المنهج التقليدي والتجارب العالمية في تنمية المهارات الحياتية

نظرًا لما يشهدُه الواقعُ اليومَ من التقدُّم العلمي، والانفجارِ المعرفي المتزايد في كافَّة المجالات؛ فقد أصبحتْ حاجاتُ المتعلِّمين اليومَ تحتاجُ إلى مناهجَ وبرامجَ تواكِبُ هذه الحاجاتِ والتطلُّعات؛ ولذلك فإنَّ المناهجَ التقليدية المعمول بها في مدارسِنا اليوم لم تعدْ قادرةً على تلبيةِ هذه الاحتياجات، فضلاً عن تنميةِ المهارات الحياتية التي يحتاجُها المتعلِّم ليكونَ مستعدًّا لحياة إيجابيةٍ فاعلة؛ لأنَّ دور هذه المناهجِ أصبحَ منحصرًا في تعزيزِ المعرفة، وتلقينِ المعلومة، فاستماعُ الطَّالب إلى درسٍ عن رمي الجمرات - على سبيل المثال - قد لا يجعلُه ممارسًا جيدًا لعبادة الرمي بشكلٍ صحيح، ومن هُنا أدَّت قناعةُ كثيرٍ من المربِّين والمختصين بضرورةِ تعليمِ الطُّلاب المهاراتِ الحياتية، إلى إيجادِ أربعةِ اتجاهاتٍ مختلفةٍ لتعليم المهاراتِ الحياتية، هي:

1- الاتجاه المباشر: ويقصد به تعليم المهارات الحياتية كمادةٍ مستقلَّةٍ بذاتِها كغيرِها من المواد التعليمية، فتكون بمسمَّى "مُقَرَّر المهارات الحياتية"، وهذا ما فعلته وزارةُ التربية والتعليم في المملكةِ العربية السعودية؛ حيثُ أدخلتْ مقررًا بنفسِ المسمَّى لطلابِ المرحلة الثَّانوية، ويُدرَّس ضمنَ برنامج المقرَّراتِ الجديد.

2- اتجاه التجسير: وهو يتَّفقُ مع الاتجاه السَّابق بتعليمِ المهارات الحياتية في مقرَّرٍ مستقل بذاته، ولكن يفرق عنه بمدِّ جسور تربط بين هذا المقرَّرِ وبين المقرَّراتِ الدِّراسية الأخرى، ويعني تطبيقَ المهارات الحياتيةِ التي تعلَّمَها في المقرَّر المستقلِّ في محتوى المقررات الأخرى بطريقةٍ مباشرة أو غيرِ مباشرة.

3- اتجاه الصَّهر: وهو يجمع بين الاتجاه المباشر واتجاه التجسير، حيث تُعلَّم المهاراتُ الحياتية بصورةٍ صريحة أثناءَ تعليم أيِّ محتوًى دراسي، ويتطلَّب هذا الاتجاه إعادةَ بناءِ محتوى المنهج بما يحقِّقُ تعليمَ المهارات الحياتية، من خلالِ الأنشطة التَّعليمية والتدريبات، وربطها بواقع الحياة ومجالاتها المختلفة.

4- الاتجاه الإثرائي: ويعنى بتعليم المهاراتِ الحياتية من خلال أنشطةٍ إثرائية متعدِّدة، داخل أو خارج المدرسةِ، بإشرافِها وبغيرِ إشرافها؛ مثل: عقد البرامجِ التَّدريبية المقنَّنة في المهاراتِ الحياتية، وهذا الاتجاهُ يُعَدُّ من أوسع الاتجاهات في تعليم المهاراتِ الحياتية، كما أنَّه يحتاجُ إلى تخطيطٍ شامل لجميعِ عناصر المؤسَّسةِ التعليمية، حتى تسيرَ عمليةُ تنميةِ المهارة وَفْقَ خطٍّ محدَّدٍ من بداية مرحلةِ الروضة إلى نهاية المرحلةِ الثَّانوية، بطريقةٍ يمكن الحكمُ على مدى تمكُّنِ الطَّالب منها من عدمه.

ومن التَّجارِب العالمية في ذلك:

في الولايات المتحدة الأمريكية:

يتمُّ تدريسُ المهاراتِ الحياتية ضِمْنَ المنهجِ العام للمدارس، وكلُّ ولايةٍ تختار البرنامجَ المناسب لها؛ حيث تتعدَّدُ البرامج العاملة في ميدانِ التَّدْريب على المهاراتِ الحياتية.

بالإضافةِ إلى ذلك هناك العديدُ من المؤسَّسات والمنظَّماتِ التي تقدِّمُ برامجَ تدريبية في المهارات الحياتية، وتعتمدُ كثيرٌ منها على المخيَّماتِ الشَّبابية الخاصَّةِ بها في التدريب على المهارات الحياتية، ومن أشْهرِ البرامجِ في المهاراتِ الحياتية في الولايات المتحدة: بناة السَّلام - الخطوة الثانية.

وفي بريطانيا:

تعتبر المهاراتُ الحياتية جزءًا من المقرَّرِ الدِّراسي، وقد أعادت بريطانيا هيكلةَ مناهجِها في عام 2007م، وكان من ضمن التغييرات إضافةُ مهاراتٍ حياتية جديدة ذاتِ ارتباطٍ أكثرَ بواقعِ الطُّلاب البريطانيين، مثل المهارات المتعلِّقة بالشُّؤون المالية وغيرِها.

وفي الهند:

يتمُّ تدريسُ المهاراتِ الحياتية والتدريب عليها من قِبَلِ منظماتِ المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وفي بعضِ المدن يتمُّ تضمين المهارات الحياتية ضمنَ المنهج المقرَّر.

وفي عمان:

يتمُّ تدريس المهارات الحياتية كمقررٍ مستقلٍّ في جميع مراحل التعليم العام (1-12)، وقد تركَّزتْ محاورُ منهجِ المهاراتِ الحياتية على خمسةِ محاور، وهي: (محورُ الثَّقافة المنزلية - الصِّحة والسَّلامة - عالم العمل - المواطنة والعالمية - المهارات الشَّخصية والاجتماعية).

ومن التَّجارِب التي سعتْ لتعليمِ المهارات الحياتية آخذةً في الاعتبار مجالاتِ المهارة ومكوناتِها - ما قامت به "اليونيسيف"؛ حيث دعمتْ مدخلَ فَهْمِ المهارات الحياتية باتِّباع الخطوات التالية: تحديد المهاراتِ الحياتية النَّفسية، والاجتماعية، والشَّخصية بشكلٍ يجعلُها تتصِلُ مع بعضِها، فمثلاً قد تشتملُ على صُنعِ قرارٍ، كمكوِّنِ التفكير الإبداعي، أو تحليلِ القيم، ومن ثَمَّ تحديد المحتوى المعرفي للمهاراتِ الحياتية، وذلك من خلال اختيارِ محتوًى له علاقة بالمهارة، مع مُراعاة التَّوازُن بين عددٍ من العناصر هي: (المعرفة، والاتجاهات، والمهارات)، وأخيرًا تحديد الأساليبِ التدريسيَّة الفَاعِلة؛ حيثُ لا يحدث التعلُّمُ المبني على المهاراتِ دونَ وجودِ تفاعُلٍ بين المشتركين في العملية التعليمية.

ومن خلال الاستفادةِ من التَّجارِب السَّابقة، يمكنُ أنْ تتبنى المؤسَّسات التعليميةُ برنامجًا شاملاً، يستفيدُ من المناهج القائمةِ بحيثُ يستهدِفُ تنميةَ المهارات الحياتية للمتعلمين بمختلف مجالاتها.

المصادر:

• الجديبي، رأفت محمد (1431هـ)؛ تنمية المهارات الحياتية لدى طلاب المرحلة الثانوية في ضوء التحديات والاتجاهات المعاصرة - رؤية تربوية إسلامية - دراسة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية جامعة أم القرى، مكة المكرمة.

• عمران، تغريد وآخرون (2001)، المهارات الحياتية، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق.

• الغانم، غانم سعد وآخرون (1426)، الدليل الإجرائي لتأليف الكتب الدراسية، التطوير التربوي، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية.

• قسم مناهج المهارات الحياتية (2005)، دليل تعريفي لمادة المهارات الحياتية، وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان.

• القيسي، نايف (2006)، معجم مصطلحات التربية وعلم النَّفس، دار أسامة للنشر والتوزيع.

• اللقاني، أحمد حسين وآخرون (2001)؛ مناهج التعليم بين الواقع والمستقبل، القاهرة، عالم الكتب.

• مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية (2000)؛ القضايا والمفاهيم المعاصرة في المناهج الدراسية، وزارة التربية والتعليم بمصر، مطابع الأهرام.

• الهاشل، سعد (التربية الحياتية في المرحلة الابتدائية) مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، العدد (1)، المجلد (13) 1405.

• وزارة التربية والتعليم، عمان، سلسلة كتب (شخصيتي الإيجابية).

• وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان (2007)؛ وثيقة منهاج مادة المهارات الحياتية للصفوف (1-12) في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج.

• عبدالسلام الناجي مجلة المعرفة (ع170، 2010م، ص ص42 - 65)، الرياض.