• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

الروضة الوائلية (8)

وائل حافظ خلف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/11/2013 ميلادي - 25/1/1435 هجري

الزيارات: 10225

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الروضة الوائلية (8)


((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))

 

[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].

 

 

[طغيان (أنا)، و(لي)، و(عندي)]

 

قال العلامة ابن القيم[1] - رحمه الله -:

وليحذر كلَّ الحذر من طغيان (أنا)، و (لي)، و(عندي)؛ فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتُلِي بها إبليسُ وفرعون وقارون. فـ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ لإبليسَ ﴾، و ﴿ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ لفرعون، و﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ لقارون.

 

وأحسن ما وُضِعَت (أنا) في قول العبد: أنا العبد المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترف، ونحوه.

 

و (لي) في قوله: لي الذنب، ولي الجُرْم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل.

 

و (عندي) في قوله: اللهم اغفر لي جِدِّي وهَزْلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.

 

♦♦♦

[ في الإجماع ]

 

الإجماع في الاصطلاح هو اتفاق مجتهدي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور[2].

 

وفي شرح حده، ومعرفة فصله وجنسه، والبحث في إمكانه في نفسه، والكلام على حجيته مع أنواعه، مباحثُ كثيرة تُطلب من مظانها.

 

لكن الذي إليه المقصَد هنا الكلام على أمور أُخرَ.

 

فمنها:

• الكلام على نقل إمامين كبيرين من أهل نقل الإجماع، أولهما أبو بكر بن المنذر، فمن المعلوم عند أولي العلم أنه واسع الخطو في نقل الإجماع، والإحاطة بمذهبه رائد جيد لمن يبتغي التحرير، ومذهبه ما نقله ابن ضويان في "المنار"[3] عن ابن القيم قال: ((عادة ابنِ المنذر أنه إذا رأى أكثر أهل العلم، حكاه إجماعًا)). انتهى.

 

لكن مما ينبغي أن نلمع إليه هنا أن ابن المنذر - رحمه الله - في مواضعَ من كتابه "الأوسط" يقيد النقل بعلمه هو، فيقول مثلاً: ((لا أعلمهم يختلفون فيه))، أو: ((لا أعلم فيه خلافًا))، ونحو هذا. ولا معاب عليه في ذلك إذا ما اطلع في المسألة على خلاف؛ إذ إن الرجل إنما انتهى إلى ما علم، وقيد وما أطلق، ومخطئ مَن حكى عنه نقل الإجماع من مثل هذه المواضع، فإن عدم العلم بالشيء لا يوجب العلم بعدمه، فإن عثر على خلاف فليعتبر حينئذ من غير ما إنكار على من قيد. ولابن القيم كلام يدور في فلك هذا.

 

• والإمام الثاني هو أبو جعفر ابن جرير الطبري - رحمه الله -، فإن أصله الذي يبني عليه الإجماع يضارع ما سلف، وهو أنه إذا رأى خلاف رجل أو رجلين في المسألة لم يعده شيئًا ويحكي الإجماع على قول الأكثرين. ذكر هذا عنه غيرُ واحد، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن تلامذته: ابن قيم الجوزية في غير موضع من كتبه، ومنها "جِلاء الأفهام"، والعماد ابن كثير في "التفسير".

 

وقال الشيخ - رحمه الله - في "منهاج السنة النبوية" (ج8/ص335-336)، من كلامه على إمامة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:

((لا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة، فإنه لو اعتُبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة؛ فإن الإمامة أمر مُعَيَّن، فقد يتخلف الرجل لهوًى لا يُعلم...

 

ومَن ترك الشيء لهوى لم يؤثر تركُه، بخلاف الإجماع على الأحكام العامة، كالإيجاب والتحريم والإباحة، فإن هذا لو خالف فيه الواحد أو الاثنان فهل يعتد بخلافهما؟ فيه قولان للعلماء.

 

وذُكر عن أحمدَ في ذلك روايتان:

إحداهما: لا يُعتدُّ بخلاف الواحد والاثنين، وهو قول طائفة كمحمد بن جرير الطبري.

والثاني: يعتد بخلاف الواحد والاثنين في الأحكام، وهو قول الأكثرين.

 

والفرق بينه وبين الإمامة أن الحُكم أمر عام يتناول هذا وهذا؛ فإن القائل بوجوب الشيء يُوجبه على نفسه وعلى غيره، والقائل بتحريمه يُحَرِّمه على نفسه وعلى غيره، فالمنازِع فيه ليس متهمًا؛ ولهذا تُقبَل روايةُ الرجل للحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصة وإن كان خصمًا فيها؛ لأن الحديث عام يتناولها ويتناول غيرها، وإن كان المحدِّث اليوم محكومًا له بالحديث فغدًا يكون محكومًا عليه، بخلاف شهادته لنفسه؛ فإنها لا تُقبل؛ لأنه خصم، والخصم لا يكون شاهدًا)) انتهى.

 

• رأيت فيما مر من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الإجماع على الأحكام بخرقه خلافُ الواحد في قول الأكثرين، وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن أكثر (الأكثرين) يقولون: إن مخالفة داودَ الظاهريِّ لا يُعتد بها.

 

قال الإمام النووي - رحمه الله - في "شرح مسلم" (ج3/ص142):

((وقد حكى الشيخ أبو حامد الإسْفَرَايينيُّ إمامُ أصحابنا العراقيين عن داودَ الظاهري أنه أوجب السواك للصلاة، وحكاه الماوردي عن داودَ، وقال: هو عنده واجب لو تركه لم تبطل صلاته.

 

وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقلَ الوجوب عن داود، وقالوا: مذهبه أنه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابُه عن داود لم تَضُرَّ مخالفتُه في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون)).

 

وقال في موضع آخرَ (14/29):

((قال أصحابنا: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حكي عن داودَ وقول الشافعي في القديم، فهما مردودان بالنصوص والإجماع. وهذا إنما يُحتاج إليه على قول من يَعْتَدُّ بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون: لا يُعتد به؛ لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتد به)). انتهى.

 

وقد أبى هذا المسلكَ جماعة، ومذهبهم هو الأصح، ومنهم العلامة الشوكاني - رحمه الله -، قال في "نيل الأوطار"[4]:

عدم الاعتداد بخلاف داودَ مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثُر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين؟! فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسَّسَة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالَغة؛ فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهبَ لا يوافق الشريعةَ منها إلا القليل النادر، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة. ولكن:

لِهَوَى النفوس سريرةٌ لا تُعْلَم


• قال المناوي في "الفيض" (ج5/ص677) ط/ مكتبة مصر، عند شرحه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قال:

((قال أصحابنا في الأصول: يجوز أن يجمع عن قياس، كإمامة أبي بكر هنا؛ فإن الصحب أجمعوا على خلافته، وهي الإمامة العظمى، ومستندهم القياس على الإمامة الصغرى، وهي الصلاة بالناس بتعيين المصطفى صلى الله عليه وسلم)). انتهى.

 

وأقول: القول بأن الصحب - رضوان عليهم - قاسوا الكبرى على الصغرى مجال نظر. قال أبو الحسن السندي في "حاشيته على النسائي"[5]: ((في الحديث تقديم أهل الفضل والعلم في الإمامة الصغرى والكبرى جميعًا، وأنهم فهموا من تقديم أبي بكر في الصغرى تقديمه في الكبرى أيضًا بعد بيان عُمَرَ لهم ذلك، وليس ذلك لقياس الكبرى على الصغرى حتى يقال: إنه قياس باطل؛ بل لأن الصغرى يومئذ كانت من وظائف الإمام الكبير، فتفويضها إلى أحد عند الموت دليل على نصبه للكبرى. فليتأمل)). انتهى.

 

وقد بسطنا الكلام على هذا في كتابنا "نزهة العيون". والله الهادي إلى الصواب.

 

♦♦♦

[ كمال عقل الشافعي ]


روى الحافظ ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" عن محمد بن سفيان بن سعيد قال: قال لنا يونس بن عبد الأعلى:

((ما رأيت أحدًا أعقل من الشافعي، لو جُمِعَتْ أمةٌ فجُعلتْ في عقل الشافعي لوسعهم عقلُه)).

 

قال:

وقال لنا يونسُ: ناظرت الشافعي يومًا في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال لي: ((يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ؟!)). انتهى.

 

قال الذهبي[6]:

((هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفِقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون)).

 

♦♦♦

[ خبر كُثَيِّر عَزَّةَ مع عبد الملك بن مروان ]

 

قال أبو علي القالي في "الأمالي" (ج1/ص46-47):

أخبرَنا أبو بكر (هو ابن دُرَيْد)، قال: أخبرنا السَّكَنُ بن سعيد، قال: أخبرنا عليُّ بن نصر الجَهْضَمي قال: دخل كُثَيِّر على عبد الملك بن مروان - رحمه الله -، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟

قال: نعم.

قال: ((أنْ تَسْمَعَ بالْمُعَيْدِىِّ خيرٌ من أن تراه)) [7].

 

فقال: يا أمير المؤمنين، كلٌّ عند محله رَحْبُ الفِناء، شامخُ البناء، عالي السناء. ثم أنشأ يقول:

ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسدٌ هَصُورُ
ويُعْجِبُك الطَّرِيرُ إذا تراه
فيُخْلِف ظنَّكَ الرجلُ الطريرُ
بُغَاث الطير أطولها رقابا
ولم تَطُلِ البُزَاةُ ولا الصقورُ
خَشَاش الطير أكثرها فِرَاخا
وأُمُّ الصقرِ مِقْلَاتٌ نَزُورُ
ضِعَاف الأُسْد أكثرُها زَئِيرا
وأَصْرَمُها اللواتي لا تَزِيرُ
وقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ
فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَم البعيرُ
يُنَوَّخ ثم يُضْرَب بالهَرَاوَى
فلا عُرْفٌ لديهِ ولا نَكِيرُ
يُقَوِّدُه الصبيُّ بكل أرض
ويَنْحَرُه على التُّرْب الصغيرُ
فما عِظَمُ الرجالِ لهم بِزَيْنٍ
ولكن زَيْنُهم كَرَمٌ وخِيرُ

 

فقال عبد الملك: ((لله دَرُّه، ما أفصحَ لسانَه، وأضبطَ جَنَانَه، وأطولَ عِنَانَه! واللهِ، إني لأظنه كما وصف نفسه)). انتهى.

 

والأبيات السالف ذكرها أنشدها أبو تمام في "الحماسة" لعباس بن مرداس بألفاظ متقاربة، وفي آخرها:

فإنْ أَكُ في شراركمُ قليلا
فإني في خياركمُ كثيرُ

 

ونسبها ابن الأعرابي والرياشي إلى معوِّد الحكماء، وقيل: الشعر لربيعة الرَّقي.

 

قال أبو عبيد البكري في "اللآلي" (ج1/ص190/تحقيق الميمني):

الصحيح من هذا - والله أعلم - أنه لمعوِّد الحكماء، وهو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب، سُمِّي معود الحكماء بقوله:

سأعقِلها وتحمِلها غنيٌّ
وأُوْرِثُ مجدَها أبدًا كلابا
أُعَوِّدُ مثلَها الحكماءَ بعدي
إذا ما مُعْضِلُ الحدَثَانِ نابا

 

قال أبو عبيد:

ومعاوية خامس خمسة من إخوته كلهم سادَ ووُسِمَ بخصلة حميدة عُرِفَ بها، وأمهم أم البنين بنتُ عمرو بن عامر فارس الضَّحْياء، واسمها الحَيَا، وهي التي يُضرَب بها المثل، فيقال: ((أنجب من أم البنين)).

 

♦♦♦

[ خبر هشام بن عبد الملك مع صبي ظريف حين شَخَصَ للصيد ]

قال أبو محمد اليافعي[8]:

مما يُحكى عن هشام أنه خرج ذات يوم إلى الصيد، فنظر إلى ظبي فتبعه، فأحالته الكلاب إلى أن وصل به إلى صبي يرعى غنمًا، فقال له: يا صبي، دونك الظبي ائتني به.

 

فقال له الصبي: فقدت الحياة لو نظرت إليَّ باستصغار، وعاشرتني باحتقار، وكلامك كلام جبار، وفعلك فعل حمار!

قال: يا غلام، أوَلم تعرفني؟

قال: بلى، قد عرفني بك سوء أدبك؛ إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك.

 

قال له: وأنا هشام بن عبد الملك.

قال: لا قرَّبَ الله دارك، ولا حيَّا قرارك[9].

 

قال: فوالله ما استتم كلامه حتى أحدقتْ به الخيول والجيوش من كل جانب ومكان، كلٌّ له يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: أقصروا عن السلام، واحفظوا الغلام، والحقوني به.

 

ثم ركب مغضبًا إلى داره، فلما وصل وركب على سرير مُلكه أقبلتْ إليه الحرفاء والوزراء والأمراء والكُتَّاب، كلٌّ يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وذلك الصبي ساكت، قد أرسل ذقنه على صدره، وقرن عينيه، وسكت عن الكلام، وامتنع عن السلام.

 

فقال له بعض الوزراء: ... ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟

قال: ... منعني من ذلك طول الطريق، ونهر الدرجة.

 

فقال له بعض الحرفاء: ... بلغ من فضولك أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة؟!

فقال: رمتك الجندل، ولأُمِّك الهَبَل[10]، أوَ ما سمعتَ قول الله - عز وجل - في كتابه المنزل على نبيه المرسل: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ﴾[11]؟ فإذا كان الله - تعالى - يجادَل جدالاً، فمَن هشام حتى لا يُخاطَب خطابًا؟!

 

فعند ذلك اغتاظ الملِك من كلامه، وقال: عليَّ برأس الغلام؛ فقد أكثر الكلام.

 

فوُضِع الصبيُّ في نطع الدم[12]، وجُرِّد سيفُ النقمة ليضرب عنقه، فقال له الضراب: يا سيدي، عبدك المدل بنفسه، المنقلب إلى رمسه، أضرب عنقه وأنا بريء من دمه؟

قال: اضرب عنقه.

 

فاستأذنه ثانية فأَذِن له، ثم استأذنه ثالثة فأذن له، فضَحِك ذلك الصبي وهو في نطع الدم! فقال: أقيموه، ثم قال له: يا غلام، أنت تضحك في الممات، وتجادل في الحياة، أتستهزئ بنا أم بنفسك؟!

قال: يا أمير المؤمنين، اسمع مني كلمتين وافعل ما بدا لك.

 

قال: قل.

قال: فوالله، إن هذا أول أوقاتي من الآخرة، وآخر أوقاتي من الدنيا، فوالله، لئِن كان من المدة تقصير، وفي الأجل تأخير؛ لا يضرني من كلامك هذا لا قليل ولا كثير، ولكن يا أمير المؤمنين، أبيات من الشعر حضرتني، اسمعها مني.

 

قال: قل.

فقال:

نُبِّئْتُ أن الباز خلف[13] مرةً
عصفورَ بَرٍّ ساقه المقدورُ
فتكلم العصفور في أظفاره
والباز مُنْهَمِكٌ عليه يطيرُ
ما فيَّ ما يُغْنِي لمثلك[14] شبعةً
ولئن أُكلْتُ فإنني لحقيرُ
فتعجب الباز المدل بنفسه
عجبًا وأفلتَ ذلك العصفورُ

 

فخر هشام بن عبد الملك على وجهه ضاحكًا، وقال: والله، لو تلفظ بهذا الكلام في وقت من أول أوقاته وطلب ما دون الخلافة لأعطيته إياه، يا غلام، احش فاه دُرًّا وجوهرًا. فحشى فاه درًّا وجوهرًا وأعطاه الجائزة والكسوة، وراح إلى أهله مسرورًا.



[1] "زاد المعاد" (ج2/ص475).

[2] "غاية الوصول شرح لُب الأصول" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ص107) ط/ البابي الحلبي، و"إرشاد الفحول" للشوكاني.

[3] (ج1/ص106) ط/ البصيرة.

[4] (ج1/ص119) ط/ دار ابن الهيثم.

[5] (ج1/ص525) ط/ دار الحديث.

[6] "سير أعلام النبلاء" (ج10/ص17).

[7] الْمُعَيْدِي: تصغير ( مَعَدِّيّ ) منسوب إلى ( مَعَدّ )، وإنما خُففت الدال استثقالاً للجمع بين الشَّدِيدَتَيْنِ مع ياء التصغير. وهو مثل يُضرب للرجل الذي له صِيت وذِكر في الناس، فإذا رأيته ازدريت مَرْآته، والمعنى: سماعك به خير من رؤيتك إياه. كذا في "اللسان". وانظر أصل خبره في "مجمع الأمثال" رقم (655).

[8] "مرآة الجنان وعبرة اليقظان" (ج1/ص205-206) ط/ دار الكتب العلمية، واختصره عنه ابن العماد في "الشذرات" (ج1/ص165).

[9] في "الشذرات": ((مزارك)).

[10] الهبل: الفقد والثكل. يقال: هَبِلته أمُّه: ثَكِلته. والْمُهَبَّل: مَن يُدعى عليه بذلك.

[11] [النحل: 111].

[12] النطع فيه أربع لغات: نَطْعٌ، وَنِطْعٌ، وَنِطَعٌ، وَنَطَعٌ، والجمع: نُطُوعٌ وَأَنْطَاعٌ. وهو بساط مِن الجلد كانوا يُجلسون عليه مَن أرادوا قتله؛ لئلا يصيب الأرضَ دمُهُ.

[13] في "الشذرات": ((علق)).

[14] في "الشذرات": ((لبطنك)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الروضة الوائلية (1)
  • الروضة الوائلية (2)
  • الروضة الوائلية (3)
  • الروضة الوائلية (4)
  • الروضة الوائلية (5)
  • الروضة الوائلية (6)
  • الروضة الوائلية (7)
  • الروضة الوائلية (9)
  • الروضة الوائلية (10)
  • الروضة الوائلية - فوائد منثورة
  • وصف الروضة في ديوان إجهاشة النبض الشاعر حمد حكمي

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة كوكب الروضة (بلبل الروضة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الحديث عن الروضة في ديوان إجهاشة النبض للشاعر حمد حكمي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • روسيا: طرد أطفال الروضة لحجاب أمهاتهم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المدينة المنورة: ورشة عمل لتنظيم وتسهيل الصلاة في الروضة وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ذكريات شموع الروضة (8)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • ذكريات شموع الروضة (7) ذكرياتي مع محمد العبدالله الراشد وأبيه رحمهما الله (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • ذكريات شموع الروضة (5) فأصابتكم مصيبة الموت، فقد عالم وفقد محسنة!(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • مخطوطة حاشيه على الروضة النووية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الروضة الأنف (قصيدة في مدح أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما)(مقالة - ملفات خاصة)
  • آليات تفعيل جميع الأولياء في العملية التربوية لطفل الروضة ودعمهم لبرامجها (PDF)(كتاب - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب