• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

المجتمع المريض وطلب الشفاء

المجتمع المريض وطلب الشفاء
الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/9/2014 ميلادي - 13/11/1435 هجري

الزيارات: 8896

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المجتمع المريض وطلب الشفاء

 

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدَّر فهدى، ووعد فأوفى، وتوعَّد فعفا، له الحمد برًّا ورضًا بمقدار ما أحاط به علمه، وملك رقاب العباد أمره ونهيه، وهو سبحانه أهل الفضل والوفا.


يا أخا الإسلام:

فأكثِرْ ذكره في الأرض دأبًا    لتُذكَرَ في السماء إذا ذكَرتا

ونادِ إذا سجدت له اعترافًا    بما ناداه ذو النُّون بن متى

تفتُّ فؤادك الأيام فتَّا    وتنحِت جسمك الساعات نحتا

وتدعوك المَنون دعاء صدق   ألا يا صاح أنت أريد أنت

ولا تقُل الصِّبا فيه امتهال       وفكر كم صبي قد دفنتا

إذا ما لم يُفدك القول مني   فليتك ثم ليتك ما علمتا

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، نصب دلائل البر والمحبة بين المؤمنين، ورسم لهم طرق السلامة من الأخطار حتى يعيشوا سالمين.


وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

فإن المرض آفة مقدورة على الكائنات، ما من شيء إلا وله منه حظ ونصيب؛ فقد خلق الله تعالى الأذن ومعها الصمم، وخلق اللسان ومعه البكم، وخلق العين ومعها العمى، وخلق مع الإنسان جيوشًا جرارةً من الأمراض والأوجاع والطواعين والفيروسات المبيدة للجنس البشري، لولا أن الله تعالى جعل الآجال بيده، وعلى مقتضى علمه القديم.


وللحيوان والنبات والجماد أمراض خاصة كذلك؛ فقد يصدأ الحديد، والخشب تأكله الأرَضة؛ فالمرض سنة كونية قامت على نظام مقدور، ناتج من أسباب لا دخل للخلق فيها، وأسباب أخر من جني أيديهم.


والمجتمع المكون من أُسر وأفراد قد يصيبه المرض كما يمرض الإنسان؛ لأن هذا المجتمع يتأثر بنشاط أفراده، فيكون صحيحًا إن كانوا أصحاء، ويكون سقيمًا معلولًا إلى أسباب عافيته عندما يهاجمه المرض؛ ولهذا شبه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المجتمع كله كالجسم الواحد، فلا غرو أن يتأثر سلبًا وإيجابًا بالعلل أو العافية؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (صحيح مسلم 2586).


وإذا برأ المجتمع من العلل والأدواء الاجتماعية فإنه يكون جديرًا بحمل المسؤولية في تطبيق لوازم الشرع الشكلية والقلبية على السواء، بعزم قوي لا يلين، وإذا مرض المجتمع واستوطن المرض أوصاله ظهرت عليه علامات التوجع، وصنوف الآلام، ومن الناس من هو عاقل قد فطن لهذه المعاني، ويدرك مرماها، ويعمل جاهدًا على التوعية والإصلاح، ومنهم من أصابه العمى في قلبه، فلم يتأثَّرْ شعوره من قريب ولا بعيد، ومنهم من يعرف ثم يكتم الأمر على قاعدة: "بشِّروا"، - إلا أنه قد وضعها في غير موضعها - وعلى ضرورة الكلام في الأمور المحببة، وغير ذلك، ونسُوا قول الحكيم: "من كتم داءَه قتله".


ولا شك أن المتابع عن عمق لمعظم مجتمعات المسلمين سيجد فيها أعاجيب العلل الاجتماعية، التي لم يكن لها هذا الوجود الطاغي في سابق الأيام من المرض العضال؛ من فُرقة، وقطيعة، ونفاق، وتقليد، وانحسار صالح الأخلاق، وغيرها من الأدواء المفزعة.


والغريب في أيامنا هذه هو أن فريقًا غير قليل من الناس لا يؤرقهم ما أصاب المجتمع، ولعلهم - لشدة الانشغال بالدنيا - لا يدرون ما الخبر، وآخرون يرون أن الأمور في أكمل حالاتها، وأن الصورة مشرقة في غالب أمرها، وكثير من أهل المصالح والمنافع يعرفون، ولكنهم ساكتون.


وعلى عكس المعنى كان أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان لديهم من المشاعر الحساسة ما يقيسون به حركة المجتمع علوًّا وهبوطًا، بل كان لهم في قياس القلوب منهج ومعلم؛ فعن حنظلة بن الربيع الكاتب الأسيدي: أنه مر بأبي بكر وهو يبكي، فقال: ما لك يا حنظلة؟ قال: نافَق حنظلة يا أبا بكر، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيرًا، قال: فوالله إنا لكذلك، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما لك يا حنظلة؟))، قال: نافق حنظلة يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيرًا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة في مجالسكم، وفي طُرقكم، وعلى فُرشكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، وساعة وساعة))؛ (الألباني في صحيح الترمذي 2514 بسند صحيح)، فقد أرَّق هذا الصحابيَّ الجليل ما ألفاه في قلبه من التغير بعد الخروج من المسجد، فما بالنا لم تعد فينا هذه المزية الرائعة التي تكشف عن عمق إيمان وسلامة وجدان؟!

♦♦♦


استعراض موجز لبعض الأمراض الاجتماعية:

وفي زماننا قد تأثر المجتمع كثيرًا بعد أن تنوعت عليه أسباب العلل الوافدة والراكدة، فظهر في بعض حالاته مِثلَ الشاب السقيم البائس، الذي سلبت منه العافية كشيخ عجوز قد هده المرض وأفنته الأيام.


وكما تغير الأمراض وجوه البشر، وتترك آثارها المضنية على محياهم، فكذلك الأمراض التي تطرأ أو تقر في المجتمع لا تتركه على جماله الأول ونضارته المعهودة، بل تقطع أوصاله، وتعمر بالخراب بعض دياره، وتغير موازينه في ساحة الأخلاق، حتى يرضى منها اليوم ما كان يأباه بالأمس، وتغرقه في بحور الخنا والزنا والربا، وغيرها من آيات السخط والندم، ومن الصعب أن يعود ماء النهر السياح إلى مصبه باعتدال المجتمع بعد اعتلاله؛ لأن ذلك جد صعب في بني البشر، وهو في أمر المجتمعات أصعب، ومن ينظر نظرةً واقعيةً إلى مجتمعنا المسلم هذه الفترة يجد أنه يعاني من جملة من الأمراض، منها:

مرض الانفصام الشخصي للمجتمع:

فهذا من أشهر أدواء النفوس، ورغم أنه مرض يصيب بعض البشر فإن المجتمع يصاب به أيضًا؛ ففي المجتمع ترتفع شواهق المآذن الصادحة بالتوحيد والعلم والهدى، وفيه أيضًا بنايات مُنيفة للبنوك الربوية، وفي المجتمع أسواق للبيع الحلال، وفيه أيضًا نواد للقِمار، وفي المجتمع مطاعم للطيبات من المطعوم والمشروب، وفيها أيضًا أوكار للأطعمة المحرمة والمخدِّرات.. فكيف تجتمع الأضداد في قرن واحد؟! أليس هذا انفصامًا للمجتمع؟!


ومن الملاحظ في قلب المجتمع أن كل من أكرمه الله تعالى بإتمام شعيرة الحج أطلق عليه الناس لقب "حاج"، وزاد عدد الحجاج في ربوع الأرض بما يفيئه هذا المنصب الرفيع من علو مقام في العبادة؛ حيث إنه قد وصل تمام الأركان، وفهم مغزاها، وختام الحياة به على قافية الهدى، ومع هذا ففيهم من مصر على لزوم الخطأ الموروث منذ أزمان مع ربه ونفسه وأهله وجيرانه، فماذا أفاده الحج من استقامة حقيقية؟!


إن المجتمع يرزأ بذي الوجهين، فما بالك بمن له ألف وجه وقناع يتقنع به للناس وقت حاجته؟ قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه))؛ (متفق عليه / صحيح البخاري 7179، ومسلم 2526، عن أبي هريرة رضي الله عنه).


وفي الأفراح وعقود الزواج يردد الزوج خلف المأذون "على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، وكذلك يردد ولي العروس، ثم لا يكون على أرض الواقع حظ عملي لهذه الجملة أبدًا إلا على ساحة العقد فقط، أما بعد ذلك فليس ثمة شيء على كتاب الله، ولا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم! من اختلاط وإسراف وغلاء وغناء ماجن ومعاقرة للخمر وسموم المخدِّرات، ومع كل أسف، فإن هذه بعض تفاصيل الصورة عند أقوام كثر، ولعلها مجمل المنظر العام عند آخرين.. فما حظهم في الزواج من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس هذا انفصامًا اجتماعيًّا؟ وهذا في منظره العام يتنافى شكليًّا وجوهريًّا مع هذه الأوامر النبوية الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: ((أعلنوا بالنكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف - وفي رواية -: بالدفوف)) (العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس 1 / 162 بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها).


وعند مصيبة الموت ونزول البلوى نجد التناقض الاجتماعي، بما يفسر الحالة الإيمانية العامة لكل مجتمع؛ فمع الموت زينة سرادقات العزاء، وما يدور في فلكها من مراسيم لا تمتُّ إلى الحزن بصلة، بل هي من أسباب النشوة الاجتماعية والنفاق العام بين أفراده، وعجيب أمر الذين يذبحون الذبائح يوم الموت لعزيز من الناس على درب المباهاة، والتميز الدنيوي، حتى في أشد ساعات الحزن المنسي في ركام الخداع والانفصام الذي يعانيه المجتمع، والمشكل في الأمر أن ذلك غدَا عرفًا اجتماعيًّا يروق لكثير من أهل الغلبة الاجتماعية.. فأين رهبة الموت، ولوعة الفراق؟ وكيف هرب الحزن من الصورة العامة للمآتم المنكرة؟!

 

♦♦♦

مرض سوء الفهم للدين ومحكماته:

ومن أمراض المجتمع المربكة لتذوق معاني الإيمان: سوء الفهم العام لمقاصد الشرع الحنيف، فلا يكاد يمر يوم إلا وفيه من المغالطات البارزة في فهم مقصود الدين من معانٍ لا يدركها إلا العالِمون، والواجب: هو رد ذلك إلى أهل الاختصاص؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]، وعلامات هذا المرض بادية جدًّا على ألسنة لاغبة، بأصوات مزعجة عالية، استباحت لنفسها ولوج أبواب العلم الشرعي بدون تملك أهبته.. ألسنة ليس وراءها نضوج علمي، اللهم إلا عقولًا لم تبلغ مداها في التربية والتعمق، مما يزيد الجراح آلامًا مضاعفة.


إننا بحاجة ماسة إلى من يعيدون لفقه المقاصد سلطانه على الواقع العملي، في شأن العبادة والسلوك والأخلاق، حتى يكون هناك ضابط إيماني يتسق مع شعائر العبادة التي نؤديها؛ فالصلاة صلة بين العبد وربه، تكسب قلبه المراقبة، ونفسه الإخبات والتواضع، وبذلك ينصلح حال القلوب، وتعود إلى عافيتها وهداها.


ولو فهمنا مراد الدين في أمر الزكاة، لتطهرت بها نفس الغني من التكبر والبطر، ونفس الفقير من التمنِّي والحسد، على مقتضى قوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وكذلك لو فهمنا المقصد الإيماني من الصيام لتربَّتْ به النفوس المحرومة من الهداية، أو الكليلة من فرط الآثام، ولو فهمنا أن الحج اجتماع للكلمة، ونهضة عامة للأمة بتحريك السواكن نحو البر والخيرات، وإعادة ضبط وتقويم لعوج الأمة، وبعث جديد كل عام لرسالتها في العالمين - لصرنا بعد سنوات معدودات من المجتمع العالمي الأول.

 

♦♦♦

مرض التقليد:

ومنه صور الشباب البادية في المجتمع كرؤوس الشياطين، الذين قلدوا الشرقيين والغربيين في ملابسهم، وطريقة كلامهم وعاداتهم، فلا ترى إلا السلاسل في الرقاب، والمعاصم على الأيادي، والعلك في فمه، يحاكي الأنثى في أخص ما تميزت به من ملبس أو عادة أو طريقة مألوفة لا تنطلي إلا على النساء، ووقع كثير من شبابنا المسلم في حفرة التقليد، كأنهم في جهد حثيث لاستجلاب اللعنة الواردة في الحديث: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثينمن الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: ((أخرجوهم من بيوتكم))، قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانًا، وأخرج عمر فلانًا؛ (صحيح البخاري 5886 عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما)، وأثمر التقليد في بعض المجتمعات الراقية ماديًّا عن صور موغلة في التجافي عن التميز الإسلامي في الفكر والسلوك ونمط الحياة، فحالهم يصرح أن الغرب له السبق والحق في أن يقود الحياة في كل شأن، وطفِقت منظمات أهلية وحكومية في مجتمعات المسلمين تدعو إلى إقناع الناس بضرورة الاتباع لكل وارد من بلاد الغرب كأنه وحي طاهر ونص مقدس، وحاولوا نقل المجتمعات المسلمة إلى صور كربونية مشابهة تمامًا لحالة المجتمع الغربي بما فيه من فسوق وانحلال:

وكان كعنز السوء قامت بظلفها   إلى مدية تحت الرماد تثيرها


وعقدة الأمر أن المجتمع محكوم بمحاكاة الغير حتى وإن لم يكن مناسبًا؛ فالفقير يجعل الغني قدوته في الزواج، بما يسفر ذلك عن إرهاق وعنت لمن يرومون العفاف، وفي بناء المسكن، وغيرها من الحاجيات التي لا يمكن أن تتشابه في أيدي الخلق؛ لأنها من فيض الرزق: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾ [النحل: 71].


ومن أخطر العادات التي درج عليها كثير من الناس تسليم زمام الأمور إلى المجتمع، وإن كان مجافيًا للصواب، وكيف ذلك وقد أخبرنا ربنا سبحانه أن الكثرة العددية لا يعوَّل عليها في التصور والحكم واستلهام القدوة والمثال؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]، وقال الله تعالى: ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 89]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116].


إن نظر كثير من الناس إلى جيرانهم بعين التربص لمجرد التقليد، بغير نقد لزيوف العادات الدخيلة، وتمحيص الوارد الهاجم على البيوت والأسر والعقول - مصيبة كبرى، درج عليها الكبير، ونشأ عليها الصغير، فلا ترى من حياة الناس إلا أنهم يقلدون بعضهم البعض على جناح التتبع، شبرًا بشبر، وترى ما يطلقون عليها: "موضة" قد غدت عُرفًا متفقًا عليه ضمنيًّا بلا عقد لسان أو نطق شفاه! وقد تتعدد صور "الموضات" في الملبس والمسكن والمطعوم، بل وحتى طريقة الكلام، والمجتمع بهذه الصورة يسلِّم زمامه إلى منابع أخر غير الوحيين الطاهرين، وما يدور في فلكيهما، وتلك مجلبة للضلال؛ فقد ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم شيئين لنتضلوابعدهما: كتاب الله، وسنتي، ولن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض))؛ (محمد جار الله الصعدي في النوافح العطرة 100 بسند صحيح).


فلمن يفضي المسلم في أمر التقليد والاتباع إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمرنا الله تعالى بالقدوة والأسوة به؟ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وإذا التمس المجتمع القدوة في أي طريق أو أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ضل؛ فالزَمْ غرزه، واتبع هداه؛ فإنك على الحق المبين والصراط المستقيم.


وإن كان لا بد من التقليد، فليكن في خير الأسلاف من الصحابة الأجلاء، والعلماء النبلاء، والمجاهدين والزاهدين والعابدين والقوامين لله بالعدل ومكارم الأخلاق، وإلا فالمخالفة أولى، والتميز وقاية للمجتمع من التردي في حفرة التقليد.


♦♦♦

عدم ربط حسن التدين بحسن الأخلاق والسلوك:

ومن أمراض المجتمع المربكة لأفراده: أنك ترى كثيرًا من الناس لا يزاوج بين سلامة التدين وسلامة الأخلاق في ميدان التعامل، وهناك صرامة شديدة قائمة في التطبيق لبعض الشرائع؛ كالصلاة، وخصوصًا صلاة الفجر، ومن المسجد مباشرةً مع نفس الشخص في الأسواق تجد أنه لا يبالي أن يكذب في بيعه وشرائه، يخفي العيب، ويرفع الثمن أكثر من المطلوب، وفي عمله لا يتقي الله تعالى بتحسين أخلاقه مع المواطنين، رغم حرصه القوي على أداء صلاة الضحى وتلاوة القرآن! وهذا العابد لله بصيامه من الفرائض والنوافل كأنه قد عقد مع الصيام عقدًا بعدم الفراق، ومع هذا فهو ذاته من الذين لا يبالون بنظرات العيون إلى أين تدور شواردها، ولا يبالون كذلك بكسب المال من الحرام، ولا يجدون في ذلك عوجًا!


ومن النفاق الاجتماعي السائد تلك الأخبار الواردة عن موائد الرحمن التي ينفق عليها مرتادو الفتن من فعل الحرام؛ كفنون العهر والخلاعة والخنا نساءً وأشباه رجال، فكيف غافلوا الأيام، ومرروا أخبارهم بالقبول من الناس، والجميع يعلم أن الضدين لا يجتمعان في قرن واحد؟!


ومن الصور العامة للمجتمعات المسلمة: أن المستبدين يتحدثون عن العدل والتسامح، وأن المشهورين بالفساد يتشدقون بالنزاهة والشرف، ولديهم استعداد متبجح أن يعطوا الناس دروسًا في طهارة اليد والضمير!


والسبب في هذه الصور السلبية هو عدم ربط التدين بالأخلاق، واختصار حسن التدين في صرامة إقامة الصلاة والصيام، وتحريك اللسان بالذكر والتلاوة، مع عدم الحرص أو الانتباه إلى التعامل وحسن الأخلاق، وتلك فاقرة اجتماعية كبرى، وثلمة تحتاج إلى من يسدها.

 

♦♦♦

وكما يفزع المريض إلى الطبيب حال المرض - وهذا هو المفروض - فكذلك على المجتمع أن يستمع إلى توصيف المختصين في كل مجال، ومنهم المعلمون المخلصون وأهل المحابر؛ من كتَّاب، وخطباء، ودعاة، وعلماء، كل واحد في مجال تخصصه، وعلى قدر استيعابه ومقدرته، والمجتمع في أمس الحاجة لملاحظة ما يلي:

أولًا: المسؤولية عامة وواجبة على الجميع:

فإن شخصًا مهما أوتي من نجابة وحسن سياسة لا يستطيع أن يغير المجتمع وحده؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكره الله تعالى في معرض الخير والصفات المغيرة للواقع هو وصحابته الكرام؛ قال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، وكذلك كان نبي الله عيسى عليه السلام: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52]، وقد طلب نبي الله موسى عليه السلام أن يدعمه الله تعالى بأخيه هارون؛ قال الله تعالى عنه: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وكذلك كان لكل نبي أو مصلح مجموعة من المؤازرين والمدافعين عن مبادئه حتى تجد لها منفذًا على أرض الواقع.


وعلى هذا فمسؤولية الإصلاح واجبة على الجميع، كل بما يقدر ويفهم؛ فالعالم يقول كلمته، وأهل الاختصاص في الإصلاح قائمون على حدود الله، يمنعون الناس من الوقوع فيها، وليبدأ كل فرد بمحاولة إصلاح نفسه بعد معرفة عيوبها، بخطة متتابعة، توصله بعد ذلك إلى عيش في الدنيا حميد، ومستقر سعيد في جنات الخلود.

 

ثانيًا: تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

ومن أهم أولويات المرحلة التي نعيشها هذه الأيام ضرورة تفعيل الكلمة الطيبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحسنى، وبالتي هي أحسن، فيدعو كل واحد بمقدار ما سمع وما فهم، مصداقًا لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه))؛ (سنن الترمذي 2656 بسند حسن عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه)، وليدعُ إلى الله لنشر المعروف بالمعروف بغير شطط ولا تعنيف، وللنهي عن المنكر بغير منكر، وإلا فسكوته أولى، حتى لا يزيد الطين بِلةً، والجراح علةً.


إن المجتمع الآن جد محتاج إلى الأمر بالتقوى، والدفع بالحسنى، وفعل الصالحات، والحذر من الأوزار والخطيئات، والحمد لله على أننا أمة بلاغ وتحفيز إلى المكرمات، وتبصير بعواقب ومقارفة السيئات؛ قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، لكن يجب وضع الشيء في موضعه، بمعنى: إن واجب الأمر والنهي له أصول وقواعد هامة لا يجوز إغفالها.


إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مناط السلامة للمجتمع من العطوب، ولن يبرأ من أمراضه إلا إذا أحيينا هذه السمة العامة التي تميز مجتمعات المسلمين.


إن المخطئ مريض في نفسه، أو في إدراكه، ويحتاج إلى من يُغيثه من نفسه بالنصيحة الشفيقة، وقياده بعد ذلك إلى مراتع العافية والخير الأوفى، ولا يزال مجتمع المسلمين دومًا على فطرته وخيريته متى ما حافَظ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

وأخيرًا: دعوة ورجاء إلى أهل المحابر والمنابر، إلى أصحاب الآراء المؤثرة ومن يمثلون الأوزاع من الناس:

أنتم تملكون من طرائق التأثير ما لا يملِكه غيركم، وبطبيعة الأمر يتأثر الخلق بكم، ويقلدون مساعيكم، وينشرون أفكاركم، وينقادون طوعًا لكم، فلا تغفلوا عن إشاعة الخير، ودفن الضر، وأخذ الجماهير معكم إلى فراديس صحة النفوس، وسلامة المقاصد، ولا تهملوا زكاة مواهبكم الجسام، الممنوحة من واهب الخيرات والنعم، أنتم حراس الفضائل، فإذا غفلتم عنها استيقظ لصوصها، وأشاعوا بضاعتهم القذرة بدلًا منها، ومن ثم يغرق المجتمع من جديد في بحور الأمراض الفتاكة، التي تغتال منه ما تبقى من كنوز البر والمكرمات.


فحتى لا يزيد الفتق على الراتق، وحتى لا تظهر عوارض الأمراض الاجتماعية بصور متكاثرة، فقد كفانا ما دهانا، أستمنح لكم من الله تعالى مزيد الهمة والتوفيق حتى تشرق الأرض بنور ربها.


ونسأل الله تعالى أن يشفي مجتمعاتنا من أمراضها، ويرزقنا وافر العافية، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحيانا، ويجعله الوارث منا.


إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله في بدء وفي ختم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأدب الإباحي وهدم قيم المجتمع
  • تحقيق الإسلام لأمن المجتمع
  • وسائل الإعلام ودورها في تدمير المجتمع
  • فيه شفاء للمؤمنين
  • دعاء الشفاء
  • المجتمع المتأخر
  • إكراه المريض على الأكل والشرب

مختارات من الشبكة

  • جنوب إفريقيا: المجتمع الإسلامي يدعم تحسين أوضاع المجتمع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الأزمة بين المجتمع المسلم والمجتمع الغربي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حفظ الأمن المجتمعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الخصوصية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الإسلام والنبي والمجتمع المدني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحفاظ على الأسرة في زمن الحظر(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المجتمع الإسلامي الحي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مشكلات وتحديات سلوكية في حياة المراهق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التفكك الأسري أسبابه وعلاجه(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • المرأة المسلمة كل المجتمع(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب