• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / أزواج وزوجات
علامة باركود

تنظيم الطلاق

تنظيم الطلاق
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/2/2013 ميلادي - 1/4/1434 هجري

الزيارات: 9915

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تنظيم الطلاق


عرف الإنسان الطلاق منذ عرف الزواج؛ فيوم كان الرجل يغتصب المرأة اغتصابًا؛ ويكرهها على معاشرته إكراهًا، كان يتخلى عنها إذا قضى منها وطرًا، وقد يطردها طردًا عنيفًا؛ لا رحمة فيه ولا رعاية بغير خطيئة اقترفتها؛ ولا إثم جنته، إلا أنه رغب عنها، ولم تعد نفسه تتبعها، ولا قلبه يهواها.


ولما ارتقى الإنسان في سلم المدنية، كان بعض الأمم يقيد الطلاق بقيود خاصة طوعًا لشرائع سماوية، أو استجابة لنصح قادة الرأي العام فيها. فكان الطلاق عند الرومان من حق الرجل والمرأة يوقعانه عن تراض منهما، واتفاق بينهما.


وكان عند اليونان من حق الرجل وحده، ولكن نظامه لم يكن من العدالة بالمكان الذي تأمن فيه المرأة ظلم الرجل وجبروته.

 

أما المصريون القدامى فقد سبقوا الأمم جميعًا إلى تحريم الطلاق تحريمًا لا هوادة فيه. وكان لنسائهم على الرجال سلطان مبين، فكانت المرأة تملي إرادتها على الرجل في كثير من الأحيان. يشهد لذلك ما حكاه الله تعالى عن امرأة فرعون إذ تقدمت إليه ألا يقتل موسى حين التقطوه من اليم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [القصص: 9].

 

وما حكاه عن امرأة العزيز التي تملي إرادتها على زوجها، وتغريه بيوسف إذ تقول: ﴿ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 25].


وتقول لنسوة المدينة قول القادرة، الواثقة بتنفيذ ما تقول، المطمئنة إلى نفوذ كلمتها: ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يوسف: 32].


وساقت الأقدار الإسكندر المقدوني إلى مصر، وأخضعتها لأحكامه، ولكنه أعجب بنظام العمران والاجتماع بها فنقل إلى بلاده ما راق منه، ومن ذلك تحريم الطلاق، وحظر تعدد النساء، ثم سرى ذلك إلى أوربا، وتغلغل فيها من ذلك الحين.


وجاءت شريعة التوراة فأباحت الطلاق إباحة تامة، وجعلته من حق الرجل دون المرأة، واعتبرت النية والعزم، وجعلت لهما شأنًا في وجوب التفريق حتى إن الرجل إذا عزم الطلاق ولم يلفظ بالقول الذي يدل عليه، وجب عليه فراق امرأته، وفي ذلك من الضيق والحرج ما يجعل النفوس لا تطمئن إليه، ولا تصبر عليه.

 

ثم جاءت شريعة الإنجيل فحرمت الطلاق، وعادت بتابعيها إلى الحال التي كانت قد سادت بمصر ثم تخطتها إلى أوربا من قبل أن تنـزل التوراة.

 

أما العرب في الجاهلية فكان للفرقة عندهم أسباب متعددة، ولكل منها حكم خاص.

 

والأسباب التي كانت تستوجب الفرقة عندهم: الظهار؛ والإيلاء، والطلاق.

 

أما الظهار فأن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي.

 

فإذا قال فقد حرمت عليه أبدًا.

 

وأما الإيلاء فأن يقسم أنه لا يقربها حينًا من الدهر؛ قد يطول وقد يقصر.

 

وأما الطلاق فهو المعروف بين الناس الآن، ولكنه في الجاهلية كان بنجوة عن العدل والنظام، والخير والبر. وكان يختلف طوعًا لحال القبائل من الرقي والانحطاط والغنى والفقر.

 

فمنهم من كان إذا طلق امرأته ثلاثًا لا يستبيح أن يراجعها أبدًا.

 

ومنهم من كان يطلقها إذا شاء، ويراجعها إذا شاء ولو طلقها ألف مرة.

 

وأكثر ما كان يدفعهم إلى ذلك الحرص على مضارة المرأة وعضلها حتى لا تتزوج؛ لأن حمية الجاهلية كانت تجعل الرجل يأنف أن تتزوج امرأته بعد طلاقها غيره.

 

جاء الإسلام وهذه الفوضى تغمر الأمم جميعًا؛ وأولو الألباب يلتمسون السبيل للخلاص منها، جاء الإسلام بنوره وهدايته، ويسره وسماحته؛ وعدله ورحمته؛ ونظامه وحكمته، فيسر على الناس بعد عسر، ووسع بعد ضيق، ونظم بعد فوضى واضطراب؛ وأذاق الناس لذة العدل وحلاوته؛ بعد ألم الظلم ومرارته.

 

ماذا صنع الإسلام؟

أبطل الظهار، وجعله منكرًا من القول وزورًا؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2].

 

فلو أن امرأ ظاهر من امرأته؛ لم يكن لظهاره هذا أثر في تحريمها عليه، إنما عليه أن يقوم بكفارة تمحو عنه إثم ذلك القول المنكر، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 3 - 4].


وفي ذلك من الرحمة بالزوجين ما يحمل على تمجيد الإسلام والإقرار بفضله والتسبيح بحمد الله عليه.


وأما الإيلاء فقد حدد له أربعة أشهر، فإن فاء الرجل إلى امرأته في أثنائها فلا إثم عليه، واعتبرت أليته (يمينه) لغوًا، وإن تربص حتى انقضت أصبحت زوجه طالقًا بائنة.


قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[1] [البقرة: 226 - 227].

 

أما الطلاق فقد نظر إليه نظرة كلها حكمة وعدل ورحمة، فأتى فيه بتشريع لا يعدله تشريع؛ تتجلى فيه الحكمة السامية، والعدل الذي لا غبن فيه، والرحمة التي لا حد لها.


رأى أن الرجل قد يخطئ الاختيار لأنه لا علم له بالغيب، فيقترن بمن لا توائمه في خلقه ودينه، وقد يخدع، وقد يغتر بخضراء الدمن، حتى إذ استحكمت العقدة، رأى ما لا يرضى، وضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ وضاقت عليه نفسه، وأصبح في أمر مريج، لا يدري طريق الخلاص منه، ولا وجه الحيلة فيه.


أي سعادة تظل زوجين فقد أحدهما عطف الآخر وحبه ومودته ورحمته؟

 

ألا يشعر كلاهما أنه في جحيم يصلى ناره، وسعير يكابد أواره؟

 

ألا يحس كلاهما أنه في سجن مظلم عميق يرسف في أغلاله وينوء بأنكاله؟

 

وهل يسكن الرجل إلى امرأة خاست بعهده وعبثت بشرفه، ونقضت الأيمان بعد توكيدها، وفرطت في أثمن جوهرة تتحلى بها النساء؟ ودنست قدس الزوجية الأسمى؟

 

أي سعادة لرجل رزئ بامرأة متلاف تنفق كل ما تجد، لا تدخر شيئًا للطوارئ، ولا تعد نصيبًا للكوارث، ولا تحسب حسابًا لنكبات الدهر، ولا لأوقات العجز عن الكسب، ولا لتربية الأولاد، وكلما زادها بعلها نصحًا زادته إسرافًا وأوسعته عنادًا، وطالبته بما لا يتسع له كسبه ولا تحتمله ثروته؟

 

أي سعادة لرجل مني بامرأة سيئة الخلق، كلما عاد من عمله مجهودًا مكدودًا، ضيق الصدر، استقبلته بوجه باسر، وجبين مغضن، وأوسعته تأنيبًا وتثريبًا، ولومًا وتقريعًا، لأنه نسي أن يأتيها ببعض مطالبها التي لا تدخل في طوق إمكانه.

 

أليس الطلاق خير ما يتقي به الرجل هذا الشر، وينجو به من هذا النكر؟

 

من أجل ذلك أباح الله الطلاق إذا دعت إليه ضرورة ملحة.

 

أباح الله الطلاق ولكن قيده بقيود ثقال تجعل الرجل لا يقدم عليه إلا إذا مست إليه حاجة شديدة ملجئة، حين لا يجد غيره علاجًا لحل مشكلة من مشاكل الحياة الزوجية.

 

بدأ بتصوير الطلاق في صورة بشعة منكرة، تشمئز منها نفس المؤمن الصادق، وتفر منها ما وسعها الفرار.

 

قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"[2].

 

فهذا القول الحكيم يجعل المؤمنين الذين يحرصون على طاعة الله ويتبعون مرضاته، ينصرفون عن الطلاق جهد استطاعتهم، ولا يأتونه ما وجدوا إلى الخلاص منه سبيلًا.


وكيف يقدمون على أمر يبغضه الله تعالى وفي وسعهم أن يتفادوه؛ وكيف يفعلون ما يبغضه الله وهم حراص على ما يرضى، سراع إلى ما يحب؟

 

ودعا إلى التحكيم قبل اعتزام الطلاق احتفاظًا بعقدة الزوجية، وإبقاء على صلة؛ أبغض الحلال إلى الله قطعها، وحرصًا على الأسرة أن يتشتت شملها، وينقض غزلها.

 

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].

 

فإذا تعذر إصلاح ذات البين، وإعادة المياه إلى مجاريها، ورد الأمور إلى نصابها، وإزالة أسباب الشقاق ونوازع البغضاء، فلا دواء أنجع من الطلاق، لينظم كلا الزوجين حياته كما يحب ويهوى، وينجو من أسباب الشقاء.


وقد اقتضت حكمة أحكم الحاكمين جل شأنه ألا يفرق بالطلاق بين المرء وزوجه أبدًا؛ إذ قد تكون الرغبة في الطلاق استجابة لنازعة غضب طائشة، فجعل الطلاق على ثلاثة أنواع:

الأول: الطلاق الرجعي، وحكمه أن الزواج يسوغ له أن يراجع امرأته ما دامت في عدتها بغير مهر؛ ولا عقد، ولو بغير رضاها.

 

الثاني: طلاق بائن صغير، وحكمه أن الزوج يسوغ له أن يراجع امرأته، ولكن بعقد ومهر جديدين، سواء أكان ذلك في أثناء العدة أم بعد انقضائها.


الثالث: طلاق بائن كبير، وحكمه أنه لا يجوز مراجعتها إلا إذا تزوجت زواجًا شرعيًا برجل آخر ثم طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها، ولا تكون المراجعة إلا بعقد ومهر جديدين.


والحكمة في هذا التدريج لا تخفى على أولي الألباب، فمن المحتمل أن يكون الباعث إلى الطلاق ثورة غضب عابرة لا تلبث أن تهدأ، فإذا سكت الغضب عن الرجل ندم على ما كان منه، فمنحه الشارع الحكيم فرصة يعيد بها زوجه إلى عصمته إن طمع في عودة المودة بينهما، ورجوع الصفاء إلى قلوبهما.

 

فإذا عاد إلى الطلاق مرة أخرى لم يجعل العودة إلى معاشرة المرأة ميسورة كأول مرة، بل شدد عليه شيئًا قليلًا ليرعوي، ويكون له فيه ذلك موعظة، فأوجب عليه ألا يعود إلا بعد أن يعقد عليها ويمهرها كأنها امرأة جديدة.

 

فإن عاد إلى الطلاق بعد الثانية كانت المراجعة أشد، والوصول إلى المرأة أعسر وأصعب، فلم يتح له أن يراجعها إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره نكاحًا شرعيًا صحيحًا لا احتيال فيه، يفضي فيه زوجها إليها وتفضي إليه، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.

 

والحر الكريم يأبى أن يعود إلى امرأة افترشها غيره، وأصاب منها سواه، وذلك ما يجعل العاقل الحازم يستمسك بحبال زوجته إن ظن أن نفسه تتبعها لو طلقها.

 

وقد أوجب الشارع الحكيم على الرجل ألا يوقع على المرأة طلاقًا من هذه الأنواع التي ذكرنا إلا إذ كانت في طهر لم يمسها فيه، حتى تكون كراهته صادقة؛ ونفوره منها مبنيًا على أساس صحيح، فإن طلقها في طمثها؛ أو طلقها في طهر مسها فيه، كان آثمًا، وكان طلاقه بدعيًا، ووجب عليه أن يراجعها - ما لم تكن الثالثة[3] ثم إن بدا له، طلقها الطلاق الشرعي الذي وصفنا.

 

روى الإمام البخاري عن عبدالله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر؛ ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"[4].

 

ولعل علة النهي عن الطلاق في أثناء الطمث، أو الطهر الذي مسها فيه التفادي من أن يطيل عليها العدة فيضارها ويؤذيها.

 

أو أن يكون نفوره منها غير صادق فيظلمها؛ وذلك أن إبان الطمث هو إبان النفرة الطبيعية من المرأة، فلا يلبث إلى ريثما تطهر حتى تعاوده الرغبة فيها.


والإنسان إذا أصاب حظه من الطعام الشهي انصرفت عنه نفسه إلى حين، ولكن يشتهيه إذا عضه الجوع، وكذلك الرجل إذا أصاب حظه من المرأة وانصرف عنها فقد يكون ذلك الانصراف موقوتًا، ولا يلبث أن يشتهيها إذا دعته إلى ذلك حاجة الجسم، وبواعث الطبيعة.

 

أما النفور الصحيح فهو الذي يلازمه حتى تطهر، فإن بقي بعد طهرها على نفوره أوقع عليها الطلاق من قبل أن يمسها ولا إثم عليه.

 

ولم يدع الشارع الحكيم وسيلة من الوسائل التي تنفر الإنسان من الطلاق إلا أخذه بها إرعاء على هذه الرابطة المقدسة أن تفصم عروتها الوثقى لأمر تافه حقير.

 

قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

ذلك إلى أنه حرم على الرجل أن يأخذ من مطلقته شيئًا مما آتاها حتى لا يجمع عليها بين نكبتين: نكبتها فيه بطلاقها، ونكبتها في صداقها.


قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20 - 21].


كما أوجب عليه أن يسكنها ويوالي النفقة عليها مادامت في عدتها، حتى تتمكن من تهيئة وسيلة صالحة من وسائل العيش تستعين بها على أمرها، بعد أن أفسد عليها بالطلاق حياة اطمأنت إليها وسكنت إلى مصيرها.


قال تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 6].


فهل وراء هذا النظام نظام تطمئن به النفس، ويسكن إليه القلب، ويعجب به الباحث في النظم والشرائع والأديان؟


ذلك النظام العجيب مفخرة من مفاخر الإسلام لا ينكرها إلا من سفه نفسه، وطبع على سمعه وقلبه ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 23 - 24].


وفقنا الله لفهم أسرار كتابه، وأخذ بأيدينا إلى مراشدنا وهدانا إلى سواء السبيل.



[1] لا دليل في الآية على بينونتها منه ولكن حددت الآية أقصى مدة للإيلاء فإذا انقضت المدة فاء إن شاء أو طلق إن عزم على ذلك، وفي صحيح البخاري إجماع اثنى عشر صحابيًا وعائشة وعثمان وأبي الدرداء رضي الله عنهم على عدم وقوع الطلاق بعد الأربعة أشهر إلا إذا طلق. (مجلة الهدي النبوي).

[2] أبو داود (2178)، وابن ماجه (2018).

[3] هذا خلاف ما ذكره شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من السلف إذ عندهم أن الطلاق في الحيض ليس بشيء لأنه ليس مما أذن الله تعالى فيه، والخلاف في هذا طويل، ومن شاء فليراجع كتب السُّنة. (مجلة الهدي النبوي).

[4] البخاري (4359)، ومسلم (1471).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطلاق في الإسلام
  • التفكك الأسري.. الطلاق.. موقف الرجل
  • خطر الطلاق وأسباب انتشاره
  • الطلاق وأحكامه وآدابه
  • حكم الطلاق
  • الطلاق السني وصوره
  • طلاق الموسوس
  • التصدي لظاهرة الطلاق
  • مسؤوليات الرجل بعد الطلاق

مختارات من الشبكة

  • أقسام الطلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام الطلاق – شروط الطلاق (PDF)(كتاب - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • الطلاق من حقوق الله تعالى وحدوده - دراسة فقهية في سورة الطلاق (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخلع بلفظ الطلاق(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حالات عدم وقوع الطلاق الإلكتروني (1)(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • يا من يريد الطلاق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من طرق إثبات الطلاق الإلكتروني: الإقرار(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • حالات عدم وقوع الطلاق الإلكتروني (2)(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • الطلاق بالكتابة(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب