• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

فلسفة الجمال في الفكر الإنساني

فلسفة الجمال في الفكر الإنساني
علاء الدين حسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2012 ميلادي - 20/6/1433 هجري

الزيارات: 129968

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فلسفة الجمال فِي الفكر الإنساني

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


مَا إن يتأمَّل الإنسان إشراقة الشمس، حتَّى يدرك معنى الجمال الموسوم في لوحات النَّفس، بألوان حيويَّة متدفِّقة، الجمال ينبلج مِن كوَّة النُّور والضِّياء؛ لتُحيل الحياة إلى ظلِّ لحظات يتَّحد فيها القلب مع القلب، فيستحيل إلى فيض مِن معانٍ متلألئة.

 

وإذا كانت الرِّياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الرُّوح، والعلم ينمِّي العقل، فإنَّ الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب.

 

والجمال، ينقسم إلى جمال روحي، وآخر مادِّي، فالجمال الرُّوحي راحة وسكينة؛ حيث تكون النَّفس كالسَّماء الزَّرقاء، وقد انقشعت عنها سحائب القلق والحيرة، وهذا الإحساس الجميل، يعبِّر عن خلاص الإنسان مِن مؤثِّرات الحياة السَّلبيَّة، ويُنقِّيه مِن الأحقاد، فلا يفعل إلا ما يُمليه عليه ضميره، فهو صاحب خُلُق جميل، الجمال إذن "مقدرة على مقاومة النَّفس الَّتي تأمُر بالقبح، فهو يقترن بالفضيلة وصدْق المشاعر".

 

أمَّا الجمال المادِّي، فهو منحوت على صفحات الطَّبيعة وسطورها، يُعلن عن نفسه دون مشقَّة أو أقنعة زائفة،يعبِّر عن ذاته بذاته.

 

وإذا كان الإنسان خليفةً في الأرض في صورة تقويميَّة، فإنَّه مِن مُنطلق الواقعيَّة، أن يَحرص على جمال الرُّوح والعقل والوجدان.

 

والأحكام الرُّوحيَّة في مجملها تستهدف تغيير مفاسد الأخلاق إلى محاسنها، وهذا هو محور فلسفة التَّشريع، وربُّنا - عزَّ وجلَّ - ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7] سخَّر لنا ما سخَّر، في أنفسنا وفي أرضنا وفي سمائنا، وأذِن لنا في الجمع والتَّوفيق بين الانتفاع والاستمتاع بما في الطَّبيعة؛ يقول الله - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، ويقول - عزَّ وَجلَّ - : ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، بل لقد جاء التَّكليف بأن ننظر ونتأمَّل في مناظر الجمال ويانع الثِّمار: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6]، ولنتأمَّل قول الله - عزَّ وَجلَّ -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 -20]، إنَّه نظرٌ وتفكُّر يجمع بين الإيمان والفائدة، وبين الجمال والابتهاج؛ بل لقد أُمر بنو آدم باتِّخاذ زينتهم أمرًا مباشرًا، ولا سيِّما في مواطن العبادة؛ ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].

 

جمالُ التَّعبير:

وجمال التَّعبير هو أوسع أنواع الفنون وأكثرها أثرًا في حياة النَّاس وتعاملاتهم: خطابًا، وأسلوبًا، وأمرًا، ونهيًا، ودعوة، وتوجيهًا، وتعليمًا، وتربية، وهذا تنبيه وتوجيه لأهل العِلم والتَّربية والتَّثقيف؛ لكي يقصدوا إلى الجاذبيَّة في الأسلوب، والجمال في التَّعبير: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

فحياة النَّاس جُبلت على حبِّ الرِّفق وطلاقة الوجه، وفُطرت على الخُلق العالي وجمال اللَّفظ.

 

إنَّ المعلِّم والمُوجـِّه، والمرشِد والنَّاصح، والكاتب والمثقَّف، وغيرهم وغيرهم، كلُّ هؤلاء ينبغي أن يكونوا أهلاً للقول الجميل، والصَّبر الجميل، والصَّفح الجميل، والهجر الجميل.

 

وهذا الجمال الجميل، لا يمكن أن يكون فوق الحقِّ، فلا يكون الجمال في الكذِب، ولا يكون الفنُّ في الفسوق، ولا يجوز أن يُستساغ بجمال التَّعبير اختلاق الأباطيل مِن القول والتَّزوير. وعندما يكون الجمال وسيلة لهدم الحقِّ ينبغي إيقافه، فالذَّريعة إلى الممنوع ممنوعة.

 

ذلكم هو الجمال، وتلكم هي الزِّينـة، وذلكم هو الفنُّ والإبداع في ظاهره وباطنه.

 

ومِن الحماقة أن يكون بعض النَّاس حَسَن الهندام، حريصًا على جمال الصُّورة، بينما هو في حديثه وسلوكه قبيح العبـارة، دميم الذَّوق، سليط اللِّسان، غليظ التَّعامـل؛ ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32 - 33]، وتذوُّق الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه الإنسان، وقد يوجد الجمال في "صخرة، أو شجرة، أو نَهر"، وقد يكون الجمال إبداعًا منفردًا ممَّا له أثر على التقاء الفكرة بالحسِّ، وقد يكون الجمال مُبتكَرًا بلغة تَحمِل الأثر الجميل، كقصيدة أو رواية أو نثر أو نصٍّ مسرحي.

 

ولكي يبقى الشَّيء جميلاً؛ لا بدَّ أن يكون سالِمًا مِن النَّقائص، ولا بدَّ أن يكون مُتناسِقًا مُنتظمًا مُنضبطًا.

 

وجمال القاضي بعدله وإنصافه، وجمال الحاكم باهتمامه بشؤون رعيَّته، وسهره لأمنهم وراحتهم، وجمـال الغنيِّ بصدقته وإنفاقه، وجمال الفقير بكدِّه وعمله.

 

ولقد خاطبنا الخالق بالجمال، وأمرنا أن نرحل إليه وإلى منازله العليا، ونسير إليها سيرًا لا ينقطع، حتَّى يدركنا اليقين، ولا ينبغي للإنسان الكيِّس أن تعميه أغاليط المبتدعين عن محاسن الدِّين.

 

تلازمٌ مَع الحقّ:

والجمال عادة يتلازم مع الحقِّ والخير في مواءمة وتناسق وانسجام، والخالق هو الحقُّ الأعلى الَّذي لا يقـارب أحقيَّته حق، فهو الأوَّل والآخـر والظَّاهر والباطن، وهو بكلِّ شيء عليم.

 

والرُّسل الَّذين أكرمَنا الله بهم، كانوا صادقين أمناء، لا تأخذهم في الله لومة لائم، والكتب الَّتي أُنزلت عليهم ذِروة سامِقة مِن جمال.

 

وبما أنَّ القيَم الثَّلاث: الحق والخير والجمال، مُلتقية في الإله المعبود، وفي الرُّسل، وفي الكتب المنزَّلة؛ فإنَّ أحسنَ الأحوال أن تكون هذه القيم مُتداخِلة في حياة البشر.

 

والدَّعوة إلى الخير لا تكون إلا على الحق، ولا تقترن إلا بالحسن والجمال، والدَّعوة لا تكون إلا بالكلام الجمـيل الَّذي تأنَس به المسامع، وتطمئنُّ إليه القلوب؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

 

الجمال - إذن - قرين الحقِّ والخير، وونحن نرى أنَّ مهمَّة البلاغة: الكشف عن الحق، ولا توجد البلاغة إلا حيث يوجَد الجمال، وما خلا مِن الجمال فإطلاق البلاغة عليه مُحال.

 

النص المعجز:

والنَّص القرآنـيُّ هو أحد موضوعات الجمال، يدعو الإنسان إلى التَّفكُّر؛ ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].

 

والمعجزة القرآنيـَّة وضعتنا أمام وعي جماليٍّ جديد، نجد تجلِّياته في الفكر واللُّغة والسُّلوك والفنّ، ينطلق هذا الوعي مِن خالق الجمال البديع الَّذي ينبثق جمال الوجود كله مِن آثار جماله، فللّه - عزَّ وجلَّ - جمال الذَّات، وجمـال الصِّفات، وجمال الأسماء والأفعال.

 

ومِن كمال محبَّة الله: محبَّة الجمال والسَّعي إلى إدراكه؛ بل إنَّ منتهى جزاء الآخرة عند المؤمن رؤية وجه الله - عز وجل - الَّذي يفيض على وجوه النَّاظرين إليه نَضرة وجمالاً؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22 - 23].

 

وإلى جانب معجزة جماليَّته، فإنَّ القرآن الكريم - في الوقت ذاته - مُعجزة عقليَّة، مِن حيث عمْق بيانه، وروعة أسلوبه.

 

والحديث النَّبويُّ امتاز بغاية الجمال، ها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يَطلُب منه وصيَّة: ((لا تغضب))[1] ، ويقول - عليهِ الصَّلاة وَالسَّلام - لرجل آخر: ((قل آمنت بالله، ثمَّ استقم))[2].

 

كتابٌ عَظيم:

إنَّ الجمال كتاب عظيم، واضِعه مزيِّن الأرض والسَّماء، والمعرفة جمال، والذَّكاء جمال، والتَّضحية جمال، والحبُّ جمال، والإبداع جمال، وسحر قطرات النَّدى على وجه زهرة نَضِرة جمال، ودمعة طفل بريء على خدَّيه جمال، وبسمة الرُّوح جمال.

 

والجمال شعلة أخَّاذة تفتن الوجدان؛ لأنَّه إكسير الحياة الَّذي يتدفَّق في الشَّرايين كالسَّيل، ويَغمر الأرض، ويعدها بثوب فسيفسائيٍّ رسمته ريشة الإبداع.

 

الجمال ينبثق معبِّرًا عمَّا هو إنساني، وما أكثر ما ندَّد البيان الإلهيُّ بالموقف القبيح! يقول القرآن عن الطُّغاة مِن أمثال فرعون وهامان وقارون وغيرهم: ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42].

 

ولقد انعدمت قيمة الإحساس الجمالي لدى العابثين؛ لأنَّ حياتهم خالية مِن المعنى، شخص يَحسُّ بالقبح، نفسيته قاتِمة، وأخلاقه سيئة، وكثيرًا ما يتحوَّل إلى مُنحرِف لا يِمتلك عاطفة؛ لأنَّه يرى صور الحياة قبيحة، في حين أنَّ النَّفس الإنسانيَّة التي تُضيئها شموع الجمال في إطار حالِم، تنشِّئ "هسيس" الحياة، وتضفي على الآخرين رونقًا يَزخر بعطْر الجمال المضمخ بالعاطفة وصاحب النَّفس المضيئة يحبُّ الطَّبيعة؛ لأنَّه يقرأ فيها المعاني والأوزان والحركة والشِّعر والموسيقا والرَّسم، فالبحار والرِّياح كائنات تُصدِر موسيقا، وتَطرب بها ولها، وتلك هي صور الحياة الَّتي يَعيها الإنسان مِن خلال العيش بطريقة فنيَّة مُبتكَرة.

 

وحوى القرآن الكريم آيات كثيرة عن الجمال، مِن ذلك: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، والصَّبر الجميل هو الَّذي يُضاف إليه الرِّضا وسَعة الصَّدر، الصبر الجميل هو الَّذي تَزدَان النَّفس فيه باليقين والثِّقة، وتمتلئ بالأمل، والرَّجاء، وتكون بمنأى عن الجزع والسَّخط على القضاء.

 

وجاء ذكر الصَّبر الجميل في موضعين آخرين مِن القرآن الكريم، كلاهما في سورة يوسف، الموضع الأوَّل جاء على لسان يعقوب - عليه السلام - وقد جاءه أبناؤه يُخبرونه بأنَّ يوسف قد أكله الذِّئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرَّهيبة على قلب الأب المؤمن، واجَه الأمر بأناة بالِغة، وثقة عظيمة، جعلته يَحسُّ أنَّ الأمر على غير ما صوَّر أبناؤه، وتذرَّع بالصَّبر الجميـل؛ يقول تعَالى حكاية عنه: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

 

والموضع الثاني عن الصَّبر الجميل جاء أيضًا على لسان يعقوب، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثَّاني في سجن العزيز بمصر، فقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].

 

والصَّفح في القرآن الكريم يتَّسم بالجمال، والصَّفح مِن أسمى الصِّفات؛ إذ هو يعني التَّغاضي عن إساءات الآخرين، وقد طلبه الله - تبارَك وَتعَالى - مِن نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذِّبين مِن قومه، مُبيّنًا له أنّه صاحب رسالة مهمَّتها الهداية، وعقاب الضَّالين مرجِعه لربِّ العالمين، والسَّاعة آتية لا ريب فيها؛ فقال تعَالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].

 

والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه شيء جَميل، وعندما يتَّصف بالجمال يكون صفحًا لوجه الله، لا يَجعله صاحبه حديثًا يُذكر به بين النَّاس.

 

والهجْر في القرآن يتَّسم بالجمال: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].

 

وذُكرَ السَّراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التَّنْزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب، أولاهما: في تخيير النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته عندما سألْنَه التَّوسعة في النَّفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيِّه:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28].

 

وثانيتهما: مطالبة الأزواج الَّذين يطلِّقون الزَّوجات قبل الدُّخول، بأن يمتِّعوا الزَّوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثمَّ السَّراح الجميل دون بغي على الحقوق؛ قال تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

 

وسراح المرأة: أنْ تكون في حلٍّ مِن رابطة الزَّوجيَّة، فهو الطَّلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقْعه الأليم على النَّفس، فإنَّه عندما يقترن بالجمال نَحصل على ثمراته.

 

وبعد، يبقى الجمال الحقيقيُّ جمال النَّفس الذي يظهر في التَّعابير، ويدلُّ على النُّبل والتَّسامح، ويكون بمثابة سمفونيَّة تتسلَّل إلى باطن الإنسان، فتُحيي ملكة ذوقه، وتفتح قريحته، وتستحوذ على مشاعره، وتُنعشه برغبة البقاء مِن خلال توقه في تسلُّق دروب النَّقاء.

 


[1] أخرَجه البخاري في الأدب، باب الحذر مِن الغضب، رقْم (5765).

[2] رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقْم (38).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثراء الفكر وفكر الثراء
  • صفحات من تاريخ الفكر البشري
  • مقدمة في فن التذوق الجمالي الإسلامي
  • الفن والجمال
  • حقيقة الجمال
  • الحق والخير والجمال
  • الجمال في الإنسان
  • دورة الفكر الإنساني وتحولاتها
  • الإنسان في ظل الكنيسة وبعدها
  • الإحساس بالجمال.. الفطرة و أثر التربية

مختارات من الشبكة

  • رعاية الفكر في مواجهة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فلسفة الموت والحياة في فكر الراغب الأصفهاني (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم الثقافة في الفكر العربي والفكر الغربي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مقاصد الشريعة بين الفكر الأصولي والفكر الحداثي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بين فكر الأزمة وأزمة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفلسفة الوجودية: عرض المذهب ونقد الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خبراء في الفكر والفلسفة ولكن!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الماركسية والجمال(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • معنى الفكر الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
11- جمال الذات
الهادي عبدالله - السودان 29-11-2016 08:21 PM

أيها الإنسان الرائع خلقك الله جميلا في أحسن تقويم وأودعك روحا من أمره وجمال من جماله في بناء محكم وتصميم دقيق وإعجاز باهر وقدرات مذهلة ودقة متناهية وبديع صنعه وأجهزة متكاملة أمن نعم وحباه من فضل وأورثه من قيم لترتقي بها ذاته.
فإن الرفق زينة والابتسامة صدقة والتواضع رفعة والقول الحسن رقي وحسن التعامل فن والصدق مروءة والشهامة نبل وحسن الظن بالخلق سمو ولين الجانب رحمة والصدقة برهان والصلة رحمة والتراجم مودة فهذه كلها وغيرها فيض من عطاء الله وتلك هي أخلاق المسلم جميل الذات حميد السجايا والصفات وفير المزايا كريم الشيم وإني لأعجب غاية العجب كيف نمتلك هذا الكم الهائل والموسوعة الأخلاقية والجمال الآسر لجمال ديننا وروعة قيمنا وصفاء عقيدتنا ثم لا نرتقي بذواتنا ونجمل أخلاقنا أنها فضائل ومرتكزات قيمنا ومؤشرات أخلاقنا الإسلامية الهائلة والتي لا حصر لها فهل ننهل من معين قيمنا الجميلة * لنرتقي بجمال ذواتنا الجميلة.

10- الحب
عادل احمد بليلة - السودان 13-09-2013 11:33 PM

إن أعظم كلمة ينبض لها القلب ويضىء لها العقل وتكسو النفس بالسكون وجماليات معاني الرحمة والمودة هي (كلمة الحب). والحب الذي يحمل تلك المعاني الآنفة الذكر.هو غذاءه ذكر الله والتأمل في جماليات مخلوقاته وإبداعات اتزانه الكوني الذي يجعل وجدانيات الحياة الزوجية بين جناحي الخوف والرجاء أريحية فلسفة التوازن في متغيرات الحياة.

9- جميل
ريحانة الغربة - الأردن 14-05-2013 11:43 AM

كلام روعة فعلا جزيتم خيرا فالجمال بالتغير

8- جمال المقالة أعجزنى عن التعليق
د.م /أسماعيل أبو النجاة - مصر 16-10-2012 12:17 PM

بسم الله الرحمن الرحيم؛ جمال المقالة من جميع الجوانب، جعلنى أتوقف مشدوها عاجزا عن التعليق! حتى لم أستطع أن أطبق فحوى المثل الشعبى المصري " لم يجدوا فى الورد عيبا، فقالوا له يا أحمر الخدين"
بارك الله فى كاتبها؛ وأرجو أن نستفيد منها جميعا فى حياتنا المعيشية ؛ حتى لا تكون جافة بدعوى الزهد فى الدنيا. فالزهد لا يمنع من الإستمتاع بالجمال بمعناه الواسع الشامل كما شرحه الكاتب الأريب فى مقالته.

7- اعجبني
zeina - الامارات 26-09-2012 03:48 PM

رائع

6- الاختيار الموفق
جهاد النمشان - سوريا 26-05-2012 02:23 PM

البحر لا يحتاج إلى المطر وأنت يا أستاذ علاء وبدون مجاملة مواضيعك مميزة واختياراتك موفقة وفقك الله إلى كل خير وهذا إن دل على شيء يدل على رجل يسهر الليالي ليحصد ثماره في النهار كم قال الشاعر :
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نوماً وتبغي بعد ذلك لحاق

5- جمالية الجمال
د.إبراهيم موسى - سورية 19-05-2012 04:46 PM

جمالية الجمال تظهر عبر هذه المادة الفكرية الناطقة بإسلوب إنساني مترع بالحكمة والسداد، قدِر كاتبها إقناعنا بضرورة أن نتسم بخلُق الجمال وجمالية الخُلق حتى نكون أقرب إلى الناس ، ومن كان جميلاً رأى الوجود جميلا. أشكر إبداعية الكاتب مؤملاً لقلمه مزيداً من فكر وتواصل وعطاء.

4- وقفة كلنا يحتاجها
عماد النمشان - سوريا 14-05-2012 01:01 AM

إذا كان الجمال تبصره العين أو تصنعه اليد أو تسمعه الأذن أو تدركه أحد الحواس .
فإن الجمال في الفكر الإنساني المتربي على الدين الصحيح يجمع كل تلك بإضافة إلى أنه يصنع لنفسه مكانا في القلب وحيزاً في العقل .
وفقك الله كاتب الموضوع ووفق الله شبكة الألوكة التي جمعت جمال الحروف والمواضيع تحت ظل منتداياتها وجعلها في ميزان الحسنات .
الخطاط عماد النمشان / سوريا

3- ثقتك بجمالك
HAMEED - IRAQ 13-05-2012 08:29 PM

ان هذا المقال يمكن وصفه بأنه جميل , لاحظ اننا استخدمنا كلمه جميل في وصف كلمات, هذه الكلمات تحتوي على حروف كسائر باقي الكلمات, ولكن وصفنا لها بالجميلة لما أحدثته على نفوسنا, استعملنا مقياس آخر للجمال وهذا المقياس كان لا شعوري ,نريد أن نقول أن جمال الإنسان يقاس دائما من قبل إنسان آخر , فأنت ترى زيد جميلا , ولكن عمر يرى زيد بأنه ليس كذلك ,وهذا موضوع مرتبط بأثر ذلك الإنسان على الآخر, أشكر وأحييي الكاتب

2- تقدير
فاطمة عبده - syria 13-05-2012 05:31 PM

إن الجمال جمال العلم والأدب، هكذا قيل من قديم ، وهذه المقالة القيمة تعبير دقيق عن مقتضى الجمال بمقاصده السامية.. المقالة هذه تطير بنا إلى أفق بعيد ، وينتقل بنا الخيال إلى عالم يتواءم فيه هذا الجمال مع قيمتي الحق والخير ، وقد تمكَّن كاتبها من إيصال الفكرة دون تكلف ؛ بل جاءت كلماته وعباراته مكثفة ومعمقة، مما يدل على تمرسه في هذا المجال ، ومما يؤكد على أنه خبير من حيث القدرة إخراج البحث وفق منهجية علمية ..

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب