• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

معلمي.. حدثني عن الإخلاص

معلمي.. حدثني عن الإخلاص
عادل مناع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/3/2017 ميلادي - 16/6/1438 هجري

الزيارات: 6050

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معلمي.. حدثني عن الإخلاص


لَـمَّا كان إخلاصُ العمل لله هو لُبَّ الدين وعليه مَدارُ القَبول، كان من الطبيعي أن يحظى بأهمية خاصة في المحاضن التربوية، العامة منها والخاصة؛ فهو أصلٌ في التربية الإسلامية، وأساسٌ للبنية الإيمانية في شخصية المسلم.

 

وكلُّ من كان له احتكاكٌ بالمربِّين والأوساط التربوية، كان يرى النقدَ يتدفَّق تجاه بعض المربِّين الذين تهاونوا في التركيز على قضية الإخلاصِ، أو لم يمنحوها القدرَ الكافي من العناية خلال ممارسة التربية مع المتعرضين لها، وكثيرًا ما كان يشتدُّ النكيرُ على من يقوم بتصدير الشباب قبل تحضيرهم؛ خشيةَ أن يضعُف لديهم جانبُ الإخلاص.

 

ومع ذلك، لم نَرَ مَنْ يُنكر على طائفة أخرى من المربين، ربما كان مسلكهم التربوي في غرس الإخلاص لا يقل خطرًا عن الطائفة الأولى، وأعني هؤلاء المربين الذين صَوَّروا الإخلاص لدى الشباب على أنه أمرٌ لا يظفر به سوى صفوة الصفوة، وأنه شيء عزيز لا يُؤتاه أي مسلم، وأنه ليس للنفس فيه نصيبٌ.

 

وقد اعتمد هؤلاء على مقولات لبعض علماء السلف، ربما كانوا مدفوعين بمشاعر إيمانية معينة، أو حالات من رؤية التقصير في النفس أَجْرَتْ على ألسنتهم هذه الكلمات، فجعل منها هؤلاء المربون أساسًا في قاموس الحديث عن الإخلاص، ومن ذلك ما جاء في الإحياء: "وقال بعضُهم: في إخلاص ساعةٍ نجاةُ الأبد؛ ولكنَّ الإخلاصَ عزيزٌ"[1].

 

وصار الحديثُ عن عُسر تحقيق الإخلاص، وصعوبة التحلي به - ديدنَ الوعاظ والمحاضرين والقائمين على التربية، وأصبحت عبارة "الإخلاص عزيز" أساسًا في هذا السياق.

 

مقولة "الإخلاص عزيز" في الميزان:

هذه المقولة ليست آية من القرآن أو حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنما هي من أقوال بعض العلماء رحمهم الله، وبناءً على ذلك فهي قابلة للنقد والمناقشة، ومن الواجب عرضُها على الكتاب والسنة قبل أن يصير مدلولها منهاجًا تربويًّا، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكلُّ أحد يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق على الهوى"[2].

 

فالإخلاصُ تكليف من الله تعالى أمَر به عباده، كما في قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وإذا كان الإخلاص فرضًا وتكليفًا، فينسحب عليه إذًا كلُّ سمات التشريع الإسلامي، ومن ذلك كونه في حيز الوُسع والطاقة، حيث لم تؤمر النفس بما لا تطيقه؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، قال ابن كثير: "أي: لا يُكلف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم"[3].

 

كذلك، فإن الله تعالى جعل التشريعاتِ والتكاليف كلها في وسع جميع خلقه، وليست فقط لصفوتهم، نعم قد يَعجِز البعضُ عن القيام بها لعارض أو طارئ؛ كمرض أو سفر ونحوهما، لكنه ليس الأصلَ، كما أن الله تعالى جعل لأهل هذه العوارض أحكامًا خاصة تتوافق مع أحوالهم؛ فالمريض أو المسافر يقضي بعد رمضان، والشيخ الطاعن الذي لا يقوى على الصيام عليه الفِدية... وهكذا.

 

وخلاصة هذا العرض الموجز: أن القول بأن "الإخلاص عزيز"، وأنه ليس لكل أحد - مُعارَضٌ بقول الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وبغيره من النصوص؛ كقول الله تعالى عن المؤمنين في الآية نفسها: ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِه ﴾ [البقرة: 286]، فقال الله تعالى: (قد فعلت)[4].

 

مناظرة:

وقد أعجبتني مقولةٌ لِـمُحَدِّثِ الديار المصرية أبي إسحاق الحويني في لقاءٍ جمَعَهُ بالشيخ محمد حسين يعقوب على إحدى الفضائيات، عَارَضَ بها قول الشيخ يعقوب في أن الإخلاص عسير وعزيز، فقال الحويني حفظه الله: "الإخلاص شرطٌ في صحة العمل، فإذا كان شرطًا والعملُ لا يُقبل إلا به، فلا بد أن يكون ميسورًا ممكنًا"، وَرَدَّ على الاستدلال بقول سفيان الثوري: "ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي"[5]، وبقوله: "لا أعتدُّ بما ظهر من عملي"[6]، رَدَّ بأننا لا نستطيع أن نجعل من هذه المقولات منهجًا؛ فقد تكونُ عِلةً شخصية لدى الثوري.

ولا يُفهم من ذلك التجريحُ والتنقيصُ من قول أهل العلم والفضل والزهد؛ وإنما هو وضعٌ للأمور في نصابها، بما يفرضه منهجُ التلقِّي والاستقاء، فلا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، وله التسليم المطلق، وما سواه فأقوالهم ما بين صواب وخطأ.

 

تأملات في واقع خير القرون:

لقد أفاض القرآنُ البيانَ في التأكيد على أهمية الإخلاص والتحذير من ضده، لكن الأعين لا تُبصر في كلام الله ما يُسْتدلُّ به على عُسر الإخلاص، وكذلك السُّنَّة؛ إذ تضافرت أحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم لبيان أمر الإخلاص وأهميته، سواء بالترغيب؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَنْ قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه - أو نفسه))[7]، أم بالترهيب؛ كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِركَه))[8].

 

وفيما عدا ذلك، لو قَلَّبَ المرء بصره في كتاب الله وفي سنة نبيه مرارًا وتَكرارًا، ما وجد ما يدل على أن الإخلاص شيءٌ عزيز.

 

ومن ثم، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عِظَمِ اهتمامهم بتخليص العمل من شوائبِ الرياء والشرك، وخوفهم من حبوط الأعمال - لم يجرِ على ألسنتهم ما يفيد أيضًا هذا المعنى، ولا تجد في أحاديثهم ووعظهم وفي سؤالهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم كذلك - ما يعضُدُ القولَ بعسر الإخلاص.

 

وكانوا يدركون جيدًا أن الله سبحانه وتعالى لم يكلِّفهم بشيء إلا ممكنًا وداخلًا في الوسع؛ ولذلك دارت أسئلتهم في فلك: (أفعل أو لا أفعل، خير هو أم شر)، كما في صحيح مسلم: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتِل شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قاتَل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله))[9].

كما يلاحظ في تعامل الجيل الأول مع قضية الإخلاص أنهم وإن كانوا يؤْثرون فعل الطاعات في الخفاء؛ حرصًا منهم على صلاح الأعمال، إلا أنهم لم يفعلوه بصورة يشوبها التكلف والمبالغة، فلم يَرِدْ عنهم مثلًا ما نطالعه في كتب التراجم ممن أتوا بعدهم، كمن يتعمد إخفاء الصوم عن زوجته أربعين عامًا، يأخذ طعامه من البيت صباحًا ويتوجه إلى سوقه فيتصدَّق به.

 

وبينهما فرق:

وهناك فرق بين خوف الصحابة من حبوط الأعمال، وفَرَقِهم من عدم القبول عند ربِّ العالمين، وبين الاعتقاد بأن الإخلاص شيء عسير بعيدُ المنال.

فالأولُ نابعٌ من اتهام النفس، وتعظيم الله سبحانه، الذي لن يستطيع العبدُ مهما أوتي من همة وعزم أن يعبده حقَّ عبادته، ولم يك نابعًا من الاعتقاد بأن الإخلاص عسير عزيز، فهو اتهام للنفس، لا اتهام للتشريع والتكليف.

 

فكانوا رضي الله عنهم يتحرَّون الإخلاص، ويأتون بالعمل وهم وجِلون من عدم القبول، كما في قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، فلما سألت عائشةُ رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "أَهُمُ الذين يشربون الخمرَ ويسرقون؟"، قال: ((لا، يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلُّون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات))[10].

 

ومن التكلف أن نقول بأن خوفَهم من الحبوط يرجع لكون الإخلاص عزيزًا؛ لأن محبطاتِ الأعمال متعددة، وليست محصورة في الرياء؛ كـ"ذنوب الخلوات" مثلًا، كما أخبَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى ذلك، فلدينا آية محكَمة، نردُّ إليها كلَّ ما تشابه علينا في المسألة على فرض وجوده: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].

ولكن الصحابة - مع عظم إيمانهم - يحتقرون أعمالهم عند رؤية النفس ورؤية عظمة الله سبحانه وتعالى، فالخوف إذًا من الرياء وتلطُّخِ الأعمال به - لا يستلزم القولَ بعسر تحقيق الإخلاص.

 

أثر هذه النظرة في حقل التربية:

إننا إذ نربِّي الناس - والناشئة خاصة - على هذه النظرة للإخلاص، فإننا بذلك نُضعف فيهم جانبَ الرجاء، وقد يُصاب من يتربى بمقتضى هذا النهج بسوء الظن بالله تعالى، فكيف بشاب يُقبِل على الطاعة، وهو يعلم أن الإخلاص فيها شيء عزيز لا يؤتاه إلا ذو حظ عظيم؟ كيف سيكون شعوره وهو يتعبد لله وقد امتلأ قلبه بهذا الشعور؟!

ومن جهة أخرى، فإن هذه النظرة لقضية الإخلاص تكون سببًا لفتح باب الوسواس، خاصة على الشباب، فيأتيه الشيطان من قِبل الحرصِ على العمل والخوف عليه من الحبوط، ويظل الاعتقاد بأن الإخلاص عزيز يطارده ويلاحقه في غدوه ورواحه.

وقدِّر لي أن أعرف شابًّا تأثر بهذه المقولة، وظلَّت نفسه تتفاعل معها، حتى كان يزعج أهلَ العلم بالأسئلة المتكررة عن الإخلاص والرياء، ويعيدها عليهم كلما التقى بهم، ولم يكن ينقصه سوى أن يطلب منهم النظر في قلبه؛ ليُطمئنوه: هل حقق الإخلاص أم لا؟! وأُصيبَ بالاكتئاب جراء هذا.

إن الله تعالى لم يشرع لعباده ولم يكلفهم بما يتعذبون به، نعم إن الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة كسائر العبادات والأعمال القلبية، وإن العبد لا يأمن على عمله من التلطخ بالرياء، لكن مع ذلك يُحسن الظن بربه في أنه شرع له ما يطيقه، فالتشريعات والتكاليف ليست نخبوية؛ إنما هي في وُسع الإنسان العادي.

 

خطوط عامة لمنهج التربية على الإخلاص:

هذه خطوط عامة مستقاة من خلال التأمل في كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والعملية، ومن واقع حياة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم:

أولًا: ربط الشباب بجيل الصحابة:

فهو الجيل القرآني الفريد الذي سيظل قمةً سامقة يقضي المسلم حياتَه في السعي للاقتراب منها، الجيل الذي يُبرز ترجمةَ تعاليم القرآن، ويجعلها حية بين الناس، وقد فاقوا مَن بعدهم ليس بكثير صيام ولا صلاة، ولكنها تلك القلوب التي عمرت بالإيمان والتعلُّق بالله، وترجمته إلى واقع عملي شمولي وسطي، يضمن الاستمرار في المسير وتحقيق التوازن، فحين يتعلق الشاب بجيل الصحابة، حتمًا سيتعلم منهم الإخلاص.

سيتعلم منهم الإخلاص عندما يتأملهم بقلبه، وهم يتركون الأموال والضيعات والأهلَ والأوطان، ويقيمون في أرض غريبة، لا مال لهم فيها، ولا أهل؛ امتثالًا لأمر الله ورسوله.

سيتعلم منهم الإخلاص عندما يعطي النبي صلى الله عليه وسلم صحابيًّا نصيبَه من الغنيمة، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما على هذا اتَّبعتُك، ولكن اتبعتك على أن أُرْمَى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم، فأموت، فأدخل الجنة"، فقال: ((إن تصدُقِ الله يصدُقْك))، فلبثوا قليلًا، ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأُتِيَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أهو هو؟!))، قالوا: نعم[11].

فكان همه لقاء الله والجنة، فصدَق اللهَ، وصدَقه اللهُ.

سيتعلم الإخلاص وهو يرى أميرَ المؤمنين يَعزل خالد بن الوليد القائد العسكري العام ليصبح جنديًّا عاديًّا في الجيش، ولا يبالي، أينما وضع قدمه فإنما هي لله، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لجمع أطرافها.

 

ثانيًا: التوازن بين الترغيب والترهيب:

فمن الخطأ أن يطرح المربي مسألةَ الإخلاص ويطرق بابها من خلال مطرقة الترهيب وحده، بل تشويق النفس وترغيبها أيضًا له فعلٌ مماثل، وباجتماعهما معًا يتحقق التوازن في شخصية المتربي، فهي صورة من لزوم الخوف والرجاء معًا للعبد، فهما له كالجناحينِ للطائر؛ إذا طار بأحدهما دون الآخر، سقَط.

فالقرآن - ومثله السُّنة - لم يزجر النفوسَ فقط عن الشرك والعمل لغير الله، ولكنه شَوَّقَها كذلك لنيل رضا الله بتحقيق الإخلاص، دون الاقتصار على أحدهما، فهكذا النفس تُساق بالخوف والرجاء معًا.

 

فتقرأ في كتاب الله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146]، وترى تشويق النفس إلى لقاء الله، ثم بيان السبيل إليه: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

وفي المقابل يزلزل كيانَك قولُ الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 - 7].

وكذا حديث أول ثلاثة تسعَّر بهم النار: قارئ القرآن، والمتصدِّق، والمجاهد، حيث كانت أعمالهم تلك رياء الناس.

 

ثالثًا: الاهتمام بالبناء الإيماني:

فعندما يتربى الشاب على تعميق الصلة بالله، والتعرف على عظمته، والزهد في الدنيا بمعناه الحقيقي، وارتباط القلب بالآخرة وما عند الله - وكل ذلك من معاني تحقيق لا إله إلا الله - فلن تبقى في قلبه شهوةُ حب الظهور والشهرة والعمل ليراه الناس، بل يبدِّدها، كما قال ابن القيم رحمه الله: "وكلما عظُم نور هذه الكلمة (أي: لا إله إلا الله) واشتد، أحرَق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبًا إلا أحرقه"[12].

ويقول ابن القيم أيضًا: "فإذا فكَّر في الآخرة وشرَفَها ودوامها، وفي الدنيا وخستها وفنائها، أثمر له ذلك الرغبةَ في الآخرة، والزهدَ في الدنيا"[13].

 

رابعًا: التوجيه العقلي للمقارنة والنظر في المآلات:

فيوجه دائمًا بالخطاب العقلي، وتعويده مخاطبة نفسه بمنطق الحرص على المنفعة، والمقارنة بين المصالح والمفاسد، والنظر في عاقبة العمل لغير الله.

ولله در الإمام ابن عثيمين رحمه الله، في شرح رياض الصالحين، إذ يتناول هذه المسألة فيقول: "الشرك طهِّر قلبك منه، كيف أطهر نفسي منه؟ أطهر قلبي بأن أقول لنفسي: إن الناس لا ينفعونني إن عصيت الله، ولا ينقذونني من العقاب، وإن أطعت الله، لم يجلبوا إليَّ الثواب، فالذي يجلب الثواب ويدفع العقاب هو الله، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تشرك بالله عز وجل؟ لماذا تنوي بعبادتك أن تتقرب إلى الخلق؟ ولهذا من تقرَّب إلى الخلق بما يتقرب به إلى الله، ابتعد الله عنه، وابتعد عنه الخلق"[14].

وأذكر مقولة رائعة للإمام ابن باز رحمه الله، وهو ينصح طالب العلم بالإخلاص، ويوجه بأن الشهرة آتيةٌ آتيةٌ لمن يطلب العلم، فإن كان الأمر كذلك، فلِمَ يضيِّع على نفسه ثواب طلب العلم بأن يكون طلبُ الشهرة غرضَه؟!

إن من شأن هذا المنطق أن تفتر معه شهوة حب الشهرة، والحصول على ثناء الناس ومدحهم، لتجتمع معها العوامل الأخرى، فتضيف له قوة نفسية وقلبية تمكِّنه من السيطرة على باعث الرياء.

 

خامسًا: المتابعة الجيدة:

وهي من لوازم التربية التي لا تقتصر على التلقين والتعليم، ومن ثمرات متابعة المتربي وملاحظته أنها تتيح اكتشاف مواطن الضعف فيه، ومن ثم يبدأ المربي في علاجه وتقويمه، ومن جهة أخرى تحديد ما يصلح وما لا يصلح معه من الأنشطة، والتريث قبل تصديره لعمل قد يفاقم لديه المرضَ أو الضعف.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدَ الحرص على متابعة أصحابه وملاحظتهم وتفقُّدِهم، حتى بصر بأحوالهم ومواطن القوة والضعف لديهم، ومن ثم علم ما يناسب كلًّا منهم وما لا يناسبه؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: ((يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَتَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَتَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ))[15].

وقطعًا هذه الكلمات ليست كافيةً شافية، لكنها فقط إشارات لأهم ما ينبغي التركيز عليه في الأطر التربوية عند تناول قضية الإخلاص وتربية الشباب عليه.



[1] إحياء علوم الدين؛ للغزالي (4/ 378).

[2] الفتاوى الكبرى (3/ 183).

[3] تفسير ابن كثير (1/ 737).

[4] صحيح مسلم (180).

[5] سير أعلام النبلاء (7/ 258).

[6] إحياء علوم الدين (4/ 386).

[7] صحيح البخاري (1/ 174).

[8] صحيح مسلم (14/ 254).

[9] صحيح مسلم (10/ 6).

[10] صحيح سنن الترمذي (3175).

[11] صحيح الترغيب والترهيب (1336).

[12] مدارج السالكين (1/ 330).

[13] الفوائد، ص (198).

[14] شرح رياض الصالحين (1/ 9).

[15] صحيح مسلم (3405).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وداعبته الأحلام
  • وللسوط أحيانا بريق
  • الإخلاص عنوان للأمة المحمدية وبه تنصر
  • خطبة عن الإخلاص

مختارات من الشبكة

  • شكرا معلمي.. أتعلم من أنت يا معلمي؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطبة بعنوان " الإخلاص "(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص في القول والعمل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص سبيل الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العوامل المؤثرة في أداء معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها في ضوء آراء هؤلاء المعلمين (WORD)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • شرح حديث: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حدثني عن هدفك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حدثني الحافظ (3)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حدثني الحافظ (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حدثني الحافظ (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب