• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / أزواج وزوجات
علامة باركود

صفحات من الذاكرة

د. صفية الودغيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2015 ميلادي - 1/3/1437 هجري

الزيارات: 9439

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صفحات من الذاكرة


لا يكفي أن تَحمل المرأة القلم لتعبِّر عن معاناة الرجل، بل عليها أن تقترب من عالمه لتَسبر أغوار أسراره المختبئة خلف ستار صمته المُطبق، وتفتح أدراج ذاكرته المثقلة بالشدائد ومصارعة المِحَن لتقرأ ما دونه على سطور حياته، لتُدرك وتُعمل النظر خارج ذاكرتها المنعَّمة بأحلام الطفولة وأشواق الترقُّب، وانتظار قدوم الفارس الذي سيزفُّها إلى موكب عُرسِها، ويفتح لها أبواب السعادة الزوجية.

 

صفحات من الذاكرة:

إنَّ للقلم صفحاتٍ تَلتفت نحوها الذاكرة، ورسائل تظل راقدةً في مهد التفكير خاملة الذكر، حتى تستبين معالمها وتختمر دلالة معانيها في الذهن، ثم يتحرَّك دبيب حروفها ومقاطع كلماتها فتخالط الروح.

 

ومن بين تلك الرسائل التي كسرت طوق الصمتِ وفكَّت عقدة اللسان: رسالة شكوى انتظمت معانيها الحيية لتبثَّ هذا القلم ما انتثر من مشاعر الأسى الموقدة في صدر حاملها، كان يلفُّها هدير من بحور معاناة هاجت في قلب رجل غيور على دينه، قد دعاه الإباء ونخوة الشهامة والرجولة إلى الإفصاح عما يخالجه من عنت ومشقة..

 

وتلك الجرأة في الحق لا توهب إلا للفرسان ممن ولجوا ميدان الكد والكدح، وتخلَّوا عن تلك الأوزار والأحمال التي تُثقل كاهل جدهم وتضعف ساعد همتهم؛ كي يستقيم حالهم على منهج الهدى والصلاح، والاقتداء بما كان عليه الصحابة الكرام والتابعين الأجلاء.

 

وتلك الجرأة في الحق هي التي جعلت صحابيًّا جليلاً كأبي سعيد الخدري رضي الله عنه يُنكِر على مروان بن الحكم لما قدَّم خطبة العيد على الصلاة وأخرج المنبر خارج المسجد؛ ففي الصحيحين عن عِياض بن عبدالله بن سعد بن أبي سرْح عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخرج يوم الفِطر والأضحى إلى المصلى فأوَّل شيء يَبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطَعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف"، قال أبو سعيد: "فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبرٌ بناه كَثيرُ بن الصلت فإذا مروان يُريد أن يَرتقيه قبل أن يُصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع، فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلتُ: ما أعلم واللهِ خيرٌ مما لا أعلم".

 

وتلك الجرأة في الحق لا تستقر إلا في القلوب المعلَّقة بالآخرة، التي تستمد مكامن قوتها من إيمانها لمواجهة الفتن وإخماد دمدمة براكينها المُضرِمَة للملذات، وتَعقد منتهى آمالها على بلوغ المراتب العليا في الخضوع والطاعة، ومحط رحالها حيث الفوز بالجنة، فلا يَعتريها الخوف ولا الشعور بالهوان؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، فالإيمان هو مِحوَر الثبات في القول والعمل، ومحور الصمود في مقاومة الأمراض والأسقام التي توهن القلوب.

 

رسالة تدعو إلى الطهارة والعفة:

إنها رسالة رجل تحرَّك لسانه بالحديث عما يتعرَّض له من فتن الاختلاط وما يتجرَّعه من كؤوس الإغراء، فيظل يتقلب بين إيمان يَقوى ويَضعُف وأهواء تتنازعه في سباق أفكار تُوقظ أشواقه الوارفة، وتميل بعواطفه ميلةً واحدة إلى لذائذ المُتَع، وتَحلو في عينه فيتوق إليها توقًا شديد المطمح، وتضرم في رأسه سعار شهوات تَحوم به حول مراتع التيه والزلل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نبَّهَنا إلى اتقاء الشبهات وصون القلوب والذود عن المحارم فقال: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المُشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشُّبهات كراعٍ يَرعى حول الحمى يوشك أن يُواقعه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا إنَّ حِمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).

 

وهذه الرسالة تكشف عن واقع أولئك الذين استعبدتْهم قداسة ما يَجدونه من لذة عابرة في وجود ضج بمطارق الاختلاط، للاعتبار والإرشاد والاهتداء لسلوك الطريق الوارية، فلا تنساق النفس خلف عاطفتها المتأججة وإحساسها الوثاب فتَغرق مع مَن غرقوا في مستنقع الأَوحال، وتسقط مع من سقطوا في بؤرة الضعة والهوان، وهذه الرسالة تكشف كذلك عن معاناة أولئك الرجال الذين ضاقوا ذرعًا في عالم مشحون بما يوتِّر الحس والأعصاب، فطلَبوا العفاف والتحرُّر من الانجراف وراء ما اسودَّ مِن الرغبات وما انتشر من الرذائل والمُغرِيات؛ تشوقًا إلى الارتواء من ينابيع العلوم والمعارف، والانكباب على بلوغ السؤدد من المدارك والمراتب، والتمتُّع بالحلال الطيب من النِّعَم المهداة، وتشوفًا إلى عيش رغد وحياة فُضلى، يكونُ فيها واجب التكليف رسالة، وحفظ الكلمة أمانة، وأداؤها إقرار بواجب الالتزام لشرف الدِّيانة، وتحلية للنفس بمحاسن الخلال ومكارم السجايا.

 

الاختيار الصعب:

إن هذه الرسالة ليست إلا مثالاً من بين مجموعة رسائل تضعنا أمام اختبار عسير، وحين تقرأ تلك السطور وتمعن النظر في فحواها ستشعر حتمًا بما شعرتُ به وهو يَحكي عما يُقاسيه من كرب شديد أمام هذا المنكر الغالب والفتنة الظاهرة لكل عين ناظِرة، والإغراء الفاضح الذي يَجذب النفس الأمارة بالسوء، حتى توشك على السقوط في مَدارك الغَواية، ولا يُلجمها إلا إغلاق الباب بالرتاج والمزلاج، والإعراض عن مخالطة الناس طلبًا للصون والعفاف.

 

ولكن كيف لها أن تُدرك هذه الغاية أو تسدَّ هذه الخلة السيئة؟!

وكيف لها أن تَرتقَ مسام الفتن المُنفتِحة على عالم ممتلئ بمختلف أشكال الإغراء، والمتلون بألوان الحياة المادية الآسرة للقلب والوجدان المسلوب الإرادة؟!

 

إن هذه الفتن الشديدة تجعلنا في حاجة إلى التفكير الملتزم فيما يحدث حولنا، حتى وإن عدمنا أسباب التغيير والإصلاح أو لم نكن له أهلاً، فالرسائل التي تصلنا في الحياة إنما هي منح تسرنا أو محن تُعلمنا وتذكرنا بغايات وجودنا، وأن كل فرد منَّا إنما هو خليفة الله على أرضه، عليه أن يذيع الخير وينهض بالمهام المنوطة به، وعليه أن يأخذ العبر والدروس من تلك القصص والحكايا في الماضي والحاضر، فلو لم يكن في هذا العالم مثل هذه الرسائل بما تَحمِله من تعدُّد وتنوع التجارب والخبرات بين الخلائق، ما كان للحياة معنى للذة العيش وعمارة الأرض وأداء واجب الاستخلاف، فوجودُ الضدِّ وضده هو الذي يولد الحاجة الدائمة إلى الاختيار ما بين الخير والشر، والحلال والحرام، والشيء الإيجابي والسلبي.

 

المرأة قطب الرحى:

وهذه الرسالة لا تختلف كثيرًا عن تلك الرسائل التي تعدُّ فيها المرأة قطب الرحى في حياة الرجل المَفتون بها، فأيَّةُ حسرة أكبر من فتنة امرأة الْتحَفَت رداء الحسنِ والجَمال، ولم تصنْه في خدره عن أعيُنِ الرِّجال الأغراب، وتدَّعي باسم الحرية ما لها من حقوق يجب أن تصان، ولكن أيَّة حرية وأية حقوق تنشدها المرأة بجسد عارٍ عن العفَّة والفضيلة؟!

 

إنَّ الحرية إذا لم يكن لها ضابط يَحميها، وقيد يحافظ على غايات وجودها، ومعالم تَهدي صاحبها إلى سلوك الطريق المستقيم، تتحوَّل إلى فوضى وجاهلية، والمرأة منذ أن سلَبَ لبَّها بريقُ الحرية انساقت مع من انساقوا خلف الشعارات المزيَّفة، وولجت حربًا سافرة في تنافُسٍ بَغيض مع الرجل، وتناست أن تلك النشوة سيعقبها الخنوع والاستعباد، وأن الحرية التي تطمَح إليها لا تلبث أن تجذبها إلى القاع وتسلخها عن وجودها الإنساني المحاط بالنور والجلال.

 

وتلك الحقوق التي تنشدها المرأة لا تؤخذ بإشاعة الباطل والفساد، ولا بهتْك ستار العفَّة والحياء، ولا بخَلعِ حجاب القيَمِ والفضائل، ولا بالإعراض عن الالتزام بالأصول والثوابت، وإلا لن تبقي في ذمَّتها ما يَدعوها لصون ما يستحقُّ أن يُصان، فحين يتحول التلذُّذ بالحرية لدى المرأة إلى سعار لا ينهد وعطش بلا رواء، فإنها تسقط في مستنقع الوحل وبؤرة الضعة والهوان، وتضيع هوية انتسابها للأمجاد، وتحيا حياة الاستعباد والاستلاب، ولا خلاص لها إلا بالرجوع إلى تطبيق أحكام الإسلام التي رفعت عنها الحيف والجور، ومنحتْها التَّشريف والتكريم الذي تستحقه، وحافظت على ما لها من حقوق وواجبات، وسنَّت المبادئ والضوابط التي تحكم علاقتها بالرجل وترقى بمستواها في السلوك والمعاملات؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

المرأة خليفة الله في الأرض وحاملة أمانة الحياة ومسؤوليتها:

لقد ظلت المرأة تتقلب بين تجاذبات تتحكم بتفكيرها ومشاعرها، وبلغَت الذروة في الإبهار وإغراء الرجل وصده عن الاهتداء وبلوغ العلياء، ففقدت بذلك مقومات شخصيتها وعظمة غاياتها، ولن ترتقي قمة المجد والافتخار إلا بما تحمله من مثُلٍ عُليا وقيم سامية، وبما تبث شريك حياتها من مشاعر السعادة الزوجية فيقبل على الطاعة والعبادة والتفوق في الحياة، ولن تسمو مكانة المرأة ويعلو شأنها إلا إذا ارتبطت بمبادئ الإسلام إيمانًا واعتقادًا، وتطبيقًا وممارسة، وتشبثت بأحكامه وسلكت الطريق الصحيح الذي يمكِّنها مِن ممارسة حقوقها وأداء واجباتها، والحفاظ على مهابتها وكرامتها واعتزازها بنفسها، وكانت سيرتها قولاً وعملاً، وسعيًا وجهادًا، وهدفًا عظيمًا، وغايةً نبيلة تروم الحق حيث كان.

 

كما على المرأة أن تتحرَّر من تلك الرؤية الغامضة لذاتها جسدًا وروحًا، وتدرك أن كيانها لا يَكتمل إلا بمشاركة الرجل في وجود يهب كلاًّ منهما حقوقًا ويلزمه بأداء الواجبات، والإذعان لما أُهِّل له بما يَنسجم مع فطرتِه وطبيعة خلقتِه، وما يَصلح له ويُوافق مكوِّنات جنسه وتركيبِه النفسي والفيسيولوجي.

 

وأن يتَّسع تفكيرها لرؤية واضحة تفتح أمامها آفاقًا رحبة، لتتحرَّك خارج البُعد الواحد المقيَّد بالتبعيَّة الجاهليَّة والتقليد لكل ما هو مُستَعار، وأن تفسح لأفكارها أن تدخل التاريخ من بابه المنفتِح على فَهمها الرشيد، ورأيها السديد، وأن تَمتلك الشعور الحسيَّ بمُحاسبة نفسها على ما يصدر عنها من قول وفعْل، وتضع أمام ناظرَيها ميزانًا لحياتها يضبط سلوكها وتصرُّفاتها، فروحها أمانة ووديعة ستردُّ إلى خالقها، وجسدها ليس حقًّا خالصًا لها ولا ملكًا مطلقًا تتصرَّف فيه كيفما تَشاء، بل هي تَحمله على قيد الالتزام بالتَّقوى مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

وهي مكلَّفة كالرجل وخليفة الله في أرضه، تُثاب إن أحسنتْ وصانت ما استأمنها الله عليه، وتُعاقَب إن أساءت أو فرَّطت في تلك الأمانة؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195].

 

وهذا التكليف يجعل المرأة تَعي غايات وجودها، وأنها لم تُخلَق عبثًا ولا سدى؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]، والإنسان يشمل الرجل والمرأة معًا في خطاب التكليف، وعلى هذا فهي حاملة لأمانة الحياة ومسؤوليتها وعليها السعي لبناء صرح شامخ وفق بناء منظَّم يقوم على التوحيد والحق والعدل، والعمل لأجل الصالح العام الذي يشمَل البيت والأُسرة، والأبناء والرجل والمرأة والمجتمع.

 

وإن رسالة المرأة هي أكبر مِن ذاك المحيط الضيِّق الذي تتحرَّك داخله كدُمية جميلة للعب والمرَح، أو كأداة مسخَّرة للرجل للتمتُّع والتهتُّك خارج العلاقة التي تربطهما بميثاق الزواج الغليظ ورباط الشرف المتين، وهي ليست جسدًا خواءً من جوهرِه الماس ودُرِّه النفيس، ولا تمثالاً للزينة وتجميل الأمكنة وملء الفراغ والتسلية، بل هي ربة الأسرة، وأم الأولاد، وعضْو أساسي في بناء المجتمع، تأمُرُ بالمعروف وتَنهى عن المنكَر، وتساهم في مختلف المجالات والأعمال النافعة والمفيدة، وتقيم قواعد الحياة الفضلى مصداقًا لقول الحق سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ [التوبة: 71].

 

وإذا ألمَّت المرأة بمسؤوليتها في رعاية البيت والأسرة وتنمية المجتمع، ستَحرص على أن تؤهِّل الرجل الذي سيمثِّل معاني القوامة الحقيقية بضوابطها الشرعية؛ تطبيقًا لواجب التكليف والولاية، والتزامًا بمعاني التدبير والحفظ والصيانة؛ قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، وستعلم أنَّ أي تقصير منها سيَنعكس على تربية أبنائها وهم لبنات الأُسرة الصالحة لبناء مجتمع صالح، وأنَّ أي انحراف داخل البيت سينتقل إلى الشارع فيفسده.

 

فالمرأة إذا سخَّرت نفسَها أداةً للغواية أنتجت لنا جيلاً فاسدًا ومجتمعًا فاسدًا، والرجل إذا انحرف أنتَجَ لنا رجلاً غير صالح للقوامة والقيادة ولا لبناء البيت والأسرة، والنُّهوض برسالته داخل المجتمع، فيَصير عالةً على نفسه وعلى من حوله.

 

وبالتالي، فالمرأة إما أن تكون سببًا لبناء الحضارة، والارتقاء بالثقافة، وإشاعة العلوم والمعارف، وتحقيق التمدُّن المطلوب والتقدم والنماء، أو تكون مِعوَل هدم لصرح الحضارة، وبناء الثقافة، وأحكام الشريعة والديانة.

 

فعلى المرأة الالتزام بالتديُّن الحق والتمسُّك بالإسلام ومبادئه، وبحقوقها في العيش الكريم وما يُمكنها من وظيفتها الحقيقية ويُناسب مؤهلاتها، ويُبوِّئها المكانة اللائقة بها؛ للنهوض برسالة التغيير والإصلاح من داخل البيت والأسرة الصغيرة أولاً قبل النهوض بها خارجه.

 

فالمرأة الصالِحة هي نواة الكتاب والمدرسة والجامعة، وهي مَن تُعدُّ أبناء هذه الأمة إعدادًا طيِّبَ الأعراق، وهي من تمهِّد لبناء مجتمع كبير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صفحات من التاريخ
  • صفحات من تاريخ الفكر البشري
  • صفحات من علم أصول الفقه لفضيلة الشيخ محمد أبي زهرة
  • صفحات من كتاب الهم (قصيدة)
  • صفحات من العز، وصور من الهوان
  • صفحات من الصراع العثماني الفرنسي
  • الأرض السليبة
  • في الذاكرة
  • أصوات في الذاكرة
  • الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير

مختارات من الشبكة

  • الأعظمية وصفحة جديدة من صفحات الطائفية في العراق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات رمضانية(مقالة - ملفات خاصة)
  • صفحات منسية من تاريخ الإسلام في روما والأملاك البابوية (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صفحات من حياة الفقيد العالم الزاهد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: ماذا لو كان بيننا اليوم؟ (11)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: وداعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (10)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: مناقب الفاروق (9)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: ليس كل البيوت تبنى على الحب (8)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: الفاروق وصلح الحديبية (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
14- ماذا أقول؟
نبيل العمراوي - المغرب 23-12-2015 05:30 AM

أسأل الله أن يجعل هذا المقال في ميزان حسناتك أستاذتي الفاضلة صفية

13- شكر وتقدير
أ .نعيم النجار - فلسطين 22-12-2015 10:29 AM

المرأة إما أن تكون سببًا لبناء الحضارة، والارتقاء بالثقافة، وإشاعة العلوم والمعارف، وتحقيق التمدُّن المطلوب والتقدم والنماء، أو تكون مِعوَل هدم لصرح الحضارة، وبناء الثقافة، وأحكام الشريعة والديانة.
كلمات تكتب بماء الذهب والله سيدتي
أشهد الله تعالى يسعدني كثيراً ما يخطه قلمكم وأعيد القراءة أكثر من مرة وأقف على كل كلمة من كلماتك د. صفية وأسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة لوجهه الكريم إن ربي ولي ذلك والقادر عليه
شكراً لكم أيها الرائعون والله خيرُ حافظاً وهو أرحم الراحمين
أخوكم / أ. نعيم بن محمد النجار

12- عفة وحشمة
أم عمر إيمان ذنيبات - الأردن 21-12-2015 05:15 PM

جزاك الله خيرا دكتوره مقال رائع جدا وكم أتمنى لو أن كل النساء تقرأه لقد قرأته ثلاث مرات
العفة والحشمة سواء للرجال أو للنساء مطلب شرعي واجتماعي يغفل عنه الكثير مما يؤدي إلى سقوطهم في الوحل وقلما نجد من ينهض من الوحل بعد الغرق فيه
نسأل الله العفو والعافية
أحسنت وبورك فيك

11- صدقتِ
عبير الدوزي - تونس 21-12-2015 07:33 AM

راقيةٌ هي رسائلِك د. صفية وثريةٌ بثمارِ النُضج والعقلانية وليس هذا بغريبٍ عنك أيَّتُها الفاضلة الطاهرة..
نحنُ في واقِعٍ مُترَّعٍ بالفِتَنِ والمُغالطات الاصطلاحية ونُعاني أزمة مفاهيم جرَّت نساءنا ورجالنا إلى الوحل إلا ما رحم ربي، فأبشَعُ الممارسات اليوم تختفي وراء الدفاع عن الإنسانية والحريات والمساواة والقيم النبيلة.
وما أحوَجَنا في هذه اللحظات العصيبة إلى الإهتِداء بنور بصائر الناضجات أمثالك، حاملات الأقلامِ سيوفًا في وجوه الأفكار الغريبة عن مرجعيتنا الإسلامية والتي بلغت حدَّ التفشِّي في أوصال مجتمعاتنا،
والتي قد حصرتيها في نقاطٍ لَطالَما فكرتُ فيها وراجَعْتُها فوجدتُها تسري فينا ونحنُ لا ننتبِه إليها، خاصةً مع انفِتاح العالَم وفرض الاختلاط، واستعمال النساء عارضات عاملات، وسكوت الرجال عن الحق ورضاهم بالخنوع والخضوع وكل ألوان الانقلاب على الأعقاب الذي نُعاصِرُه والذي يوشك أن يقتلعنا من جذورنا.
وإنَّ من مسؤولياتنا إيزاء هذا التيار الجارف أن نتمسَّك بأصولنا ما استطعنا وأن نسعى إلى تغيير ما بأنفسنا إن لم نغير غيرنا، ونضع الأولويات نصب أعيننا حتى لا نغرق، ونسعى إلى التطبيقِ العملي لما نؤمن به وتفعيله على أرض الواقع خاصةً النساء لما يحملنه من أمانة ودور بارز خطَّطهُ أناملك.. بارك الله في قلمك

10- لله أنت
نسيبة محمد - تركيا 19-12-2015 03:13 PM

سبحان الله أي كنت أيتها الكاتبة الرائعة بارك الله بك مقال قل مثيله لم نعتاد أن تنصف المرأة كما أنصفتها أنت الآن لله درك المقال جميل ورائع فوق ما تصورت المرأة مكلفة كما الرجل ان كيان خاص مستقل ولكن للأسف علموها أنها تابعة ومنقادة من قبل الرجل فلم تستطيع أن تبني وأن تعطي وعندما أخرجوها من مملكتها فسدت وأفسدت وأصبحت مجرد دمية يلهو بها من أراد جميل ما كتبت وراق الحياة بين الرجل والمرأة ليس تنافس ولا تفاضل إنما تكامل وعندما تتزين المرأة فهي العطاء وهي من تنبني كما ذكرت بارك الله بك وزادك الله علما ونفع بك الأمة سلمت وسلم نبض قلمك والله أجمل ما قرأت بوقتنا الحاضر عن المرأة لله أنت ولله درك ..

9- صفحات من الذاكرة
فاطمة أم طه - المغرب 18-12-2015 01:36 AM

كلمات معبرة وأفكار زرينة تستحق التنويه لأنها تعبر عن بعد النظر لدى أختنا الفاضلة صفية .فالمقال يسبر أغوار المجتمع ويظهر مكامن علته فهو حقا مفيد جزاك الله خيرا أختي

8- مقال رائع
عبرات توبة - الجزائر 14-12-2015 04:43 PM

بارك الله فيكِ

7- لكلٍ دوره
شريف - مصر 14-12-2015 02:19 PM

جميلٌ ما خط قلمك..

مقال أكثر من رائع..
لو عمل كلٌ في دوره وغير من نفسه لتغير حالنا كثيرا
للمرأة دور كبير انشغلت عنه بأمور أخري لا خير فيها
فهي أكبر من أن تكون سلعة تروج لسلع...
أو أن تعامل كسقط المتاع...
لو تبصر كل منا دوره وما يجب عليه فعله وواجب الوقت لديه لتغير حالنا تماما...
أسأل الله أن يردنا إلي دينه..
وأن يستعملنا لخدمته..
دام قلمك نابضا دكتورة..

6- لا أقول رفقا بالقوارير ..بل رفقا بالرجال
راندا الشعراوي - الإسكندرية - مصر 14-12-2015 02:26 AM

مقالة رائعة في غاية التنسيق والجمال
كتبت ما يعتمل في صدورنا جميعا عن فساد الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في عالمنا هذا الافتراضي الذي ظنناه خياليا لكنه فاجأني بأنه عالم من لحم ودم وبشر يتكلمون ويتفاعلون ويحبون ويكرهون ويؤثرون ويتأثرون بمشاعر وكلمات وكأنها حياة حقا واقعية لأقصى درجة إلا أننا لم نأخذ حيطتنا لها كما ينبغي ولم ننفذ فيها شرع الله وأوامره من عدم الخضوع بالقول والتزام آداب الحديث بين الرجال والنساء من وراء حجاب العفة والفضيلة ظنا منا انه خيالي لا ضرر منه فإذا هو ضرره أكبر من نفعه واثمه أعظم من فوائده ولا حول ولا قوة الا بالله .
واللائمة تقع بلا أدنى شك على المرأة فهي التي بإمكانها فتح أو غلق هذا الباب في وجه كل متربص متسلق لجدران حماها.
فتنة لم أرى مثلها وقع فيها الكثير نسأل الله أن ينجي بيوت المسلمين جميعا منها وان يردنا إلى الحق والخير والفضيلة ردا جميلا انه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل .

5- لله درّك
ربيع السملالي - المغرب 13-12-2015 11:59 PM

لله درّك أختي صفية على هذه الكلمات التي تنمّ عن بعد نظر، ونضج قلّ نظيره بين نسائنا، فلعل هذه الكلمات ومثيلاتها تكون نبراسا لكلّ امرأة تصل إليها ..وهنا يحضرني قول شيخ الأدباء علي الطنطاوي كما في كتابه مع النّاس ص 130 :

ليس في الدنيا نساء خيرًا من نسائنا ما تمسّكنَ بحجابهن، وحافظن على آدابهن، وتقيّدنَ بأخلاق العرب، وأحكام الإسلام، وأعراف ذلك المجتمع الفاضل الذي أخرج عائشة وأسماء والخنساء وخولة ورابعة ومِئات من المربيات الفضليات، والعالمات الأديبات، والأمهات الديِّنات الصيِّنات اللائي وَلدنَ أولئك الرجال، الذين كانوا فرسان الميادين، وكانوا هم فرسان المنابر، وكانوا هم أبطال الفكر، وكانوا هم ملوك المال، وكانوا سادَة الدُّنيا ، وكُنتنَّ أنتُنَّ أُمهات أولئك السَّادة.

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب