الزوجان والدعوة إلى الله

الزوجان والدعوة إلى الله

"وقفات دعوية في الجانب العبادي للعلاقة الزوجية"

الوقفة الأولى: أهمية الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الناس الخير:

من أعظم العبادات التي يتعاون عليها الزوجان: الدعوة إلى الله وتبليغ الخير للناس، فهؤلاء أمهات المؤمنين قد حملن الأمانة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكم حملت لنا سيرتهن تعليم المؤمنين - رجالاً ونساءً - شرائع الدين أثناء حياته، ثم نشر هديه ورسالته بعد التحاقه بالرفيق الأعلى، فقد "كانت بيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم مدارس للتعليم، حيث كانت أمهات المؤمنين يقتدين ويؤدين العبادات، ويتخلقن بالآداب والمعاملات التي شاهدن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلق بها، فكنَ في كل ذلك الأسوة لغيرهن من النساء والرجال، حتى إننا نجد أن الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً ما كانوا يختلفون في أمر ما، فيأتون إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ليرجعوا بالجواب، فكانت نساء النبي شواهد اختارهن الله سبحانه وتعالى لمعايشة نبيه، فنقلن بشهادتهن دقائق البيت النبوي وأسراره، وهن يؤدين مهمتهن في تربية أجيال المؤمنين والمؤمنات" [1].

الوقفة الثانية: (بين التخلية والتحلية):

تأتي تزكية النفوس بالطاعات والمداومة عليها، وكراهية المعاصي والنفور منها كواحدة من الوقفات الدعوية ذات البعد التربوي، وهذا يؤكد أهمية العبادات في الإسلام، فالإيمان بالله وتحقيق العبودية له عز وجل والقيام بأنواع العبادات والطاعات المفروضة والمندوبة، والبعد عن المعاصي والمخالفات الشرعية؛ يزكي النفس البشرية، ويطهرها من الذنوب والآثام، ويسهّل عليها قبول الحق والانقياد للشرع، " ولا شيء مثل العبادات بأنواعها المختلفة يزكي النفس، ويهيئها لاكتساب الأخلاق الطيبة والتخلص من الأخلاق الرديئة"[2].

ورسالة الداعية هي: الدعوة إلى المبادرة إلى فعل الواجبات، و الإكثار من الطاعات والنوافل التي تقرب من الله تعالى، وتسمو بالروح إلى مراتب الكمال، وتكسب حب الرحمن وتأييده وحفظه، لأن "من تولى الله بالطاعة والتقوى؛ تولاه الله بالحفظ والنصرة"[3]، كما أنه بذلك يطيع أمر الله عز وجل بوقاية النفس والأهل من عذاب النار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... ﴾ الآية (التحريم: 6)، وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه"[4].

إن مداومة المسلم على أداء العبادات - فروضها ونوافلها - يعظم في نفسه أمر الإخلاص لله، والشعور بعظمته، والانقياد لأمره تعالى، كما يكسبه الطمأنينة والسكينة، فلا يستثقل شرائع الدين، أو يضيق بها صدره، بل يعيش معاني العبادة لله بمعناها الواسع، الذي يشمل جميع جوانب حياته، فيتوجه بجميع أعماله لله، بتحسين نيتها في سائر أمور معاشه، ويبتغي وجه الله في ذلك، فيصبح عابدا لله حيثما توجه، وتصبح العبادة هي صلته الدائمة الوثيقة بربه، فيعيش في معية الله تعالى، ويتقلب في رحمته وتوفيقه وإعانته، وهو أعظم ما يظفر به المسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبراً، تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة"[5]

الوقفة الثالثة: استقامة الزوجين ثمرة دعوية مهمة جداً:

إن الحرص على تحقق الاستقامة التي توصل الزوج المؤمن إلى أعلى الدرجات حيث تحفه الملائكة، وتبشره بخيري الدنيا والآخرة، واستقامة الزوجين؛ تكون بلزومهما الطريق المستقيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ (فصلت: 30)، والاستقامة هي: الثبات على قوله: ربنا الله، بحقّها وحقيقتها، والاستقامة عليها شعورا في الضمير، وسلوكا في الحياة، والصبر على تكاليفها، وهذا أمر كبير وعسير - إلا على من وفقه الله تعالى - ومن ثم استحق عند الله هذا الإنعام الكبير[6].

إن الزوجين المستقيمين على أمر الله، يكونان أبعد ما يكون عن نزغات الشياطين، التي تؤدي بهما إلى تجاوز الحدود وإلى الوقوع في الإفراط أو التفريط، فلا يتهاونان ويفتران عن القيام بما هو مطلوب منهما، ولا يميلان أو ينحرفان في أقوالهما وأفعالهما ونياتهما وسائر شئونهما، لأن حقيقة الاستقامة:" تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها: وقوعها لله، وبالله، وعلى أمر الله"[7]، والزوجان اليوم يعيشان عصراً مليئاً بالمغريات والملهيات والفتن، مما قد يلهي عن طاعة الله، ويدفع إلى مخالفة شرعه، وهذا يؤكد ضرورة الاستقامة، ولن يكون هذا إلا بمجاهدة النفس لامتثال ما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ. . ﴾ الآية (الحج:7)، والمقصود: جاهدوا أنفسكم في طاعة الله، وردّوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في رد وسوسته، والظلمة في رد ظلمهم[8].