• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

فساد يستغيث بلهجة

حسن فاضلي أبوالفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/4/2014 ميلادي - 9/6/1435 هجري

الزيارات: 5485

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فساد يستغيث بلهجة


أطلَّت علينا فئة متبلدة تابعة ومستتبعة، تبغي الصلاح بالإفساد، وتروم الفساد بالإصلاح، مؤسسة ومدافعة عن شؤم قطع الوصل بلغة التنزيل، ومنافحة عن خرق صوان لسان الحكمة، تدعي - بهتانًا - عكس الفساد والدفع بالنشء إلى حيث مقام الشاهدية، وكل ذلك منها بهتان وزور.

 

فئة وظفت الجاهل وشبهه تشهيرًا لها، ودعوة إلى فكرها، كلمةً وصورةً وصوتًا؛ علها تحقق شيئًا مما تقصده، ونحن في هذا المقام وغيره سنكشف هذا الفساد، ونعري مدخله؛ تأصيلاً للقضية في الشرع، ثم ربطًا لها ببقايا المحتل ضد لغة القرآن، والعود إلى أصل الفساد وبدئه، ثم إلى بيان أن قاطع الصلاح في عكس ذلك.

 

1- تأصيل القضية في الشرع:

من أشد ما عابه الوحيُ على أعداء النور أنهم لما نُهُوا عن الفساد في الأرض، ازدادوا تشبثًا بفسادهم، ودفاعًا عنه، بل وادِّعاء أنه هو الصلاح، وكل الصلاح، في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]؛ فالآية أبانت أن دفعَ النصح إليهم كان بصيغته العامة في مقابل عموم فسادهم في كل شيء، وعموم إفسادهم لكل شيء، فكان جوابهم في قوة العبارة والدلالة مماثلاً لعبارة النصح، بل أقوى؛ إذ قالوا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11] بما تضمَّنه التعبير من توكيدٍ وحصر وثبات على قصد ومراد الصلاح - زعموا - بل تجاوزوه إلى الإصلاح، وكأنهم ما قصدوا بكلامهم إلا مجابهة ومقاومة الناصحين، ومِن نُكَتِ القرآن في هذا "تقييد الفعل بالظرف، فإن الذي يتبادر إلى الذهن أن محل المذمة هو أنهم يقولون: إنما نحن مصلحون، مع كونهم مفسدين، ولكن عند التأمل يظهر أن هذا القول يكون قائله أجدرَ بالمذمة حين يقولونه في جواب مَن يقول لهم: لا تفسدوا في الأرض، فإن هذا الجوابَ الصادر من المفسدين لا ينشأ إلا عن مرض القلب وأفَن الرأي؛ لأن شأن الفساد ألا يخفى، ولئن خفي، فالتصميم عليه، واعتقاد أنه صلاح بعد الإيقاظ إليه والموعظة - إفراط في الغباوة أو المكابرة، وجهل فوق جهل"[1] أو أعظم؛ إذ مقتضى الطبيعة أن الفساد يُعرَف، بل قد يشم من بعيد، وعلى فرض خفائه، فإنه بعد التنبيه إليه يستشعر وجوده؛ فيطلب التصحيح والتقويم. وأما مع كل هذا، بقاء على فساد، ودعوة إليه، ففيه إنباء العقل والروح والشعور بفنائه؛ ولذلك سيكذبهم اللهُ - عز وجل - بعد ذلك، وينفي شعورهم في قوله: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12]، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه يتكلَّمُ في أمر العامة))[2]، والرويبضة: "تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعَد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة"[3]، والحديث هذا داخل في عموم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن غيبيات الأمور الواقعة - بلا شك - في الناس وللناس ومع الناس؛ من تناقض وتبدل واختلال في الخُلق والأدب، بل وفي العبادة والعقيدة، فهذا الرويبضة - المفسَّر وحيًا بالسفيه - يتكلم في الأمور العظام، وفي مصاير الناس ومآلاتهم، مما لا يفقه فيه شيئًا، ولا يدرك عنه شيئًا، ولم يتبين منه شيئًا، إلا ما أملاه عليه شيطانه الإنسي قبل الجني، وعشقه للشهرة والبروز، ثم إنَّ ذكره عليه الصلاة والسلام لأداة التناقض والتبدل والاختلال: (ينطق)، إشارة إلى أن غاية ما يستطيعه الرويبضة هو الكلامُ والهذر، ثم الكلام والهذر، ثم الكلام والهذر.


إن هذين النصين الشرعيين - منطلق القول - يكشفان في الحقيقة عمق المطابقة ودقتها، بين الفئة التي كشفها الوحي، وبين ما صدر ويصدر عن هذه الفئة البالغة غاية في الجهل والمكر؛ إذ كما أن أولئك استحقوا تلك المذمة وأقساها؛ لِما بلغوه من الجهل، وفقد الشعور المميز بين الصلاح والفساد؛ ولذلك لَمَّا نُهوا عن منكر الإفساد في الأرض، وقَفوا في مجابهة النصح رفضًا له، وإثبات الصلاح لأنفسهم، في إشارة إلى اعتقادهم أن نصح الناصحين ونهي الناهين إنما هو عين الفساد، وفي ذلك من التبديل والتحريف ما يبلغ النهاية، فإن هؤلاء لما نُهوا عن قصد إفسادهم للغة العربية / لغة الوحي، وقفوا في جواب واحد: إن الصلاح في تعميم اللسان الدارج (العامية المغربية) على كل مستويات الدراسة، وإن الفساد - في زعمهم - في البقاء على التدريس باللغة العربية، وإنها - في ربط بئيس جهول - السبب كل السبب في الانقطاع عن المدرسة.


قلت: وهذا عنوان الجهل وحقيقته؛ إذ الانقطاع عن المدرسة (الهدر المدرسي بالمفهوم التربوي) له أسباب أخرى، لها تعلق بالاجتماع والاقتصاد والسياسة والنفس...[4] إلخ، وأما أن يربط بين هذا وذاك هذا الربط المقيت، فإنه لا يقول بذلك إلا كذاب أشِر، أو جهول حاقد على لغة الوحي والحياة، إن هذه الفئة الداعية إلى (لهجنة) التعليم، لا تربطها رابطة بالعلم ولا بالتعليم، بالدراسة ولا بالتدريس، فكيف يسمح لهؤلاء باقتحام مجال عميق من غير استئذان؟ وقبل مدة رأينا داعية الفساد ورأس معلمة الجهل[5] في إحدى قنواتهم في شبه مناظرة لا ترقى إلى مستوى الصفر، يدعو بكل وقاحة وانعدام حياء إلى (لهجنة) التعليم، ومن ثم إلى قتله عن آخره، إلى أن صدق فيه قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق معنا، فهذا سفيه ويتكلم في أمر العامة، وما دخل السفاهة في شأن العامة؟ اللهم إلا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يصدَّق فيها الكاذب، وهذه صفة مطابقة وملابسة لمعلم الناس الجهل، ويا ليت الأمر توقف عند حد تصديق الكاذب، ولكن تجاوزه إلى تكذيب الصادق[6]؛ بحيث يحتاج الإصلاح ها هنا إلى مضاعفة الجهد بكشف كذب الكاذب أولاً، وبدفع تهمة كذب الصادق ثانيًا.


2- بقايا المحتل المحاربة للغة القرآن الكريم:

إن هذه الفئة الرابضة معلمة الناس الجهل لها امتداد فكرًا وثقافة وسلوكًا وأخلاقًا وجهلاً وعقيدة إلى المحتل القريب البعيد؛ إذ من عقيدة المحتل عبر التاريخ مدافعة الإسلام (كتابًا وسنَّة) ودفعه، وله في ذلك مداخل، منها هذا الذي نحن بصدده؛ إذ تأكد من طول تجارِبِه أن المسلم المعتقد للكتاب والسنَّة لا يمكن تطويعه على الإطلاق، ومن ها هنا استبان له الطريق المظلم إلى أن ذلك لا يكونُ إلا بإبعاده عن الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقًا، ولن يتأتى ذلك إلا بإبعاده عن الكتاب والسنَّة، ولن يتحقق ذلك إلا بإبعاده عن لغةِ ولسانِ فَهْمِهما والعمل بهما، واللسان لسان العرب، واللغة لغة العرب، ونهجهم هذا لا يحتاج في إثباته إلى كثير استدلال؛ إذ يكفي النظر في التاريخ القريب والبعيد والجغرافيا القريبة والبعيدة، لينطق ذلك شاهدًا على نفسه، ولأن هذه الفئة - معلمة الناس الجهل - أدرَكتْ من مردتها أن العربية قد وصلها القرآن بالعقل والشعور النفسي والوجداني والعاطفي، ولأنها كذلك تقصد عقل المسلم وشعوره ووجدانه، فإنها صوبت سهمها المسموم إلى أصل كلِّ ذلك ومادته، وهي لغة الوحي قرآنًا وسنَّة.


ولأن الكيد من طبيعة هذه الفئة؛ فإنها عمِيَت عن رؤية فضل الله تعالى على هذه اللغة وأهلها بأن كتب لها الخلود والأبد، وبأن جعلها لغة كتابه العظيم ومادة لسان عابديه الأساس، وأنه لا سبيل إلى تعقل الحياة، وإدراك معناها، وتصور غايتها، والاختلاط بصورها غاية التعقل والتصور والاختلاط، إلا بهذا اللسان العربي، والعربي فقط، وكأنه يحسن بنا الفهم من إنزال القرآن بلسان عربي مبين أن عيش الإنسان نفسه وحقيقته في الكون، وإدراك كرامته في الكون، واقتفاء أثر الوحي - لا يكون إلا به، ويقرب أن تكون باقي اللغات والألسن لا تقدر على أداء نفس المعنى.


3 - أصل الفساد وبَدؤه:

لما سيطر الاحتلال على معظم الدول العربية والإسلامية، وأحكم التحكم في جل مؤسساتها، اتجهت طائفة منه إلى دراسة علوم المسلمين وبلغتهم، وخاصة ما له تعلُّق بدينهم قرآنًا وسنَّة، بحثًا عما كان سببًا في ازدهار هذه الأمة مما لا تستطيعه غيرها من الأمم، ومنه إلى حجب هذا السر عنهم الذي هو نور الوحي، فاتجه المستشرقون ممن درسوا علوم المسلمين تتبعًا لآثارهم ومؤلفاتهم، فتبيَّنوا أن قوتهم من الوحي الذي أنزل فيهم، والذي أخرجهم من قبائلَ تعيش على هامش الحضارة، لا تملِك غير الشِّعر وفن الخطاب - إلى أمة عظيمة، تعلِّم كل الناس معنى الحضارة ومعنى الوجود، ومن ثَم قصدوا - أي المحتلون مع أئمة الاستشراق - إلى تقطيع ما بقي من الأمة، واستلال ما به يدركون نور الوحي من لغة خطاب الشرع وما يتبعها؛ إذ هي "الجزء المشترك من كيان الأمة، وهي الوطن المعنويُّ الواحد لحركة اللسان المعبرة عن حركة الفكر والنفس والوجدان، وهي في هذا تشبه حدود الأرض التي تحوي داخل محيطها الوطنَ المادي لحركة جسم كل فرد من أفراد الأمة؛ إذ يعبر بذلك عن مطالبها النفسية والفكرية والوجدانية، وعن آماله وتطلعاته لنفسه وأهله وذرياته وأمته"[7]، فكيف إذًا نتخلى - بزعم سفاهة سافه - عن النور الذي يربطنا بالسماء، ويشعرنا بالوجود، ويبني فينا الإنسان الحي؟


فهذه الدعاوى الجاهلة البئيسة التي تروم إخراج لغة الوحي، إنما تقصد في الأساس وقطعًا قتل معاني الإنسانية في الإنسان التي بها يدرك أَنَاهُ، ويتنفس وينظر إلى السماء، وكأن بهذا القطيع من الرويبضة لَمَّا فقد نفسه وقطع الصلة بالسماء، وانخضع وانخدع للأرض، اشتغالاً بالفساد والإفساد، قال: لِم لا نسحب الجهل والموت على الكل؛ فنكون في الهلاك سواءً؟!


ولذلك انطلق لتقطيع جسم لغة الوحي ووسمها بما ليس فيها، وجعلها من أسباب ما هو فيه من الجهل والتخلف، ثم بعد ذلك يستأنس ليعتقد أن لغة المحتل هي الخلاص، وكم توسلت لغة المحتل بعلوم أهل الاسلام ولغتهم وما زالت تتوسَّلُ في خفاء! ولكن جهل القطيع وتحقُّق معنى الرويبضة بالتمام، حالَ دون إدراك ذلك أو تعقُّلِه.


قلت: وهذه الدعوى المستحدثة تارة القديمة أصلاً ومنهجًا، كانت بدايتها بما هي عليه الآن أو أشد أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ من خلال تاريخ حركة التحويل عن الفصحى، كان أول من حث على التحوُّل إلى الكتابة بالعاميات الإقليمية داخل البلاد العربية المستشرق الألماني الدكتور "ولهلم سبيتا"، وقد شغل مديرًا لدار الكتب المصرية في كنف الاحتلال البريطاني، ففي سنة (1880م) خط كتابًا سماه: "قواعد اللغة العربية العامية في مصر"، أشار فيه كذلك إلى فتح العرب لمصر سنة (19 هـ)، وانتشار لغتهم التي قضت على اللغة القبطية لغة البلد الأصلية - حسب زعم هذا الزاعم - وطبعًا هدفه من ذلك إثارة النعرات العِرقية ضد اللغة العربية.


ثم كان من بعده كذلك المستشرق الألماني "كارل فولرس" كاتب "اللهجة العربية الحديثة"، والذي وجه فيها العرب لاستعمال الحروف اللاتينية لدى كتابة العامية، مع محاولة دراسة قواعدها فيه.


وأنا أسأل هنا: ما الداعي لاستعمال الحروف اللاتينية في اللهجة العربية؟

وطبعًا الجواب يسبق إلى العقل قبل الانتهاء من السؤال؛ إذ أراد أن يقطع المصريين - في مخطط سيشمل باقي الدول العربية المسلمة - ليس عن لغة الوحي وحسب، وإنما عن حروفها وخطوطها التي تثير في سليم الفطرةِ الاشتياقَ إلى تبصر نور السماء وعمل التدين، ثم هل كانت لهذه اللهجة / العامية قواعد حتى تدرس؟! اللهم إن هذا كذبٌ، وإن شاء الدكتور (كارل فولرس) أجابنا من قبره!


ثم المستشرق الإنجليزي "سلدون ولمور" كاتب "العربية المحلية في مصر"، والذي أكد فيه بكثير من المكر وبكثير جدًّا من الغباء، لزومَ الحياد، وترك التوجس من إحلال العامية محل اللغة العربية، وأنها اللغة الوحيدة للبلاد؛ إذ قال: "ومن الحكمة أن ندعَ جانبًا كل حكم خاطئ وُجِّه إلى العامية، وأن نقبلها على أنها اللغة الوحيدة للبلاد، على الأقل في الأغراض المدنية التي ليست لها صبغة دينية، وهناك سبب يدعو إلى الخوف، هو أنه إذا لم يحدث ذلك، وإذا لم نتخذ طريقة مبسطة للكتابة، فإن لغة الحديث ولغة الأدب ستنقرضان، وستحل محلها لغة أجنبية نتيجة لزيادة الاتصال بالأمم الأوربية".


وحقيقة كلام الرجل غاية في السفاهة، ولن يقبل إلا من سفيه متسفه.


والمستشرق الإنجليزي "وليام ولكوكس" الذي ألقى محاضرة سماها: "لِم لَم توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن؟"، محاولاً فيها ربطَ - كذبًا وسفاهة - ضعفِ الاختراع وانحطاط الابتكار في العصور المتأخرة عند العرب بتقيدهم باللغة العربية الفصحى كتابة وتأليفًا، ومؤكدًا - كذبًا وسفاهة - أن كسرَهم لحاجز اللغة العربية وكتابتهم بالعامية الشائعة، يُعيد إليهم من جديد قوة الاختراع والإبداع[8].


وقطعًا الرجل لا يعتقد هذا الذي يقوله، وإنما العكس، وإلا عد من المستشرقين المجانين؛ إذ كل العلوم والفنون التي برع فيها المسلمون وبرزوا فيها من هندسة وفَلك وكيمياء وفيزياء وطب وحساب وجغرافيا و... - قد ألَّفوا فيها باللغة العربية[9].


وحيث إن هذه الفئةَ تثير القلاقل بين الأفراد في أصلهم اللغوي، بما يدعو إلى التطاحن أو يقرب من ذلك، وبما يؤدي إلى التهالك شيئًا فشيئًا، فهي تفزعُ إلى جعل العنصر الأمازيغي / البربري هو الأصل، وأن الآخر الآتي من الشرق - زعموا - إنما هو مستعمر محتل، وأنْ لا مفرَّ من رفض لغته الدخيلة.


قلت - وأنا ممن يتقن اللسانَ الأمازيغي / البربري نطقًا وتداولاً وأصلاً -: منهجي في البحث والتحقيق يدفعني إلى الاعترافِ ببطلان هذا الطرح؛ إذ أثبت التاريخُ الإنساني / الاجتماعي واللغوي والعرقي للدول المتعاقبة على الشمال الإفريقي "أن البربر لا يشكِّلون جنسًا قائم الذات، كما نقول عن الجنس الآري أو القوقازي مثلاً؛ وذلك أن البربر يمثِّلون عناصر مختلفة في شكلها، وأنماط معيشتها، ونظرية (بواسيير) هي أن اللبيين وعنصر الجيتول هم أول سكان الشمال الإفريقي الذين ينتمون إلى عصر الحجر المنحوت، وأكثرهم سُمر البشرة، وقد اكتسح الآريون بلادهم وهم شقر زرق العيون ينتمون إلى عصر الحجر المصقول"[10]، وبذلك لا يمكن عزلُ البربر عن غيرهم من الأجناس الأخرى، وأن نعتبرهم الجنس الأصلي؛ إذ يظهر التمازج والاختلاط في لون البشرة واللغة، فمثلاً كلمة (أكلزيم)[11] بالأمازيغية، وتعني الفأس، ترجعُ في مادتها الصوتية واللغوية إلى (القلزم)، وهي بلغة عربية فصيحة، وكذلك كلمة (أمان) بالأمازيغية، وتعني الماء، ومن هنا قال صاحب "المغرب عبر التاريخ": "والظاهر أن أفواجًا عظيمةً من البربر قدِمت إلى الشمال الإفريقي عن طريق مصر وليبيا مهاجِرةً من جنوب آسيا الغربي، وتتكون هذه الأفواج من الكنعانيين الذين قطنوا قديمًا منطقةَ لبنان الحالية"[12]، فمهما يكُنْ إذًا من قبح المناصرة لهذا الجنس أو ذاك، لهاته اللغة أو تلك، لهذا الأصل أو ذاك - فإن التاريخ والجغرافيا معًا يكسر ذلك ويهشِّمه، ويبقى الحقيقة والعلم المقرَّان بأن الشمال الإفريقي في أصله مزيجٌ من الأجناس والأعراق، وأنه لا يصدق إطلاق لفظة الأمازيغ / البربر على جنس بشري واحد، بقدر ما يصدُقُ على كثيرٍ من الأجناس بما فيهم العرب، وأنه لا يصدق إطلاق لفظة العرب في الشمال الإفريقي على جنس بشري واحد، بقدر ما يصدق على كثير من الأجناس بما فيهم الأمازيغ / البربر؛ ولذلك نرى ما نرى من اختلاف في الأشكال والألوان والطبائع، ومن تمازج في الأشكال والألوان والطبائع.


وإذا عُدْنا إلى حقيقة ما يشبه التمركز حول اللهجة / اللسان الدارج، وجدناه غيرَ منحصر في سفاهةِ مَن سَفِهَ مِن أهل الوطن؛ وإنما الامتداد حاصل إلى من أظهَرَ العداء لنور الوحي أو أخفى، وإلى مَن رغب في مصلحة اقتصاده وكفى، فقد تحقق ذلك في جماعة الضغط الصهيونية، التي لا تتكون من عناصر يهودية وحسب؛ وإنما تضم عناصر غير يهودية أيضًا، فهي تضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية "الذين يرون أن تفتيتَ العالَم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم، وأعضاء النخبة السياسية والعسكرية ممن يتبنَّوْن وجهة نظرهم"[13].


وهذا الذي يتخرَّصُ به الرويبضة داخلٌ في تفتيت العالَم العربي والإسلامي، لا يتلبس بالتمركز حول اللهجة / اللسان الدارج إلا من ثبت تسفهه كلاًّ، أو عداؤه للوحي كلاًّ، أو عضويته في جماعة الضغط كلاًّ، أو كل هذا كلاًّ.


وأنا أستغرب كل الغرابة كيف يجر هؤلاء إلى هذا التفتيت جرًّا، فيما المجلس الثقافي البريطاني يعتبر اللغة العربية لغة ثانية بعد الإسبانية؛ إذ قال مدير الدراسات الإستراتيجية للمجلس: "إذا لم نتصرف لمعالجة هذا النقص في تعلم اللغة العربية وبعض اللغات الشرقية، فالأكيد أننا سنخسر الكثير اقتصاديًّا وثقافيًّا"[14]، ولا تفسير لذلك إلا بما فسرناه سابقًا.


قلت: إن طبيعة التوجه السياسي والفلسفي لهذا النموذج الاختزالي الذي يطل علينا بقرونه الطويلة، هي طبيعة تذهب عادة إلى أن عقل الإنسان كيان سلبي متلقٍّ يسجِّل كل ما ينطبع عليه من معطيات مادية بشكل آلي، ومن ثَم فالعلاقة بين العقل والواقع بسيطة، يمكن رصدها ببساطة، ومنه فإن دعاة الطرح اللهجاتي (نسبة إلى اللهجة) بمنهجهم الاختزالي هذا، اعتصروا كل عوائق عمليات التعلُّم والتعليم معًا في مظاهر اللغة العربية الفصحى - على استضعافها وقهرها جهلاً وقصدًا من مصممي السياسات والبرامج التعليمية الهزيلة والبئيسة - وكأني بهم عقدوا العزمَ نحو الاتجاه بالتعليم من طبيعته الفكرية والنفسية إلى طبيعة أخرى تستندُ إلى الصورة المختزلة فقط من اجتماع المجمع، وقد أجزم القول بأن الخرق اتسع في عقول ونفوس هؤلاء، بين الدعوة إلى التنميط الثقافي، وبين الدعوة إلى قطع الشعب (أمازيغ وعربًا)[15] عن إرثه الثقافي، "ومعلوم أن هذه الشعوب لا تتشبَّثُ بشيء تشبثها بإرثها الثقافي، فإذا ألغي هذا الإرث فكأنما أريد بها الهلاك، ومن يشرف على الهلاك لا بد وأن يقاوم من أجل البقاء؛ ولذا فإن هذا التنميط الثقافي يتسبب في ظهور مقاومات شعبية ومجابهات"[16] عنيفة، بما هو - أي التنميط الثقافي - صورة واحدة من تثقيف النشء، وهذا قطعًا يُلغي كل أبعاد الاختلاف والتباعد والتقارب في ذات النشء نفسه، وهو ما يحاوله هؤلاء؛ إذ قصدوا كعادتهم التمركز حول النمط الغربي في التعليم والتثقيف عمومًا، الأمر الذي ينتهي بنا - قطعًا - إلى الانتحار التعليمي، والمعطيات الرسمية وغيرُ الرسمية في ذلك لا تقبَل التكذيب؛ فالبلد عندنا من أكثر الدول إنفاقًا على التعليم في مستوياته الأولية، ومع ذلك هو في ذيل الدول من حيث التحصيل المعرفي والبيداغوجي، والتفسير الوحيد لذلك هو اعتماد نمط الغير في تعليم الذات، والأمر أبعد من ذلك وأشَر؛ إذ لو فرضنا - افتراضًا يقينيًّا - أن الجمهور الكوني يسعى في تعميم هذا النمط بتسخير جماجم بشرية تجر إليه جرًّا بمكرها وجهلها ونقدها (من النقود) بما ييسر على أعداء الإسلام تثبيتَ الاحتلال الفكري والاقتصادي والعقدي و... واستمراره، لتحصَّل في النهاية عكسُ مرادهم ونقيضه، من تدافع عنيف متطور إلى ما فوق ذلك أو أشد، كما هو جارٍ في طبائعِ الناس والأمم والشعوب.



[1] التحرير والتنوير، ج 1، ص 283، محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله).

[2] مسند الإمام أحمد (رحمه الله), ح 7852، وغيره.

[3] النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 185، ابن الأثير (رحمه الله).

[4] ليس هذا مقام بسطها وتفصيلها وتحليلها وتفسيرها، وقد كتب كثير من الباحثين في ذلك.

[5] من الطهارة والنظافة والأناقة عدم ذكر اسمه.

[6] ومن ذلك أننا سنكذَّب في هذا الذي نقول، لا قولاً؛ ولكن فعلاً وتجريبًا واختيارًا في السياسة التعليمية، ولننظر!

[7] أجنحة المكر الثلاثة (دراسة وتحليل وتوجيه)، ص 353، عبدالرحمن حبنكة الميداني (رحمه الله).

[8] المرجع نفسه، ص 359 (بتصرف كبير).

[9] ذكرنا النموذج المصري؛ لكون هذا الاحتلال أسبقَ إليه من المغرب، ونحن هنا بصدد بيان أسِّ الفساد ومبدئه مما له تعلق بموضوعنا، ولكون القضية قضية لسان أمة، فلا نحدها بتاريخ ولا بجغرافيا.

[10] المغرب عبر التاريخ، ج 1، ص 19، إبراهيم حركات.

[11] وفي بعض المناطق ينطقونها (أكزيم؛ك = ga) بحذف اللام.

[12] ج1، ص 20.

[13] اليد الخفية (دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية), ص 246, عبدالوهاب المسيري (رحمه الله).

[14] ورد ذلك في جريدة الإندبندنت، ونقلت عنها بعض المواقع الإلكترونية.

[15] إلا من شذ عن القاعدة، كمن نقصد أساتذتهم بكلامنا ها هنا، والشاذ لا يقاس عليه طبعًا، خاصة وأنه يهدم الإنسان ويبني محله كائنًا آخر غاية في التخلف.

[16] الحق الإسلامي في الاختلاف، ص 93، طه عبدالرحمن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من وحي اللغة
  • نشأة اللغة

مختارات من الشبكة

  • بشاعة الفساد وقول الله تعالى: (والله لا يحب الفساد)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الفساد الإداري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفساد وحش متعدد الرؤوس(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تايلاند: إطلاق بث تليفزيوني لقناة بلهجة مسلمي الجنوب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فساد الأسواق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفساد المالي والإداري (5)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من موانع محبة الله عبدا (الفساد والإفساد)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الدين مصدر الإلزام الخلقي والأحكام الشرعية(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • قاعدة: الدين الإسلامي هو الصلاح المطلق، ولا سبيل إلى صلاح البشر الصلاح الحقيقي إلا بالدين الإسلامي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب