• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل / قالوا عن الشيخ رحمه الله
علامة باركود

كلمة محبة ووفاء في سماحة الشيخ عبد الله بن عقيل رحمه الله

محمد بن مهدي العجمي الشامري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/10/2011 ميلادي - 18/11/1432 هجري

الزيارات: 15728

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم

قد كان ما خِفتُ أن يكونا
إنّا إلى اللهِ راجعونا

 

قبل دقائق وارى القبرُ سماحةَ شيخنا الوالد عبدالله بن عبدالعزيز ابن عقيل -رحمه الله وأعلى درجته-[1].

لو عَلِمَ القَبْرُ مَنْ يُواري
تاهَ على كُلِّ مَنْ يَليهِ

 

وارى القبرُ ذلك العالم الحَبْر البَحْر.

وكان البَحْرُ فوقَ الأرضِ يَمشي
فصارَ البحرُ مِنْ تَحتِ التُّرابِ

 

لا بد للفراق من يوم، وقد وقع ما كنتُ أكره التفكير فيه، ولا أقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

أكتبُ عن الشيخِ -رحمه الله- ولا أدّعي أني من قدماء طلابه، ولا أزعم أني ممن لازمه الأعوام الطويلة، لكني عشتُ في مدرسته أيامًا لا أنساها، وترك في قلبي أثرًا لا تمحوه الأيام، وإنما أكتب هذه الكلمات محبةً ووفاءً لهذا الشيخ الجليل -رحمه الله-.

 

أكتب هنا ما رأيتُ وسمعتُ من شيخنا -رحمه الله- لا أروي عن (قالوا)، ولا أحكي عن غيري شيئًا، مبتعدًا عن جرِّ نَسَبِهِ ومشايخِهِ وتلاميذِهِ ومؤلفاتِه؛ لأنها مشهورةٌ مذكورةٌ وستقرؤها في كلام غيري.

 

قسمتُ كلمتي هذه إلى خمس جُمَل:

الجملة الأولى: معرفتي بالشيخ -رحمه الله-.

الثانية: حبُّهُ للتَّعليم وبذله نفسَهُ للطُّلاب.

الثالثة: تواضعُهُ وحسنُ خُلُقه.

الرابعة: عنايته بالكتب.

الخامسة: طريقته في تدريس الفقه.

 

الجملة الأولى: معرفتي بالشيخ -رحمه الله-:

كان أول لقاء لي بالشيخ -رحمه الله- عام 1423 ، دلَّني عليه الشيخ عبدالله بن راشد الغانم -حفظه الله-، قال لي: "هذا شيخ جليل حسن الأخلاق، والناس عنه غافلون، ولا يردُّ طالبًا".

 

طلبتُ من الشيخ -رحمه الله- القراءة عليه فوافق، قرأتُ عليه قطعةً من أول "الواسطية" في أربعة مجالس، ولم أجلس في الرياض سوى يومين، فلم أعرف الشيخ في هذه الفترة حق المعرفة لقصر المدة.

 

ثم توالت زياراتي للشيخ -رحمه الله- في أوقات مختلفة متباعدة، كنتُ أعرض على الشيخ في كلِّ زيارةٍ منها الأسئلةَ والإشكالات التي تَعرِضُ لي في فقه أصحابنا الحنابلة.

 

ثم في عام 1431 عرفتُ الشيخ -رحمه الله- معرفةً وثيقة، ولازمتُهُ وقرأتُ عليه، وجملةُ مجالسي مع الشيخ من هذه الفترة حتى مرضه الذي تُوفي -رحمه الله- مائة مجلسٍ ونيِّفًا، وهي مجالس قليلة بالنظر إلى ملازمة غيري للشيخ، والحمد لله على كل حال.

 

بدأت هذه المجالس بقراءة "زاد المستقنع" للإمام موسى الحجاوي (ت:968) -رحمه الله- قراءةَ ضبطٍ وتصحيح، في 22 مجلسًا، وذلك في أيام متفرقة من سنة 1431 كان آخرها 2 شعبان 1431، وكنتُ في هذه الفترة أرحل إلى الشيخ -رحمه الله- من الكويت ورفيقي في هذه الرحلات فضيلة الشيخ الدكتور عبدالسلام بن حسين الفيلكاوي -وفقه الله-.

 

ثم بعدها حضر جماعةٌ من الإخوان وطلبوا من الشيخ أن يجتمع الطلبةُ كلُّهم على قراءة "أخصر المختصرات" للشيخ ابن بَلبان (ت:1083) -رحمه الله- فتمَّ ذلك في 5 مجالس قراءة ضبط وتعليق وكان آخرها بعد عشاء ليلة السبت 5 شعبان 1431، وكنتُ من جملة القراء في تلك المجالس.

 

ثم تتابعت الرحلات إلى الشيخ -رحمه الله- كلَّما تهيأ لي السفر فقرأتُ عليه "بداية العابد وكفاية الزاهد" للشيخ عبدالرحمن البعلي (ت:1192) -رحمه الله- وقد اقتصر مؤلفه فيه على ربع العبادات، فقرأتهُ إلا كتابي الحج والجهاد قراءةَ شرحٍ وبحثٍ كلمةً كلمةً في 21 مجلسًا.

 

ثم التحقتُ ببرنامج الماجستير في المعهد العالي للقضاء-قسم الفقه المقارن، وقد قدمتُ إلى الرياض في شهر شوال عام 1432 ونفسي تهفو لمجلس هذا العالم، وكان الشيخ -رحمه الله- في رحلة علاج، فلما رجع إلى الرياض لازمتُهُ قرابةَ شهرٍ هو الشهرُ الأخيرُ قبلَ دخول الشيخ المستشفى في مرضه الذي مات فيه، وفي ملازمتي الأخيرة للشيخ شرعتُ في قراءة "الروض المربع" لمحقق المذهب الشيخ منصور البُهُوتي (ت:1051) -رحمه الله- قراءةَ تحقيقٍ وتدقيقٍ إلى باب الغُسْل، في 24 مجلسًا كان آخرها عصر الخميس 24 محرم 1432، ثم توقف الدرس لدخول الشيخ المستشفى يوم الجمعة 25 محرم 1432 في مرضه الذي توفي فيه -رحمه الله-.

 

كانت هذه الفترة خيرَ فترةٍ قضيتُها مع الشيخ، عرفتُ فيها الشيخ معرفةً جيدةً، ووجدتُّ من الشيخ لُطفًا بي وعنايةً قربتني منه، وأحببتُ هذا الرجل كأعظم ما يحبُّ التلميذُ شيخَه، وكنتُ أقرأ على الشيخ فجرَ كلِّ يوم عدا الخميس والجمعة؛ فإن الشيخ لا يدرّس فجر هذين اليومين، بل هما خاصَّان لقراءة الشيخ القرآنَ مع أبنائه البررة -بارك الله فيهم- في المسجد، وأقرأ كذلك على الشيخ الظهر غالبًا، فإن لم أقرأ الظهر قرأتُ العصر أو المغرب.

 

فهذه 76 مجلسًا؛ يُضاف إليها الزيارات المتفرقة لطرح الإشكالات والمسائل.

 

الجملة الثانية: حبُّهُ للتَّعليم وبذلُهُ نفسَهُ للطُّلاب:

1- لا أعلم أحدًا في عصرنا يجلسُ للطلاب ست أوقات منتظمة يوميًا غير شيخنا -رحمه الله؛ الفجر، الضحى، الظهر، العصر، المغرب، العشاء، وفي كل وقت من هذه الأوقات يقرأ عليه جماعةٌ من الطلبة كلُّ طالب في كتاب، والشيخ يشرح ويجيب على الأسئلة بلا ملل ولا تبرم.

وإذا تَسامى الأكرمون إلى العُلا
نالوا مَناسِمَها ونلتَ سَنامها

 

2- لاحظتُ عليه الإرهاق والتعب في أحد الأيام، وكان الوقتُ ظهرًا، فلما وصلت النوبة في القراءة إليَّ اعتذرتُ من الشيخ إيثارًا لراحته، فأصرَّ الشيخ على أن أقرأ وردي على المعتاد، وقال:"أنتَ قدمتَ إلينا من مسافةٍ بعيدة ولا يمكن أن ترجع دون قراءة"، علمًا بأن بين سكني في الرياض (حي الفلاح) وبين منزل الشيخ (حي الهدا) 25 كيلو مترًا فقط.

 

3- كنتُ أقصد الشيخ -رحمه الله- وقت الظهر في كثير من الأحيان، لأنه وقت ينشغل فيه الناس في وظائفهم الرسمية، فأجد الطالب والطالبَيْن، وربما لا أجد أحدًا، فقلتُ للشيخ مرة: "أحسن الله إليك أخشى إني أثقلتُ عليك في هذا الوقت ؟" فقال:" لا أبدًا، بل نفرح بقدومك، ولو تيسر تعال الضحى للقراءة فأني لا أحب النوم والكسل".

 

4- ما قَصَدَ طالبٌ مجلسَ الشيخ للقراءة عليه فرجع خائبًا مهما كان مستوى الطالب، وأذكر أن طالبًا مبتدئًا كان يقرأ على الشيخ "منهج السالكين" ويلحنُ لحنًا فاحشًا، والشيخ صابرٌ مُتَحَلِّمٌ يصوِّبُهُ بلطفٍ، فيرجعُ الطالب ويقرأُ الكلمةَ نفسَها خطأً!

 

ولا أدري كيف صَبَر الشيخُ عليه؟

 

5- بعد فراغي من القراءة في أحد مجالس "زاد المستقنع" وكان الوقتُ عشاءً قال لي الشيخ: "هل قرأتَ الزاد قبل هذه المرة؟"، قلتُ: "نعم"، قال -رحمه الله-: "قراءتك طيبة وتدل على معرفةٍ لما تقرأ".

 

ثم نادى الشيخُ -رحمه الله- أمينَ مكتبته أخانا العزيز بلالا الجزائري -وفقه الله- فطلب منه شيئًا، فإذا بلالٌ يحضر "فتح الجليل" وهو ترجمةُ وثَبَتُ الشيخِ عبدِالله ابنِ عقيل -رحمه الله- فأجازني به وناولني إياه، وهذا من بذل العلم.

 

وبهذه المناسبة أقول:

من ذكاء الشيخ -رحمه الله- وحدَّةِ ذهنه أنه يعرف مستوى الطالب من أول درس، فإن كان الطالب يقرأ قراءةً صحيحةً معربةً يقفُ على رؤوس المسائل ولا يُهَذْرِمُ القراءةَ فإنَّ الشيخَ يُجلُّهُ ويَعُدُّهُ طالبَ علم.

 

وإن كانت قراءته بخلاف ذلك عَرَفَ مُستواه بحسب ما دَخَلَ عليه من النَّقص.

 

الجملة الثالثة: تواضعُهُ ولينُ جانبه:

لقد بزَّ الشيخُ الناسَ في هذا الميدان، وهذه كلمةُ إجماعٍ من طلاب الشيخ ومحبيه، وسأذكر هنا ما وقع لي؛ مع علمي بأن كلَّ طالبٍ من طلبة الشيخ له مع الشيخ مواقف وقصص في هذا المجال:

1- في إحدى مجالس قراءة "الروض المربع" فجرًا لم يكن عند الشيخ إلا أنا وطالب آخر، فانبسط الشيخ، وطال المجلس في قراءة "الروض"، فلما انتهت القراءة قال لي الشيخ: "هذا المجلس طال، لكن لعلَّ في فائدة"، فبادرتُ الشيخَ بكلمةٍ تواطأَ عليها قلبي ولساني: "أحسن الله إليك هذه المجالس تساوي الدنيا عندي"! فتبسم الشيخ، ثم قال:"أنت ما شاء الله عليك (كذا وكذا)، أنت تستفيد مني وأنا أستفيد منك".

يشعرني بأنه -رحمه الله- يستفيد مني!!

تَراهُ إذا ما جئتَهُ مُتَهلِّلا
كأنَّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائِلُهْ

 

2- في مجلسٍ من مجالس قراءة "الروض" وكان الوقتُ ظهرًا أنشدتُ الشيخَ نظمًا لي في ضبطِ طبقاتِ أصحابنا الحنابلة وهو:

طِباقُ الاصحابِ ثلاثٌ تَنْجَلي
أولهُا صَحْبُ الإمامِ الحنبلي
إلى وفاةِ الحسنِ بنِ حامدِ
أَكْرِمْ به من عابدٍ وحامدِ
وابدأْ بثانيها مِنَ الفرَّاءِ مَعْ
أبي الوفا وقِرْنهِ الذي بَرَعْ
ثم ابنُ مفلحٍ ختامُ الطَّبَقَهْ
أجادَ في "مُبدعِهِ" وحقَّقَهْ
وثالثُ الطِّباقِ نَجْمُها سَطَعْ
بصاحب الإنصاف ذو فيه جَمَعْ
والفقهاءُ كلُّهم مِنْ بعدِهِ
قد دخلوا في عَهْدِهِ وحَدِّهِ

 

الفراء: هو القاضي أبو يعلى، أبي الوفا: هو أبو الوفاء ابن عقيل تلميذ القاضي أبي يعلى، وقرنه: هو أبو الخطَّاب الكَلْوَذاني قِرْنُ ابن عقيل في التلمذة على القاضي، ذو: هي الطائية يمعنى (الذي) فيه جمع الروايات عن الإمام والأوجه عن الأصحاب.

 

فقال لي الشيخ: "جيدة، اكتبها لي". فبينا أنا أكتبها قال الشيخ: "هل اطلعتَ على نظمي لطبقات الحنابلة في الكشكول"؟ فقلتُ: "أحسن الله إليك، نعم اطلعتُ عليه"، ثم استدركتُ معتذرًا: "ولكني نظمتُها قبل طباعة الكشكول". فبادر الشيخُ قائلا: "لا، لا، لم أقصد إلا الفائدة".

 

فلما كتبتُها أخذها مني الشيخ وقرأها، ثم أعطاها الأخ بلالا ليضعها في مكانٍ مناسب.

 

3- ومن شواهد تواضعه أني في سنة 1429 أهديتُ للشيخ الطبعة الأولى من تحقيقي لكتاب "تذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة -رحمه الله- عن طريق أحد الإخوة، فما شعرتُ إلا والشيخُ يتصل بي -وكنتُ في مكة- يشكرني على الإهداء ويدعو لي.

 

ثم في أواخر شتاء سنة 1431 أهديتُ للشيخ الطبعة الثانية من الكتاب وبعدها، بنحو شهرين اتصل بي أخونا بلال الجزائري -وفقه الله- وكنتُ في الكويت، وقال لي: إن الشيخ عبدالله يريدك. فكلمني الشيخ، وبعد السلام والسؤال عن الآل والحال قال:"قرأ عليَّ جماعةٌ من الإخوان كتاب تذكرة السامع والمتكلم، وكانت بأيديهم نُسَخٌ مختلفة، وبيدي نسختُكَ، فتبيَّن بالمقابلة أن طبعتك أصح الطبعات فيما أعلم، فجزاك الله عنَّا خيرًا وبارك فيك، و وددنا أنك كنتَ حاضرًا هذه المجالس".

 

تَوَاضَعَ مِنْ مَجْدٍ لَهُمْ وَتَكرُّمٍ
وَكُلُّ عَظيمٍ لا يُحِبُّ التّعَظُّمَا

 

وأنا أعتذر إليك مما ترى من التجاوز مني في ذكرِ مواقفٍ في بعضها مدحٌ لي، وما قصدي إلا أن أبيَّنَ لك ما كان عليه الشيخ -رحمه الله- من التواضع ولين الجانب حتى مع صغار طلبته مثلي.

 

4- من تواضعه ولين جانبه -رحمه الله- حكايتُهُ بعض النوادر والطرائف إذا حصلت مناسبةٌ لذلك.

 

ومن هذا الباب حكى لنا الشيخ في فجر غُرَّةِ محرم عام 1432 أن الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- كان مدعوًّا لشرب القهوة عند بعض أهالي عنيزة، فدعاه أحد الحاضرين إلى منزله لشرب القهوة، فقال الشيخ ابن سعدي: "في السنة القادمة بإذن الله". وكان بقي يومٌ أو يومانِ على السنة الجديدة، ولم يتنبه الرجل؛ فكأنه وَجَدَ في نفسه، فنبهه الشيخُ ابن سعدي، فابتهج وابتهج الحاضرون.

 

الجملة الرابعة: عنايتُهُ بالكتب:

"لا يضيء الكتاب حتى يُظلم"، هكذا كانت كتب الشيخ -رحمه الله- ترى في أثنائها الضرب والتصحيح والحواشي.

 

أما الكتب التي يُلازم الشيخُ تدريسها؛ وهي متون المذهب المستعملة عند متأخري الحنابلة: أخصر المختصرات، دليل الطالب، زاد المستقنع، الروض المربع، هداية الراغب، فهذه الكتب لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من تصحيح أو تحشية أو ضبط مشكل.

 

وكتابة الشيخ -رحمه الله- أنواع:

1- ضبط المُشكل ضبطًا كاملا بالحركات الواضحة يحيثُ لا يَلتبس على قارئه.

 

2- تصحيح التصحيف، ومن لطيف ذلك أني توقفتُ عند ما تتابعت عليه جميع طبعات "الروض" في باب صفة الوضوء:"فإن نوى طهارةً أو وضوءًا أو أطلق.."، فراجعتُ عبارة المنتهى والإقناع والفروع والإنصاف وغيرها، فأيقنتُ أن صواب العبارة:"فإن نوى طهارةً أو وضوءًا وأطلق" بالواو بدل (أو)، فذكرتُ ذلك للشيخ -رحمه الله- فقال: ناولني نسختي من "الروض" -وهي طبعة حاشية ابن قاسم- فأخذتُها، وفتحتُ الكتاب لأناوله الشيخ، فإذا عيني تقع على العبارة في نسخة الشيخ وقد ضَرَبَ على همزة (أو) مصححًا العبارة التي استغرقت مني بحثًا ومقارنةً لأصل إلى صوابها، والتي لم تسلم طبعة من طبعات "الروض" من الخطأ فيها.

 

فناولتُ الشيخ الكتاب وقرأ عبارة "الزاد" كاملةً من أول المسألة: "والنيةُ شرطٌ لطهارة الأحداث كلها.."، مع شرحها من "الروض" إلى أن وصل لعبارتنا فقال: إثبات الهمزة خطأ طباعي.

 

3- نقل الفوائد والأنظام العلمية المناسبة لمسائل الباب، من ذلك قول الناظم:

وما الشكُّ مِنْ بَعْدِ الفراغِ مُؤثِّرًا
يُقاسُ على هذا جميعُ التَّعبدِ

 

كتبه الشيخ -رحمه الله- عند قول الفقهاء:"لا أثر للشك بعد فراغها"؛ أي: الصلاة.

 

4- ترقيم الأركان والواجبات والمستحبات والمكروهات والمحرمات والمبطلات ونحو ذلك مما فيه تعداد، ولا يخفى أن هذا يسهّل ضبط المسائل.

 

5- تقييد بلاغات قراءة الطلاب مُؤَرَّخةً عند مواقفهم في الدروس، فتجد مثلا[2] قُبالةَ "باب المسح على الخفين": (بلغ 8/3/1420) ثم تحتها (بلغ 23/5/1423) ثم تحتها (بلغ 3/2/1424)، وهكذا غيره من الأبواب.

 

والشيخ -رحمه الله- يقيّد ذلك كثيرًا وربما تركه، ورأيتُ بلاغات في كتبِ الشيخ يعود تاريخها إلى سنة 1408 وربما قبل.

 

6- التحشية باختيارات بعض المحققين، أو بفائدة لغوية، أو بفرقٍ بين مسألتين، أو ضم نظيرين، ونحوها من غُرَر الدُّرَر.

 

الجملة الخامسة: طريقته في تدريس الفقه:

إذا ذُكِرت علوم الشيخ -رحمه الله- فالفقه أبوها، وتوثيقُ طريقة الشيخ في تدريس الفقه في نظري أهمُّ ما في هذه الورقات، وأرجو أن أكون بهذه الكلمات قد ساهمتُ في حفظ هذه الطريقة لمن لم يقرأ على الشيخ من أهل زماننا أو ممن يأتي بعدنا.

 

وسأذكرها مفصلةً لمن أحبَّ أن يرسم في عقله صورة حية لهذه المجالس:

1- يبدأ الدرس بقول الشيخ: "سَمّ"، فأُسمي، وأحمدُ الله تعالى، وأُصلي على النبي وآله وصحبه، وأدعو للشيخ، ولمصنِّف الكتاب، ثم أقرأ جملة من "الروض"، إلى أن يستوقفني الشيخ بقوله: "بركة" أو "يكفي".

 

2- يستفتح الشيخ الدرس بالبسملة، ثم يقول: "الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا يا كريم، قال -رحمه الله-".

ثم يقرأ الشيخ عبارات "الروض" قراءةً فصيحةً معربةً مفسَّرةً؛ حتى إن المستمع ليفهم معنى بعض العبارات من طريقة قراءته -رحمه الله، يقرأ كل جملة يُبيِّنُ منطوقها ومفهومها، ويعتني بتصوير المسألة.

 

ومما أثار انتباهي: أن الشيخ في أثناء قراءته يستعمل أحيانًا أسلوب السؤال، كأنه يسأل والكتابُ يجيب، مثل قول صاحب "الروض":"(و) من سننه (مبالغةٌ فيهما) أي المضمضة والاستنشاق (لغير صائم) فتُكره"، فيقرؤها الشيخ هكذا: "(و) من سننه (مبالغةٌ فيهما) أي المضمضة والاستنشاق" يقول الشيخ سائلا:"مطلقًا؟" ثم يكمل القراءة: "(لغير صائم) فتُكره".

 

ولا أشك أن لهذه الطريقة أثرًا حسنًا في فهم عبارة الفقهاء التي تتسم بالدقة وكثرة المحترزات، وفي هذه الطريقة تعويدٌ للطالب على تفصيل المسائل وعدم الخلط بين صورها، وجرِّب تَقُل.

 

3- يذكر أحيانًا تقسيمات وضوابط تعين على ضبط الفقه، وكذلك الفروق بين المسائل المتشابهة، وينبه على الفروع المذكورة في غير بابها.

وينشد -تارةً- الضوابط المنظومة من قوله أو منقوله، وقد حُبِّبَ إليه الشعر والنظم.

 

4- قد يرجح الشيخ غير الرواية التي استقر عليها المذهب، ويذكر أحيانًا اختيارات المحققين، كالشيخ تقي الدين وابن القيم، وشيخيه: ابن سعدي ومحمد بن إبراهيم، بل وبعض معاصريه كابن باز وابن عثيمين -رحم الله الجميع-.

 

5- يدقق الشيخ -رحمه الله- النظر في عبارة الفقهاء، فتجده يقول:"لو عبر بكذا لكان أولى ليشمل كذا وكذا" أو "حتى لا يَرِدَ عليه كذا".

 

من ذلك: لما وصلتُ في القراءة إلى قول صاحب "الروض" في حدِّ الإنقاء في الاستجمار: "وهو أن يبقى أثرٌ لا يزيله إلا الماء"، قال الشيخ: "غريبٌ تعبيره (أن يبقى) والأولى أن يقول (ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء)" فقلتُ للشيخ: "أحسن الله إليك، ذكر الحجاوي -رحمه الله- في حاشيته على "التنقيح" نفس ما ذكرتم" فانبسط الشيخ لهذه الموافقة وأحضرتُ للشيخ الموضع من الحاشية فقرأه وسُرَّ به، فانظر حاشية التنقيح للحجاوي صفحة 46 من طبعة الشيخ الدكتور ناصر السلامة -وفقه الله-.

 

خاتمة:

هذا ما رأيتُ ووعيتُ، وليس من رأى كمن سمع، ولا أقول إن ما كتبته هنا هو كل ما رأيتُ واستفدتُ من الشيخ -رحمه الله- ولكن هذا ما تهيَّأَ قوله، ووراءَ ذلك مكنوناتٌ في القلب لا تبلغها الحروف.

وهوَّنَ ما ألقى من الوَجْدِ أنني
أُجاوره في قبره اليومَ أو غدًا

 

لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، اللهم اغفر لشيخنا وارفعه في عليين واجزه عني أعظمَ ما جزيتَ شيخًا عن تلميذه، واجمعني به في الفردوس الأعلى.



[1] نُشر أصل هذا المقال في جريدة الرأي العام الكويتية العدد (11770) بتاريخ 24 شوال 1432، الموافق 22 سبتمبر 2011، وقد أعدتُّ النظر فيه وزدتُّ فيه ونقصت وعدَّلت؛ فيكون هذا المقال ناسخًا لذاك.

[2] التواريخ المذكورة هنا افتراضية للتوضيح، وليست مطابقة لتواريخ نسخة الشيخ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لمحة عن العلامة عبدالله العقيل رحمه الله
  • شيخ الحنابلة وآخر تلاميذ العلامة السعدي الشيخ عبدالله العقيل
  • مشاهدات وذكريات مع سماحة الشيخ عبد الله العقيل رحمه الله
  • سبع وقفات في سيرة سماحة الشيخ عبد الله العقيل رحمه الله
  • صاحب السماحة الشيخ عبد الله بن عقيل
  • عبدالله بن عقيل.. من بقايا الصالحين
  • حوار مع سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز آل عقيل رحمه الله
  • العلامة شيخ الحنابلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل
  • الشيخ ابن عقيل طيب الله ثراه

مختارات من الشبكة

  • إعراب البسملة إعرابا كاملا | هل عدد كلمات البسملة 10 كلمات ؟!(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • فضل التهليل بكلمة التوحيد: الكلمة الطيبة كلمة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسيرة اللغة العربية.. كلمة التاريخ وكلمة الواقع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصة ست كلمات (ق.س.ك)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كلمة (لغة) عربية أم معربة؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جدول معاني الكلمات لبعض قصار السور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المد المنفصل (التعريف والحكم والأقسام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناهج القراء في اجتماع همزتين من كلمة أو كلمتين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب