• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات
علامة باركود

كتاب الزكاة (3/8)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/8/2009 ميلادي - 20/8/1430 هجري

الزيارات: 69545

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضمن شرح الفقه الواضح في المذهب والقول الراجح على متن زاد المستقنع

كتاب الزكاة (3/8)


باب زكاة الحبوب والثمار

فيه إحدى عشرة مسألة:
المسألة الأولى: دل على وجوب زكاة الحبوب والثِّمار الكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله - تعالى -: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وكثير من السلف على أنَّ المراد بالحق هنا الزَّكاة المفروضة[1].

ومن السنة: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريًّا - العشر، وفيما سُقِيَ بالنَّضح نصف العشر))؛ رواه البخاري (1483).

وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة))؛ رواه البخاري (1405)، ومسلم (979)، وأمَّا الإجماع، فقد قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 47)، "وأجمعوا على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب".

الحبوب: هي ما يخرج من الزرع والبقول ونحوها، كالحنطة، والشعير، والأرز، والعدس، والحلب، والرشاد وغيرها.

والثمار: هي ما يخرج من الأشجار كالتمر، والعنب، والصنوبر وغيرها.

المسألة الثانية: ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار:
اختلف أهل العلم فيما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار:
القول الأول: إنَّ الزكاة في الحبوب والثِّمار لا تَجب إلا في أربعة أصناف، وهي: الحنطة والشعير - وهما من الحبوب - والزبيب والتمر - وهما من الثمار - وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختار هذا القول الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/93)، والألباني في "تمام المنة"، (ص: 369).

واستدلوا بحديث أبي موسى الأشعري ومعاذ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهما: ((لا تأخُذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر))[2].

ونوقش هذا الاستدلال بأنَّ الحديث ضعفه بعضُ أهل العلم، ولو صَحَّ فإنَّه يُحمل على أن هذه الأصناف الأربعة هي الدَّارجة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوتًا للناس يأكلون منه، وليس المقصود الاقتصار عليها، وهذا هو قول جمهور العُلماء.

إذًا القول الثاني: إنَّ الزكاةَ تجب في غير الأربعة المذكورة في الحديث السابق، وهذا قول جمهور العلماء، فزادوا عليها أصنافًا أخرى، فنظروا إلى الصفات التي تجتمع في الأصناف السابقة وهي الاقتيات؛ أي: أن يكونَ الصنف قوتًا يأكله الناس، والكيل؛ أي: أنْ يكال، والادِّخار؛ أي: يمكن أن يدَّخره الفقير؛ أي: يُحفظ بطبيعته بلا وسيلة حافظة له كالثلاجات ونحوها.

مثلاً: الأرز تتوفر فيه الصفات السابقة، فهو قوت للناس، ويكال ويُمكن أن يدَّخره الفقير.

اختلف جمهور العلماء: أيُّ الصفات المؤثرة التي تجعل هذا الصنف من الحبوب والثِّمار فيه الزكاة؟ على أقوال أظهرها:
قول المذهب: وهو أنَّ الذي تجب فيه الزكاة هو ما جمع صِفَتين أو عِلَّتين، وهما الكيل والادِّخار.

ويدل على ذلك:
أمَّا الكيل فيدل عليه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة))؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل النِّصاب خمسة أوسق، والوسق معيار كيلي كما سيأتي، فدل هذا على أن الكيلَ عِلَّة معتد بها.

وأما الادِّخار، فلأن النعمة به أبلغ وأكثر مواساة لمستحقي الزكاة، بخلاف الأشياء التي لا تُدَّخر، فهي تفسد إذا تأخرت، فمنافعها مؤقتة، وأيضًا لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الزكاة في الخضروات؛ لأنَّها لا تُدَّخر، واعتبار الادِّخار قال به جمهور العلماء.

وأما الاقتيات، فلا يشترط، ومما يدل على عدم اشتراطه حديث أبي سعيد المتقدم، فقد جاء في رواية مسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوساق من حب ولا تمر صدقة))؛ ففي قوله: ((من حب)) ظاهره يشمل جميع الحبوب، ومن الحبوب أصنافٌ كثيرة ليست قوتًا للناس.

فالقول الراجح - والله أعلم -: أنَّه لا بد أن يدَّخر ويكال، واختار هذا القول الشيخ ابن باز وشيخنا ابن عثيمين في "الممتع" (6/69).

من الأصناف التي تكال وتُدَّخر: الحبوب عمومًا؛ لرواية مسلم السابقة، كالقمح والشعير، والذرة، والقهوة، والأرز، والعدس، والحبة السوداء، وغيرها، ومن الثمار التمر والزبيب والصنوبر وغيرها.

بناء على الكيل والادِّخار، فالخضروات والفواكه بأنواعها لا تجب فيها الزَّكاة خلافًا للأحناف، وكذلك البقول كالثَّوم والبصل والجزر، كل ذلك لا تجب فيه الزكاة.

المسألة الثالثة: نصاب الحبوب والثمار:
والمقصود ما القدر الذي إذا بلغته الحبوب والثمار وجبت فيه الزكاة؟ واشتراط بلوغ النصاب في الحبوب والثمار لا خلاف فيه بين العلماء.

ذكر صاحب الزاد أنَّ نصاب الحبوب والثمار ألف وستمائة رطل عراقي.

والرطل: بكسر الراء وفتحها هو آلة الوزن، والرطل يساوي ثمانية وعشرين درهمًا.

ومقدار (1600) رطل عراقي يساوي النصاب الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسة أوسق؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة))، والوسق الواحد يساوي ستين صاعًا نبويًّا، وبناءً على ذلك، فإن (5) أوسق = 300 صاعٍ نبوي = 1600 رطل عراقي.


ولاحظ أن الرطل آلة وزن، بينما الوسق والصاع والمد معيار كيلي؛ أي: بالكيل، وإنَّما انتقل أهلُ العلم في حسابهم من الكيل، مع أنَّه وارد في السنة إلى الوزن؛ لأنَّ الوزن أثبت وأضبط؛ لأنَّ الكيل يختلف، فالأمداد تختلف من زمن لآخر، وكذلك الأصواع تختلف، فصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - يَختلف عن الصاع الموجود اليوم، واختلف في مقدار صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجح شيخنا ابن عثيمين أن الصاع النبوي يساوي بالكيلو: كيلوَين وأربعين جرامًا من البُرِّ الجيد[3]، والمعتبر البر الجيد؛ لأنَّ الحبوب تختلف، فمهنا الثقيل كالحنطة والعدس، ومنها الخفيف كالشعير والذرة، فنظروا إلى المتوسط وهو البر، فجعلوه هو المعتبر.

وخلاصة الحساب في ذلك وفيه تفصيل غير ما سبق أن يقال:
الصاع النبوي = 2.40 كيلو جرام - على اختيار شيخنا ابن عثيمين - والوَسْق فيه ستون صاعًا، والنصاب: خمسة أوسق؛ إذًا 5 أوسق ×60 صاع = 300 صاع نبوي، و300 صاع ×2،40 = 612 كيلو جرام.

إذًا مَنْ كان عنده (612) كيلو جرام من الحبوب أو الثِّمار، وجبت عليه الزكاة، وسيأتي بيان مقدار ما يخرجه.

المسألة الرابعة: يُضم ثمر العام الواحد بعضه إلى بعض في تكميل النصاب:
مثال ذلك: رجل عنده مزرعة لها ثمر بعضه يُجنى أول موسم الصيف، والبعض الآخر في آخر الموسم، فإنَّه يضم الأول مع الثاني في تكميل النِّصاب ويخرج الزكاة.
مثال آخر: رجل عنده مزرعتان أنتجت الأولى (100) صاع من الثمر، وأنتجت الثانية (200) صاع، فإنه يضم ثمار المزرعتين ما دام أن الجنس واحد في عام واحد.
مثال آخر: رجل عنده حائط فيه نخل كثير بأنواع مُختلفة - سكري وبرحي وخلاص وغيرها من الأنواع - وبمجموعها تبلغ النِّصاب، وهو (300 صاع)، أو نقول بالكيلو (612 كيلو)، فيضم هذه الأنواع بعضها مع بعض ما دام أنَّها تدخل تحت جنس واحد، وهو التمر إذا كانت هذه الثمرة في عام واحد، فهذا هو القول الصحيح، وبه قال المذهب.

ويدل على ذلك:
أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السُّعاة لأخذ زكاة الثِّمار مع تنوُّع الجنس الواحد، ولم يرد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفرق بين نوع وآخر في الجنس الواحد، ومن أمثلة ذلك التمر، فقد كان في المدينة أنواعٌ كثيرة من التُّمور ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر السُّعاة بأن يفرقوا بين أنواعها.

وبناء على هذه المسألة: 
لو اختلفت الأجناس، فإنها لا تُضم بعضها إلى بعض.

مثال ذلك: رجل عنده مزرعة فيها حبوب نصفها شعير ونصفها أرز، فإن هذه الحبوب لا يضم بعضها إلى بعض في تكميل النِّصاب؛ لاختلاف الأجناس، كما أن صاحب الماشية لا يضم الأغنام إلى الأبقار أو إلى الإبل، وعدم ضم الأجناس إذا اختلفت مما أجمع عليه العلماء.

قال المنذر في "الإجماع" (ص: 47): "وأجمعوا على ألا تضم النخل إلى الزبيب".

أيضًا لا يضم ثمر عام إلى عام آخر.

مثال ذلك: رجلٌ عنده مزرعة وجنى ثمارها في العام الأَوَّل، ولما جاء العام الثاني جنى ثمارها أيضًا، فلا يضم ثمرة العامين في تكميل النِّصاب، وإنَّما لكل عام نصابه، فإذا كان النصاب لا يكتمل إلا بضم ثمر العامين، فلا زكاة عليه.

المسألة الخامسة: لا بد أن يكون النصاب مملوكًا لصاحبه وقت وجوب الزكاة:
وهذا شرطٌ من شروط وجوب زكاة الثِّمار والحبوب، وهو أن يكون النِّصاب مملوكًا له في وقت وجوب الزَّكاة، وهو قول المذهب وبه قال جمهورُ العلماء، وعليه فإنَّ شروط الزكاة في الحبوب والثمار هي:
1- أن تكون ممَّا يُكال ويُدَّخر.
2- أن تبلغَ النِّصاب.
وهذان الشرطان تقدَّم توضيحهما.
3- أن يكون مملوكًا له وقتَ وجوب الزكاة.

ومتى وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار؟

أمَّا الثمار فوقتُ وجوبه إذا بَدَا صلاحُ الثمرة، وذلك بأن تَحْمَرَّ أو تَصْفَرَّ، وهذا في التمر، وأمَّا غيره من الثِّمار فبُدُوُّ صلاحه أن ينضجَ ويَطيب أكلُه.

وأمَّا الحبوب فوقتُ وجوبه إذا اشتدَّ، فإذا اشتدت الحبَّة بأن قويت وصلبت وجبَ الزكاة فيها، وسيأتي بيانُ ذلك.

مثال ذلك: رجل اشترى مزرعة - ومعلوم أنَّ الثِّمار لا يجوز شراؤها إلاَّ بعد بدوِّ صلاحها - لو اشترى رجل مزرعةً بعد بدوِّ صلاح الثمار، أو بعد اشتداد الحبِّ في الزرع، فعلى مَن تكون الزكاة على البائع أو المشتري؟

لا شكَّ أنَّها على البائع؛ لأنَّها حين وقت وجوب زكاتها وهو بدوُّ الصلاح، أو اشتداد الحَبِّ كانت ملكًا للبائع، إلاَّ أن يشترطَ البائع على المشتري أن يُخرجَ الزكاة، فهذه مسألة أخرى، وله ذلك، والمسلمون عند شروطهم، فالأصل أنَّ الزكاة على البائع، وكذلك لو وَهَب رجلٌ أخًا له زرعًا بعدَما اشتدَّ حَبُّه فالزكاة على الواهب، وكذلك لو ورث رجل من أبيه ثمارًا بعد بدوِّ صلاحها، فإنَّ الزكاة لا تجب على الوراث، بل على الأب، فتؤخذ مِن تركتِه، أمَّا لو ورثها قبل بدوِّ صلاحها، فالزكاة على الوارث إذا بَدَا صلاحُها.

مثال آخر: لو أنَّ لقَّاطًا - واللقَّاط هو الذي يتتبَّع المزارع، ويلقط الثمر المتساقط، كالتَّمر من النخل، أو يلقط الحَبَّ المتساقط، كالسنبل من الزرع - فلو أنَّ لقَّاطًا بلغ ما لقطَه النِّصاب، فلا زكاة فيه؛ لأنَّه لم يكن مالكًا له حينما وجبتْ فيه الزكاة.

وكذلك لو قال لرجل: احصد بُستاني هذا، ولك ثُلثُ ما حصدتَه، فإن هذا الثلث لا زَكاةَ فيه، ولو بلغ نصابًا؛ لأنَّه لم يملكْه حين وجوب الزَّكاة.

مسألة: ما كان من مباح في الصحراء هل فيه زكاة إذا جُمع وبلغ نصابًا؟

المباح: هو ما أنبته الله - عزَّ وجلَّ - وليس لابن آدمَ عملٌ وكلفة فيه، فهو مباحٌ لجميع المسلمين أن يأخذوه، فلو أَخَذه الإنسان، وكان يبلغ النِّصاب، فلا زكاةَ فيه وهو قولُ المذهب أيضًا.

والتعليل: لأنَّه حين بَدَا صلاحُه، أو اشتدَّ حبُّه لم يكن في مُلْكِ مَنْ جَمَعه، وإنَّما هو مباحٌ لجميع المسلمين، فلا زكاةَ عليه فيه.

وأيضًا لو كان هذا المباحُ نَبَت في أرضه أو بُستانه من غير كُلفة منه أو تقصُّد لإخراجه، فلا زكاةَ عليه، وهو قول المذهب، مع أنَّه أحقُّ به من غيره.

فائدة: ذكر صاحب الزاد أمثلةً على المباح من الحبوب التي يخرجها الله - عزَّ وجلَّ - وليس للإنسان فيها عملٌ أو كلفة، أو تقصد لإخراجها، مثل (البُطُم) وهي حَبَّة خضراء من فصيلة الفُستق، شجرتُها من أربعة إلى ثمانية أمتار، تَنبُت في الأراضي الجبليَّة، تؤكل في بلاد الشام؛ انظر: "المعجم الوسيط"، (ص: 61).

وذكر أيضًا (الزَّعْبَل) وهو شعير الجبل، وذكر أيضًا (بَزْر قَطُونا) وهي سنبلةُ الحشيش، وتُسمَّى (الرِّبلة)، كما ذكر شيخنُا ابن عثيمين عن بعض مشايخه (انظر الممتع 6/75)، والمقصود أنَّ صاحب الزاد ذَكَر هذه الأنواعَ من الحبوب كمِثال على المباح، وأنَّها لو جَمَع الإنسان نوعًا منها، وكان يبلغ نصابًا، فلا زكاة فيه؛ لأنَّه مباحٌ لم يملكه حين وقت وجوب زكاته.

المسألة السادسة: القدر الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار:
والمقصود أنَّه إذا كان عندَ الإنسان حبوبٌ أو ثمار بلغتِ النِّصاب فما القدر الواجب في إخراج الزكاة؟
الجواب: أنَّ هذا ينقسم إلى أقسام – وهذه الأقسام هي قول المذهب أيضًا -:
القسم الأول: أن تُسْقى الحبوب والثِّمار بلا مؤونةٍ، فالواجبُ فيها العُشْر.

بلا مؤونة؛ أي: بلا كُلفة على صاحبها، كأن يكونَ الزرع بَعْلاً؛ أي: يشرب الماء بعروقه، ويُسمَّى عثريًا؛ لأنَّه يعثر على الماء بنفسه، أو كأن تسقيَه الأنهارُ والعيون أو الأمطار، فهذا الواجب فيه العشر؛ أي: واحد من عشرة.

ويدلُّ على ذلك:
حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فيما سَقَتِ السماءُ والعيون أو كان عثريًا، العُشْر))؛ رواه البخاري (1483)، وعند أبي داود: ((أو كان بَعْلاً، ففيه العُشر)).

مثال ذلك: رجل عنده مزرعة لا يَتعب في سقيها؛ لأنَّ الأمطار تسقيها أو العيون، وحينما جَنَى ما تخرجه مزرعتُه صار عنده ألف كيلو من البُر، فمقدار ما يخرجه العُشر، وهو مائة كيلو.

إذًا؛ نقسمه على عشرة، فنخرج العشر.

القسم الثاني: أن تُسقى بمؤونة، فالواجب فيها نِصفُ العشر.

كأن يحتاجَ الزَّرع في سقايته إلى كُلفة، بأن تجلب الدواب كالحمير أو الإبل الماء، وتجرُّه من البِئر، وتُسمَّى السواني سابقًا، فهذه كُلفة تحتاج إلى نفقة للسَّقي، ومثله ما يقوم مقامَ السانية من الآلات الحديثة اليومَ التي تَنقل الماء إلى الزروع، وتحتاج إلى نفقة الكهرباء والوقود، والصيانة ونحوها، فهذه تُعتبر سُقْيا بمؤونة، فيجب في إخراجِ زَكاتِها نِصفُ العُشْر، وهذا من لُطفِ الشارع، حيث خفَّف على العِباد مقدارَ الزكاة بحسب ما بذلوه لسقي هذه الزُّروع.

ويدل على ذلك:
1- حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنَّه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((فيما سَقتِ الأنهارُ والغيم العُشور، وفيما سُقي بالسانية نِصفُ العُشْر))؛ رواه مسلم (981).
2- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فيما سقتِ السَّماء والعيون أو كان عثريًا العُشر، وما سُقِي بالنضح نِصفُ العُشْر))؛ رواه البخاري، والنضح: هو السقي بالسواني، وما يقوم مقامَها من (المكائن) ونحوها.

مثال ذلك: رجلٌ عندَه مزرعةٌ لا تُسقى إلا (بمكائن) تَجلِب لها الماء، وحينما جَنَى ما تخرجه مزرعتُه، صار عندَه ألف كيلو من البُر، فمقدار ما يُخرجه نِصفُ العُشر، وهو خمسون كيلو، إذًا نقسمه على عشرة، ونخرج نِصفَ العشر.

فائدة: حفْر البئر، أو حفر السواقي وفتحها؛ لكي يجريَ الماء من النَّهر إلى مزرعته هذه كُلفة لا تأثيرَ لها؛ لأنَّها من جِنس حرْث الأرض وهي كلفة لا تتكرَّر مع الأعوام، والكُلفة المؤثِّرة، أو المعتبرة هي ما كانت في نفْس السَّقي المتكرِّر.

القسم الثالث: أن تُسقى نصف المدَّة بمؤونة، ونِصفُها الآخر بلا مؤونة، فالواجب ثلاثةُ أرباع العُشْر.

مثال ذلك: رجلٌ عنده مزرعة تُسقى نصف المدة (بمكائن) ونحوها، ونصف المدَّة تسقيها الأمطار، وحينما جَنَى ما تُخرجه، صار عنده ألف كيلو من البُر، فمقدار ما يخرجه ثلاثةُ أرباع العشر، وهو خمسة وسبعون كيلو، إذًا نقسم الألف على عشرة، ونخرج ثلاثة أرباع العُشْر.

والتعليل: أنَّ نصفَ المدَّة تجب فيها نصفُ العُشْر، وهو ما كان بمؤونة، ونِصفُها الآخرُ تجب فيه العُشْر، ومحصِّلة الواجبين في المدَّة كاملة ثلاثةُ أرباع العشر؛ انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة"، (9/234)، برقم (962).

القسم الرابع: أن يتفاوت السقيُ، أو لم يمكن ضبطُ مدَّة المؤونة من غيرها، فالمعتبر الأكثر نفعًا.

مثال ذلك: رجل عنده مزرعةٌ، وتارة يحتاج لمؤونة في سقيها، وتارة أخرى لا يحتاج إلى مؤونة، ولكنَّه لم يستطعْ ضبطَ المدَّة في المؤونة من غيرها؛ لأنَّ المدَّة متفاوتة، فالعِبرة بالأكثر نفعًا للزَّرْع، فإذا كان الزَّرْع ينتفع أكثرَ إذا سقتْه السماء والعيون، ففيه العُشْر، وإذا كان ينتفع أكثرَ إذا سُقِي بمؤونة، ففيه نِصفُ العُشْر، وإن جُهل الأكثر نفعًا، فيرجع فيه لِمَا هو أحوط وأبرأ للذِّمَّة؛ وهو العُشر.

ولأنَّ الأصل في الحبوب والثِّمار وجوبُ العُشر، وإنَّما خُفِّف إلى النصف؛ لأنَّه يُسقَى بمؤونة.

هذا ملخَّص المقدار الواجب إخراجُه إذا بلغ نصابًا، وتقدَّم أنَّ الزكاة لا تجب في الثِّمار إلاَّ إذا بدا صلاحُها، وفي الحبوب إذا اشتدَّتْ بأن قويت وتصلَّبت.

المسألة السابعة: المذهب أن الثمرة أو الحب لو تلف بعد وضْعه في البَيْدر، فعلى صاحبها الضمان مطلقًا:
البيدر: بفتح الباء وإسكان الياء، وهو موضعٌ تُجمَّع فيه الثمار؛ لتشميسها وتيبيسها، وتجمع فيه الحبوب لتداس وتُصفَّى، وهو مكان فسيح، ويُسمَّى البيدر عند أهل الشام، ويسمَّى الجرين عندَ أهل مصر والعراق.

فالمذهب: يفرقون بين وقتِ وجوب الزكاة، وبين وقت استقرار الزَّكاة، فوقت الوجوب كما سبق إذا بدَا صلاحُ الحبوب والثِّمار، وهو في زُروعِه وأشجاره، ووقت استقرار الوجوب إذا قُطِف وحُصد، وعادة أهل الزِّراعة أن يضعوه في البيدر أوَّلَ ما يقطفونه ويحصدونه، فالمذهب يقولون: إنَّه إذا وُضِع في البيدر، ثم تَلِف، فإنَّ على مالكها الضمانَ، بأن يُخرِج الزَّكاة، سواء كان متعديًا ومفرطًا، أو لم يكن كذلك، فعليه الضمان مطلقًا.

وعلَّلوا ذلك: بأنَّه استقرَّ في ذمته أول ما وُضِع في البيدر، فصارت كالدَّين عليه واللهُ - عزَّ وجلَّ - يقول {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

وهذه المسألة تهمُّ أصحاب المزارع، وهي: متى يضمن إذا تلفت الحبوب والثمار ومتى لا يضمن؟
والجواب: أنَّ هذه المسألة لها ثلاثُ حالات:
الأولى: أن يكون التَّلَف قبل وجوب الزكاة؛ أي: قبل اشتداد الحَبِّ وصلاح الثمرة، فلا شيءَ على المالك.

مثال ذلك: رجل عنده مزرعةٌ، وتعمَّد حصْدَ الزَّرع قبلَ اشتداده، أو قطعَ الثمر قبلَ بدوِّ صلاحه، أو أحرق مزرعتَه لشيء أراده، فهذا لا ضمانَ عليه بلا إشكال؛ لأنَّه لم يأتِ وقت الوجوب، بشرط ألاَّ يكون فَعَل ذلك فِرارًا من الزكاة، فإنَّه يضمن وتقدَّمت القاعدة "أنَّ التحايل في إسقاط الواجب لا يُسقِطه".

الثانية: أن يكون التلفُ بعد وجوب الزَّكاة، وقبلَ وضْعه في البيدر ونحوه:
فالمذهب وهو القول الراجح - والله أعلم -: أنَّه إذا كان ذلك بتَعدٍ أو تفريط، فعليه الضمان، وإذا كان بغير تعدٍّ أو تفريط، فلا ضمانَ عليه.

الثالثة: أن يكون التلف بعدَ جَعْله في البيدر ونحوه:
فالمذهب: أنَّ عليه الضمانَ مطلقًا، سواء تعدَّى وفرَّط، أو لم يتعدَّ أو يفرطْ، وسَبَق بيانُ تعليلهم.

والقول الراجح - والله أعلم -: أنَّه إذا كان بتعدٍّ أو تفريط، ضَمِن، وإن لم يتعدَّ أو يفرطْ، فلا ضمانَ عليه.

والتعليل: أنَّه بعد وجوب الزَّكاة عليه صار المحصول عنده كالأمانة في يدِ صاحب الثمرة، فيَدُ صاحب الثمرة حينئذ يدُ أمانة والقاعدة: "أنَّ يدَ الأمانة لا تضمن إلاَّ بتعدٍّ أو تفريط".

وبناءً على ذلك، لا حاجةَ لنا أن نقول: وُضِع في البيدر أو لا، والقول الراجح: أنَّه إذا جاء وقت وجوب زكاة الحبوب بأن اشتدَّت الثمار بأن صلحت ثم تلفت، فلا ضمانَ عليه إلاَّ إذا كان بتعدٍّ أو تفريط، سواء كان ذلك قبلَ وضْعه في البيدر أو بعدَه.

مثال ذلك: رجل بعد أن بدَا صلاحُ ثمر النَّخل، وبعد أن جعله في البيدر مع اهتمامه به وحراسته له جاءَه سارق فسرقه، وهو في ذلك غيرُ مهمل له ولا مفرِّط.

فالمذهب: أنَّه يضمن؛ لأنَّهم يَروْن وجوبَ ضمانه مطلقًا بعد وضعه في البيدر.

والقول الراجح - والله أعلم -: أنَّه لا يضمن؛ لأنَّه غير مفرِّط.

المسألة الثامنة: مسألة خَرْص الثمر:
ومسألة الخَرْص من المسائل التي لم يَذكُرْها صاحب الزاد، ويمكن توضيحها في النِّقاط التالية.

تعريف الخرص:
الخرص: هو تقديرُ المحصول من التَّمْر أو العنب، وهو على أصول شَجرِه، وذلك من خبير بالخَرْص.

مثال ذلك: يأتي الخارص حين يبدوُ صلاحُ الثمر ويُقدِّر ما على النخل من الرطب تمرًا، وما على شجر العنب زبيبًا، فيطوف بالنخل أو شجر العنب، ويرى ثمرتَها، ثم يقول مثلاً: خَرْصُها ستةُ أوسق رطبًا، وتجيء خمسة أوسق يابسًا، ويقول في العنب: خَرْصُها عشرة أوسق عنبًا، وتجئ ثمانية أوسق زبيبًا، فيُقدِّر ذلك من غير وزن ولا كيل، بحسب خبرة الخارص، ولا بدَّ أن يكون خبيرًا ثقةً، ويكفي خارصٌ واحد، فإذا جَفَّت الثمار بأن صار التَّمر يابسًا، والعنب زبيبًا، أُخِذت منه الزكاة التي سبق خرصُها.

لصاحب المال بعد الخرْص طريقتان:
الأولى: أن ينتظرَ إلى أن يجنيَ الثمرة، ثم يُخرج المقدارَ الذي حدَّده الخارص للزكاة، والباقي له.
الثانية: أن يُعيِّن بعد الخرْص شجرًا مفردًا يجعله لأهل الزَّكاة، وهو مقدار ما حُدِّد بعدَ الخرص، ويتصرَّف صاحب المال فيما بقي من الشَّجر.

فائدة الخرص:
للخرْص فائدةٌ عظيمة، وهي: التوسعة على صاحب الثِّمار؛ لأنَّه بعد الخرص يستطيع معرفةَ ما يخرجه للزكاة، وحينئذ يتصرَّف في ثماره كيف يشاء قبلَ أن تبلغ غايتها في الصلاح، فهو قد عرف زكاتَها، فيتصرَّف فيما بقي، فيبيع ويتصدق ويُهدي، ولا شكَّ أنَّ في هذا توسعةً عليه، مع أنَّه يجوز لأهل الثمرة أن يأكلوا من ثِمارهم قبلَ أن تُخرص بما جَرَت العادة بأكله، ولا يُحتسب عليهم عندَ إخراج الزكاة على الصحيح.

الخرص مشروع، فيُسنُّ للإمام أن يبعث الخارص وقتَ الخرْص:
ومشروعية الخرْص وأنَّه يُسنُّ للإمام أن يبعث الخارص وقتَ الخرص هو قول جمهور العلماء، خلافًا لأبي حنيفة الذي قال: إنَّه ظنٌّ وتخمين لا يلزم به حكم.

ويدل على ذلك:
1- حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "أفاء الله على رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيبرَ، فأقرَّهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما كانوا، وجَعلَها بينه وبينهم، فبعث عبدَالله بن رواحة، فخرصها عليهم"؛ رواه أبو داود (3414)، وأحمد (23/210)، والبيهقي (4/123)، وسنده قويٌّ، ورجاله ثقات، كما ذكر الألباني في "الإرواء"، إلاَّ أنَّ في سنده أبا الزبير، مُدلِّس، وقد عنعنه، ولكنَّه صرَّح بالتحديث في رواية لأحمد (8/387)، فالحديث يُحتجُّ به.

وللحديث شواهد:
منها: حديثُ أبي حُميد الساعدي في خرْص النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حديقةَ المرأة في طريقهم إلى تبوك، وأمْرِه لأصحابه أن يخرصوها، فخرصوها وخرصها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشرةَ أوسق، والحديث رواه البخاري (1481)، ومسلم (1392).
ومنها: بعث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبدالله بن رواحة إلى خبير ليخرصَ على اليهود نخيلَهم، كما ورد في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عندَ ابن ماجه (1820)، والخرص عَمِل به الصحابةُ أيضًا.

وله شواهد أخرى، لكنَّ فيها انقطاعًا، كحديث عائشة - رضي الله عنها - وحديث عتَّاب بن أَسِيد عند أبي داود.

قال الخطَّابي في "معالم السنن" (2/212): "العمل بالخرْص ثابت.... وبقي الخرص يعمل به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعَمِل به أبو بكر وعمر، وعامَّة الصحابة على تجويزه..... فأمَّا قولهم: ظنٌّ وتخمين، فليس كذلك، بل اجتهاد في معرفة مقدار الثِّمار، وإدراكه بالخرْص الذي هو نوعٌ من المقادير والمعايير كما يُعلم ذلك بالمكاييل والموازين وإن كان بعضُها أحصرَ من بعض".

ما هو وقت الخرص؟
وقت الخرْص حين يبدو صلاحُ الثَّمر؛ لأنَّ فائدةَ الخرص هو معرفةُ ما يجب بالزَّكاة والتَّوْسِعة على أصحاب الثَّمر أن يتصرَّفوا بثمرهم.

ما هي الثمار التي تخرص؟
جمهور أهل العلم: أنَّه لا يُخرص إلاَّ التمر والعنب.

والدلالة على ذلك من وجهين:
1- أن الأحاديث الواردة في الخرْص جاءتْ في التمر والعنب.
2- أنَّ التمر والعِنب الحاجة داعيةٌ لأكلهما حالَ رطوبتهما قبلَ أن يجفَّ الرطب، ويصير العنب زبيبًا، وأمَّا الزروع وما فيها من الحبوب فلا تُخرص لعدم تحقُّق ما سبق فيها، ولصعوبة خرْصها بسبب تغطية الأوراق للحبوب التي فيها، وتراكبها على بعضها كالسنابل ونحوها.
 
يُشرع للخارص أن يتركَ الثُّلث أو الرُّبع من الثَّمرة لصاحب الثمرة.

يُسنُّ للخارص أن يتركَ ثلثَ الثمرة أو رُبعَها للمالك، وهو قول المذهب.

ويدلُّ على ذلك:
حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - قال أمَرَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خَرصْتم فخذوا ودعوا الثُّلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الرُّبع))؛ والحديث رواه أبو داود (1605)، والترمذي (643)، والنسائي (5/42)، وأحمد (24/458)، وهو حديث ضعيف، في سنده عبدالرحمن بن مسعود بن نيار، قال عنه ابن القطَّان: لا يُعرف حالُه.

وللحديث شاهدٌ موقوف على عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّه بعث أبا حثمة الأنصاريَّ على خرْص أموال المسلمين"؛ رواه ابن حزم في المحلَّى، والحاكم (1/402).

وشاهدٌ عن سهل بن حثمة - رضي الله عنه - أنَّ مرْوان بعثه خارصًا للنخل، فخرص"؛ رواه ابن حزم في المحلى، وقال (5/260): "هذا فِعل عمر بن الخطَّاب وأبي حثمة وسهل؛ ثلاثة من الصحابة بحضرة الصحابة، لا مخالِف لهم يُعرف"، وتخيير الخارص بين الثُّلث والرُّبع راجعٌ إلى نظر الخارص حسبَ ما تقتضيه المصلحةُ من كثرة الثَّمرة وقلَّتِها، وحال أهل الثَّمرة، فيترك الثلث، فإن كان كثيرًا تَرَك الربع.

واختلف في هذا الثلث أو الربع:
فقيل: يَترك الخارصُ ثلثَ أو ربع الثَّمرة، فلا يأخذ عليها زكاة.

والتعليل: رأفة بأصحاب الثَّمرة، وتوسعة عليهم؛ لأنهم يحتاجون إلى الأكْل هم وأضيافُهم، ويطعمون جيرانَهم وأقاربَهم، وأيضًا هذه الثمرة يكون فيها ثمرةٌ ساقطة، وثمرة ينتابها الطير، وأخرى يأكُل منها المارَّة، فلو أخذ الخارص كلَّ ذلك ولم يدع شيئًا لأضرَّ بهم، فتُراعى هذه الجوانبُ، فيدَع الثلث أو الربع من الثَّمرة لا يأخذ عليها الزَّكاة، وينظر في الباقي، فإن بلغ نصابًا، وإلاَّ فلا زكاةَ فيه.

وقيل: إنَّ الخارص بعدما يخرص ويقدِّر الخارجَ للزَّكاةِ، وهو العُشر أو نِصفُ العُشر، يترك من هذا العشر أو نصف العشر الثلثَ أو الربع؛ ليتولَّى أصحاب الثمرة توزيعَه بأنفسهم، فربَّما يكون لهم أقاربُ مستحقُّون، أو فقراء يعرفونهم فيعطونهم، وهذا ما اختاره شيخُنا ابن عثيمين في "الممتع" (6/90).

المسألة التاسعة: مَن استأجر أرضًا فزكاة ثمرتها على المستأجر لا على المالك:
مثال ذلك: رجلٌ استأجر أرضًا ليزرعَها أرزًا أو ذرة، فإذا أخرجتْ هذه الأرضُ، فزكاة الأرز أو الذُّرة على مالك الأرض أو على مستأجرها؟

المذهب: أنَّ الزكاة على المستأجِر لا على مالك الأرض، وهذا هو القول الراجح - والله أعلم - وبه قال جمهور العلماء.

والتعليل: لأنَّ المالك الحقيقيَّ للثمرة هو المستأجرُ لا مالك الأرض، والزكاة حقٌّ في الزَّرع لاحق في الأرض، والزَّرْع للمستأجر.

المسألة العاشرة: هل في العسل زكاة:
المذهب: أنَّه يجب في العسل زكاةٌ:
وقالوا: بأنَّ نِصاب العسل مائةٌ وستون رطلاً عراقيًا؛ أي: ما يساوي (62) كيلو، فإذا بلغ ذلك، فإنَّه يُخرج العُشر سواء أخذ العسل من ملكه؛ أي: النحل التي في أرْضه، أو من الأرض الموات التي ليست لأحدٍ، مثل مَن يأخذه من رؤوس الجبال أو الصحاري.

واستدلوا:
1- بأحاديثَ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يثبتُ منها شيء.
2- ما ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه أمر بإخراج زكاة العسل"؛ رواه أبو عبيدة في الأموال (ص: 497).

والقول الثاني: أنَّه ليس في العسل زكاة، وبه قال جمهور العلماء، وهو الأظهر - والله أعلم.

واستدلوا:
1- بأنَّه لم يصحَّ في زكاة العسل شيء، كما نقل ذلك البخاري في "العلل الكبير"، ونقله العُقيلي "في الضعفاء" (2/309)، وقال: "إنما يصحُّ عن عمر مِن فِعله"، وكذا قال ابن حزم في "المحلى" (5/232)، وضعَّف ما ورد عن عمر أيضًا، أو أحدٍ من الصحابة، وكذا قال المناوي في "فيض القدير" (4/452)، قال: "لم يصحَّ فيه خبر"، وقال ابن مفلح في "الفروع" (2/450): "لأنَّه لم يثبت في الزَّكاة فيه خبرٌ ولا إجماع".
2- الأصل براءة الذِّمة حتى يقوم دليلٌ على وجوب الزكاة فيه، ولا دليل على ذلك.

تنبيه: يُستثنى من ذلك إذا كان العسل عُروضَ تجارة، فهذه زكاتُه زكاة عُروض التجارة، فإذا قُدِّر أنَّ شخصًا يبيع ويشتري ويُتاجر في العسل، فهذا فيه زكاةٌ، ليس لأنَّه عسلاً، ولكن لأنَّه عروض تجارة.

المسألة الحادية عشرة: الركاز:
الرِّكاز: هو ما وُجِد من مدفون الجاهلية.

وعليه فليس كلُّ مدفون يُسمَّى ركازًا، بل لا بدَّ من أن يكون من دِفن - بكسر الدال؛ أي: مدفونهم - الجاهلية؛ أي: ما قبل الإسلام، كأن تكون عليه علاماتُ الجاهلية، كالنقود التي عليها علامة أنَّها قبل الإسلام، كتاريخ أو أسماء ملوكهم، وصورهم وصلبانهم وصور أصنامهم، ونحو ذلك.

ولا يُشترط للرِّكاز نصاب يبلغه، ولا يُشترط مضيُّ الحول، وإنَّما يخرج الخمس أوَّلَ ما يحصل عليه؛ أي: ما يعادل 20%، لعدم الكُلفة في الحصول عليه.
ويدلُّ على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((وفي الرِّكاز الخُمس))؛ رواه البخاري (1499)، ومسلم (1710).

مسألة: اختلف في هذا الخُمس هل يُعتبر زكاة، أو فيئًا فيقسم كما يقسم الفيء؟ على قولين:
وهذا الخِلاف مبنيٌّ على (أل) التعريف في لفظة (الخمس) في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هل هي لبيان الحقيقة، أو للعهد؟
القول الأول: أنَّ المقصود بالخمس زكاة الرِّكاز، وعليه فـ(أل) لبيان الحقيقة، وإذا اعتبرناها زكاةً، فهي أعلى ما يجب في الأموال الزكويَّة؛ لأنَّ غيرها إمَّا رُبع أو نِصف العشر، أو العُشر كاملاً، أو ما هو دون الخمس كالشَّاة في أربعين شاة، وإذا قلْنا: إنَّها زكاةٌ فلا تؤخذ من كافر؛ لأنَّ الزكاة لا تُقبل منه كما سبق.

وأيضًا لا يُشترط فيها نِصاب - كما تقدَّم - فتؤخذ في قليلِه وكثيره، وأيضًا تشمل كل ما هو من دِفن الجاهلية.

والقول الثاني: أنَّه فيء وليس زكاة، وبه قال جمهور العلماء، وهو قول المذهب، واختاره شيخُنا ابن عثيمين في "الممتع" (6/89).

وعليه تكون (أل) للعهد الذهني؛ يعني: الخمس المعهود في قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، والمقصود به خمسُ الغنيمة الذي يكون فيئًا، والفيء هو ما يُؤخذ من الغنيمة، ويُصرَف في مصالِح المسلمين، فيُجعل في ميزانية الدولة العامَّة، وعليه فلا فرْق أن يكون واجدُه مسلمًا أو كافرًا، وهذا القول هو الأظهر - والله أعلم.

ويدلُّ على ذلك:
1- عموم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فليس فيه أنَّ الخمس زكاة.
2- ولأنَّه مالُ كافر وُجِد في الإسلام، فأشبه الغنيمة.
3- ولأنَّه يخالف المعهود في باب الزكاة، كونه ليس له نصابًا، ولا يشمل مالاً مُعيَّنًا، بل في كل مدفون الجاهلية، وكون القدرِ الواجب فيه - وهو الخمس - قدرًا عاليًا عن الأموال الزكويَّة الأخرى، وعليه فالرِّكاز يصرف في مصالح المسلمين، ولا يُشترط أن يصرف في أصناف الزَّكاة الثمانية.

من وجد ركازًا ليس عليه علامةُ الكفر أو أنَّه من الجاهلية، فحكمُه حكم اللقطة، فيردَّه لصاحبه إنْ عَرَفه، وإلاَّ يعرِّفه سنةً، فإن جاء صاحبه وإلاَّ فهو له.
وعليه فإن الركاز لا يخلو من ثلاث أحوال:
الأولى: أن يكون عليه علامةُ الجاهلية، فهذا ركاز فيه الخمس.
الثانية: أن يكون عليه علامةُ الإسلام كآيةٍ أو حديث أو أسماء لملوك المسلمين، ونحو ذلك، فهذا حُكمُه حُكم اللُّقَطة.
الثالثة: ألاَّ يكون عليه علامةٌ، فحُكمه حُكم اللقطة أيضًا.

فائدة: اختلف في المعادن هل فيها زكاة؟

المعادن: هي ما يُستخرج من الأرض من الأشياء التي تكون فيها كالذَّهب والفِضة، والرصاص والنحاس، والحديد ونحوها.

فأمَّا الذهب والفضة، فبالاتفاق أنَّ فيهما زكاة، واختلف في الباقي:
والأظهر والله أعلم: أنَّ فيها زكاة، وبه قال جمهور العلماء، بل حَكَى النوويُّ في "المجموع" (6/75) الإجماعَ على ذلك.

ويدل على ذلك:
عموم قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].

قال القرطبي: "يعني النبات، والمعادن، والرِّكاز"؛ انظر "الجامع لأحكام القرآن" (3/321).

وجمهورُ العلماء أنَّ فيه ربعَ العشر قياسًا على النقدين الذَّهب والفضة؛ لأنهما معدنان.

وبناءً على ذلك قالوا: إنَّ نصاب المعادن نصابُ الذهب أو الفضة، فإذا أخرج من المعادن كالحديد مثلاً ما يساوي نصابَ الذَّهب 85 غرامًا، أو نصاب الفِضة 595 غرامًا، ففيه زكاة، فيخرج ربع العُشر، وهو قول المذهب.

 

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "تفسير ابن كثير"، 3/341.
[2] رواه الدارقطني والبيهقي والحاكم، وقال: "إسناده صحيح".
[3] انظر: "مجموع فتاواه"، 18/58، و"الممتع"، 6/72.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كتاب الزكاة (1/8)
  • كتاب الزكاة (2/8)
  • كتاب الزكاة (4/8)
  • كتاب الزكاة (5/8)
  • كتاب الزكاة (6/8)
  • زكاة في شهر البركة
  • كتاب الزكاة (7/8)
  • الزكاة.. وجوبها وأحكامها
  • كتاب الزكاة (8/8)
  • مع الهارب من الزكاة
  • الزكاة: حكم وأحكام
  • باب: (إثم مانع الزكاة)

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الصيام من كتاب العمدة في الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي (600 هـ) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إتحاف العباد بشرح كتاب الزاد: شرح كتاب الصلاة إلى باب الأذان والإقامة من زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتابي: (الشهادات والدعاوى)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إجماعات ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) في كتاب: (الصلاة) جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب