• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه

إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/2/2013 ميلادي - 8/4/1434 هجري

الزيارات: 7247

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه


التطور سنة عاملة في الإنسان لا تفتر ولا تقصّر، عملت فيه وهو جنين في ظلمات الرحم، كان نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم عظامًا كسيت لحمًا، فلما تم خلقه برز إلى نور الوجود ليعمل فيه التطور عملًا آخر، فكان طفلًا رضيعًا؛ ثم فطيمًا، ثم صبيًا، ثم مراهقًا، ثم شابًا؛ ثم بلغ أشده واستوى، واستكمل القوة والنمو، ووصل إلى ذروة الحياة.


قال تعالى في توضيح تلك السنة التي لن تتبدل ولن تتحول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].


وقال تعالى موجزًا هذه الأحوال أبلغ إيجاز: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14].


وإذا استكمل الإنسان قوته انحدر إلى الضعف كرة أخرى لتتم دورته الكونية ويعود إلى الأرض التي خلق منها، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].


وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68].


وغرائز الإنسان التي فطر عليها تدعوه إلى هذا التطور ما دام يتسامى به ويرتقي، فإذا جنح به التطور إلى الانحدار نفرت منه طبيعته، وحاولت أن تتخلص منه، وأن تلتمس السبيل إلى التسامي.


فهو منذ حداثته يفكر في أن يكون رجلًا، وأن يكون له زوج وأولاد، ويفكر في جمع المال وادخاره وتنميته إن جارى غرائزه الفطرية ولم يخرج عليها.


وإن كانت امرأة فكرت في أن يكون لها بعل، وفي أن تكون أمًّا تشبل على أولادها، وترعاهم وتبسط عليهم جناح رحمتها ثم عملت على ما يجعلها أهلًا لهذه الحياة المستقبلة، التي يسير بها التطور إليها، وتأبى غرائزها إلا أن تعدها لها.


والإنسان المعتدل المزاج؛ المستقيم الغرائز؛ يفكر دائمًا في أن يكون في حال خير من حاله؛ يتمنى أن يكون في صحة خير من صحته، وفي ثروة أوسع من ثروته، وفي جاه أعرض من جاهه، ومنـزلة أسمى من منـزلته، وهكذا يصدق قول الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له واديان"[1].


وإنك لتجد الإنسان حين تنحدر به الحياة إلى الضعف والشيخوخة يفكر في مقاومة عواملهما ما وجد إلى ذلك سبيلًا، ويستعين على ذلك بأنواع من العلاج، وألوان من الدواء، عسى أن يحتفظ بقوته وشبابه، ويطيل أمد استمتاعه بالحياة.


ولقد أدى ذلك إلى البحث عن الوسائل التي تؤخر الشيخوخة؛ أو ترجئ هجومها ردحًا من الزمن.


ولكن هيهات، فلكل داء دواء إلا الهرم، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلًا.


وإذا أحس الإنسان دبيب الضعف في جسمه، والنقص في بدنه فكر في المزيد والتسامي من ناحية أخرى.


فكر في زيادة الثروة إن مد له في أسبابها فازداد جدًا وكدًا؛ وحرصًا على المال، وضنًا به.


وإن قدر عليه رزقه، وضاقت ذات يده، فلم يستطع المزيد من هذه الناحية، أقبل على المزيد في الدين؛ فلزم المساجد، وأقام الصلاة، وأكثر من الصوم، والذكر والاستغفار،وحرص على التسامي من هذا الوجه، لأن الفطرة الإنسانية تهيب بالإنسان إلى أن يتسامى دائمًا؛ في كل ناحية من نواحيه؛ فإن عجز عن ناحية لم يعجز عن الأخرى.


جاءت الشريعة الإسلامية فأقرت هذا المبدأ؛ لأن في إقراره مسايرة لسنة الله، وموافقة للفطرة التي فطر الناس عليها، أقرت الناس على ما دعتهم إليه الفطرة من الطموح والتسامي، بل دعت إلى ذلك وحضت عليه، ليبلغ الناس الكمال الممكن الذي هيئوا له.


علم الشارع الحكيم أن العلم أول ما ييسر الرقي أمام الأمم والشعوب، ويفتح لها أبواب المجد على مصاريعها. فدعا الناس إليه دعوة لا هوادة فيها، وحثهم على طلبه ليفتح أبصارهم على آياته في الأنفس والآفاق، فتتفتح لهم دلائل وجوده وقدرته؛ وعلمه وحكمته، ويعبدوه مخلصين الدين؛ وليذللوا قوى الطبيعة التي سخرها الله لهم، ويخضعوها لمنافعهم، قال تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].


وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].


وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].


وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].


وإنك لو سرحت ذهنك ساعة في تاريخ الإسلام لتجتلي ما كان له من مجد وعظمة، وسمو وطموح؛ وفتح وغلب، وعزة وانتصار؛ لأيقنت أن المسلمين السابقين ما ارتقوا إلا بالإسلام، ولا انتصروا على أعدائهم إلى باتباع هدايته، ولا ثلوا العروش إلا بما بث فيهم روح العزة والتسامي والطموح.


النظافة أخص ما تمتاز به الأمم الراقية، والشعوب الناهضة؛ فانظر كيف جعل الإسلام الطهارة شرطًا في صحة الصلاة التي هي عماد الدين، وكيف فرض الغسل على الزوجين إذا أفضى بعضهما إلى بعض؛ ودعا إليه عازمًا مرة في كل جمعة، وكيف أوجب على المصلي طهارة ثوبه وبدنه ومكانه.


فهذه دعوة إلى التسامي والرقي، ما في ذلك شك، وكفى بالنظافة - وهي عماد صحة البدن سموًا ورقيًا.


لم ينكر على الناس ما تدعوهم إليه الفطرة السليمة من الجنوح إلى اتخاذ الزينة؛ والاستمتاع بالطيبات، ولكنه حرم عليهم الفواحش التي هي علم الحيوانية، ودليل الوحشية؛ ورمز الجهالة والتأخر والانحطاط، قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنـزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33].


ولما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكبر بقوله: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"[2] لأنه من الجحود، وقلة المبالاة، وضرب من الحيوانية الغافلة، قال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"[3].


فبين - صلى الله عليه وسلم - أن التجمل بالمباح ليس من الكبرياء، ولكن الكبرياء أن يتنكر الإنسان للحق فلا يقبله، أو يحاول إبطال ما جعله الله حقًا من توحيده وعبادته، وأن يستهين بالناس ويحتقرهم. وكل هذا من الارتكاس الذي ينافي السمو الروحي والخلقي.


دعا هذا الدين الحنيف، إلى الاستباق إلى الخير؛ والتماس أسباب القوة والغلبة، وحض على الحرص على ما ينفع، ونهى عن العجز، قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].


وقال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].


وروى مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير - احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز"[4].


وفي الجامع الصغير من رواية الطبراني: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها"[5].


من هذه النصوص تدرك أن الإسلام لا يوصد أمام الناس أبواب الرقي، ولا يصد عن سبيل التسامي، بل يشجع على سلوك هذه السبل، وولوج هذه الأبواب، وينادي بأن كل رقي إنساني في الدين والدنيا ممكن وميسر، بيد أنه موقوف على العمل.


وروى مسلم عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سلني: فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"[6].


فهذا الرجل التمس درجة في الجنة حتى لقد طمحت نفسه إلى أن يكون رفيق رسول الله في أعلى منازل الفردوس، لم يوئسه الرسول، ولم يسد عليه باب الأمل؛ بل بيَّن له السبيل التي لو سلكها لصدقت أحلامه، وتحققت آماله، وطلب إليه أن يأتي من الأعمال ما يسمو به إلى هذه المنـزلة؛ ولم يوسع أمامه دائرة العمل، حتى لا ينتشر عليه الأمر، وتتفرق وجوه الفوز بل حصر العمل الموصل في دائرة واحدة، وهي كثرة السجود.


ولا شك أن كثرة السجود من كثرة الصلاة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والانتهاء عن الفحشاء والمنكر من طاعة الله ورسوله. والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69 - 70].


وروى البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله"[7].


وفي هذا حض على العمل لها، والحرص على ما يقرب إليها، وبيان أن الظفر بها ليس من العسر بحيث يشق مطلبه، أو يعيي الوصول إليه.


وروى الترمذي أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، إني أريد سفرًا فزودني، فقال: "زوّدك الله التقوى"، قال: زدني، قال: "وغفر ذنبك"، قال: زدني، قال: "ويسر لك الخير حيث كنت")[8].


فها نحن أولاء نرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن طلب المزيد، حين طلب المزيد، حين طمحت نفسه إلى المزيد من الخير والسعادة، بعد أن دعا له بالتقوى، ولا جرم أنها خير زاد.


بل زاد وأفضل؛ ودل بهذا على أن خزائن رحمة الله لا تنفذ. وعلى أنه ينبغي الإكثار من الدعاء، ومهما يتكثر العبد فالله أكثر.


أمرنا الشارع الحكيم بالسعي لكسب العيش أمرًا لا يعرف هوادة حتى لا نكون عالة على الناس، لأن ذلك ينافي التسامي والطموح الفطري، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].


وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].


وروى البخاري ومسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"[9].


ولما كانت النفس البشرية مفطورة على حب التنافس، وكان التنافس هو الذي يحدوها إلى التسامي، ويحفزها إلى طلب الكمال، دعا الرسول عليه الصلاة والسلام إلى إظهار آثار النعمة حتى يبعث في الناس روح التنافس، فيدفعهم ذلك إلى العمل وكسب المال الذي يرقى بهم إلى مستوى فوق المستوى الذي هم فيه.


روى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"[10].


إن في ذلك فوق الثمرة الروحية وهي شكر الله بإظهار نعمته، والتجافي عن غمطها وكتمانها: ثمرة أخرى اجتماعية، وهي بث روح التنافس في الأمم لتعمل على كسب المزيد من فضل الله.


وقد يدعو الطموح وحب التسامي في العاجلة إلى إغفال الآخرة والتفريط في جنبها، لم يغفل الله هذه الحقيقة بل نبه إليها حتى يتسامح المؤمن في حياتيه: الروحية والمادية. قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].


لم يغفل الشارع الحكيم في الشريعة المطهرة؛ تنظيم الجانب الاجتماعي: بعد أن نظم حياة الفرد، وعلمه كيف يأخذ بأسباب التقدم والارتقاء، فدعا إلى إصلاح الجماعة لتنهض وترقى، وتصل إلى الكمال الممكن.


أساس إصلاح الجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدعا إلى ذلك وحض عليه، قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 104 - 105].


ولا جرم أن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ واجتماع الكلمة، من أقوى أسباب نهضة الأمم والجماعات.


وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


ليحض الشعوب على أن يصلحوا من شئون أنفسهم، ويلتمسون المزيد من فضل ربهم، بتغيير ما هم فيه من فساد الخلق؛ وضعف القوى، والكسل والتهاون والتراخي والإهمال والجمود.


ورأى الشارع الحكيم أن الجمود على عادات الآباء والأجداد والاستمساك بعقائدهم الفاسدة، مما يعوق الأمة التي تطمح إلى الرقي والجد، فعاب الجامدين، ونعى عليهم جمودهم، ليبعث فيهم الميل إلى تحطيم قيود الماضي. والتخلص من أغلاله. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنـزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].


لم يرض الله من الطامحين إلى التسامي في دينهم وعبادتهم أن يقفوا عند حد الاقتداء بشيوخهم وسادتهم وكبرائهم. بل دعاهم إلى الاقتداء بالمثل الأعلى والأسوة الحسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].


وبعد فلو أطلقنا للقلم العنان لإيراد كل نص في كتاب الله وسنة رسوله يثبت أن الإسلام يدعو إلى السمو والطموح والمجد وينهى عن الجمود والانحطاط والتأخر لكتبنا سفرًا ضخمًا. وحسبنا ما أوردنا ففيه للمنصف المتدبر غناء.


فما أجل الإسلام من دين؛ وما أرقى شريعته من شريعة.


اللَّهم أسألك موجبات رحمتك؛ وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر؛ والفوز بالجنة.



[1] مسلم (1048).

[2] مسلم (91).

[3] تابع للحديث السابق.

[4] مسلم (2664).

[5] الطبراني في الكبير (2894)، والأوسط (2940، 6906).

[6] مسلم (489).

[7] البخاري (6123).

[8] الترمذي (3444).

[9] البخاري (1966)، ولم يروه مسلم.

[10] الترمذي (2819).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السمو الأخلاقي
  • السمو النفسي

مختارات من الشبكة

  • من خصائص الإسلام: إقرار مبدأ التسامي والدعوة إليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة والجماعة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • إقرار مبادئ التعاون الإنساني في القرآن الكريم(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (2) (الإقرار بالافتقار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل يشترط لثبوت الزنا بالإقرار أن يشهد على نفسه أربع شهادات؟ (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أحكام الشهادات والإقرار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إقرار المشركين بتوحيد الربوبية(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • الرجوع عن الإقرار فيما موجبه التعزير (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تنقيح الأحكام في حكم الإبراء والإقرار الخاص والعام (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تنقيح الأحكام في حكم الإبراء والإقرار الخاص والعام(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب