاصد شرح نظم الفرائد للعلامة حسن بن عمار الشرنبلالي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تتمة الكلام في قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب