• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

الألم بداخلنا

الألم بداخلنا
هشام محمد سعيد قربان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/3/2015 ميلادي - 10/5/1436 هجري

الزيارات: 18257

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الألم بداخلنا


حمل ثقيل لا يكاد يفارقنا، نغلبه أحيانًا، ويغلبنا أخرى، قد يضعفنا تارة، ولعله يقوِّينا تارة أخرى، ننساه، أو نتناساه، لا يرى فيه البعض إلا نقصًا وتنغيصًا ومرارة، ويرى آخرون فيه امتحانًا واصطفاءً، بل ويخبرنا بعضهم عن حلاوة مخبأة تحت تلك المرارة، إنه الألم، قرين الحياة، الذي نعرف وننكر، ومن ذا الذي لم يذُقْه ويكتوِ بناره؟!

 

عجيب هذا الألم، والأعجب تألمنا منه مع توقعه ومعرفتنا إياه، ما أدري، هل يولد معنا أم بعدنا أم قبلنا؟ هل يكبر معنا؟ أم لعله هو الذي يكبِّرنا؟

 

صرخة يستهل بها كل قادم لهذه الحياة، يا ليت شعري، أمتألم هو أم فرح؟ هل مبعثها ألم الفِراق، وخوف الغد والمجهول، أم لعلها ضحكة لم تتضح بعدُ معالمها؟ أفيها تأسيس وتقرير مبكر لحقيقة الحياة واقترانها بالألم؟

 

نكبر ساعة بعد ساعة، ويكبر معنا الألم بصوره وأصنافه وأسبابه، مَغْص مؤلم بالبطن يبكينا، الجوع والبرد، والمرض والمجهول، والوَحدة والشوق، وتخوُّفنا من غير المألوف، نبكي بسبب وبلا سبب!

 

نكبر ويكبر معنا الألم، ويكبر فهمنا له، وسرعان ما نكتشف - بألم - أن لكل لذة ورغبة حدًّا، وأننا - مهما بكَيْنا وطلبنا - لن نحصل على كل ما نشتهي ونريد.

 

نكبر، ويزيد الألم؛ إذ يُقحمنا الكبار في آلامهم وهمومهم، أب وأم يتشاجران ورضيع بينهما يسمع، ويتأثر ويفهم، وهما لا يفهمان بأنهما لا يفهمان، يرى الرضيع قسمات الحزن على وجه أمه، فيعرفه ويؤلمه، إنها ليست تلك الصورة الضاحكة المضحكة التي اطمأن إليها بالأمس، حتى صوتها الحاني تغيَّر وتكدر، وخالطته نبرة غريبة ملؤها حزن وخوف، وفي المقابل ترعبه صرخات ذكورية مجنونة، إنه ذات الصوت الذي كان بالأمس يلاعبه ويناديه بحب، ولكنه اليوم قاسٍ ومخيف، وخالٍ من معنى الحب والرحمة، حركات وضجة ثقيلة تخيفه، يحاول أن يفهمها، ظلال وأصوات وأصداء، ويد قاسية ظالمة ترتفع، يتلوها صرخة ألم وحرقة من أمه، ويحس بعدها بيديها تحضنانه لصدرها بقوة، تقول له: لا تخَفْ، أنا معك، سأحميك.

 

يستمر الصراخ، ويعلو الصوت، ويتكرر، ويحس بخليط مضطرب من المشاعر، لسان حاله قول: لا أفهم ما الذي يحدث بالتفصيل، ولكنني جازم بأنه ألم مؤلم ومخيف، ولا مفرَّ لي من أن أسجله في مقدمة ذاكرتي الغضة، وأحفِره في أعماق نفسي الوليدة، بل أظنني قد سمعت أمثاله قبل ولادتي، في بعض نبضات قلب أمي المتسارعة، وذُقْت بعض مرارته في تلك الهورمونات المرة التي كانت أحيانًا تعكر صفو مقامي في بطنها!

 

أهرب من الألم، بل أهرب من كل الدنيا وآلامها، في حضن أمي، وحبها اللامتناهي، وتتصل رُوحي برُوحها، ألقم صدرها بقوة، أشده إلي، وأرغب وأحلم أن أعود لبطنها، وأعيش كما كنت بداخلها، فهذا العالم الجديد مخيف وغير آمن.

 

أكبر ويكبر الألم، وأزداد تعلقًا بأمي، بصوتها، ورائحتها، وغنائها، وحضنها، وملمس يديها، وكل شيء فيها.

 

حينما يبلغ التعلق أَوْجَهُ وقوته، يزورني ألم جديد، يسمونه الفِطام، وفجأة أجد صدر أمي مرًّا ومخيفًا، لم لا يتركونني وشأني؟ والله إنني لم أشكُ لهم حالي، بل إنني سعيد؛ فقد كان مهربي وملاذي من الألم، يا ويحهم، من سيحميني بعده؟ وأين المفر من الألم؟

 

إنهم يقنعونني بأن طعامًا آخر هو أفضل لي وأحسن، وكيف لهم أن يعرفوا؟ إن ما أجده في صدر أمي ليس طعامًا وشرابًا فحسب، بل هو اتصال رُوح بروح، قرب وحب، حنان ودفء، أمن وتأكيد للمحبة، ثقة واحتياج من طرفين، أحتاجها وتحتاجني، فلِمَ تبعدونني عنها؟ وتبعدونها عني؟ أنا لم أشكُ لكم أو أتضجر، ومن قال لكم بأنني أريد أن أكبر، ولماذا؟ ألكي أصبح مثلكم؟ ولأذوق المزيد من آلامكم، ولِتُشركوني في شجاركم وجنونكم.

 

لا بد لك أن تكبر، ولا خيار لك في الأمر، وإذا لم أكبر مثلهم عدُّوني مريضًا ومتخلفًا عقليًّا! ونظروا إليَّ بعين الشفقة، ألم يفطنوا أنني قد كشفت حقيقة عالمهم الكبير، وذُقْت أوائل مرارته؟

 

يعيرونك بجهلك، ويفخرون بعلمهم، ألم يعرفوا أن سر سعادتي في جهلي، جهلي بعلمهم الأجوف وعالمهم الكبير، بصُراخه، وشِجاره، وجنونه، وسُعاره، وعنفه، وعناده، وقسوته، وأنانيته.

 

افعَلْ كما نفعل، واحذُ حذونا، نحن أعرف منك وأعلم، هيا قلِّد مِشيتنا، وحاكِ عُبوسنا وحزننا، وتعلم أن للعمل الجاد وقتًا، هو أغلب الوقت وجُلُّه، وأن للضحك والبراءة وقتًا، يقلُّ ويتضاءل كلما كبرت، وأن تتعلم سَمْتَ الكبار ووقارهم، الذي لا تناسبه ضحكات الصغار وسعادتهم بالأشياء البسيطة والتافهة!

 

نكبر، ويكبر الألم، ونجده يتسلل إلى حياتنا، وينغِّصها مستترًا تحت أقنعة زائفة.

 

إن في عقلي الصغير عاصفة من التساؤلات والفضول وحب التعلم، لا تهدأ، ولا تكِلُّ، ولا تمَلُّ، كحصان جموح، يتمنع على السَّرج، ويأبى اللِّجام والقيد، ويحب أن يسرح حرًّا طليقًا، ويجول في البراري والحقول، يعانق الريح، ويلثم الأزهار، ويحلق مع الأطيار.

 

والعجب أنهم - أي الكبار - يعلَمون كل هذه الأمور عن عقلي المتسائل ونفسي الوثابة، ولكنهم - مع ادعائهم العلم - لا يتوقَّفون عن إيلامي؛ فها هم يبخَلون عليَّ بأرض الله الفسيحة الواسعة، ويحبسون جسدي ورُوحي وأنفاسي في غرفة مظلمة مغلقة، هواؤها آسِن، يسمونها زورًا وبهتانًا: غرفة التعلم، ويا ليتهم سمحوا لي بالحركة بين جدرانها، بل أجبروني على لزوم كُرسي قاسٍ مثل قلوبهم.

 

واصلوا تفنُّنَهم في إيلامي، فتحكَّموا بكل كِياني، بأنفاسي وكلماتي، وهمساتي وبسماتي، وضحكاتي ونظراتي.

 

من الممنوع أن أرقب في عجب خيوط النور تتسلل من خلف ستائر النافذة، وسرعان ما يهزُّ ذراتِ كياني صوتٌ غليظ مِن شخص يسمونه المعلم: "انظر إلى اللوح، وإلا"، حتى السماء لا أراها، وإن حاولت البحث عنها في سقف الغرفة، تفاجئني عصا المعلم الغليظة، تصرخ مزمجرة: "لا تشرُدْ بفكرك، وانظُر إلى اللوح، اللوح فقط، وإلا".

 

لا أجد مهربًا من محبسي إلا الخيال وأحلام اليقظة، ولكن هيهات؛ فعين المعلم صقرٌ يرقب فريسته، ويتبعها بلا مَلَل أو كَلَل، "ما هو ناقض الوُضوء الذي ذكرته قبل دقائق؟"، سؤال مباغت ومفزع، ينتزعني من خيالاتي، يلقيه المعلمُ بصوت أشج، وهو يقف بجسده الضخم أمامي مباشرة، لعل لمعة عينيَّ فضحتا شرود ذهني، وانشغالي مع أصدقاء الخيال، تتعثر إجابتي، وتضيع كلماتي، "لقد وقعت في شر فعلك، ركز على اللوح والشرح، ولا تسرَحْ بخيالك، وإلا"، يا ليت شعري ما الذي حصل لحصان الأمس الحرِّ الطليق؟ وكيف تحول إلى جماد أو آلة لا تنطق أو تتحرك إلا بإذن؟!

 

لن أثقل عليكم بمزيد الحديث عن أنواع الألم، التي تكبر وتتنوع كلما كبرنا، فأنا واثق أن ما سبق شرحه يكفي، وبأنكم تعرفون عن الباقي أكثر مما أعرف، ولَكَمْ أغنى قليلُ التلميح عن كثير التصريح، وصدق ذاك الشاعر حين قال:

وذو الشَّوقِ القديم وإن تأسَّى
مَشُوقٌ حين يلقى العاشقينَا!

 

جفاء وصد، وفِراق وخيانة، ونكث عهدٍ ووشاية، وخيبة أمل وتبخُّر حُلم، وضيق وظلمة طريق، وشك وحيرة، ووَحدة وكآبة، وحرمان وحسرة، وصدمات مؤلمة موجعة، تقلب الموازين، وتجعل الحليم حيران، ولعلها تذكر بحال المتنبي حين قال:

عشيَّة أحفى الناس بي من جفوته
وأهدى الطَّريقين التي أتجنَّب

 

فيما سبق قدمنا تأكيدًا وتقريرًا لتلازم الحياة والألم، وصدق ربُّنا اللطيف الخبير من قبلُ ومن بعد؛ فهو أعلَمُ بمن خلق، وهو أصدق القائلين: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].

 

لكن حديثنا عن الألم لا يكمل إلا بتأملنا في الحكمة الإلهية منه، فحاشا لأمر ربنا - الرحمن الرحيم - وتدبيره أن يكون عبثًا ولعبًا، وهو أرحم بنا من أمهاتنا وأنفسنا!

 

الألم تذكيرٌ دائم ولازم بحقيقة هذه الدنيا الفانية، ولهذا جانبان؛ موجِع ومفرِح، الأول نعرفه وتحدَّثنا آنفًا عن بعض جوانبه، أما الثاني فكثيرًا ما ننساه، وهو الجانب المشرق من الألم، ففي الجهة الأخرى من الحياة الفانية الناقصة متاعٌ كامل، وفرح لا تنغيص فيه، نعيم فوق الوصف والخيال، إنها الجنة، منتهى الرغبات، وغاية الآمال، وعزاء كل متألم، وعِوَض كلِّ مغبون، فمتى ما ذكر المؤمن بالجنة خفَّ وزال حر ما يجده من ألم.

 

فيا عجبًا كيف يذكر الألم بحقيقة الدنيا، ويثير الأشواق إلى الجنة؟! فكم من محنة في ثناياها ألف منحة، وكم من العطايا في أكناف الرزايا!

 

إن الألم يوقظ رجاء المؤمن في حسن العاقبة، الذي يصبِّر صاحبه، بل لعله - بحسن التربية - يجعله يستعذب ألمه إذا تذكر جميل العاقبة، وقوَّى رجاءه فيها، حتى يصبح الألم والمنع - في حسن ظن المؤمن بالله وقدره - عطاءً وهبة، وحبًّا وتشريفًا، فإنهم يألَمون كما تألَمون، وترجون من الله ما لا يرجون!

 

الألم، كما أسلفنا القول، حمل ثقيل، نحمله معنا في كل حالنا، نخبئه عن الآخرين، ونخجل من ذكره، نتذكره ولا ننساه، وكلما خَلُقَ في أعماقنا جدَّدنا له عهودنا، لا نبوح به إلا لخاصة الخاصة، وفي هذا جانبان؛ أحدهما: صحيح، والآخر: محل نظر، فليس من الأدب مع الخالق أن نشكَّ في قدره، أو نشكوَه لمخلوق، ولكن ليس في كل حديث وبَوحٍ عن الألم شكوى وتسخُّط من قدر الله.

 

إن من أساليب تخفيف آلام بعض الأمراض ما يشار إليه بالعلاج الجماعي المساند، أو التشافي في مجموعات (Group Therapy)، ومن خلال الاجتماع بمرضى آخرين يعانون من ذات المرض، وبوح كل فرد أمام المجموعة بآلامه ومعاناته وتجرِبته مع المرض، يحس كل فرد بأنه ليس وحيدًا في معاناته وألمه، ويعين الأفرادَ الآخرين داخل المجموعة بالمساندة الوجدانية والخبرات العلمية، فمتى ما احتاج فرد للحديث عن ألمه، تواصل مع أفراد جماعته العلاجية ليلاً أو نهارًا، وتحدث مع أحدهم بلا خجل أو وجل، فكلاهما مريض، ولا يفهم المريض إلا مثيله في المرض والألم والمعاناة، وكما يذكر الأطباء فوائد عديدة ومثبتة لهذا الأسلوب العلاجي المساند لعملهم في العلاج وتخفيف الألم.

 

رأينا خلال الحديث عن أسلوب العلاج الجماعي كيف بنى الألم جسور التواصل والفهم والتعاطف بين البشر، وقربهم بدلاً من إبعادهم وتفريقهم، فحينما يتحدث أحدنا عن ألمه مع صديق حكيم، فإن هذا ينفِّس عن بعض ألمه، ويخفِّف عنه، خصوصًا إذا تحدثنا عن آلامنا لمن جرب آلامنا، أو كان قريبًا من تجرِبة مماثلة، وما أعظمها من راحة يحس بها من يبوح بألمه حين يسمع محدِّثَه يقول مواسيًا: لستَ وحدك، وأنا أعرف تجرِبتك ومعاناتك؛ فلقد عانيت من ذات المرض، وذُقْت مرارة الحرمان، وخبرت تقلُّب الناس؛ فلقد نشأت مثلك يتيم الأبوين، وأعرف مرارة اليتم! وما ألذه من عناق من صديق يواسيك قائلاً: لست وحدك؛ فلقد جربت ألمك، وأعرف تفاصيل معاناتك!

 

لكن المتأمل في الفوائد المثبتة لأسلوب العلاج في مجموعة يسائل نفسه في حيرة وألم:

لِم نخبِّئ آلامنا عن الآخرين، ونتصنع الفرح؟

لماذا تنحصر فائدة علاج الألم بالحديث عنه في مجموعة من المرضى أو مكابدي الألم؟

لماذا لا نفيد من هذا الأسلوب العلاجي في كل حياتنا؟

لماذا لا نتعلم الثقة في بعضنا البعض لنبوح بآلامنا؟

من قال بأن كل البشر أسوياء وأصحَّاء ومحصنون من الألم؟

ألا يحمل كل منا ألَمًا يخبئه في داخله؟

إلى متى يستمر تصنعنا الفرح وإخفاؤنا للألم؟

 

الألم نارٌ تبتلي معادننا، فتُذهب خبَث الكِبْر والعُجب من نفوسنا، وتنقي أصلها، ولا تبقي فيها إلا ذهبها الصافي اللامع، وما سره إلا في التواضع والتضحية، والعطاء والإيثار، والتحرر من الأنا الشاغلة الملهية، انظر إلى ألم الصوم كيف هذب روح الصائم، وجعله يحس بمعاناة الجياع والمحرومين.

 

الألم هزة توقظ النائم، وتنبه الغافل، وترشد التائه، وتدل الحيران؛ فهو رحمة من الله، نفهمها أحيانًا، ولعلنا لا نفهمها في أحايين أخرى، فكم من مرض عضال عرف صاحبه حقيقة الحياة، فبدأ يفرح بحياته في يومِه وساعته ولحظته، ولقد كان في أمسه مخدوعًا بوعود السعادة المؤجلة التي أضاع فيها سابق عمره، وكم من مصيبة أو فِراق مؤلم أيقظ صاحبه مِن وهمه، وكشف زيف بعضِ مَن حوله، فعرف به عدوه من صديقه، ولعل هذا المعنى مما أشار إليه الشاعر في قوله:

جزى اللهُ الشدائدَ عني كلَّ خير
عرفتُ بها عدوي من صديقي

 

الألم طائر ينتزعنا من أَسْر الألفة ووهم الدَّعَة، ويسافر بنا بعيدًا، وفي وقت قصير يقطع بنا مراحل عدة، ويعطينا مجموعة من الدروس مركزة في درس واحد، فيجلو بصائرنا، ويغيِّر قناعاتنا، ولَكَمْ أفَدْنا من ألم عابر خبرة ونضجًا، وحكمة تفُوق ما تعلمناه في سنين طويلة.

 

لولا نعمة الألم لما عرفنا نعمة الأمل، ولما قدرناه حق قدره، ولقد قال البعض بأن الألم يصنع الكثير من الأمل، وكلنا يعرف بأن الحياة ناقصة، ومخطئ مَن طلب السعادة فيها بجمع المزيد من حطامها، هي ناقصة، ومصيب مَن أدرك أن حلاوتها في نقصها، وتركها كما هي ناقصة، تجمع بين الألم والأمل، في ثنائية متلازمة، تحيرنا؛ فظاهرها التناقض، وحقيقتها التكامل، تلازم بين قوتين متضادتين ومتعاكستين، خلقهما الله ليديرا دولاب الحياة نحو الحقيقة والغاية العظمى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عيد الألم
  • عندما ضج الألم
  • الألم من زاوية أخرى
  • الألم
  • الألم العاطفي

مختارات من الشبكة

  • اتخذ الألم صديقا تغنم!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المزاج - الألم - التشاؤم(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • باخع..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعبد لله في محراب الألم(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • أحقا عرفت مذاق الألم (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إلى من أنهكه المرض وأتعبه الألم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل عدم الألم شرط للرضا بالله تعالى؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من بين الألم(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • الرهان في تحدي الذهان: قصة نجاح في تجاوز الألم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عاشوراء رحلة من الألم إلى الأمل (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب