• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

آفات النفس

آفات النفس
الشيخ صلاح بن سمير محمد مفتاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/3/2019 ميلادي - 20/7/1440 هجري

الزيارات: 22375

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آفات النفس

 

المقصود بالآفات:

الآفات: جمع آفة، والآفة - كما عرفها أهل اللغة - هي: العاهة، وفي المحكم: عَرَضٌ مفسد لما أصاب من شيء، ويُقال: آفةُ الظرف الصَّلَفُ، وآفةُ العلم النِّسيانُ، وطعامٌ مَؤُوفٌ: أَصابته آفةٌ[1].

 

إذن فالآفات أمور مفسدة؛ ولكنها هنا معنوية، نلمح آثارها في المجتمع وفي الأفراد، تطرأ على النفس بسبب تقصير في حق الله من جانب، أو غفلة، أو اتِّباع الأهواء وحب النفس، وقد يكون سبب وجود هذه الآفات البيئة التي نشأ وتربَّى فيها الإنسان بين صدور تحمل الأحقاد ولا ترضى بما قسمه بينهم ربُّ العباد، أو ما يطرأ بعد حادث، وتتفاوت درجاتها بين الأشخاص؛ فمنهم من تجتمع فيه آفات كثيرة، ومنهم من يصاب ببعضها، وإذا أردنا أن نُعدِّد الآفات التي قد تصيب بعض النفوس وأسبابها وعلاجها، فإننا نحتاج إلى أبحاث وأبحاث؛ لأن أمرها عظيم، وأعدادها كثيرة، وذكرها يحتاج إلى ذكر كيفية الخلاص منها، والمقام ليس مقام إطالة، ونكتفي هنا بالإشارة فقط إلى بعض هذه الآفات دون تحليل أو حديث عنها، ثم نفصل القول عن واحدة من هذه الآفات لو تغلَّب الفرد عليها، سهل عليه التغلب على غيرها، والسلامة منها، ومن هذه الآفات: (الحسد - الكبر - الغدر – الخيانة - الاستكبار – الغش – الحقد – البخل - عدم الرضا - حب التزكية – الرياء - حب الظهور – النفاق – الغرور – الغضب – الغفلة – الغل - الغي والإغواء – الفجور – الفضح - الهوى...) فهذه بعض الآفات التى أردت أن أشير إليها، أمَّا ما أردت أن أفصِّل فيه القول هو (الهوى)، والحديث عنه تحت هذا العنوان:

"الهوى"


تعريف الهوى في اللغة: هو ميلان النفس إلى ما تستلذُّه من الشهوات من غير داعية الشرع[2].

 

وهوى النفس: إرادتها، والجمع الأهواء، وقال اللُّغويون: محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه، والهوى إذا أطلق انصرف إلى ما كان شرًّا أو إلى ما كان مذمومًا، فإذا أريد به ما كان خيرًا أو ما كان محمودًا فلا بد من تقييد ذلك بوصف أو نحوه كأن يقال: هوى حسن، وهوى موافق للصواب[3].

 

أما تعريفه اصطلاحًا:

فقد قال العلماء: الهوى: شعور في النفس يميل بها إلى ما تحب من مطالب وحاجات، أو متع ولذات وشهوات، أو عواطف وانفعالات[4]، ويقول الإمام بن الجوزي: "الهوى: ميل الطبع إلى ما يلائمه"[5].

 

النفس والهوى:

عرفت قبل أن الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه؛ فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل، وإلى المشرب ما شرب، وإلى المنكح ما نكح، وكذلك كل ما يشتهيه، فالهوى مستجلب له ما يفيد، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي، فلا يصلح ذمُّ الهوى على الإطلاق؛ وإنما يُذمُّ المفرط من ذلك؛ وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار[6].

 

وقد يكون ما تهواه النفس شرًّا لها أو أذًى أو ضرًّا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النازعات: 40]؛ أي: ما تهواه وترغب فيه قوى النفس الشهوية والغضبية ممَّا يخالف الحق والنفع الكامل، وشاع الهوى في المرغوب الذميم، وقال تعالى في معرض الكلام عن المشركين: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23]، وخاطب اليهود بقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]؛ أي: بما تميل إليه أنفسهم من الانخلاع عن القيود الشرعية، والانغماس في أنواع اللذات، والتصميم على العقائد الضالة[7].

 

فالمراد باتباع الهوى: هو السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي، أو النزول على حكم العاطفة من غير تحكيم العقل، أو رجوع إلى شرع، أو تقدير لعاقبه، والهوى عن الخير صاد، وللعقل مضاد، لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً، ومدخل الشر مسلوكاً. قال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: "الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]".

 

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى، وطول الأمل؛ فإن اتباع الهوى يصد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة"، وقال الشعبي: "إنما سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه"[8].

 

وقال الإمام ابن الجوزي: "اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلًا وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل، فأمَّا العاقل، فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألَمًا، وشهوة تُورث ندمًا، وكفى بهذا القدر مدحًا للعقل وذمًّا للهوى، ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إلى التلف، فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك، وقد يقع التساوي بينهما في الميل بالهوى، وبهذا القدر فضل الآدمي على البهائمِ- أعني: ملكة الإرادة - لأن البهائم واقفة مع طباعها، لا نظر لها إلى عاقبة، ولا فكر في مآل، فهي تتناول ما يدعوها إليه الطبع من الغذاء إذا حضر، وتفعل ما تحتاج إليه من الروث والبول أي وقت اتفق، والآدمي يمتنع عن ذلك بقهر عقله لطبعه، وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالِبًا، وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل، فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة، ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمالِ الأحوط في كفِّ الهوى، إلى أن يتيقَّن السلامة من الشر في العاقبة، وينبغي للعاقل أن يتمرَّن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته"[9].

 

أسباب اتباع الهوى:

أسباب اتِّباع الهوى كثيرة؛ ولكنها كلها تجتمع في مسائل قليلة؛ وهي حب الدنيا، ونسيان الآخرة، وعدم معرفة الله - جل قدره وتعالى شأنه - حق المعرفة، ونسيان الرقيب، وعدم النظر إلى قبح أثر المعصية وشدة ضررها، وطول الأمل، وعدم الرضا، فمن اتَّصف بهذا اتَّبع ما تمليه عليه نفسه، والله أعلم.

 

ومن أسباب غلبة الهوى على النفس أيضًا ما أشار إليه صاحب كتاب أدب الدنيا والدين بقوله: أن يقوى سلطان الهوى بكثرة دواعيه حتى يستولي عليه مغالبة الشهوات، فيكلُّ العقل عن دفعِها، ويضعف عن منعها، مع وضوح قبحها في العقل المقهور بها، وهذا يكون في الأحداث أكثر، وعلى الشباب أغلب؛ لقوة شهواتهم، وكثرة دواعي الهوى المتسلط عليهم".

 

أثر الهوى في النفس:

إذا أتبع الإنسان نفسه هواها، فهو يسير في طريق لا يسلم معه من الآفات، ولا ينجو في نهايته من الهلاك، ولا بد من آثار ضارة لهذا الاتباع، وعواقب مهلكة، نكتفي بذكر بعضها؛ وهي كالتالي:

١- تمكن الهوى من النفس:

إذا اتبع الإنسان هواه، وعمل ما يرضيه، فلن يبتغي رضا الله أو يخشى سخطه، فقد تمكَّن من النفس هواها، فصدَّها عن سبل الرشاد، فهو كما يقول صاحب كتاب أدب الدنيا والدين: "عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ؛ لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكًا، ومدخلَ الشرِّ مسلوكًا"[10].

 

وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إذا أصبح الرجل، اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تابع لهواه؛ فيومه يوم سوء، وإن كان هواه تبعًا لعمله؛ فيومه يوم صالح"، وقال ابن عطاء: "من غلب هواه عقله، وجزعه صبره افتضح".

 

٢- قسوة القلوب والاستهانة بالذنوب:

وذلك أن المتَّبِع لهواه يقسو قلبه ويموت، ويوم تقسو القلوب وتموت تكون الاستهانة، فلا يفكر في عاقبة أمره ويدرك ثقل الذنب، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يري ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا))[11].

 

٣- يلقي بصاحبه إلى الضلال:

إذا تأملنا في أحوال أصحاب الضلالات، رأينا الدافع فيها اتباع الهوى، وما تشتهيه النفس من حرام أو حلال حصل عليه بطريق مشروع أو محرم بمكر وخديعة أو بحسن سؤال، فلا يهمه إلا أن يحصل على المراد، وما يكون ذلك إلا ممن اتبع هواه؛ لأن المتبع لهواه صار عبدًا لشهواته؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، فاتباع الهوى مع إلغاء إعمال النظر ومراجعته في النجاة، يلقي بصاحبه إلى كثير من أحوال الضُّرِّ بدون تحديد، ولا انحصار فلا جرم أن يكون هذا الاتباع المفارق لجنس الهدى أشد الضلال، فصاحبه أشد الضالين ضلالًا [12].

 

٤- الابتداع في دين الله تعالى:

فصاحب الهوى يميل إلى إثبات ذاته ووجوده، وهو لا يرضى بمنهج الله تعالى، فيبتدع منهاجًا يُوافق هواه وشهواته، أو يرفض الانقطاع عن بدعة ورثها يرى فيها لذته، وإن خالفت شرع الملك تبارك وتعالى، والابتداع ضلال، وكل ضلال في النار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وكل بدعة ضلالة))[13].

 

٥- الإعراض عن مصدر الهداية:

وذلك أن صاحب الهوى بعبوديته لشهوته وميوله، قد أعرض عن مصدر الهداية، فمن أين يأتيه التوفيق قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، اتخذ هواه إلهًا له، لا يخالف له أمرًا.

 

٦- يؤدي بصاحبه إلى الهاوية:

عواقب الهوى وخيمة؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 39]؛ أي: إن من تجرَّأ على الله تعالى وعصاه، وآثر الحياة الدنيا على الآخرة، فصار سعيه لها مستغرقًا في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة والعمل لها، فمأواه ومسكنه جهنم.

 

كيفية الخلاص من هوى النفس:

إذا كان هوى النفس المذموم يقودها إلى المهالك، فلا بد له من خلاص، ولا بد من معرفة كيفية التغلب عليه، وقد بيَّن هذا أبو الحسن الماوردي بقوله: "وحسم ذلك أن يستعين بالعقل على النفس النفورة، فيشعرها ما في عواقب الهوى من شدة الضرر، وقبح الأثر، وكثرة الإجرام، وتراكم الآثام؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حُفَّت الجنة بالمكارِه، وحُفَّت النار بالشهوات))، أخبر أن الطريق إلى الجنة احتمال المكارِه، والطريق إلى النار اتباع الشهوات.

 

وقال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: "إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم، فإن عاجلها ذميم، وآجلها وخيم، فإن لم ترها تنقاد بالتحذير والإرهاب، فسوِّفْها بالتأميلِ والإِرغاب؛ فإن الرغبة والرهبة إذا اجتمعا على النفس ذلت لهما وانقادت"، وقد قال ابن السمَّاك: "كن لهواك مسوِّفًا، ولعقلك مسعفًا، وانظر إلى ما تسوء عاقبته، فوطِّن نفسك على مجانبته، فإن ترك النفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فاصبِر على الدواء، كما تخاف من الداء".

 

وقال الشاعر:

صبرت على الأيام حتى تولت
وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن طمعت تاقت وإلا تسلَّت

 

فإذا انقادت النفس للعقل بما قد أشعرت من عواقب الهوى، لم يلبث الهوى أن يصير بالعقل مدحورًا، وبالنفس مقهورًا، ثم له الحظُّ الأوفى في ثواب الخالق وثناء المخلوقين؛ قال اللَّه تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41][14]".

 

الهوى المحمود:

ذكرنا قبل قول الإمام ابن الجوزي أنه "لا يصلح ذمُّ الهوى على الإطلاق؛ وإنما يُذمُّ المفرط من ذلك؛ وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار"، ونبيِّن هنا متى يكون الهوى محمودًا، فنقول: يكون الهوى محمودًا إذا كان موافقًا لما أمر الله به، فإن السعادة والراحة والطمأنينة والفوز إنما يكون في اتباع ما أمر الله باتباعه في كتابه العزيز، واجتناب ما نهى الله عنه، وتحكيم شرع الله تعالى والسنة الشريفة، لا في اتِّباع هوى النفس وما تمليه عليه، وهذا هو الهوى المحمود الموافق لشرع الله تعالى ورسوله، وبيَّن الله ذلك في كتابه، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، فبيَّن سبحانه أن الهوى يكون محمودًا إذا كان هوى المرء عن هدى[15]، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]؛ أي: فمن اتبع ما أمر الله به، واجتنب ما نهى عنه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة، وله السعادة والأمن في الآخرة[16]، ومن خالف ما ذكرناه، فهو الهوى المذموم، وقد سبق الحديث عن آثاره، والله أعلم.



[1] انظر: لسان العرب للمؤلف: محمد بن مكرم بن علي، أبي الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (المتوفى: 711هـ).

[2] انظر: التعريفات؛ للجرجاني.

[3] بتصريف من لسان العرب.

[4] آفات النفس؛ نعيمة عبدالله البرش.

[5] انظر: كتاب ذم الهوى للمؤلف؛ جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ).

[6] بتصريف بسيط من المرجع السابق.

[7] آفات النفس.

[8] انظر: أدب الدنيا والدين؛ لأبي الحسن علي بن محمد حبيب البصري الماوردي (450هـ).

[9] كتاب ذم الهوى.

[10] انظر: كتاب أدب الدنيا والدين.

[11] رواه الإمام البخاري.

[12] انظر: التحرير والتنوير؛ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ).

[13] رواه الإمام مسلم.

[14] أدب الدنيا والدين؛ للماوردي.

[15] انظر: التحرير والتنوير.

[16] بتصريف من كلام د. رياض محمود قاسم معلقًا على كتاب آفات النفس.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آثار سماع القرآن في النفس
  • علاج النفس
  • مجاهدة النفس
  • النفس وأحوالها
  • أنواع النفس البشرية
  • بين النفس والعقل (1)
  • محاسبة النفس وعتابها (خطبة)
  • آيات عن محاسبة النفس
  • عشرون علاجا لفتور النفس عن الطاعة

مختارات من الشبكة

  • بين النفس والعقل (3) تزكية النفس (خطبة) باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: بين النفس والعقل (3) تزكية النفس - باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين النفس والعقل (3) تزكية النفس (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين النفس والعقل (3) تزكية النفس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفات على طريق الافتقار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة آفات اللسان "الغيبة"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفات (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آفات وأضرار وآثار الشرك على الفرد والمجتمع(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • آفات (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في آفات ينبغي لطالب العلم أن يحذرها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب