• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

الفكر التربوي عند شهاب الدين ابن أبي الربيع

سعيد امختاري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/12/2013 ميلادي - 30/1/1435 هجري

الزيارات: 11913

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفكر التربوي عند شهاب الدين بن أبي الربيع


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين.

 

إن عنوان أي حضارة من الحضارات، في أغلب الأحيان هو تعليمها، فلا ترتقي أمة من الأمم ولا تزدهر حتى يزدهر التعليم عندها، لذلك فأي أمة أرادت أن تصلح شأنها عبر مؤسساتها المختلفة فلا بد لها منذ الوهلة الأولى أن تصلح أعظم هذه المؤسسات التي هي مؤسسة التعليم التي تحتضن الطفل في مراحله الأولى، وهي التي تلقنه المعارف الكفيلة بتقويم سلوكه "فما دامت القناة الأساسية للتلقي المعرفي هي المؤسسة التعليمية، وما دامت هذه المؤسسة تهيمن على أشد المراحل حساسية في عملية التلقي، وتغطي هذه المسافة الزمنية التي تبدأ فيما قبل السادسة من العمر، ولا تنتهي إلا فيما وراء الثلاثين أو الأربعين، فإن الفلسفة أو التصور الذي تصدر عنه المؤسسة، سيلعب دورا خطيرا ولا شك، في التوجيه الفكري والمذهب العقيدي لحشود الأجيال التي تسهر على التعامل معها معرفيا وتربويا "[1]، ومن أجل هذه الأهمية الكبرى التي تحتلها المؤسسة التعليمية، كانت المناهج التي تسيرها وتحكمها أكثر أهمية وأعظم شأنا، لذلك أثبت التاريخ أن أي أمة من الأمم لا تنجح في جني ثمرات التعليم بمؤسساتها، إلا إذا حكم هذه المؤسسات نظام ينبع من تلك الحضارة نفسها من خلال تاريخها الخاص أو عقيدتها أو دينها وكل مقوماتها الحضارية، وعلى هذا فاق حضارتنا الإسلامية قد علا شأنها في ميدان التربية والتعليم لما كانت تستقي الأساليب والمناهج من معين تراثها القائم على القرآن والسنة وآثار العلماء، فأنتجت هذه الأمة علما وعلماء ومعارف تبهر كل معترف بالحق. غير أن الأمر كما قل الدكتور سعيد حليم " يعرض أكثر الذين يكتبون في هذه المجالات عن تراث تعود جذوره إلى أكثر من أربعة عشر قرنا، وكأن علماءنا أصابهم العقم في هذا المجال فلم يستطيعوا أن يقدموا شيئا يذكر لا دقا ولا جلا وحينما نرجع إلى هذا التراث نجده حافلا بالكتب التي تحدثت بجلاء وتدقيق عن علاقة المتعلم بالأستاذ، وعن شروط التعليم والتعليم، وما ينشأ عن هذه العلاقة من آثار ونتائج على مستوى العقد الديداكتيكي، أو النملة الديداكتيكي أو التمثلات. إننا حينما نقرأ هدا التراث بعين فاحصة وواعية وقاصدة، يتبين لنا أن معظم النظريات التي عرفت حديثا في أوربا موجودة في هذا التراث تحت أسماء ومصطلحات مختلفة... "[2].

 

والغريب في الأمر أننا أحيانا ننفي عن تراتبا أشياء دون البحث والاطلاع الشامل، وقد قرر علماؤنا أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، لأننا لو تعاملنا بمنطق عدم الوجود فقط دون بحث وتقص، سنجد أنفسنا نتقبل ما يصادفنا للوهلة الأولى فنقتنع به كأنه الأصل في ما نحن بصدده، فلا نرى غيره كما قال الشاعر:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا

 

كما لا يعني هذا الاكتفاء بما ورد في تراثنا قبل قرون، وتجاهل ما أبدعت فيه الدراسات المعاصرة، يقول الدكتور طه عبدالرحمن: " والحق أن التعامل مع التراث الأصلي كان وسيبقى مطلوبا لنا كلما أردنا أن نجدد ثقتنا بقدراتنا ونؤصل مصادر استلهامنا، وليس معنى بقاء التعامل مع التراث هو حفظ كل ما فيه على الوجه الذي كان به من غير اعتبار لمقتضى الماضي ولا لمقتضى الحاضر "[3].

 

وإسهاما مني في تقريب بعض مفكري تراثنا الذين تركوا بصماتهم واضحة على صفحات تاريخ التربية والتعليم وقع اختياري على شهاب الدين بن أبي الربيع.

 

التعريف بشهاب الدين بن أبي الربيع:

اختلف كثير من الدارسين حول شهاب الدين بن أبي الربيع، فقد اختلفوا على وجه الخصوص في الحقبة الزمنية التي عاش فيها، منهم من يقول إنه عاش في زمن المعتصم وله ألف كتاب سيرة المالك، بينما يرى آخرون أنه عاش في زمن المستعصم، والسبب في ذلك أن كنت التراجم لحم تذكر عنه شيئا سوى ما ينقله الدارسون عن حاجي خليفة في كشف الظنون، ورغم ذلك لم يوافقه البعض منهم، وعمدتي في هذا مقدمات المحققين، لكتابه، وعلى رأسهم الدكتور حامد ربيع الذي يقطع بشدة أن شهاب الدين بن أبي الربيع عاش زمن المعتصم، وأنه توفي سنة 272 هـ[4]، وقال الدكتور ناجي التكريتي الذي سار على منوال جرجي زيدان إنه عاش في زمن المستعصم، ولكل أدلته وأنا لا أستطيع الترجيح بينها ولكن نفسي تميل إلى رأي الدكتور حامد ربيع الذي بثه في مقدمته الفائقة لتحقيق كناب شهب الدين بن أبي الربيع فإن كان قد عاش في هذه الحقبة المبكرة جدا فإننا نستفيد من ذلك مدى سبق مفكري الإسلام إلى كثير من النظريات التربوية.

 

التعريف بكتاب شهاب الدين بن أبي الربيع وبعض طبعاته

هو الكتاب الوحيد الذي تحتفظ به المكتبة الإسلامية لحد الآن، طبع في القاهرة سنة 1286هـ، على الحجر في152 صفحة من القطع الكبير، ثم طبع تحت عنوان الفلسفة السياسية عند ابن أبي الربيع مع تحقيق كتابه سلوك المالك في تدبير الممالك، وهي نشرة الدكتور ناجي التكريتي، اعتمدت الطبعة الثالثة لسنة 1983، ثم نشرته مطابع دار الشعب بالقاهرة سنة 1980 في مجلدين ضافيين استغرق الأول منهما وجزء من الثاني المقدمة الرائعة التي كتبها له المحقق، ثم طبع سنة 1416 هـ بدار العاذرية الرياض بتحقيق الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، تحت عنوان سلوك المالك في تدبير الممالك فهذه إذن هي الطبعات التي اطلعت عليه وكلها فتنت محققوها أن الكتاب ألف في عهد المعتصم العباسي باستثناء الدكتور ناجي التكريتي، ولعل هنا طبعات أخرى لا أعرفها.

 

ملامح الفكر التربوي عند شهاب الدين بن أبي الربيع:

المرجع الوحيد - كما ذكرنا سابقا - في استخلاص الفكر التربوي عند هذا الإمام هو كتابه النفيس: "سيرة المالك في تدبير الممالك"، رغم أن هذا الكتاب ألفه في السياسة وتدبير الملك وقوانين الحكم والأخلاق المتعلقة بالإنسان عموما، فإنه لم يغفل البدايات الأولى التي تعتبر الأصل في تكوين هذا الإنسان، ألا وهي التربية والتعليم، يقول شهاب الدين بن أبى الربيع " أما الولد فينبغي أن يؤخذ بالأدب من صغره، فإن الصغير أسلس قيادا وأسرع مواتاة ولم تغلب عليه عادة تمنعه من اتباع ما يراد منه ولا له عزيمة تصرفه عما يؤمر به، فهو اعتاد الشيء ونشأ عليه خيرا كان أو شرا، ولم يكد ينتقل عنه، فإن عود من صباه المذاهب الجميلة والأفعال المحمودة بقي عليها ويزيد فيها إذا فهمها، وإن أهمل حتي يعتاد بما تميل إليه طبيعته مما غلب عليها أو أشياء ردية مما ليس في طبيعته ثم أخذ بالأدب بعد غلبة تلك الأمور عليه، عسر انتقاله مع الذي يؤذيه، ولم يكد يفارق ما جرى، عليه فان أكثر الناس أنما يؤتون من سوء مذاهبهم من عادت الصبا، واعلم أن أصلح الصبيان من كان منهم على الحياء وحب الكرامة ومن كانت له ألفة فان كان كذلك كان تأديبه سهلا، ومن كان من الصبيان بالضد عسر تأديبه، ثم لا بد لمن كان كذلك من تخويف عند الإساءة - ثم تحقيق ذلك بالضرب إذا لم ينفع التخويف ثم الإحسان إذا أحسن"[5].

 

في هذه الفقرة فوائد كثيرة تنم عن نضج مبكر في الفكر التربوي عند علماء المسلمين، فأول ما نلاحظه هو ذلك الاهتمام المبكر بتعليم الصغار في صغرهم، لسهولة التعامل معهم، ولكونهم أكثر تأثرا بالتربية والتعليم، كما نلاحظ ذلك التنبه الواضح إلى تأثير العادات في تكوين الصغار، ففي رأي شهاب الدين بن أبي الربيع أن ما ينشأ عليه الطفل ويتعوده مدة من الزمن، يؤثر في مسار حياته تأثيرا بالغا لذلك كانت هذه المرحلة من أخطر المراحل في العملية التعليمية التعلمية على ممر الأزمان، كما أنه في نظر ابن أبي الربيع يزيد الطفل المتعلم في الأخلاق والعادات الحميدة إذا فهمها، وهذه إشارة لا بد أن تكون رائعة ومفيدة في منهجية التربية ابتداء من ذلك الوقت، أضف إلى ذلك ذكره للتخويف عند الإساءة مع شيء من الضرب عندما لا ينفع التخويف، إذ الواضح من كلامه التدرج حتى في التعامل مع المسيئين فيبدأ التسيب للصغار بمجرد التخويف حتى إذا لم ينفع تحول إلى ضرب لا آفة فيه، والجميل في هذا أيضا أنه ذكر الإحسان إلى المتعلم إذا أحسن، أفلا يمكن أن نكتشف من خلال هذه المقولة أهمية التحفيز الذي تتحدث عنه كتبار من الدراسات التربوية المهمة في عصرنا؟.

ثم إن الأخلاق عند المصنف نوعان:

1- منها ما يكون طبيعيا من أصل الخلقة، كمن يحركه أدنى شيء نحو الغضب، وكمن يجبن من أيسر شيء، كالذي يفزع من أدنى خوف.

 

2- ومنها ما يكون مستفادا بالعادة، مبدأ ذلك بالفكر والروية، ثم يستمر عليه أولا فأولا حتى يصير عادة وملكة تقارب الطبيعي."[6]

 

الفروقات الفردية بين الصبيان في المعلم:

لقد أبدعت الدراسات الحديثة في تناول الفروقات الحاصلة بين المتعلمين، غير أن هذا الفتح ليس وليد زماننا، وإنما هو مما توصل إليه الذكاء الإسلامي الرأي منذ قرون متطاولة، فهي كما نرى في تراثنا موغلة في القدم، لكن أبى كنير من الدارسين إلا أن يثبتوا السبق لمفكري الحضارة الغربية إلى مثل هذه النظريات. فلننظر إلى هذا النص الحافل لشهاب الدين بن أبي الربيع إذ يقول: " فأما مراتب الناس في قبول الأدب، الذي سميناه خلقا، والمسارعة إلى تعلمه، والحرص عليه، فإنها كثيرة، وهو يشاهد ويعاين فيهم، وخاصة في الأطفال، فإن أخلاقهم تظهر فيهم منذ مبدأ نشوئهم، ولا يسترونها بروية ولا فكر، كما يعمل الرجل التام الذي انتهى في نشوئه، وكماله، إلى حيث يعرف من نفسه ما يستقبح منه، فيخففه بضرب من الحيل والأفعال المضادة لما في طبعه. وأنت تتأمل من أخلاق الصبيان واستعدادهم لقبول الأدب نفورهم عنه، وما يظهر في بعضهم من القحة، وفي بعضهم من الحياء، وكذلك ما يرى فيهم من الجود والبخل، والرحمة والقسوة، والحسد وضده، إلى سائر الأحوال المتفاوتة، وما تعرف به مراتب الإنسان في قبول الأخلاق الفاضلة، وتعلم منه أنهم ليسوا مرتبة واحدة، وأن فيهم المواتي والممتنع، السهل السلس والفظ العسر، والخير والشرير، والمتوسط بين هذه الأطراف في مراتب لا تحصى كثيرة. إذا أهملت الطباع ولم ترض بالتأديب والتقويم نشأ كل إنسان سوء طباعه، وبقى عمره كله الحال التي كان عليها الطفولية، وتبع ما وافقه بالطبع، إما الغضب وإما اللذة، وإما الدعارة وإما الشره[7]".

 

ويلاحظ هنا كيف يتحدث المصنف عن بعض المصطلحات المهمة فيما يتعلق بالتربية والتأديب، فنراه يتحدث عن:

• الاستعداد والنفور.


• والأحوال المتفاوتة.


• ومراتب الإيمان في قبول الأخلاق الفاضلة.


• وأن المتأدبين ليسوا على مرتبة واحدة.


• فهناك المواتي والممتنع.


• والسهل السلس والفظ العسر.


• والخير والشرير.

 

بل هناك مراتب كثيرة لا تحصى والذي يقصد إليه المصنف من خلال ذكر هذه المراتب هو أخذها بعين الاعتبار أثناء ما أصبح يسمى اليوم بالنقل "الديداكتيكي " وشروطه التي منها مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، كما يقول الدكتور سعيد حليم في هذا الصدد: " عادة ما تصاغ مواد الكتاب المدرسي لنموذج من التلاميذ يوجد في ذهن لجنة التأليف يختلف عما هو موجود حقيقة وواقعا في المدرسة فالتلاميذ في الواقع التربوي أصناف فيهم الذكي المتوقد النجيب، وفيهم المتوسط الذي ينزل عن رتبة الأولين، وفيهم العاجز الفاتر الذي يحتاج إلى عناية خاصة وتعهد دائم وفي كل صنف من هذه الأصناف مراتب.."[8].

 

ثم يستمر شهاب الدين بن أبي الربيع في ذكر أصناف المتعلمين وفي موضع آخر، في تقسيم بارع، وذلك عند حديثه عن سيرة الإنسان مع من دونه من الناس، فذكر أنهم صنفان، منهم:

" متعلمون: وهم على ثلاثة أضرب:

الضرب الأول: ذوو الطباع الجيدة، ينبغي ألا يدخر عنهم شيئا من العلوم، بل يوصل ذلك إليهم أولا فأولا، ويعرف أقدارهم، وأذهانهم، ليوصل إلى كل واحد منهم بقدر استحقاقه.

 

الضرب الثاني هم البلداء: هم الذين فيهم أدنى ذكاء لا ترجى براعتهم، فليحملهم على ما هو أعود عليهم ليكتسبوا به ما ينفعهم.

 

الضرب الثالث ذوو الطباع الردية: هم الذين قصدهم بالعلم استعماله في الشر، وفيما لا يجب، فينبغي أن يحملهم على تهذيب الأخلاق، وإزالة ذلك من نفوسهم وأن لا يعلمهم شيئا من العلوم النافعة إلا بعد صرفة صلاحهم."[9].

 

من خلال هذا التقسيم لأنواع المتعلمين ندرك كم كان علماؤنا يهتمون بنوع المتعلم الذي يعلمونه، فلم يكونوا يملون على المتعلمين والمتعلمون يستمعون مكرهين، وإنما كان المعلمون يضعون في الحسبان مدى قدرة المتعلم على تلقي العلوم، وهو ما يسمى اليوم بالقدرات العقلية للمتعلم، وهذا ما يقصده المصنف بقوله: ويعرف أقدارهم، وأذهانهم، ليوصل إلى كل واحد منهم بقدر استحقاقه، كما يركز المصنف أيضا عل التدرج في التعليم حيث يقول بل يوصل ذلك إليهم أولا فأولا، ويعرف أقدارهم، وأذهانهم، ليوصل إلى كل واحد منهم بقدر استحقاقه. وبعد هذه القواعد التي جعلها أمام كل من يقدم على هذه القصة الصعبة ينتقل بنا شهاب الدين بن أبي الربيع، إلى خطوات منهجية ينبغي اتباعها - حسب رأيه وفي ذلك العصر- من قبل المعلمين تجاه المتعلمين، وهي على مراحل كالآتي:

فيما يحب أن ينشا عليه:

1- حسن التأديب:

أ- نفساني:

1- بالنظر في أمور الشريعة.

2- وتعلم العلوم والآداب.

3- وإبداء الرأي بمشورة العلماء.

4- وتصفح الكتب والسير.

 

ب- جسماني:

1- بالفروسية ومشاهدة المعارك.

2- في الأكل والشرب والنوم واليقظة.

3- في سائر التصرفات.

 

2- حسن التشبيه:

أ- تلقين كلام لا فحش فيه.

ب- وأن يمنع من عور الكلام.

جـ- ولا يمدح ولا يذم.

 

3- حسن التربية:

أ- اختيار مذهب جميل.

 

ب- عادات مرضية.

 

جـ- تعذيبه بلين لا آفة فيه (فيه إشارة واضحة إلى تجنب العنف والشدة والقسوة على المتعلمين، مع ضرورة الأخذ في مقابل ذلك بالحزم عندما تقتضيه الضرورة).

 

د- تحفظ الصحة بقانون الصحة"[10].

 

ثم يقول " وللولد حاملان:

1- حال في صغره عند التربية، يؤخذ بهذه:

• يجب أن يصغر الطعام في عينيه.

 

• يؤمر أن يأكل من بين يديه خاصة، ولا ينظر إلى أحد من الحضر.

 

• وبعود القناعة بأدون الأطعمة، ويؤمر بخدمة الناس.

 

• وبجعل طعامه وقت الفراغ من وظائف الاشتغال.

 

• ويجعل عادته السخاء والخدمة ويمنع من التكاسل وبحث على النشاط.

 

• ويحذر من الأقوال القبيحة، كالشتم والحلف.

 

• ويعاقب على الكذب والقحة.

 

• ويبغض إليه الذهب والفضة، و يمنع من سماع حديث الباه.

 

• ويؤذن له في اللعب اليسير الخالي من السفه.

 

حال بلوغه رق التأديب، يجب أن يؤخذ بهذه:

• ينبغي أن يطلب له معلما عاقلا حسن الفهم يبتدئ به في كتاب الله تعالى لا يشغله بغيره.

 

• ويعرف طرفا من اللغة والنحو بقدر قوته، ويعتني بشيء من البلاغة والرسائل.

 

• ثم يراض خاطره بالحساب والهندسة، واستخراج المجهول بالمعلوم.

 

• وليعتن بالفضائل المختارات وإعرابها ومعانيها.

 

• وليشتغل بطرف من الفقه، ويطالع كتب الأحاديث.

 

• ويؤمر مع ذلك بإكرام معلمه، والمبالغة في خدمته، و يعرف حقه.

 

• فعند ذلك يبلغ إلى حال يتناول فيه ما ينفعه، ويدفع عنه ما يضره "[11].

 

من خلال ما تقدم من الحديث عن الكيفية التي ينشأ عليها الصبيان المتعلمون، نلحظ بعض الأمور المهمة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

• تقسيمه حسن التأديب إلى نفساني وجسماني، فيه إرهاصات قوية جدا للنظر إلى المتعلم من أبعاد مختلفة، تم تطويرها اليوم في الدراسات المعاصرة تحت مسمى: البعد المعرفي، والبعد الوجداني، والبعد الحس حركي...

 

• قوله: وببغض إليه الذهب والفضة، ويمنع من سماع حديث الباه، فيه إشارة قوية إلى تنبيه المتعلم إلى تركيز ذهنه حول ما يكتسبه من المعارف دون الاهتمام بما يشتت عليه ذهنه من الرغبات، مع ما في التزين بالذهب والفضة من دلالة في التراث الإسلامي على الاتجاه نحو الليونة والرقة التي لا تنفع الطالب أثناء مرحلة العزم والحزم، كما في النص أيضا دلالة واضحة على موقفه مما أصبح يسمى اليوم بالتربية الجنسية للتلميذ، إذ مهما يكن موقفه منها، فالمثير للانتباه أن هذه القضية لم تكن غائبة عن الفكر التربوي الإسلامي، وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالكريم بكار "زماننا هذا زمان الغرائز الهائجة، وقد عرف بعضهم الذكاء بأنه تأجيل الرغبات من أجل اختيار ما هو أصلح وأفضل، فلندرب طلابنا على كبت بعض رغباتهم من أجل بلوغ الأهداف الكبرى"[12].

 

• قوله فعند ذلك يبلغ إلى حال يتناول فيه ما ينفعه، ويدفع عنه ما يضره، يدل على أن المتعلم بما اكتسبه من معارف ومهارات أصبح قادرا على أن يتكيف مع الواقع، مهما كانت الأحوال والأوضاع والمواقف، وهذا يشبه كثيرا ما يسمى اليوم بالكفايات.

 

وبعد ذلك، فالعملية التعليمية التعلمية، ينبغي أن تقوم على علاقة قوية بين المتعلم والمدرس، بحيث يعطي كل طرف لآخر ما يستحقه من التعامل الجيد الحسن، فمهما أضر طرف بطرف آخر إلا واختلت العملية التعليمية التعلمية. إن الكتب التربوية الكثيرة التي تحث المدرس فقط على حسن السيرة مع المتعلم، وتعفي المتعلم من حسن معاملته لمدرسه، قد أنتجت خللا واضحا في المنظومة التربوية، وأورث وحشة ونوعا من العداء من قبل المتعلم تجاه المدرسين، كل ذلك زاد من تقهقر المردودية في العملية التعليمية التعلمية، مما جعلنا اليوم نفكر من جديد في كيفية إعادة الاعتبار للأستاذ تكفيرا عن أخطائنا في حقه، بينما نجد في تراثنا التربوي اهتماما كبيرا بهذا الشأن، فكما للمتعلم حق التربية الحسنة والتعليم الجيد، فكذلك للمدرس حق التقدير والاحترام وهذا ما لم يخل منه كتاب شهاب الدين بن أبي الربيع، إذ يقول:

"في سيرة الإنسان مع أهل نوعه وهي ثلاثة أنواع، منها:

ب- المعلمون:

• فينبغي أن يعلم أن الوالدين سبب نشوئه.

 

• وأن المعلمين سبب نشوء نفسه، وجوهر النفس أشرف.

 

• وإن لم يزدهم على مرتبة والديه فلا ينقصهم عنها.

 

• وإن لم يفعل ذلك وصف بأنه غير مستحق لما أو صلوه إليه.

 

• ولا يجري المعلمين كلهم مجرى واحدا، فإنهم مختلفون.

 

• ونعني بهم الذين غرضهم تربية النفوس وإصلاحها.

 

• وأن ينظر إليهم عند احتياج أحد منهم.

 

• وأن يقوم بقضاء حقوقهم، وببالغ في خدمتهم.

 

• ولا يتكرر لما يلقى منهم من الغلظة و التأديب."[13].

 

هنا أيضا إشارة مهمة جدا، وهي أنه كما يوجد فرق بين المتعلمين، كذلك يوجد فرق بين المعلمين، فليسوا على طريقة واحدة، نستشف ذلك من قوله: ولا يجري المعلمين كلهم مجري واحدا، فإنهم مختلفون. ونعني بهم الذين غرضهم تربية النفوس وإصلاحها. فكذلك نحن اليوم أصبحنا أمام مدرس مخلص في عمله محب لمهنته وللمعرفة وللمتعلمين، وهو ما يسمى بالأستاذ الرسالي، بينما نجد أمامنا أستاذا آخر قد يكون همه غير ذلك.

 

في نظري المتواضع، لو أننا أنفقنا ما أنفقنا من السنوات في تطوير تراثنا بدل إنفاقها - أي السنوات الماضية - في تجريب تراث غيرنا، ربما كنا سنحقق بعض النتائج الإيجابية زيادة على التي توصلنا إليها لحد لآن، إذا في نظر بعض الدارسين لا يعدو ما أنتجته الحضارة الغربية كونه تطويرا لتراثها، كما يقول الدكتور طه عبدالرحمن: "فلو فرضنا أن أحدا ترك الاهتمام بتراثه الأصلي، فلا يلزم من ذلك أنه يصير إلى الانقطاع عن كل تراث، بل يلزم منه على العكس من ذلك أنه سيتجه إلى الاهتمام بتراث غيره، لافتقاره إلى مستند لذاته، فمثلا الذي يدعو باسم "الحداثة إلى الكف عن الرجوع إلى التراث وإلى الأخذ بالمعرفة الحديثة كما جاء بها الغرب، فإن دعوته لا تعدو كونها تستبدل مكان الانشغال بالتراث الأصلي الانشغال بتراث أجنبي.. "[14].

 

وأخيرا أختم هذا الموضوع بكلمات رائعة للدكتور عبدالكريم بكار، يقول فيها: "علينا أن نوظف تراثنا التربوي في إصلاح أوضاعنا التعليمية، لأن الأمة التي تعجز عن الانتفاع بتراثها ستكون أشد عجزا عن الانتفاع بتراث الآخرين "[15].



[1] الدكتور: عماد الدين خليل، مدخل إلى إسلامية المعرفة، ص: 51، الطبعة الثالثة الخاصة بالمغرب العربي،1992، المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، ودار الأمان بالمملكة المغربية.

[2] الدكتور سعيد حليم، علاقة المتعلم بالأستاذ في ظل المستجدات التربوية، ص: 5، الطبعة الثانية، مطبعة انفو- برانت- فاس.

[3] الدكتور طه عبدالرحمن، حوارات من أجل المستقبل، ص: 12، منشورات جريدة الزمن سنة 2000، الكتاب رقم 13.

[4] انظر مقدمة الدكتور حامد ربيع، لكتاب سيرة المالك، دار الشعب، القاهرة 1980، ومقدمة الدكتور ناجي التكريتي لنفس الكتاب، الطبعة الثالثة، دار الأندلس، بيروت، 1983 ومقدمة الأمير عبدالعزيز فهد عبدالعزيز آل سعود، الطبعة الأولى، دار العاذرية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض، 2010.

[5] سلوك المالك في تدبير الممالك، ص: 155، تحقيق الدكتور ناجي التكريتي، الطبعة الثالثة، دار الأندلس، بيروت 1983-

[6] سلوك المالك، ص: 105.

[7] نفس المصدرة: ص: 100-101.

[8] الدكتور سعيد حليم: علاقة المتعلم بالأستاذ، ص: 186.

[9] نفس المصدر، ص:170

[10] المصدر السابق، 156.

[11] المصدر السابق، ا لصفحات 165-157-158.

[12] صفحات في التعليم، ص: 133.

[13] سلوك المالك، ص: 163-164

[14] حوارات من أجل المستقبل، ص: 12

[15] صفحات في التعليم، ص: 136.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خليل ونه ( سيرته - رحلاته - آثاره )
  • دورة الفكر الإنساني وتحولاتها
  • طبقة سماع شهاب الدين ابن جعوان الأنصاري الدمشقي الشافعي لجميع كتاب الأذكار
  • الفكر التربوي عند العلامة البيحاني رحمه الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • رعاية الفكر في مواجهة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم الثقافة في الفكر العربي والفكر الغربي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مقاصد الشريعة بين الفكر الأصولي والفكر الحداثي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بين فكر الأزمة وأزمة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ثراء الفكر وفكر الثراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة ​​حواشي وشروح على نخبة الفكر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفكر الأخلاقي والدراسات المعاصرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معنى الفكر الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة حاشية المولى سري الدين على شرح نخبة الفكر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • خصائص الفكر الديني عند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر وثناء
سعيد امختاري - المغرب 09-04-2016 01:18 PM

الأستاذ الكريم بوزريوح محمد شكر الله لكم هذا المجهود الطيب، ولا شك أن الاطلاع على هذه الأدلة سيفيدني كثيرا إن شاء الله، وفي جميع الأحوال لا أملك إلا أن أحييك تحية خالصة من القلب بارك الله فيك وفي مجهودك.

1- زمن ابن ابي الربيع
بزريوح محمد 17-11-2014 04:54 PM

سيصدر قريبا إن شاء الله تحقيق جديد لهذا الكتاب تحت عنوان "سلوك المالك في تدبير الممالك لأبي العباس أحمد بن محمد بن أبي الربيع الحكيم: تحقيق بزريوح محمد
قوبل على أكثر من 8 نسخ توصل فيها الباحث بأدلة قوية إلى أن زمن ابن ابي الربيع هو المستعصم بالله العباسي

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب