• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (12)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/12/2009 ميلادي - 6/1/1431 هجري

الزيارات: 32165

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فصل 
في الإيمان
 

 

50 - قال المصنِّف - رحمه الله -:

"والإيمانُ قوْلٌ باللسان، وعمَلٌ بالأرْكان، وعَقْدٌ بالجَنَان، يزيدُ بالطاعة، وينْقُصُ بالعصيان.
51- قال الله - تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
[1]، فجعَلَ عبادَةَ الله - تعالى - وإخلاص القلب، وإقامَ الصَّلاة، وإيتاءَ الزَّكاة، كُله مِن الدِّين.
52- وقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَة، أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَن الطرِيق))، فجعَلَ القَوْلَ والعَمَلَ مِن الإيمان.
53- وقال - تعالى -: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
[2]، وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا}[3].
54- وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ أَوْ ذَرَّةٍ مِنَ الإيمانِ))، فجعَلَهُ متفاضلاً.

 


 

الشرح

الإيمان ومعتقد أهل السنة والجماعة فيه هو من أوائل المسائل التي وقع فيها الخلافُ بعد عصر الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، فاختلَفُوا: هل يدخل العملُ في مسمَّى الإيمان؟ وما الذي يدخل في مسمى الإيمان؟ وهل يزيد وينقص؟ إلى غير ذلك مما سيأتي في المباحث القادمة، ففي هذا الفصل عدة مباحث:
المبحث الأول: معتَقَد أهل السنة والجماعة في الإيمان:
— الإيمان في اللغة: هو التصديق والإقرار، وأما في الشرع فكما سيأتي في معتقد أهل السنة والجماعة.
— معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان: أنه - كما قال المصنِّف -: "الإيمان قولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، وعَقْدٌ بالجَنَان"، والمقصود بالأركان: الجوارح، والجَنان هو: القلب، فيكون الإيمان: اعتقاد وقول وعمل؛ اعتقاد بالقلْب، وقوْل باللِّسان، وعمَل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا التعريف مما أجْمَعَ علَيْه السلَف - رحمهم الله - ونقل الإجماع غيرُ واحد من أهل العلم؛ كالشافعي، وأحمد، والبخاري، وابن عبدالبر، والبغَوي، وغيرهم، نقلُوا الإجماع بدُخُول العمل والقول في مفهوم الإيمان.
 
قال البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد": "أدركتُ ألفًا من العلماء، كلُّهم يقولون: الإيمان قول وعمل"[4].
 
ومثال ذلك ودليله كما يلي:
— مثال الاعتقاد بالقلْب ودليله: حديث عمر بن الخطاب عند مسلمٍ الطويلُ، وسؤال جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان: ((أن تؤمنَ بالله، وملائكته، وكُتُبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدَر خيره وشره))[5].
 
— مثال العمَل بالجوارح ودليله: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المتَّفق عليه، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبدالقيس: ((أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس منَ المغنم)).
ووجه الدلالة:
أنَّه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث فسَّر الإيمان بالأعمال الظاهرة؛ كإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وإعطاء الخمس، بينما في الحديث الذي قبله فسَّر الإيمان بالأعمال الباطنة التي يعقد عليها القلْب من المغيبات، وأيضًا ما استدل به المصنِّف وهو قول الله - عز وجل -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[6]، حيث جعل الدين - وهو الإيمان - عمل القلب؛ كالإخلاص، وعمل الجوارح؛ كالصلاة والزكاة.
 
— مثال القول باللِّسان ودليله: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان بضْع وسبْعون شُعبة؛ فأعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبة من الإيمان)).
ووجه الدلالة:
أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل منَ الإيمان ما هو قول باللسان؛ كقول: لا إله إلا الله، وأيضًا هو دليل على أنَّ الإيمان عمل بالجوارح؛ كإماطة الأذى عن الطريق، وهو دليلٌ أيضًا على أنَّ الإيمان عمل القلب كالحياء.
 
— (يزيد بالطاعة) دليله: ما استدل به المصنِّف، وهو قول الله - تعالى -: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} في قول الله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[7]، وأيضًا استدل بقوله - تعالى -: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[8].
— (ينقص بالمعصية)، دليله: حديث أنَس - رضي الله عنه - المتَّفق عليه في خروج الموحِّدين من النار، يقول الله - عز وجل - لِمُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -: "انطلق فأَخْرِجْ منها من كان في قلبه مثقال ذرةٍ أو خردلة من إيمان فأَخْرِجْه" الحديث.
ووجه الدلالة:
أنَّ من الناس مَن ينقُص إيمانُه، حتى يصيرَ إلى هذا القدر اليسير، وهو الذرة أو الخردلة من الإيمان، وأيضًا ما جاء في الصحيحَيْن: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - وَعَظَ النِّساء فقال: ((ما رأيتُ مِن ناقصات عقْل ودِين أذهبَ لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن))، فأثبت نُقصان الإيمان وهو الدِّين، والأدلَّة على كلِّ جزئيَّة في هذا التعريف كثيرةٌ وما تقَدَّم بعضُها.
 
تنْبيه:
في تعريف الإيمان لا يظنُّ ظانٌّ أنَّ القلب لا يتعَلَّق به إلا الاعتقاد، وأنَّ القول والعمل يكون فقط باللِّسان والجوارح، فهذا ليس هو مُراد السلف، بل هذا فَهم المرجئة وغيرهم، حينما نقلوا معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان، وهذا فَهم خاطئ، فقول القلب وعمله يدخل في مفهوم الإيمان؛ ولذا أثر عن السلف أنهم قالوا: "الإيمان قول وعمل"، ويجعلونه شاملاً للظاهر والباطن؛ فالباطنُ: قول القلب وعمله، والظاهر: قول اللسان وعمله وعمل الجوارح؛ ولذا شيخ الإسلام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" جاءَ بتعريف السلَف مُجمَلاً، ثم فصَّله فقال: "ومِن أُصُول أهل السنة والجماعة أنَّ الدين والإيمان قولٌ وعملٌ، قول القَلْب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح".
 
فيقال على التَّفصيل مع التمثيل والاستدلال: إن الإيمان:
— قول القلب: وهو الاعتقاد والتصديق.
ويدل عليه: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - السابق وفيه: ((أن تؤمنَ بالله، وملائكته، وكُتُبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)).
 
— وعمل القلب: وهي الأعمال القلبية؛ كالإخلاص، والخوف، والرجاء، والحياة، وغيرها من الأعمال القلبية.
ويدل عليه: ما استدلَّ به المصَنِّف قول الله - تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[9]، فالإخلاص عمَلٌ قلبي، وكذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق، وفيه: ((والحياء شُعْبَةٌ منَ الإيمان))، فالحياء عمل قلبي.
 
— وقول اللسان وعمله: فقول اللسان هو نطقه، وعمله حركاته التي ينشأ عنها النُّطق، ومن أهل العلم من يجعلهما أمرًا واحدًا.
ويدل عليه: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق وفيه: ((الإيمان بضْع وسبعون شُعبة؛ فأعلاها: قول: لا إله إلا الله...)) الحديث، فقول: لا إله إلا الله من شُعَبِ الإيمان، وكذا ذكر الله بالتهليل والتسبيح، والتحميد والتكبير، وسائر أنواع الذِّكر تدخُل في قول اللسان وعمله.
 
— وعمل الجوارح: ما يقع مِن عمل في أعضاء البدَن؛ كاليدَيْن، والقدمَيْن، وبقية أجزاء البدَن؛ كالقيام، والرُّكوع، والسجود، والصلاة عامة، والحج، وغيرها من الأعمال البدنية.
ويدل عليه: ما استدل به المصنِّف، وهو قولُ الله - عز وجل -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، وكذلك حديث ابن عباس وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبدالقيس في الإيمان: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصَوْم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم))، فذكر له أعمالاً بدنية.
 
وأردتُ بهذا التنبيه أنْ أُبيِّن أنَّ عمَل القلب يدْخُل في مفْهوم الإيمان - كما دلَّ علَيْه التفصيلُ السابق - لأنَّ التعريف السابق والذي جاء به المصَنِّف جعل لبعض الفِرَق مدخلاً في إخراج عمَل القلب من مفهوم الإيمان، ولا يعني هذا أنَّ التعريف الذي جاء به المصنف تعريف ناقص، لا، ولكنه قد يسوِّغ لمن عنده فَهْم ناقص في معرفه اعتقاد السلف في الإيمان أن يدخل فيه ما يدخل، والتعريف الذي جاء به المصنف تعريفٌ مشهورٌ متداوَلٌ عند أهْلِ العلم، ولا يُخْرِجُ أحدٌ منهم عملَ القلب من هذا التعريف، بل قول المصنف: "وعمل بالأركان" - أي: الجوارح - فيه دلالة على عمَل القلب؛ لأنَّ القلب أحد جوارح البدَن - والله أعلم.
 
المبحث الثاني: المخالفون لأهل السنة في الإيمان:
المخالفون لأهل السنة والجماعة في مفهوم الإيمان عدةُ طوائف ندخلها تحت طائفتَيْن:
الطائفة الأولى المرجئة: وهم على أقسام يتفاوتون في إرجائهم:
أولاً: غُلاة المرجئة:
 
وهؤلاء يقولون: إن الإيمان هو المعرفة فقط؛ أي: معرفة القلب لا غير.
ويلزم من كلامهم أن إبليس مؤمن؛ لأنه يعرف الله، وكذلك فرعون، وقريش، وأبو طالب، وغيرهم من رؤوس الضلال؛ لأنهم يعرفون الله، وهذه طائفة منغَمِسة في الإرجاء؛ ولذلك سُمُّوا غلاةَ المرجئة، وهذا المفهوم للإيمان مَوْجُود اليوم عند غلاة الصُّوفية والجهمية ومَن وافَقهم.
 
ثانيًا: الكَرَّامية: 
وهم يأتون بعد غلاة المرجئة في مفهوم الإيمان؛ فالإيمان عندهم المعرفة وقول اللسان فقط؛ فلا يُدْخِلُون فيه التصديق فضلاً عن العمل، فعندهم أنَّ مَن عرَف الله ونطَق بلسانه كلمة التوحيد فهو مؤمن، فهم يُدْخِلُون المنافق مع المؤمنين؛ فالمنافقون عندهم مؤمنون في الدُّنيا؛ لأنهم ينْطِقون بكلمة التوحيد، ولو أنَّ تصديقهم بقلُوبهم يخالف قولهم، وأما في الآخرة فكفَّار مُخَلَّدُون، هذا اعتقادهم في المنافقين بناءً على مفهومهم للإيمان.
 
ثالثًا: الأشاعرة: 
فهم يُعْتَبَرُون مرجئة في باب الإيمان، فالإيمان عندهم التصديق - أي: الاعتقاد - ووافقهم في ذلك الماتريدية، فمَن اعتقد وصدَّق بقلبه فهو مؤمن، ولو ترك أقوالاً وأعمالاً عِظَامًا فلا تخرجه من الإيمان، ويقال لهم: بناء على قولكم يكون فِرْعون مؤمنًا؛ لأنه كان مُصَدِّقًا، بل تصديقه كان تصديقًا جازمًا؛ لأنَّ الله - عزَّ وجل - سمَّاه يقينًا، واليقين هو التصديق الجازم؛ فقال - تعالى -: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[10]، وكذا اليهود كانوا مصدِّقين بقلوبهم أنَّ محمدًا رسول الله، ومع ذلك لا شَكَّ في كُفْر هؤلاء.
 
رابعًا: مرجئة الفقهاء: 
ومذهبهم أنَّ الإيمان تصديق وقول، فيخرجون العمل، فالإيمانُ عندهم هو اعتقادٌ بالقلْب وقول باللسان فقط، فلم يُدخلوا العمَل في مُسمَّى الإيمان، وهؤلاء يسمَّون مرجئة الفقهاء؛ لأنه مذهب كثير منَ الحنفية، فقد قال به أبو حنيفة - رحمه الله تعالى.
ويُرَدُّ على طوائف المرجئة بأن النصوص الصريحة دلَّت على دخول الاعتقاد والقول والعمل في مسمى الإيمان، وتقدم بعض النصوص في المبحث الأول.
وهناك مَن يعتقد اعتقاد أهل السنة في الإيمان، إلا أن عنده إرجاء، فالإيمان عنده اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ، إلا أنَّ العمل عنده ليس شرطَ صحةٍ، وإنما هو شرط كمال، فلا يكفِّر بالأعمال حتى يستحل.
 
الطائفة الثانية: الخوارج والمعتزلة:
وهؤلاء الإيمان عندهم كأهل السنة والجماعة اعتقاد وقول وعمل، إلا أن الأعمال عندهم شرطٌ في بقاء الإيمان، فمَن فعل معصيةً من كبائر الذنوب خرَج من الإيمان، لكن الخوارج يقولون: إنه كافر، والمعتزلة يقولون: هو في منْزلة بين منْزلتَيْن، لا نقول مؤمن ولا كافر، بل نقول: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر؛ فهو في منْزلة بين هاتين المنزلتَيْن.
 
أما أهل السنة والجماعة فإنَّ الأعمال عندهم منها ما هو شرطٌ يكفر بتَرْكه، ومنها ما هو واجبٌ يفسق بتَرْكه، ومنها ما هو مستحبٌّ يجوز له تركه حسب ما تقْتضيه الأدلة.
 
ويُرَدُّ على الخوارج والمعتزلة بأنه جاءت النصوص الدالة على أن مَنْ فَعَل بَعَضَ الكبائر يبقى مؤمنًا؛ كالقاتل مثلاً، والزاني، والسارق، وشارب الخمر، فهم مؤمنون وإن أُقِيمَتْ عليهم الحدود التي جاء بها الشرع في حقِّهم، ولو كانوا كفَّارًا لوَجَب قتلهم ارتدادًا عن الدين، وهذا يدل على عدم خروجهم عن الإيمان بما فعلوا.
 
وأهل السنة والجماعة في مفهوم الإيمان وَسَطٌ بين هاتَيْن الطائفتَيْن، بين المرجئة والخوارج معهم المعتزلة.
 
المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه:
أيضًا خالف الخوارج والمرجئة مذهب أهل السنة والجماعة في زيادة الإيمان ونقصانه:
— فالمرجئةُ بجميع أقسامها الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص؛ فالناس فيه سواءٌ؛ لأنَّ الإيمان عندهم التصديق بالقلب فقط؛ فلا يزيد ولا ينقص، فعندهم العبد التقي الذي يعبد الله آناء الليل وأطراف النهار، هو في إيمانه كمن يعصي الله آناء الليل وأطراف النهار بأعماله، فيزني ويسرق ويشرب الخمر وغيرها من المعاصي؛ لأن الأعمال عندهم غير داخله في الإيمان.
— والخوارج والمعتزلة: أيضًا الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، وإنما إما أن يذهب جميعه وذلك بفعل الكبيرة، وإما أن يبقى جميعُه، فهو ليس متفاضلاً يزيد وينقص، هذا هو أصْل اعتقادِهم في زيادة ونُقصان الإيمان، على أنَّ المعتزلة يرَوْن أن الإيمان قد يزيد حسب التكليف؛ فالغني الذي عنده مالٌ، التكليفُ عليه أكثر، فهو إن أدى زكاته فهو أكثر إيمانًا من الفقير الذي لا تَجِب عليه الزكاة.
 
وتقدَّم مذهبُ أهلِ السنة والجماعة، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتقدَّم الاستدلال على هذا؛ ولذا فإنَّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أعلى الصحابة إيمانًا، بل لن يصلَ أحدٌ لدرجة إيمانِه - رضي الله عنه - قال بكر المُزَني: "ما فاق أبو بكر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بصومٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقَرَ في قلبِه"[11].
 
المبحث الرابع: من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
الإيمان يزيد بأمور وبضدها ينقص الإيمان، فمما يزيد الإيمان عشرة أسباب، أسوقها لك مع أدلَّتِها:
أولًا: معرفة الله - جلَّ وعلا - بأسمائه الحُسْنى وصفاته العلى:
ومما يدلُّ على ذلك: قول الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[12]، وَوَجْه ذلك أنَّ العلماء أعرفُ الناس بأسماء الله - تعالى - وصفاته، فاستحضروها في دعائهم وفي جميع شؤون حياتهم، حتى كانوا أخْشى الناس، والخشية أثر لقوة الإيمان في قلوبهم، وإلا فالعلْمُ الذي لا يورث هذه الخشية علم مدخولٌ - نسأل الله السلامة والعافية.
 
قال ابن رجب: "العلم النافعُ يدل على أمرَيْن:
أحدهما: على معرفة الله، وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العُلَى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشْيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوَكُّل عليه، والرضا بقضائِه، والصبْر على بلائه.
والأمر الثاني: المعرفة بما يُحبه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه منَ الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فيوجب ذلك لِمن علمه المسارَعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعُد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثْمر العلْم لصاحبه هذا فهو علمٌ نافعٌ، فمتى كان العلم نافعًا ووَقَر في القلْب؛ فقد خشع القلب لله وانْكَسر له، وذلَّ هيبةً، وإجلالاً، وخشيةً، ومحبةً، وتعظيمًا"[13].
 
وقال أيضًا: "فالعلم النافع ما عرَّف العبدَ بربِّه، ودلَّه عليه حتى عرفه ووحَّده، وأَنِسَ به واستحى من قربه، وعَبَده كأنه يراه"[14]. اهـ.
 
وإذا وصل العبد إلى عبادة ربه كأنه يراه، لا شك أنَّه وصل إلى مرتبةٍ عظيمةٍ من الإيمان؛ لأنه وصل إلى أعظم المراتب، وهي الإحسان.
 
ثانيًا: طلب العلْم الشَّرْعي:
ويدل عليه ما تقَدَّم: قول الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[15]، فالعلمُ طريق للخشْية التي هي علامةٌ لِمَا وقَرَ في القلْب من إيمان، وذلك يأتي بالعلم النافع - كما تقدَّم - ولذا يقول الإمام أحمد: "أصل العلم الخشية".
وأيضًا لما تكَلَّم أحد الناس عن الإمام الزاهد العابد معروف الكرخي - رحمه الله - في مجلس الإمام أحمد وقال عنه: إنه قصير العلم، نهره الإمام أحمد، وقال: "أمْسِك - عافاك الله - وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف"؛ ولذا جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقًا إلى الجنة فقال: ((مَن سَلَكَ طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))[16].
 
ثالثًا: التأمُّل في آيات الله الكونية ومخلوقاته - جل وعلا -:
ويدل على ذلك: قول الله - تعالى -: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[17]، وقوله - تعالى -: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[18]، وقوله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}[19]، فإن العبدَ إذا تفكَّر في آيات الله - تعالى - في هذا الكون، عرف عظمة الله - تعالى - فازْداد إيمانُه، قال عامر بن عبدقيس: "سمعتُ غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يقولون: إنَّ ضياء الإيمان - أو نور الإيمان - التفَكُّر"[20].
 
رابعًا: قراءة القرآن وتدبُّره:
ففي قراءته وتلاوته يزْداد الإيمان، ويدل على ذلك: قول الله - عز وجل - في وصف المؤمنين الصادقين: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[21]، وكذلك تدبُّره؛ ففيه أعظم النفع لزيادة الإيمان.
وأما القلوب الغافلة فلا تتدبَّره؛ ويدل على ذلك قول الله - تعالى -: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[22]، قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "قراءة آية بتَفَكُّرٍ وتفهُّمٍ خيرٌ من قراءة ختْمة بغير تدبُّر وتفَهُّم، وأنفع للقلب، وأدعى في حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن"، وقال أيضًا: "فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشِه ومعاده، وأقرب إلى نجاته - من تدبُّر القرآن، وإطالة التأمُّل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالِم الخير والشر بحذافيرها، وتُثَبِّت قواعد الإيمان في قلبه، وتُشَيِّد بُنيانه، وتُوَطِّد أركانه"[23].
فإذا تدبَّر العبدُ آيات الله - تعالى - وما فيها من وعدٍ ووعيد، وجنَّة ونار، والأعمال التي تسوق إليهما - زاد إيمانه ويقينه بوَعْد ربِّه ووعيده.
 
خامسًا: الإكثار من ذِكْر الله - تعالى -:
ويدل على ذلك: قول الله - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[24]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي موسى: ((مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))[25]، فذِكْر الله - عزَّ وجَلَّ - فيه حياةٌ للقلْب؛ فيزداد إيمان العبْد كلما أَكْثَرَ من ذكر ربِّه، ويموت القلب وينقص إيمانُ العبد كلما كان بعيدًا عن ذِكْر ربه، وفي هذا علامة على الغفْلة؛ قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[26]، وقال في وصْف المنافقين الذين مُلِئَت قلوبُهم كفرًا وبُعدًا عن الله - تعالى -: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً}[27]، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "لكل شيء جلاءٌ، وإن جلاء القلوب ذكْر الله - عز وجل"[28].
 
قال عمير بن حبيب: "الإيمان يزيد وينقص"، فقيل: فما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا ربَّنا وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسيناه وضيَّعنا فذلك نقصانه"[29].
وقال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: "الذكْر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء"[30].
 
سادسًا: تقديم ما يُحبه الله ورسوله على هوى النفس:
ويدل على ذلك: حديث أنس قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكونَ الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقْذَفَ في النار))[31]، قال ابنُ حجَر: "قال البَيْضاوي: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكَمال الإيمان؛ لأنَّ المرء إذا تأمَّلَ أنَّ المنعم بالذات هو الله - تعالى - وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأنَّ الرسول هو الذي يُبَيِّن مُراد ربه - اقتضى ذلك أن يَتَوَجَّه بكُليَّته نحوه؛ فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب مَن يحب إلا من أجله..."[32].
ومِن أعظم علامات محبَّة الله ورسوله: تقديمُ ما يُحبُّه الله ورسوله على هوى نفسه؛ قال - تعالى -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[33]،   وكذا مما يزيد الإيمان الحب في الله، وكراهة الوقوع في الكفر؛ فيبتعد عن كلِّ ما يهوي به إلى ذلك.
 
سابعًا: حضور مجالس الذكر، والحرص عليها:
ويدل على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي قال: "قلت: نَافَقَ حنظلةُ يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنَا الأزواج والأولادَ والضَّيْعَات، نَسِينا كثيرًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشِكم وفي طرُقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة))[34].
والضَّيعات: هي معاش الرجل؛ من مال، أو حرفة، أو صناعة.
 
وقال معاذ بن جبل لأحد أصحابه يتذاكر معه: ((اجلس بنا نؤمن ساعة))[35]، وقال ابنُ حجَر في "الفتح": "وهو عنِ الأسود بن هلال قال: قال لي معاذ بن جبل: "اجلِسْ بنا نؤمن ساعة"، وفي رواية: "كان معاذ بن جبل يقول للرجُل من إخوانه: "اجلِس بنا نؤمن ساعة، فيجلسان فيذكران الله - تعالى - ويحمدانه"[36].
قال أبو الدرداء: "كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: "تَعَالَ نؤمن ساعة، إن القلب أسرعُ تَقَلُّبًا من القِدْرِ إذا استجمعت غليانها"[37].
وفي "شُعَبِ الإيمان" للبيهقي: عن عطاء بن يسار: أن عبدالله بن رواحة قال لصاحب له: "تَعَالَ حتى نؤمن ساعة"، قال: أَوَلَسْنا مؤمنين؟! قال: "بلى، ولكنا نذكر الله، فنَزداد إيمانًا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": "كان الصحابة - رضي الله عنهم - يجتمعون أحيانًا: يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون".
 
ولأنَّ العبد في مجالس الذكر يسمع ما يحُثُّه على طاعةٍ غفل عنها، وما يذكره في معصيةٍ وَقَع فيها؛ لينتهي.
 
— ويدخل تحت هذا السبب سببٌ آخر من مقوِّيَات الإيمان، وهو مصاحبة الأخيار، وتقدم نماذج للصحابة في ذلك.
ويدل عليه: قول الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[38]، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المرءُ على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل))[39].
 
قال المباركفوري: "((على دين خليله))؛ أي: على عادة صاحبه، وطريقته، وسيرته، ((فلْيَنْظُر))؛ أي: فليتأمل وليتدبر، ((مَنْ يُخَالل))؛ من المخالَّة، وهي: المصادقة والإخاء، فمَن رضي دينه وخُلُقه، خالِلْه، ومَن لا، تَجنَّبْه، فإن الطباع سرَّاقةٌ، والصحبة مؤثرةٌ في إصلاح الحال وإفساده، قال الغزالي: مجالسة الحريص ومخالطته تحرك الحرص، ومجالسة الزاهد ومخاللته تزهد في الدنيا؛ لأنَّ الطباع مجبولة على التشبُّه والاقتداء"[40].
 
قال الشاعر:
عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ        فَكُلُّ   قَرِينٍ    بِالْمُقَارَنِ    يَقْتَدِي
وقال آخر:
فَصَاحِبْ   تَقِيًّا   عَالمًا   تَنْتَفِعْ   بِهِ        فَصُحْبَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ تُرْجَى وَتُطْلَبُ
وَإِيَّاكَ   وَالْفُسَّاقَ   لا   تَصْحَبَنَّهُمْ        فَقُرْبُهُمُ   يُعْدِي   وَهَذَا    مُجَرَّبُ
فَإِنَّا  رَأَيْنَا   الْمَرْءَ   يَسْرِقُ   طَبْعَهُ        مِنَ الْإِلْفِ ثُمَّ الشَّرُّ  لِلنَّاسِ  أَغْلَبُ

وفي المثَل: (الصاحب ساحب)، فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان، والعكس بالعكس.

وفي الصحيحَيْن، مِن حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثَل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسْك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أنْ تَبْتاع منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يَحْرِقَ ثيابَك، وإما تَجِد ريحًا خبيثة))، و((يحذيك))؛ أي: يعطيك.

والأدلة وأقوال السلف كثيرةٌ في أثر الصُّحْبة الصالحة في زيادة الإيمان.
 
ثامنًا: البُعد عن المعاصي:
لا شك أنَّ اقتراف المعاصي سببٌ في نقصان الإيمان، والبُعد عنها ومدافعتها سبب زيادته، فمِنْ عقيدة أهْل السنَّة والجماعة: أنَّ الإيمان يَزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأنَّ من طاعة الله - تعالى - أن يبتعدَ الإنسان عن المعاصي والفتن، فأيُّ عبدٍ أراد أن يعيشَ قلبُه سليمًا من الأمراض لا تضرُّه الفتن ما دامت السموات والأرض؛ فليبتعدْ عنها ولينكرها.
ويدل عليه: حديثُ حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تُعْرَض الفتَن على القلوب كالحصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أشربها، نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَ فيه نكتةٌ بيضاء؛ حتى تصير القلوب على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تَضُرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسودُ مرْبَادًّا، كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه))[41]، و(مُرْبَادًّا)؛ أي: مخلوطًا حمرة بسواد، (كالكوز مُجَخِّيًا)؛ أي: كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصبَّ فيه شيءٌ لا يدخل فيه.
 
قال القاضي عياض: "ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدَّته على عقد الإيمان وسلامته من الخلَل، وأن الفتن لم تلصق به، ولم تؤثِّر فيه، كالصفا: وهو الحجر الأملس"[42].
 
وهكذا المؤمن كُلَّما كان من الفتن والمعاصي أبعد، كان حفاظه على سلامة قلبه وازدياد إيمانه أكثر، وكلَّما تهاوَن بالذنوب وتَعَرَّض للفتن، كلما نقص إيمانه.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "غَضُّ البصر يُورِث ثلاثَ فوائد: حلاوة الإيمان ولذته، ونور القلب، والفراسة، وقوة القلب وثباته وشجاعته"[43].
 
قال ابن المبارك:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ        وَقَدْ  يُورِثُ   الذُّلَّ   إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ  الْقُلُوبِ        وَخَيْرٌ    لِنَفْسِكَ     عِصْيَانُهَا
 
تاسعًا: الإكثار من النوافل والطاعات:
فكُلَّما أكثر العبدُ مِنَ النوافل، نال ثمراتٍ كثيرةً؛ منها: محبة الله له ومَعِيته؛ فلا يصدر مِن جوارحه إلا ما يرضي الله - جل وعلا - وأيضًا يكون مُجَابَ الدَّعوة، وإذا نال العبدُ هذه الثمرات، زاد إيمانُه؛ لأنه نال محبَّة الله ورضاه عنه، مع ما في النوافل مِن ثمرات.
ويدل عليه: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله - عز وجل -: ((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذنه))، فلْيَجْتَهد العبد ويُكثر من النوافل في الصيام، والصلاة، والذكر، وسائر أعمال البر.
 
عاشرًا: سؤال الله - تعالى - زيادة الإيمان وتجديده:
ويدل عليه: حديث عبدالله بن عمرٍو - رضي الله عنه - وعبدالله بن عُمر - رضي الله عنه - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الإيمان لَيَخْلَقُ في جَوْف أحدكم كما يَخْلَقُ الثَّوب، فاسألوا الله - تعالى - أن يُجَدِّد الإيمان في قلوبكم))[44]، وقوله: ((إن الإيمان ليخلق))؛ أي: إنه ليبْلى، فالمؤمن إذا أَحَسَّ بقسْوة في قلْبِه وفتور ونقص في الإيمان، سأل الله - تعالى - أن يُجَدِّدَ الإيمان ويزيده في قلبه، فقد كان السلفُ يحرصون على هذا الجانب، فيسألون الله - عز وجل - زيادة الإيمان، فهذا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "اللهم زِدْنا إيمانًا، ويقينًا، وفقهًا"[45]، وتقدَّم قولُ معاذ لبعض أصحابه: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، وكذلك قول ابن رواحة لأبي الدرداء: "تَعالَ نؤمن ساعة"، وكان أبو الدرداء يقول: "مِنْ فِقْهِ العبد أن يعلم أمُزْدَادٌ هو أو مُنتَقص - أي: من الإيمان - وإن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه".
 
ما تقدَّم من الأسباب العشرة هي من أهم أسباب زيادة الإيمان، وهناك أسباب أخرى؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزيارة القبور.
 
وتأمَّل سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلم - والقراءة في سِيَر السلَف، والاهتمام بأعمال القلوب؛ كالخوف والرجاء، والمحبة والتوكُّل، وغيرها، والدعوة إلى الله - تعالى - والتَّقَلُّل من الدنيا ومن المباحات، والفضول في الطعام والكلام والنظر، وتنويع العبادة، وتَذَكُّر منازل الآخرة، ومناجاة الله - تعالى - والانكسار بين يديه، وتعظيم حُرُماته، والولاء والبَراء.

وبِضِدِّ أسباب زيادة الإيمان نعرف أسباب نقصانه، أسأل الله أن يزيدنا إيمانًا، ويُجَدده في قُلُوبنا.
 
الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] [البينة: 5].
[2] [التوبة: 124].
[3] [الفتح: 4].
[4] وانظر: "فتح الباري 1/ 61.
[5] الحديث رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
[6] [البينة: 5].
[7] [التوبة: 124].
[8] [الفتح: 4].
[9] [البينة: 5].
[10] [النمل: 14].
[11] وللازدياد في هذا الباب انظر: "كتاب الإيمان"؛ لابن تيميَّة، وهو مطبوع في كتاب مستقلٍّ، وأيضًا موجود في "الفتاوى" المجلد السابع.
[12] [فاطر: 28].
[13] انظر: "فضْل عِلْم السلَف على علم الخلَف" ص (64 - 65).
[14] انظر: "فضْل عِلْم السلَف على علْم الخلَف" ص (67).
[15] [فاطر: 28].
[16] رواه مسلم.
[17] [آل عمران: 190].
[18] [الذاريات: 21].
[19] [يونس: 101].
[20] انظر: "الدُّرُّ المنثور" (2/ 409). 
[21] [الأنفال: 2].
[22] [محمد: 24].
[23] انظر: "مدارج السالكين" 1/ 485.
[24] [الرعد: 28].
[25] رواه البخاري.
[26] [الجمعة: 9].
[27] [النساء: 142].
[28] انظر: "شُعَب الإيمان" (1/ 396)، و"الوابل الصَّيِّب" (60).
[29] انظر: "الإيمان"؛ لابن أبي شيبة (7).
[30] انظر: "الوابل الصيب" (63).
[31] متفق عليه.
[32] انظر: "الفتح" المجلد الأول، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان.
[33] [آل عمران: 31].
[34] رواه مسلم.
[35] رواه البخاري في "صحيحه" معلَّقًا.
[36] انظر: "الفتح" المجلد الأول، كتاب الإيمان، باب: "بني الإسلام على الخمس".
[37] انظر: "الزهد و الرقائق"؛ لابن المبارك، وانظر: "الإبانة الكبرى"؛ لابن بطة.
[38] [الكهف: 28].
[39] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحديث صحَّحه الحاكم، وصحَّحَ إسناده النووي.
[40] انظر: "تحفه الأحوذي"، كتاب الزهد.
[41] رواه مسلم.
[42] انظر: "شرح مسلم"؛ للنووي، المجلد الأول، كتاب الإيمان.
[43] انظر: "الفتاوى" (10/ 252).
[44] رواه الطبَراني عن ابن عمر، وقال الهيثمي: "إسنادُه حسَن"، ورواه الحاكم عن ابن عمرو، وقال: "رواتُه ثقات"، وأقرَّهُ الذهَبي، وحسَّنه الألباني في "الصحيحة" (1585).
[45] قال الحافظ في "الفتح" (1/ 48): "رواه أحمد في "الإيمان" وإسناده صحيح".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (1)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (2)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (3)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (4)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (5)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (6)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (7)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (8)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (9)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (10)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (11)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (13)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (17)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (20)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (21)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (22)
  • المرجئة شبهات وردود

مختارات من الشبكة

  • تيسير رب العباد شرح لمعة الاعتقاد(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين يسر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • مخطوطة تتمة الكلام في قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فائدة في معنى قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الرب جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إظهار التفسير الصواب وتبرئة الحواريين من الشك في قدرة ربهم في قولهم: {هل يستطيع ربك....}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعم الرب ربك يا إبراهيم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب