• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (2)

أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (2)
فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2014 ميلادي - 14/6/1435 هجري

الزيارات: 6207

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (2)


الإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين، وهو ثمرة العقل، ومنتهى الحكمة، والمجاهدةُ بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة، والمجاهدةُ بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحدِّ الاعتدال؛ فقد وصف الله - تعالى - الصحابة، فقال: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]؛ إشارة إلى أن للشدة موضعًا وللرحمة موضعًا، فليس الكمال في الشدة بكل حال، ولا في الرحمة بكل حال، فهذا بيان معنى الخَلْق وحسنه وقبحه، وبيان أركانه وثمراته وفروعه.

 

اعلم أن بعض مَن غلبت البطالةُ عليه استثقل المجاهدةَ والرياضة، والاشتغال بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق، فلم تسمحْ نفسه بأن يكون ذلك؛ لقصوره ونقصه وخُبث دخلته، فزعم أن الأخلاق لا يُتصوَّر تغييرها، فإن الطباع لا تتغير.

 

واستدلَّ فيه بأمرين:

أحدهما: أن الخُلُق هو صورة الباطن، كما أن الخَلْق هو صورة الظاهر؛ فالخِلقة الظاهرة لا يقدر على تغييرها، فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلاً، ولا الطويل يقدر أن يجعل نفسه قصيرًا، ولا القبيح يقدر على تحسين صورته، فكذلك القبح الباطن يجري هذا المجرى.

 

والثاني: أنهم قالوا: حسن الخُلُق يقمع الشهوة والغضب، وقد جرَّبنا ذلك بطول المجاهدة، وعَرَفنا أن ذلك مِن مقتضى المزاج والطبع، فإنه قطُّ لا ينقطعُ عن الآدمي، فاشتغاله به تضييع زمان بغير فائدة، فإن المطلوب هو قطعُ التفاتِ القلب إلى الحظوظ العاجلة، وذلك محالٌ وجوده.

 

فكذلك الغضب والشهوة، لو أردنا قمعَهما وقهرَهما بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر، لم نقدر عليه أصلاً، ولو أردنا سلاستَهما وقودَهما بالرياضة والمجاهدة، قدرنا عليه، وقد أُمِرنا بذلك، وصار ذلك سبب نجاتنا ووصولنا إلى الله - تعالى.

 

وأما الخيال الآخر الذي استدلوا به، وهو قولهم: إن الآدمي ما دام حيًّا، فلا تنقطع عنه الشهوة والغضب وحب الدنيا وسائر هذه الأخلاق - فهذا غلطٌ وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمعُ هذه الصفات بالكلية ومحوها وهيهات! فإن الشهوة خلقت لفائدة، وهي ضرورية في الجِبلَّة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لانقطع النَّسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك، ومهما بقي أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة، حتى يحمله ذلك على إمساك المال، وليس المطلوبُ إماطة ذلك بالكلية، بل المطلوب ردُّها إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، والمطلوب في صفة الغضب حسن الحمية، وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعًا، وبالجملة أن يكون في نفسه قويًّا، ومع قوته منقادًا للعقل؛ ولذلك قال الله - تعالى -: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وصَفهم بالشِّدة، وإنما تَصدُر الشدة عن الغضب، ولو بطل الغضب لبطل الجهاد.

 

قد عَرَفت أن حسن الخُلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة، وإلى اعتدال قوة الغضب والشهوة، وكونها للعقل مطيعة، وللشرع أيضًا، وهذا الاعتدال يحصل على وجهين:

أحدهما: بجُود إلهي، وكمال فطري؛ بحيث يُخلَق الإنسان ويولد كاملَ العقل، حَسَنَ الخلق، قد كُفِيَ سلطانَ الشهوة والغضب، بل خُلقتا معتدلتينِ منقادتين للعقل والشرع، فيصير عالمًا بغير تعليم، ومؤدَّبًا بغير تأديب؛ كعيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا - عليهما السلام - وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين.

 

ولا يبعد أن يكون في الطبع والفطرة ما قد ينال بالاكتساب، فرُبَّ صبي خُلق صادقَ اللهجة سخيًّا جريًّا، وربما يُخلَق بخلافِه، فيحصل ذلك فيه بالاعتياد ومخالطة المتخلِّقين بهذه الأخلاق، وربما يحصل بالتعلم.

 

والوجه الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة؛ وأعني به: حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، فمَن أراد مثلاً أن يحصل لنفسه خُلق الجُود، فطريقه أن يتكلَّف تعاطي فعل الجواد، وهو بذل المال، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفًا مجاهدًا نفسه فيه، حتى يصير ذلك طبعًا له ويتيسر عليه، فيصير به جوادًا، وكذا مَن أراد أن يحصل لنفسه خُلق التواضع، وقد غلب عليه الكِبْر؛ فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدَّة مديدة، وهو فيها مجاهد نفسه، ومتكلف إلى أن يصير ذلك خُلقًا له وطبعًا، فيتيسر عليه.

 

وجميع الأخلاق المحمودة شرعًا تحصل بهذا الطريق، وغايته أن يصير الفعل الصادر منه لذيذًا، فالسخي هو الذي يستلذُّ بذلَ المال الذي يبذلُه، دون الذي يبذله عن كراهة، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع، ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعوَّد النفس جميع العادات الحسنة، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليه مواظبةَ مَن يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وجُعِلت قرَّة عيني في الصلاة))، ومهما كانت العبادات وترك المحظورات مع كراهة واستثقال، فهو النقصان، ولا ينال كمال السعادة به.

 

نعم المواظبة عليه بالمجاهدة خير، ولكن بالإضافة إلى تركها، لا بالإضافة إلى فعلها عن طوع؛ ولذلك قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اعبُدِ الله في الرضا، فإن لم تستطِعْ، ففي الصبرِ على ما تكره خيرٌ كثيرٌ))، ثم لا يكن في نَيْل السعادة الموعودة على حسن الخلق استلذاذ الطاعة واستكراه المعصية، في زمان دون زمان، بل ينبغي أن يكون ذلك على الدوام وفي جملة العمر.

 

وكلما كان العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ وأكمل؛ ولذلك لما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن السعادة، فقال: ((طول العمر في طاعة الله تعالى))، ولذلك كَرِه الأنبياء والأولياء الموتَ، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، وكلما كانت العبادات أكثر بطول العمر، كان الثواب أجزل، والنفس أزكى وأطهر، والأخلاق أقوى وأرسخ، وإنما مقصود العبادات تأثيرها في القلب، وإنما يتأكَّد تأثيرها بكثرة المواظبة على العبادات.

 

وغاية هذه الأخلاق أن ينقطع عن النفس حب الدنيا، ويرسخ فيها حب الله - تعالى - فلا يكون شيء أحب إليه من لقاء الله - تعالى عز وجل - فلا يستعمل جميع ماله إلا على الوجه الذي يوصله إليه، وغضبه وشهوته من المسخَّرات له، فلا يستعملهما إلا على الوجه الذي يوصله إلى الله - تعالى - وذلك بأن يكون موزونًا بميزان الشرع والعقل، ثم يكون بعد ذلك فرحًا به مستلذًّا له، ولا ينبغي أن يستبعد مصير الصلاة إلى حد تصير هي قرة العين، ومصير العبادات لذيذة؛ فإن العادة تقتضي في النفس عجائب أغرب من ذلك؛ فإنَّا قد نرى الملوك والمنعَّمين في أحزان دائمة، ونرى المُقامِر قد يغلب عليه من الفرح واللذة بقِمارِه وما هو فيه ما يستثقل معه فرح الناس بغير قمار، مع أن القمار ربما سلَبه ماله، وخرب بيته، وتركه مفلسًا، ومع ذلك فهو يحبه ويلتذ به، وذلك لطول إِلْفِه له وصرف نفسه إليه مدة.

 

وكذلك اللاعب بالحَمَام قد يقف طول النهار في حر الشمس قائمًا على رجليه، وهو لا يحس بألمها؛ لفرحه بالطيور وحركاتها وطيرانها، وتحليقها في جو السماء، بل نرى الفاجر العيَّار يفتخر بنفسه وبقوته في الصبر على ذلك، حتى يرى ذلك فخرًا لنفسه، ويقطع الواحد منهم إرْبًا إرْبًا على أن يقر بما تعاطاه أو تعاطاه غيره، فيُصِر على الإنكار ولا يبالي بالعقوبات؛ فرحًا بما يعتقده كمالاً وشجاعة ورجولية، فقد صارت أحوالها مع ما فيها من النكال قرة عينه، وسبب افتخاره، بل لا حال أخس وأقبح من حال المخنث في تشبُّهه بالإناث في نتف الشعر ووشم الوجه ومخالطة النساء، فترى المخنث في فرح بحاله وافتخار بكمال في تخنثه يتباهى به مع المخنثين، حتى يجري بين الحجَّامين والكناسين التفاخر والمباهاة؛ كما يجري بين الملوك والعلماء.

 

فكل ذلك نتيجة العادة والمواظبة على نمط واحد على الدوام مدة مديدة، ومشاهدة ذلك في المخالطين والمعارف، فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح، فكيف لا تستلذ الحق لو رُدَّت إليه مدة، والتزمت المواظبة عليه؟!

 

بل ميل النفس إلى هذه الأمور الشنيعة خارج عن الطبع، يضاهي الميل إلى أكل الطين؛ فقد يغلب على بعض الناس ذلك بالعادة، فأما ميله إلى الحكمة وحب الله - تعالى - ومعرفته وعبادته، فهو كالميل إلى الطعام والشراب، فإنه مقتضى طبع القلب، فإنه أمر رباني، وميله إلى مقتضيات الشهوة غريبٌ من ذاته، وعارض على طبعه، وإنما غذاء القلب الحكمةُ والمعرفة، وحب الله - عز وجل - ولكن انصرَف عن مقتضى طبعه لِمَرض قد حلَّ به، كما قد يحل المرض بالمعدة، فلا تشتهي الطعام والشراب، وهما سببان لحياتها، فكل قلب مال إلى حب شيء سوى الله - تعالى - فلا ينفك عن مرض بقدر ميله، إلا إذا كان أحب ذلك الشيء لكونه معينًا له على حب الله - تعالى - وعلى دينه، فعند ذلك لا يدل على ذلك المرض.

 

وكما أن لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة، والصبر لمداواة مرض القلب، بل أولى؛ فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب - والعياذ بالله - مرضٌ يدوم بعد الموت أبد الآباد.

 

وكما أن كل مبرد لا يصلح لعلَّةٍ سببها الحرارة إلا إذا كانت على حد مخصوص - ويختلف ذلك بالشدة والضعف، والدوام وعدمه، بالكثرة والقلة، ولا بدَّ له من معيار يعرف به مقدار النافع منه، فإنه إن لم يحفظ معياره زاد الفساد - فكذلك النقائض التي تعالج بها الأخلاق لا بد لها من معيار، وكما أن معيار الدواء مأخوذ من معيار العلة، حتى إن الطبيب لا يعالج ما لم يعرف أن العلة من حرارة أو برودة، فإن كانت من حرارة فيعرف درجتها: أهي ضعيفة أم قوية؟ فإذا عَرَف ذلك التفت إلى أحوال البدن وأحوال الزمان، وصناعة المريض، وسنِّه، وسائر أحواله، ثم يعالج بحسبها.

 

قال بعض الحكماء: مَن استولتْ عليه النفس صار أسيرًا في حبِّ شهواتها، محصورًا في سجن هواها، مقهورًا مغلولاً، زمامه في يدها، تجره حيث شاءت، فتمنع قلبه من الفوائد.

 

وقال جعفر بن حميد: أجمعت العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك النعيم.

 

وقال أبو يحيى الورَّاق: مَن أرضى الجوارح بالشهوات، فقد غرس في قلبه شجر الندامات.

 

وقال وهيب بن الورد: ما زاد على الخبز، فهو شهوة، وقال أيضًا: مَن أحب شهوات الدنيا فليتهيأ للذلِّ.

 

وقال الجنيد: أرِقتُ ليلة، فقمتُ إلى وِرْدي فلم أجد الحلاوة التي كنت أجدها، فأردت أن أنام فلم أقدر، فجلست فلم أُطِق الجلوس، فخرجت فإذا رجل ملتفٌّ في عباءة مطروح على الطريق، فلما أحس بي قال: يا أبا القاسم، إليَّ الساعة، فقلت: يا سيدي، من غير موعد؟ قال: بلى سألت الله - عز وجل - أن يحرك إليَّ قلبك، فقلت: قد فعل، فما حاجتك؟ قال: فمتى يصير داء النفس دواءها؟ فقلت: إذا خالفت النفس هواها، فأقبل على نفسه، فقال: اسمعي فقد أجبتك بهذا سبع مرات، فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيد، ها قد سمعتِه، ثم انصرف وما عرفته.

 

وقال يزيد الرقاشي: إليكم عني الماء البارد في الدنيا، لعلي لا أُحرَمه في الآخرة.

 

وقال رجل لعمر بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى -: متى أتكلَّم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت، قال: متى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام.

 

وقال علي - رضي الله عنه -: مَن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات في الدنيا.

 

وكان مالكُ بن دينار يطوفُ، فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري، فوالله ما أمنعك إلا من كرامتِك عليَّ.

 

اعلم أن كل إنسان جاهل بعيوب نفسه، فإذا جاهد نفسَه أدنى مجاهدة - حتى تَرَك فواحشَ المعاصي - ربما يظن بنفسه أنه هذَّب نفسه، وحسَّن خلقه، واستغنَى عن المجاهدة، فلا بد من إيضاح علامة حسن الخلق، فإن حسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النفاق.

 

ويحكى أن إبراهيم بن أدهم خرج يومًا إلى بعض البراري، فاستقبله رجل جندي، فقال: أنت عبد؟ قال: نعم، فقال له: أين العمران؟ فأشار إلى المقبرة، فقال الجندي: إنما أردت العمران؟ فقال: هو المقبرة، فغاظه ذلك، فضرب رأسه بالسوط فشجه وردَّه إلى البلد، فاستقبله أصحابه، فقالوا ما الخبر؟ فأخبرهم الجندي ما قال له، فقالوا: هذا إبراهيم بن أدهم! فنزل الجندي عن فرسه وقبَّل يديه ورجليه، وجعل يعتذر إليه، فقيل بعد ذلك له: لم قلتَ له أنا عبد؟ فقال: إنه لم يسألني: عبدُ مَن أنت؟ بل قال: أنت عبد؟ فقلت: نعم، لأني عبد الله، فلما ضرب رأسي سألتُ الله له الجنة، قيل: كيف، وقد ظلمك؟ فقال: علمت أنني أؤجر على ما نالني منه، فلم أُرِدْ أن يكون نصيبي منه الخير، ونصيبه مني الشر.

 

وقيل للأحنف بن قيس: ممَّن تعلمتَ الحِلم؟ فقال: من قيس بن عاصم، قيل: ما وبلغ من حلمه؟ قال: بينما هو جالس في داره؛ إذ أتتْه جارية له بسفُّود، عليه شواء، فسقط من يدِها فوقع على ابن له صغير فمات، فدُهشت الجارية، فقال لها: لا روعَ عليك، أنت حرَّة لوجه الله تعالى.

 

وقيل: إن أُوَيسًا القرنيَّ كان إذا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة، فكان يقول لهم: يا إخوتاه، إن كان ولا بد فارموني بالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني عن الصلاة.

 

وشتم رجلٌ الأحنف بن قيس، وهو لا يجيبه، وكان يتبعه، فلما قرب من الحي وقف، وقال: إن كان قد بقي في نفسك شيء فقُلْهُ؛ كيلا يسمعَك بعض سفهاء الحي فيؤذوك.

 

وكان ليحيى بن زياد الحارثي غلام سوءٍ، فقيل له: لِمَ تُمسكُه؟ فقال: لأتعلم الحِلْم عليه.

 

فهذه نفوس قد ذلِّلت بالرياضة؛ فاعتدلت أخلاقُها، ونقِّيت من الغش والغل والحقد بواطنُها؛ فأثمرت الرضا بكل ما قدَّره الله - تعالى - وهو منتهى حسن الخلق، فإن مَن يكره فعل الله - تعالى - ولا يرضى به، فهو غاية سوء خلقه، فهؤلاء ظهرت العلامات على ظواهرهم كما ذكرناه، فمَن لم يصادف من نفسه هذه العلامات، فلا ينبغي أن يغترَّ بنفسه فيظن بها حسن الخُلق، بل ينبغي أن يشتغل بالرياضة والمجاهدة إلى أن يبلغ درجة حسن الخُلق، فإنها درجة رفيعة لا ينالها إلا المقربون والصديقون"؛ انتهى كلام الإمام الغزالي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية المجاهدة وعلاقتها بالنصر (1)
  • المجاهدة في السنة (1)
  • خطبة عن المجاهدة

مختارات من الشبكة

  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (10): (المجاهدة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المجاهدة في أداء أمانة التعليم للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور زمن (كورونا)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • شرح باب المجاهدة من كتاب رياض الصالحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المجاهدة على العمل بالعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأم المجاهدة الصابرة نسيبة بنت كعب (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المجاهدة في السنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلسطين المجاهدة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • صاحبة الضفيرة، المجاهدة الكبيرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أهمية قيام الليل وعلاقته بالنصر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب