• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

فقه المحبة بين الناس

د. محمد ويلالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/2/2019 ميلادي - 13/6/1440 هجري

الزيارات: 67100

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه المحبة بين الناس

 

أن يرتقي المؤمن إلى درجة يجعل فيها لنفسه مكانًا في قلوب العباد، فتلك منزلة الصالحين، وعلامة الأتقياء الذين خلت قلوبهم من الضغائن والأحقاد، وصفت نفوسهم من الأكدار والشوائب، وتخلصت عقولهم من أسْر الذات، وأغلال الأنا، فرأوا في إخوانهم صورة منهم، يحبون لهم من الخير ما يحبون لأنفسهم، ويدفعون عنهم من الأذى ما يحبون أن يدفعوه عن أنفسهم.


يَلقونهم بالبشر، ويعاملونهم بالصدق، ويسيرون بينهم بالنفع والخير، فَيُلقي الله محبتهم في نفوس خلقه، فتلهج ألسنتهم بحمدهم والثناء عليهم؛ يقول أبو جعفر المنصور: "إن أحببتَ أن يكثر الثناء الجميل عليك من الناس بغير نائل، فالْقهم ببشر حسنٍ".


وأن يرزقك الله وجها مستبشرًا، تملأ طلعتَه الابتسامة، ويكسو جنباته البشر والانبساط، فذلك سلوك رفيع، لا يرتقيه إلا أصحاب القلوب السليمة، والنفوس الزكية الطيبة. وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ"؛ مسلم؛ أي: يعجل الله له البشرى في الدنيا بهذا الثناء والرضا والقبول من الناس، ويدخر له في الآخرة جزيل الثواب، وهو دليلٌ على نشر قبوله في الدنيا والآخرة.


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ،فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ"؛ متفق عليه، وزاد الترمذي: "فَذَلِكَ قَوْلُ الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]؛ قال النووي رحمه الله: "وَمَعْنَى (يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)؛ أَيْ: الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية: (فَتُوضَع لَهُ الْمَحَبَّة)"، ثم قال: "هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرُّض منه لحمدهم، وإلا فالتعرض مذمومٌ".


وقال ابن الجوزي رحمه الله: "إذا أحب الله عبدًا، حبَّبه إلى خلقه، وهم شهداء الله في الأرض"، وهو بذلك يستحضر رحمه الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ"؛ متفق عليه.


وعند النسائي: "المَلاَئِكَةُ شُهَدَاءُ الله فِي السَّمَاءِ، وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأَرْضِ".

قال الزرقاني رحمه الله: "فإن ذكره الصلحاء بشيء، علِم أن الله تبارك وتعالى أجرى على ألسنتهم ما له عنده، فإنهم ينطقون بإلهامه"، ولا شك أن الناس يُثنون عليك خيرًا بقدر محبَّتهم لك، وما يكنون من تقدير تُجاهك؛ فعن أبي الأسود الديلي قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ، فَأُثنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى، فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقُلْتُ: مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ"، قُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ؟ قَالَ: "وَثَلاَثَةٌ"، قُلْتُ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: "وَاثْنَانِ"، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ؛ البخاري.


ومن أقرب هؤلاء الشهداء، جيرانك الذين هم بجانبك الذين أَثَّرت محبتك لهم في نفوسهم، وأشرقت معاملتُك الحسنة في قلوبهم، فانطلقت ألسنتُهم بالثناء الجميل عليك في حياتك، وبعد مماتك، وكانت شهادتهم طابعًا على صلاحك، وسبيلًا لمغفرة ذنوبك، ومن بديع ما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلمٍ يَمُوتُ، فَيَشْهَدُ لهُ أربعَةُ أهلِ أَبْياتٍ من جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ أنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ إلَّا خيرًا، إلَّا قال اللهُ: قد قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فيهِ، وغَفَرْتُ لهُ ما لا تعلمُونَ"؛ صحيح الترغيب.


وأصرح منه ما رواه كُلْثُوم الْخُزَاعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَنِّي قَدْ أَحْسَنْتُ، وَإِذَا أَسَأْتُ أَنِّي قَدْ أَسَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسل


بل الأعجب منه قوله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ"؛ سنن ابن ماجه.


فكيف لا يسعى الناس فيما بينهم بالأعمال الصالحة، والمعاملات الطيبة، والعلاقات النافعة، يكسبون بها مرضاة الله تعالى أولًا، ويستميلون بها قلوب عبادته ثانيًا؟

هذا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، كان حريصًا على أن يفتح قلوب الناس بإلقاء محبتهم فيها، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُولَ الله، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا ـ يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ ـ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ"، قال أبو هريرة: فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلاَ يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي؛ مسلم.


ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنه ليمر بخاطري الرجل من إخواني وأنا في الليل، فأقوم لأدعو الله وأقول: يا طولها من ليلة، فإذا أصبحت، بادرته فالتزمتُه".


بل إن أهل محبتك وودك، سيكونون شفعاءَ لك يوم الفزع الأكبر، إذا قصرت أعمالك عن اللحاق بهم، فيسألون عنك، ويدافعون عنك، يرفعون ذكرَك في الآخرة، كما رفعوه لك في الدنيا، ويحفظون صحبتك يوم القيامة، كما حفظوها لك في الدنيا.


وتأمل في مرافعتهم من أجلك، ومحاججتهم لإنقاذك، من خلال ما أخبرنا به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم مما ورد في صحيح البخاري في حديث طويل، قال: "وَإِذَا رَأَوْا (أي: المؤمنون) أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ.. ثم قال: "فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ، وَالْمَلاَئِكَةُ، وَالْمُؤْمِنُونَ".

أَخَاك أَخَاك لَا يذهلك عَنهُ
مطامعُ لن تزَال وَلَا رَجَاءُ
فإخوان الْفَتى فِي الأَمر زينٌ
وأركانٌ إِذا نزل الْبلَاءُ

 

هذه المرتبة الشريفة، والمنزلة الرفيعة المنيفة، منوطة بآداب وشروط عديدة، أهمها أن تكون محبتنا للناس خالصة لوجه الله، لا يُرادُ منها زَلَفٌ مادي، ولا مَلَق نفعي، بل يكون المنطلق هو الإيمان، الذي لا يكمل إلا بتحقيق هذه المحبة؛ فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"؛ متفق عليه، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِله، وَأَبْغَضَ لِله، وَأَعْطَى لِله، وَمَنَعَ لِله، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ"؛ سنن أبي داود.


ومن تمام صدق المحبة ألا ينزل ما تحبه للناس عن درجة ما تحبه لنفسك، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"؛ متفق عليه. وعند مسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ـ أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ ـ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".


وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ"؛ مسلم.


فمن كان كذلك، جمعه الله بأحبته يوم القيامة في الجنة؛ قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].


وقد ذكر الذهبي في السير قول بشار بن موسى العِجلي في صديقه يحيى بن معين: "نِعمَ الموعدُ غدًا، نلتقي أنا وابن معين".


ولذلك وجب علينا أن نختار من أصدقائنا وأحبابنا من يذكرنا بالله، ويدلنا على طريقه؛ قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29].


ومن جميل وصايا علقمة العطاردي رحمه الله قوله لابنه لما أدركته الوفاة: "يا بني، إنْ عَرضَتْ لك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فاصحَب مَن إذا خدمته صانك، وإنْ قَعَدَتْ بك مؤونةٌ مانك، اصحَب مَن إذا مددتَ يدك بخير مدَّها، وإنْ رأى منك حسنة عدَّها، وإنْ رأى منك سيئة سدَّها، اصحَب من إذا سألته أعطاك، وإنْ سَكتَّ ابتداك، وإنْ نَزَلَتْ بك نازلةٌ واساك، اصحَب من إذا قلتَ صَدَّق قولك، وإذا حاولتَ أمرًا أَمَرك، وإنْ تنازعتما آثرَك".


وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "مثل الأُخوَّة في الله، كمثل اليد والعين، فإذا دمعت العين مسحت اليد دمعها، و إذا تألمت اليد بكتْ العينُ لأجلها".


ولنعم الأخوةُ المبنيةُ على المحبة الصادقة، والعلاقة الخالصة، قيل للأحنف بن قيس: أي إخوانك أحبُّ إليك؟ فقال: "من يَسد خَللي، ويستر زَللي، ويَقبَل عِللي".


والمحبة الصادقة تجعل همَّ صديقك همَّك، وأملَه أملَك، وألمَه ألمَك، ومالَه مالَك، قال بعض العلماء: "إذا قال: أعطني من مالك، فقال: كم تريد؟ أو ماذا تصنع به؟ لم يقم بحق الإخاء".


وجاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه، فقال: إني أريد أنْ أؤاخيك في الله عز وجل، فقال: "أتدري ما حق الإخاء؟" قال: عرِّفني، قال: "لا تكون بدرهمك ودينارك أحقَّ مني"، قال: لم أبلغ هذه المنزلة بعدُ. قال: "فاذهَب عني".


ويقال: إنَّ مسروقًا كان عليه دين ثقيل، وكان على أخيه خيثمة دين، فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق سرًّا وهو لا يعلم.


وقال سليمان الداراني رحمه الله: "إني لَأُلقِم الأخ من إخواني اللقمةَ، فأجد طعمها في حلقي".

كَمْ مِنْ أَخٍ لَكَ لَمْ يَلِدْهُ أَبُوكَا
وَأَخٍ أَبُوهُ أَبُوكَ قَدْ يَجْفُوكَا
صَافِ الكِرَامَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَخَا الحِفَاظِ أَخُوكَا
كَمْ إِخْوَةٍ لَكَ لَمْ يَلِدْكَ أَبُوهُمُ
وَكَأَنَّمَا آبَاؤُهُمْ وَلَدُوكَا


ولتحقيق الصدق في المحبة، لا بد من تقوية الروابط المغذية لهذه المحبة، وهي ستة أشياء:

1- تجنب المعاصي؛ لأنها تطرد الوقار، وتفرِّق بين الأحباب، يقال: "ما تواخى اثنان في الله عز وجل ففُرِّقَ بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما"، قال بشر: "إذا قصَّر العبد في طاعة الله تبارك وتعالى، سلبه الله عز وجل مَن يُؤنسه".


2- إقالة عثرة أخيك، والتماس عُذره، فلن تعثر على أخ كاملٍ غير منقوص، فإن أخطأ فتجاوز عنه، وإن قصر فتغافل عنه، كان ابن سيرين رحمه الله يقول: "يَحتمل الرجل لأخيه إلى سبعين زلة، ويطلب له المعاذير، فإن أغناه ذلك، وإلا قال: لعل لأخي عذرًا غاب عني".


وعن سعيد بن المسيب، قال: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمرَ أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا، وما كافيتَ من عصى اللهَ تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه".

وَمَن ذا الذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها؟ *** كَفـى المَـرءَ نُبـلًا أَن تُعَـدَّ مَعـايبُـهْ


3- إفشاء السلام بين الناس سبيل قوي لزرع المحبة وتوثيقها، وبسط الطمأنينة وتثبيتها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ"؛ سنن الترمذي.


ولذلك مهَّد صلى الله عليه وسلم لهذا الحُكم بنفي ضده، وهو نشر العداوة، والكراهية، والبغضاء التي سماها الحالقة، فقال صلى الله عليه وسلم: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"؛ سنن الترمذي.


فقلب المؤمن طاهر نقي، صاف زكي، لا يحمل كرهًا، ولا يطوي حقدًا، ولا يموج حسدًا؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم لَما سئل: "أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ، وَلاَ بَغْيَ، وَلاَ غِلَّ، وَلاَ حَسَدَ"؛ سنن ابن ماجه.


4- ومن جميل ما يوثِّق عُرى المحبة بينك وبين أخيك أن تُخبره أنك تحبه في الله؛ كما فعل رسول الله مع معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أخذ بيده وقال له: "يَا مُعَاذُ، وَالله إِنِّي لأُحِبُّكَ، وَالله إِنِّي لأُحِبُّكَ"، ثم قَالَ له: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"؛ سنن أبي داود.


وأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نبادر إخواننا بإخبارنا بحبِّنا لهم، فقد أتى أَبو سَالِمٍ الْجَيْشَانيُّ أَبَا أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ، فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِله عَزَّ وَجَلَّ"، وَقَدْ أَحْبَبْتُكَ، فَجِئْتُكَ فِي مَنْزِلِكَ؛ رواه أحمد، وهو في صحيح الجامع.


5- ومن أسباب توثيق هذه المحبة: تقديم الهدايا، فإنها تُدخل على القلوب السرور، وتزرع الدفء في النفوس؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تَهَادُوا تَحَابُّوا"؛ صحيح الجامع.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا"؛ البخاري.


6- ومن أسباب نشر المحبة بين الناس: الزهد فيما عندهم، والترفع عما في أيديهم، فما أفسد القلوب إلا الطمع، ولا أظلم النفوس سوى الجشع، وقد جاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ اللهُ، وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا، يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، يُحِبَّكَ النَّاسُ"؛ سنن ابن ماجه.

الود يبقى وحبُّ الله يجمعنا
على الإخاء وطيبُ القول قد عَبَقا
والقلبُ يخفق إن هبَّت نسائمُكم
فصادقُ الوُد يجلو الهمَّ والأرَقَا


فأين نحن اليوم من هذه الخصال البديعة، وهذه الأخلاق الرفيعة، ونحن نعيش عالَمًا مشحونًا بالخصومات بالنسبة للأفراد والجماعات، إلا من رحِم الله؟ فهل فكَّرنا فعلًا في نشر المحبة بين الناس، ونشر ثقافة الأمن والطُّمأنينة؟

وكلُّ محبةٍ في اللهِ تبْقى
على الحالَين من فرجٍ وضيقِ
وكل محبة فيما سواه
فكالحلْفاء في لهب الحريقِ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • منزلة المحبة
  • عشرون من مفسدات المحبة بين الناس
  • إشعال العداوة بين الناس
  • العلامات الدالة على محبة العبد لربه (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • نظرية البدائل بين فقه الأولويات وفقه الضرورة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من فقه المرافعات (1) مكانة فقه المرافعات بين العلوم بعامة وعلوم الشريعة بخاصة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عيد الأم .. ما بين فقه الدين وفقه الواقع(مقالة - ملفات خاصة)
  • السياسة الشرعية بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فقه الدعوة وفقه الرفق(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب