البحث السريع بالمشاركة (5)

البحث السريع بالمشاركة (5)

رأينا في المقالات السابقة؛ تقسيمات عدة لأساليب البحث السريع المستخدَمة (P. R. A. METHODS)، واليوم نستكمل آخر هذه التقسيمات..

7- مجموعة النقاش والتحليل:

♦ جلسة خاصَّة يتم تنظيمها من خلال المعلومات التي يتم الحصول عليها من المجتمعِ بهدف الاستفادة بها في التخطيط مستقبلاً أو لمعالَجة بعض المشكلات الحاليَّة.

♦ وتُمثِّل هذه المجموعات إحدى الأدوات الهامة والجادة في عملية اتخاذ القرارات المتعلِّقة بالمجتمع؛ نظرًا لأنها تجمع فريق عملٍ مَيداني مشترك من المجتمع.

♦ تعتمد هذا المجموعات على تهيئة الفرصة للتركيز وبَلورة الأفكار التي تسمح لأعضاء المجتمع بتحديد وترتيب الأولويات والتصوُّرات المتعلِّقة بكيفيَّة الأداء.

وتعتمد إدارة هذه المجموعات على عدة مهارات، ويجب أن تتوفَّر لدى المشاركين فيها:

♦ تيسير عملية الحديث للمجتمع.

♦ التعاون من أجل الوصول لمقترحات وقرارات.

♦ الإنصات الجيد وإصدار التغذية العكسية المناسبة.

♦ البُعد عن عمليات التنظير والاعتماد على الواقع.

♦ احترام آراء الآخرين وعدم مهاجمتهم.

♦ الاقتناع بأن المجتمع مصدر جيد للتعلُّم.

تنقسم هذه المجموعة إلى أشكال عديدة وهي:

1- المناقشة المركَّزة.

2- مناقشة الابتكارات.

3- بيان ضمان الاستمرارية.

المناقشة الجماعيَّة المركَّزة:

عبارة عن مقابلات جماعية، ونظام اتصال يقوم على:

♦ توفير الفرصة للحوار الهادف.

♦ التوسُّع في عرْض وجهات النظر والآراء المختلفة.

♦ ضمان مشارَكة جميع الأفراد المستهدَفين.

♦ عرْض أفكار واستنتاجات واضِحة.

خامسًا: مهام المشاركين في البحوث السريعة (11):

يمكن للمشاركين في البحوث السريعة القيام بالمهام الآتية:

1- اختيار منطقة جغرافية معيَّنة لإجراء البحث.

2- تحديد الأبعاد التي على أساسها سيتم جمْع البيانات، (في حدود من 7 - 10 على سبيل المثال).

3- تحديد أساليب جمع البيانات.

4- تحديد مَن الذي سوف يجمع البيانات وبأي منهج، والوقت اللازم لذلك.

5- تقدير للبيانات التي سيتم جمعها عن كلِّ بُعْد.

سادسًا: مراحل بحوث المشاركة (12):

تتضمَّن بحوث المشاركة، مثلها مثل كل أنواع وأشكال البحث العلمي أربع مراحل أساسيَّة، هي:

مرحلة الأعداد وإيجاد العلاقات بين المشاركين - جمْع البيانات وتحليل النتائج، مرحلة كتابة تقرير البحث.

تقرير البحث وتوزيعه، وأخيرًا العودة إلى العقل والتفكير والتغذية العكسية.

المرحلة الأولى: الإعداد وتوثيق العلاقات بين المشاركين في البحث:

إن بحوث المشاركة يجب أن تبدأ بمطلَبٍ مُعيَّن، أو تبدأ بعميل، أو بمطلب من جِهة ما، وإن كان ذلك دائمًا لا يحدُث بطريقة مباشرة، والمهمة الأولى للباحث هي مساعدة العميل على تحديد مطالبه، ومن هنا تبدأ بحوث المشاركة أول الرحلة مع مشكلة البحث السريع، والمشكلات التي تتعامَل معها بحوث المشاركة يجب أن تكون واقعيَّة، وغير مفروضة، أو افتراضية، أو خارج نِطاق الاهتمام المِهْني أو الشخصي.

فالباحث لا يعمل مع جماعة مصطنعة مؤلَّفة من أفراد منعزِلين اجتماعيًّا، ولكن مع جماعات طبيعية في حياتهم المعتادة وفي المحيط الاجتماعي، وهكذا فإن بحث المشاركة يتم إنجازه من خلال وبواسطة كل الناس المهتمين بالمشكلة، فالباحث يرى المواطنين كمشاركين، كما يجب أن يوضِّح لهم الموقف الأساسي للبحث.

ويؤكِّد العاملون في مجال البحوث السريعة بالمشاركة على الحاجة إلى إقامة تعاقُد مباشر، وفي هذه المرحلة يجب أن يركِّز فريق العمل على أن البحث يبدأ من مرحلة التفاوض بمجرد أن يدعو العميل الباحث أو فريق البحث لمناقشة الموضوع المراد إجراء البحث بشأنه، وتعتبَر مرحلة التفاوض هذه رحلة مهمة للغاية، فالتفاوض هو الطريق أو المسمار الذي يُحدِّد الأهداف المطلوب إنجازها من فريق البحث، تلك الأهداف التي تعتبر غامضة لحين الاتفاق عليها، وحينئذ تعتبر هي الإطار (أو الأمر) المرجعي للبحث السريع، والإطار أو الأمر المرجعي هو إطار الاتفاق الذي يقدِّمه العميل لجِهة إجراء البحث بشكل رسمي، والتعاقد في ضوء هذا الإطار هو الشكل القانوني لهذا الأمر:

وفي التعاقد يَصوغ كل الأطراف التزاماتهم المتبادَلة، وفي هذا السياق يتم تحليل الطلب والأمر، وهناك قضيتان أساسيتان يجب بحْثهما في هذه المرحلة، هما:

1- تحديد هدف بحث المشاركة.

2- تمويل مشروع البحث.

وتتحدَّد أيضًا في هذه المرحلة إمكانية تنفيذ مشروع البحث، ويتم وضْع صياغة ما يُعرَف ببرتوكول المشروع، ويتم اختبار وتحليل التعاون بين مختلف الأطراف، وبالمِثل الصراعات المحتملة، والأمر الذي يجب التأكيد عليه في هذا الصدد أن أهداف العمل يجب أن تُصاغ وتُكتَب.

وأثناء هذه المرحلة أيضًا يُحاول أعضاء الجماعة المشارِكة في البحث أن يوضِّحوا القضايا الأساسيَّة في عملية المشاركة، وتوضيح قدراتهم المتبادلة والمتكامِلة، وإبداء وجهات نظرهم في اجتماعات جماعية، واهتماماتهم ومصالحهم وخِبراتهم، بل ومخاوفهم أيضًا، وغالبًا، فإن الجماعة ما تقوم ببعض التدريب، الزيارات، الاستشارات، وهو ما يُسمَّى بالجزء التخطيطي في المرحلة التمهيدية.

وللتأكد من ارتباط المشروع البحثي بالواقع، فإنه يجب أن يعكس الناس اهتمامهم بالموقف الإشكالي، وكذلك البحث عن حلول، وأن يوضِّحوا قِيمهم وطبيعة وأُسس التزامهم في البحث، كما يجب على كل عضو في فريق البحث أن يفكِّر في الوقت والطاقة اللازمة لإجرائه. وفي هذه المرحلة أيضًا، يقوم أعضاء فريق البحث بإجراء وصفٍ مثالي لمشروع البحث والذي يسمح بتمثيل توقُّعات ورغبات الأفراد المشاركين فيه، وللتأكُّد من مصداقية البحث، فإن الفريق يجب أن يبذُل جُهدًا للتأكد من أن أنشطة وإجراءات البحث سوف تكون مقبولة اجتماعيًّا، وبطريقة أكثر تحديدًا، فهذا الأمر يؤدي إلى إرساء اتفاقات رسميَّة مع السلطات ذات الصِّلة المباشرة بعمليات بحوث المشاركة.

المرحلة الثانية - جمع وتحليل البيانات:

وفي المرحلة الثانية (والتي تُسمَّى "المرحلة الوصفية") يقوم فريقُ البحث بتوضيح أو تبسيط المواقف الإشكالية ووصفِ التغيُّرات التي حدثت نتيجة أعمال تم تنفيذها بالفعل، كما يجب أن يقوموا بتحديد مقاييس المعلومات الضرورية التي يمكن القياس من خلالها، وكذلك موقع ومصادر المعلومات المتوافرة، وأيضًا اختيار الأساليب المناسبة لجمع البيانات.

وتعتمد بحوث المشاركة السريعة في أغلب الأحوال على الأدوات الكيفيَّة في جمع البيانات أكثر من الأدوات الكميَّة، ومن أمثلة أدوات جمع البيانات الكيفيَّة: الملاحظة بمختلف أشكالها (البسيطة، شِبه المقنَّنة، المقنَّنة، الفردية، الجماعية)، تحليل السجلات أو التقارير المتاحة عن المشروع أو البرنامج أو القضية التي تتم دراستها.

وعلى الرغم من ذلك فإن بحوث المشاركة تعتمد أيضًا على البيانات الكميَّة التي يتمُّ الحصول عليها من بحوث أو تقاريرَ سابقة، أو من واقع البيانات الكيفية التي تم جمْعها أثناء البحث، أو من الإحصاءات التي يمكن الحصول عليها من موضوع البحث، وهكذا يمكن القول: إن البحوث السريعة بالمشاركة ذات طابَع كيفي وكمي، وإن كان يغلِب عليها الطابَعُ الكيفي.

وخلال هذه المرحلة أيضًا يتم تجميع البيانات من المصادر المختلفة وتبويب وتصنيف هذه البيانات، ومن ثَمَّ استخلاص الحقائق والتوصُّل لأهم النتائج، أخيرًا وضْع التوصيات.

المرحلة الثالثة: كتابة تقرير البحث وتوزيعه:

وفي هذه المرحلة يتم ما يلي:

1- كتابة تقرير البحث بشكل جماعي وبمشاركة الأعضاء المشاركين في إجراء البحث في صورة أوليَّة أو مبدئيَّة.

2- يلي ذلك التباحث مع مختلف الأطراف المعنيَّة بالبحث، ويتم كتابة التقرير في ضوء ما يتم الاتفاق عليه من مختلف الأطراف في ضوء معايير معيَّنة وأسلوب شِبه مُحدَّد يُتَّفق عليه.

3- وفي نهاية الأمر يتم توزيع البحث على الأطراف المعنيَّة لتتحقَّق الاستفادةُ منه:

المرحلة الرابعة: العودة إلى البداية والتفكير من جديد (التغذية العكسية):

ويُقصَد بالعودة إلى البداية أن تتم عملية تغذية استرجاعيَّة لتبدأ سلسلة جديدة من إجراءات الإصلاح أو التعديل أو التحسين على الموضوع أو القضية أو المشكلة أو المشروع أو البرنامج الذي يتم تقويمه أو دراسته... فبحوث المشاركة السريعة لا تنتهي بكتابة التقرير الختامي، ولكنها تبدأ سلسلةَ إجراءاتٍ جديدة في عمليَّة تفاعُليَّة من الدراسة وإثارة واقتراح ردود أفعال ثم دراسة آثارِها.

سابعًا: الصعوبات التي تواجه إجراءات البحوث السريعة بالمشاركة:

1- أكَّدت الدراسات على أن هناك صعوبات تواجِه التطبيق العلمي لمفهوم الشراكة أو المشاركة خاصة في ظلِّ الإدارات الحكوميَّة التقليدية الحالية، التي ما تزال مصرَّة على إصدار القرارات التنموية الفوقيَّة وتحول دون أن ينبُع القرار من المجتمع نفسه، ويترتَّب على ذلك صعوبة إقناع المواطنين في المجتمعات المحلية وخاصة المجتمعات الريفية منها بالمشاركة في تلك البحوث، وخاصة إذا كانت لديهم خبرات سابقة غير سارة.

2- الحاجة إلى التدريب على أجراء هذه البحوث.

3- الوقت المطلوب لإجراء هذه البحوث ربما لا يكون كافيًا أو يُمثِّل عنصر ضغْط على الباحثين الذين يقومون بإجراء البحث.

4- صعوبة تغيير الاتجاهات لدى بعض المواطنين من خلال الكلام فقط، وخلال فترة وجيزة، فالأمر يحتاج من الباحثين على مستوى المجتمع المحلي أن يتَّصِفوا بالصبر والمثابرة لتغيير الواقع غير المناسب الذي قد يجدونه أمامهم.

ثامنًا: الخطوات التنفيذية لتنفيذ البحث السريع بالمشاركة:

وفي ضوء ما سبَق ذِكره، وفي ضوء الخبرة التي توافرت للباحث في مجال البحوث السريعة بالمشاركة يمكن للباحث أن يضع إطارًا تَصوُّريًّا للخطوات الإجرائية لتنفيذ البحث على النحو التالي:

1- تحديد ماذا يُراد بحثه أو دراسته.

2- التعاقُد مع الجِهة التي تطلُب إجراء البحث.

3- اختيار الفريق الذي سيُشارِك في البحث السريع، بحيث يشمل تخصُّصات مختلفة تتناسب مع طبيعة البحث المراد إجراؤه.

4- كتابة التعاقُد بين فريق البحث والجِهة الطالبة لإجرائه على أن يشمل هذا التعاقُد ما يُراد بحثه بالتحديد، وأن يتم كتابة ذلك ما أمكن.

5- اجتماع أفراد الفريق لتحديد الأهداف في ضوء ما تم الاتفاق عليه.

6- يتم تحديد الأهداف بصور إجرائية قابلة للقياس والاستقصاء، حتى يمكن الوصول إلى نتائج دقيقة ومُحددة.

7- يتم تحديد الأهداف الفرعية التي يسعى البحث لتحقيقها.

8- يتم تحديدُ مَن الذين سيتم سؤالهم أو الحصول على البيانات الأساسيَّة منهم بما يحقِّق أهدافَ البحث.

9- القيام بصياغة أسئلة محدَّدة لكل مشارِك في البحث، بحيث تكون هذه الأسئلة ترجمة لأهدافه، مع مراعاة أن تكون الأسئلة مُصاغة بطريقة علميَّة سلمية، كأن تكون واضحة ومحددة، وبسيطة، وغير موحِية، وغير مكرَّرة، وغير مُحرِجة، وغير خارجة عن موضع البحث، وغير مزدوجة المعاني أو الأهداف.

10- مناقشة هذه الأسئلة بين أعضاء الفريق للتوصُّل إلى أفضل صياغة لها.

11- تحديد مهامِّ كل عضو في الفريق - وَفقًا لتخصُّصه أو مهاراته الخاصة - في الحصول على البيانات المطلوبة، فمثلاً إذا كان موضوع البحث عن الاحتياجات الصحيَّة؛ فإنه يفضل أن يقوم طبيب أو مَن له دِراية أو صِلة بالجوانب الصحيَّة بمهمة التعامل مع طبيب الوِحدة الصحيَّة أو الأطباء الذين لهم عيادات خاصَّة، والحصول على البيانات اللازمة من هؤلاء المتخصِّصين... وهكذا.

12- التدريب على جمع البيانات قبل النزول للمَيدان حتى يمكن ضمان الحصول على أفضل نتائج مع تجنُّب أية مواقف غير متوقَّعة.

13- تحديد العيِّنة المختارة للبحث، بحيث تُمثِّل المجتمع ككل، وقد يدفعنا هذا إلى تقسيم المجتمع المحلي إلى قطاعات، بحيث يُمثل تمثيلاً جيدًا بما يساعِده على دقة البحث وصدْق نتائجه.

14- جمع البيانات من العينة المختارة.

15- اجتماع فريق البحث عقِب كل يوم يتم فيه جمْع البيانات، واستعراض أعضاء الفريق لِما تم جمعه من بيانات، وكتابة ما تمَّ التوصل إليه بالشكل التالي:

أ) كتابة أهم الاستخلاصات التي تم التوصُّل إليها من واقع البيانات التي تم الحصولُ عليها من مختلف الأطراف التي شارَكت في البحث.

ب) التوصل إلى نتائج محددة في ضوء الاستخلاصات، (تحديد المشروعات المقترَح تنفيذها بالنسبة للبحث الراهن).

د) كتابة مقترحات لمواجهة المشكلة التي يتم بحثها في ضوء آراء المبحوثين.

16- عرْض هذه النتائج وتعديلها في ضوء مقترحات أعضاء الفريق (الاتفاق على المشروعات بالنسبة للبحث الراهن).

17- عرْض النتائج التي توصَّل إليها أعضاء اللجنة على جانب من المشاركين في البحث السريع؛ كالطبيب الذي تم أخذ رأيه في البحث، أو عضو المجلس الشعبي المحلي، وهكذا (عرْض المشروعات المقترَح تنفيذها على أعضاء المجلس المحلي والقيادات الرسميَّة في مركز أبشواي بالنسبة للبحث الراهن).

18- تعديل النتائج في ضوء المناقشات التي تتم مع عيِّنة من المشاركين في البحث.