• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

ضحوا تصحوا

ضحوا تصحوا
محمد عبدالرحمن صادق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/2/2017 ميلادي - 26/5/1438 هجري

الزيارات: 6273

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضحوا تصحوا


إن التضحية هي أغلى ما تمتلكه النفوس الراقية، النفوس التي تترفع عن الدنايا وتتعالى على سفاسف الأمور وحطام الدنيا. فالنفوس الراقية ما خُلقت لتزاحم الأشحاء المهازيل الذين يضنُّون بالتضحية بأي شيء وعلى أي أحد حتى ولو على أنفسهم، ولكنها خُلِقت لتنافس العظماء في تضحياتهم بالغالي والنفيس، والصغير والكبير، والقليل والكثير، تلبية لأمر الله تعالى وعينها تحت عرش ربها طمعاً في أن يكون هناك مُستقرها.

 

أولاً: تعريف التضحية وأقسامها: جاء في المعجم الوسيط: التضحية مصدر ضحَّى يُقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله: بذله وتبرع به دون مقابل.

 

• وفي الاصطلاح هي: " بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ ".

 

• يقول الأستاذ سعيد حوى رحمه الله: " هناك فارق إلى حد ما بين الجهاد والتضحية فأحيانًا يتطابقان وأحيانًا يتكاملان؛ فقد يُجاهد المُجاهد حتى إذا جاء دور بذل الروح تردد، وقد يجاهد المجاهد بالوقت ويضحي بالمال ولكنه لا يضحي بالحياة، غير أن الجهاد الكامل لا يكون إلا إذا وُجدت تضحية كاملة، وإن ميزان التضحية هو أن يبذل الإنسان نفسه وماله ووقته وحياته من أجل غاية مشروعة في سبيل الله ".

 

• يقول الأستاذ حسن البنا رحمه الله: " أستطيع أن أتصوَّر المجاهدَ شخصًا قد أعدَّ عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا، إن دُعي أجاب، أو نودي لبَّى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يُجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلُّك على ما يضطرم في قلبه من جوًى لاصقٍ وألمٍ دفينٍ، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمَّة عالية وغاية بعيدة ".

 

• أقسام التضحية: التضحية تنقسم إلى قسمين وهما:

أ) التضحية المحمودة: وهي التي تكون لتحقيق غاية شرعية وأن يبتغي فاعلها وجه الله تعالى وحده.

ب) التَّضْحية المذمومة: وهي التي تكون لتحقيق غاية غير شرعية مثل نصرة باطل، أو الركون إلى ظالم، أو أي مقصد غير نبيل.

 

• عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، ما القتالُ في سبيلِ اللهِ؟ فإنَّ أحدَنا يقاتِلُ غضبًا، ويقاتِلُ حَمِيَّةً، فرفَع إليه رأسَه، قال: وما رفَع إليه رأسَه إلا أنه كان قائمًا، فقال: مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيلِ اللهِ عز وجل " (رواه البخاري).

 

ومن هنا يجب على كل مسلم غيور على دينه، طامعاً فيما عند ربه، أن يُوطِّن نفسه على التضحية في مجال عمله أو في المجال الذي ينتدب له وليعلم أنه على ثغرة فلا يتكاسل ولا يتهاون ولا يترك المجال لمتآمر لكي ينال من جسد الأمة وعزتها وكرامتها. وعلى المرء أن يعلم أنه إن لم يكن جُندياً مُضحياً من أجل نصرة الحق وأهله فسيقدم نفس التضحية وأضعافها ولكن لنصرة الباطل وأهله.

 

ثانياً: بعض الآيات التي وردت في القرآن الكيم للحث على التضحية: لقد وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات التي حثت المؤمنين على التضحية من أجل ما يعتنقون من دين خاتم وشريعة غراء فانطلق المسلمون الأوائل منفذين لهذه الآيات وسطروا أروع الأمثلة للتضحية - بكل غال ونفيس - يُحتذى بها إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

 

ومن هذه الآيات:

1- قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

• قال السعدي - رحمه الله - في تفسيره: " أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء والظَّفر بالغنائم، وغير ذلك، ممَّا هو مُرَبٍّ، على ما فيه من الكراهة ".

 

• قال المفسرون: وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل والتعرض بالجسد للشجاج والجراح، وقطع الأطراف، وذهاب النفس. فكانت كراهيتهم لذلك لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى.

 

• الشجاج: الشِّجَّةُ: الجِرَاحَةُ في الرأْس أَو الوجه أو الجبين.

• وقال عكرمة: إنهم كرهوه ثم أحبوه، وقالوا سمعنا وأطعنا، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة، ولكن إذا عُرف الثواب هان في جنبه مُقاساة المشقات.

 

2- قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

 

3- قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

 

4- قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 38، 39].

 

• قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: " إنَّها ثَقْلة الأرض، وثَقْلة الخوف على الحياة، والخوف على المال، والخوف على اللَّذائذ والمصالح والمتاع.. ثَقْلة الرَّاحة والاستقرار.. ثَقْلة الذَّات الفانية، والأجل المحدود، والهدف القريب.. ثَقْلة اللَّحم والدَّم والتراب ".

 

5- قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].

 

6- قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

7- قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

 

8- قال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

 

9- قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد: 10، 11].

 

10- قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10، 11].

 

• تلك عشرة كاملة من الآيات المباركات تضع - هي وغيرها - المعالم الأساسية الواضحة للتضحية التي يجب أن يتحلى بها كل من أراد أن يسير على درب الأنبياء والصالحين ويقتفي أثرهم ويُحشر معهم.

 

ثالثاً: بعض نماذج التضحية من الأمم السابقة قبل الإسلام: إن طريق الدعوة إلى الله تعالى طريق طويل وشاق ويستلزم من التضحيات ما تنوء به الجبال ولا يقدر عليها إلا من أعانه الله تعالى ووفقه. ولقد ضرب أولوا العزم من الرسل عليهم السلام ومن تبعهم واهتدى بهديهم أروع الأمثلة في ذلك.

 

• جاء في كتاب الفوائد لابن القيم رحمه الله: " يا مخنَّثَ العزم أين أنت، والطريقُ طريقٌ تعِب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشِر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقداد بكاءُ داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم.

 

1- عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: " شكونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهو متوسِّدٌ بُردةً له في ظلِّ الكعبةِ، فقلنا: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان مَن قبلكم، يؤخذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشارِ فيوضع على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوت، لا يخاف إلا اللهَ، والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون) (رواه البخاري).

 

2- عن صهيب بن سنان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان ملكٌ فيمن كان قبلكم. وكان لهُ ساحرٌ. فلما كبرَ قال للملكِ: إني قد كبرتُ. فابعث إليَّ غلامًا أُعلِّمُه السحرَ. فبعث إليهِ غلامًا يُعلِّمُه. فكان في طريقِه، إذا سلك، راهبٌ. فقعد إليهِ وسمع كلامَه. فأعجبَه. فكان إذا أتى الساحرَ مرَّ بالراهبِ وقعد إليهِ. فإذا أتى الساحرَ ضربَه. فشكا ذلك إلى الراهبِ. فقال: إذا خشيتَ الساحرَ فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيتَ أهلك فقل: حبسني الساحرُ. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناسَ. فقال: اليومَ أعلمُ آلساحرُ أفضلُ أم الراهبُ أفضلُ؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم! إن كان أمرُ الراهبِ أحبُّ إليك من أمرِ الساحرِ فاقتل هذهِ الدابةَ. حتى يمضي الناسُ. فرماها فقتلها. ومضى الناسُ. فأتى الراهبَ فأخبرَه. فقال لهُ الراهبُ: أي بنيَّ! أنت، اليوم، أفضلُ مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستُبتلى. فإن ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ. وكان الغلامُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويُداوي الناسَ من سائرِ الأدواءِ. فسمع جليسٌ للملكِ كان قد عمي. فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ. فقال: ما ههنا لكَ أجمعُ، إن أنتَ شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا. إنما يشفي اللهُ. فإن أنت آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ فشفاكَ. فآمنَ باللهِ. فشفاهُ اللهُ. فأتى الملكُ فجلس إليهِ كما كان يجلسُ. فقال لهُ الملكُ: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربك اللهُ. فأخذَه فلم يزل يُعذبْه حتى دَلَّ على الغلامِ. فجئَ بالغلامِ. فقال لهُ الملكُ: أي بنيَّ! قد بلغ من سحركَ ما تُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ. فقال: إني لا أشفي أحدًا. إنما يشفي اللهُ. فأخذَه فلم يزل يعذبْه حتى دلَّ على الراهبِ. فجئ بالراهبِ. فقيل لهُ: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشارِ. فوُضع المئشارُ على مفرقِ رأسِه. فشقَّه حتى وقع شِقَّاه. ثم جئ بجليسِ الملكِ فقيل لهُ: ارجع عن دينك. فأبى. فوُضعَ المئشارُ في مفرقِ رأسِه. فشقَّهُ بهِ حتى وقع شِقَّاهُ. ثم جئ بالغلامِ فقيل لهُ: ارجع عن دينك. فأبى. فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال: اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا. فاصعدوا بهِ الجبلَ. فإذا بلغتم ذروتَه، فإن رجع عن دينِه، وإلا فاطرحوهُ. فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئتَ. فرجف بهم الجبلُ فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملكِ. فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللهُ. فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال: اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قرقورٍ، فتوسَّطوا بهِ البحرَ. فإن رجع عن دينِه وإلا فاقذفوهُ. فذهبوا بهِ. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئتَ. فانكفأت بهم السفينةُ فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملكِ. فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللهُ. فقال للملكِ: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعلَ ما آمرك بهِ. قال: وما هو؟ قال: تجمعُ الناسَ في صعيدٍ واحدٍ. وتُصلبني على جذعٍ. ثم خذ سهمًا من كنانتي. ثم ضعِ السهمَ في كبدِ القوسِ. ثم قل: باسمِ اللهِ، ربِّ الغلامِ. ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناسَ في صعيدٍ واحدٍ. وصلبَه على جذعٍ. ثم أخذ سهمًا من كنانتِه. ثم وضع السهمَ في كبدِ القوسِ ثم قال: باسمِ اللهِ، ربِّ الغلامِ. ثم رماهُ فوقع السهمُ في صدغِه. فوضع يدَه في صدغِه في موضعِ السهمِ. فمات. فقال الناسُ: آمنَّا بربِّ الغلامِ. آمنَّا بربِّ الغلامِ. آمنَّا بربِّ الغلامِ. فأتى الملكُ فقيل لهُ: أرأيتَ ما كنت تحذرُ؟ قد، واللهِ! نزل بك حذرك. قد آمنَ الناسُ فأمر بالأخدودِ في أفواهِ السككِ فخُدَّت. وأُضرمَ النيرانُ. وقال: من لم يرجع عن دينِه فأحموهُ فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها فتقاعست أن تقعَ فيها. فقال لها الغلامُ: يا أمه! اصبري. فإنكِ على الحقِّ " (رواه مسلم).

 

3- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال: قلت: وما شأنها قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدرى من يديها فقالت: بسم الله فقالت لها ابنة فرعون: أبي قالت: لا ولكن ربي ورب أبيك الله قالت: أخبره بذلك قالت: نعم فأخبرته فدعاها فقال: يا فلانة وإن لك ربا غيري قالت: نعم ربي وربك الله فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها قالت له: إن لي إليك حاجة قال: وما حاجتك قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا قال: ذلك لك علينا من الحق قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله قال: يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت قال: قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار عيسى بن مريم عليه السلام وصاحب جريج وشاهد يوسف وابن ماشطة ابنة فرعون " (رواه أحمد).

 

• المدري: المشط. دَرَى الرأسَ بالمِدْرَى: مَشَطه.

• إن هذه النماذج إنما هي للمثال وليست للحصر فالتضحية التي بذلت لها سلسلة طويلة أطول من أن تُحصى حلقاتها، في بحر عميق أعمق من أن تُسبر أغواره.

 

رابعاً: بعض نماذج التضحية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم: إن المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن حياته صلى الله عليه وسلم كلها مليئة بالجهد والجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة والمثابرة. فلقد وُلِدَ النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً بين شِعاب مكة ووديانها، وقضى طفولته في واحدة من أصعب الحِرَف وهي رعي الغنم وهو يعيش تحت كفالة جده ثم تحت جِوار عمه إلى أن منَّ الله تعالى عليه بالنبوة فزادت الأعباء والتضحيات إلى أن انتقل إلى جوار ربه سبحانه وتعالى وقد بلغ الرسالة كاملة وأدى الأمانة جلية واضحة دون تقصير ولا تبديل.

 

1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعرِضُ نفسَه بالموقِفِ فقالَ ألا رجُلٍ يحمِلُني إلى قومِه، فإنَّ قريشًا قَد منَعوني أن أبلِّغَ كلامَ ربِّي " (رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

2- عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ مرَّ في سوقِ ذي المَجازِ وعليهِ حلَّةٌ حمراءُ وَهوَ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا ورجلٌ يتَّبعُهُ يرميهِ بالحجارةِ قَد أدمَى كَعبَيهِ وعُرقوبَيهِ وَهوَ يقولُ يا أيُّها النَّاسُ لا تُطيعوهُ فإنَّهُ كذَّابٌ فقُلتُ مَن هذا قالوا غُلامُ بَني عبدِ المطَّلبِ فقُلتُ مَن هذا الَّذي يتَّبعُهُ يرميهِ بالحجارةِ قالوا هذا عبدُ العُزَّى أبو لهبٍ " (رواه الوادعي في الصحيح المسند).

 

3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ. ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ. ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ " (رواه الترمذي).

 

4- جاء في كتاب " زاد المعاد " أن ابن القيم - رحمه الله - قال ": لما رأت قريش أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلو والأمور تتزايد، أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة.. فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه في شِعْب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقاً عليهم جداً، مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجَهْد، وسُمِعَ أصوات صِبيانِهم بالبكاء من وراء الشِّعب..". فلقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة - رضوان الله عليهم - درساً في التضحية وهم في الشِّعْب لولا أنه قد وصلنا من ثقات عن ثقات ما تخيله عقل، فلقد كانو يأكلون ورق الشجر وما يجدونه، حتى قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: " خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا ".

 

5- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالتْ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " هل أتى عليك يومٌ أشدُّ من يومِ أُحدٍ؟ قال: لقد لقيتُ من قومك ما لقيتُ، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يومَ العقبةِ، إذ عرضت نفسي على ابنِ عبدِ ياليلِ بن عبدِ كلال، فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفقْ إلا وأنا بقرنِ الثعالبِ، فرفعتُ رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ، فناداني فقال: إن اللهَ قد سمع قول قومِك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث اللهُ إليك ملكَ الجبالِ، لتأمره بما شئتَ فيهم، فناداني ملكُ الجبالِ، فسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمدُ، فقال: ذلك فيما شئتَ، إن شئتَ أن أُطبقَ عليهم الأخشبَينِ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: بل أرجو أن يخرجَ اللهُ من أصلابهم من يعبد اللهَ وحده، لا يشركُ به شيئًا " (رواه البخاري).

 

6- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُسِرَتْ رَباعيتُه يومَ أُحُدٍ. وشُجَّ في رأسِه. فجعل يسلُتُ الدمَ عنه ويقول (كيف يُفلحُ قومٌ شجُّوا نبيَّهم وشجُّوا رَباعيتَه، وهو يدعوهم إلى اللهِ؟) فأنزل اللهُ تعالى: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ " (آل عمران 128) (رواه مسلم).

 

7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " جئتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا. فوجدتُه جالسًا مع أصحابِه يُحدِّثُهم، وقد عصَب بطنَه بعصابةٍ - قال أسامةُ: وأنا أشكُّ - على حجرٍ. فقلتُ لبعضِ أصحابِه: لِمَ عصَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطنَه؟ فقالوا: من الجوعِ. فذهبتُ إلى أبي طلحةَ، وهو زوجُ أمِّ سُلَيمٍ بنتِ مَلحان. فقلتُ: يا أبتاه! قد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عصَب بطنَه بعصابةٍ. فسألتُ بعضَ أصحابِه فقالوا: من الجوعِ. فدخل أبو طلحةَ على أُمِّي. فقال: هل من شيءٍ؟ فقالت: نعم. عندي كسرٌ من خبزٍ وتمراتٌ. فإن جاءنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحدَه أشبعْناه. وإن جاء آخرُ معه قلَّ عنهم. ثم ذكر سائر الحديثَ بقِصَّتِه " (رواه مسلم).

 

• إن هذه النماذج ما هي إلا غيض من فيض تضحيات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت ومازالت نبراساً على ضرب المضحين الذين يحملون مِشعل الهداية للبشرية كلها، وهذا الميراث من التضحيات الذي ورَّثه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مازال يزداد يوماً بعد يوم فبفضل الله تعالى لن يقع المِشعل ولن ينضب مَعينه ولن تنطفيء جذوته.

 

خامساً: بعض نماذج التضحية من حياة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: إن حياة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بها نماذج عديد للتضحية تفوق الحصر ولا تستوعبها السِّجلات الطوال. وليس في استطاعتنا في هذا المقام إلا أن نذكر منها أمثلة يسيرة بها يكون البيان ومنها يكون الزاد.

 

1- جاء في سيرة ابن اسحاق عن سعد بن أبي وقاص قال: " كنا قوماً يصيبنا صلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإسلام جهداً شديداً حتى لقد رأيت جلده يتحشف تحشف جلد الحية عنها حتى أن كنا لنعرضه على قسينا فنحمله مما به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عز وجل بالشهادة يوم أحد ". - يتحشف: يتساقط.

 

2- عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: " هاجرنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نلتمسُ وجهَ اللهِ، فوقعَ أجرنا على اللهِ، فمِنَّا من مات ولم يأكلْ من أجرِهِ شيئًا، منهم مصعبُ بنُ عميرٍ، ومِنَّا من أينعتْ لهُ ثمرتُهُ، فهو يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، فلم نجد ما نُكَفِّنْهُ إلا بُرْدَةً، إذا غَطَّيْنَا بها رأسَهُ خرجت رجلاهُ، وإذا غَطَّيْنَا رجليْهِ خرج رأسُهُ، فأمرنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن نُغَطِّي رأسَهُ، وأن نجعلَ على رجليهِ من الإذخرِ " (رواه البخاري).

• يَهْدِبُهَا: هَدَبَ الثَّمَرَ: جَنَاهُ، قَطَفَهُ. - الإذخرِ: نبات عُشبيّ له رائحة عطريّة.

 

3- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ نتصدقَ، فوافقَ ذلك عندي مالًا فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قال: فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا " (رواه الترمذي).

 

4- عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: " جاءَ عثمانُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بألفِ دينارٍ قالَ الحسَنُ بنُ واقعٍ: وفي موضعٍ آخرَ من كتابي، في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ. قالَ عبدُ الرَّحمنِ: فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ: ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ " (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

 

5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمَّه غابَ عن بدرٍ، فقال: غِبتَ عن أولِ قتالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لئِنْ أَشَهَدَني اللهُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أُجِدُّ، فلَقِيَ يومَ أُحُدٍ، فهَزَمَ الناسَ، فقال: اللهم إني أعتذرُ إليك مما صنعَ هؤلاء؛ يعني:المسلمين، وأبرأُ إليك مما جاء به المشركون، فتقدَّمَ بسيفِه فلَقِيَ سعدَ بنَ معاذٍ، فقال: أين يا سعدُ، إني أجدُ ريحَ الجنةِ دون أُحُدٍ، فمضى فقتَلَ، فما عُرِفَ حتى عرَفَتْه أختُه بشَامَةٍ، أو ببَنانِه، وبه بضعٌ وثمإنون طعنةً وضربةَ سيفٍ ورميةً بسهمٍ " (رواه البخاري).

 

6- جاء في السيرة النبوية لابن هشام رحمه الله: قال ابن إسحاق: عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ".

 

7- جاء في السيرة النبوية لابن هشام رحمه الله: قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حِجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حِجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم علي زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبني هذا. قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى (عني) إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة. قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.

 

8- عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّ أمَّ سُليمٍ اتخذت يومَ حُنينٍ خنجرًا. فكان معها. فرآها أبو طلحةَ. فقال: يا رسولَ اللهِ! هذه أمُّ سُلَيمٍ معها خِنجرٌ. فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: " ما هذا الخِنجرُ؟ " قالت: اتخذتُه. إن دنا مني أحدٌ من المشركين بقَرْتُ به بطنَه. فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يضحك. قالت: يا رسولَ اللهِ! اقتُلْ من بعدنا من الطلقاءِ انهزموا بك. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: " يا أُمَّ سُلَيمٍ! إنَّ اللهَ قد كفى وأحسن " (رواه مسلم).

 

• وختاماً: إن الدين لا ينتصر والأمم لا تنهض بدون تضحية، ولا تضحية بدون إخلاص، ولا إخلاص بدون التخفف من الدنيا والتعلق بالآخرة فكلما أحسن المرء توجهه لله تعالى وتخفف من الدنيا وملذاتها كلما سهلت عليه التضحية.

 

وبدون التضحية، تباد الأمم، وتنهار الحضارات، وتتخلف المجتمعات، وتزهق الأرواح، وتصادر الحريات، وتنتهك الأعراض، وتداس الكرامة، وتعيش الأمم في تبعية ذليلة مهينة لا تتخذ قراراً ولا تقرر مصيراً.

نسأل الله تعالى لأمتنا عزة تضمد بها جراحها وتلم بها شعثها وتوحد بها كلمتها وتحفظها بها من الفتن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ضحوا تقبل الله ضحاياكم

مختارات من الشبكة

  • التنبيه على ضعف حديث صوموا تصحوا (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • صوموا تصحوا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صوموا تصحوا (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • صوموا تصحوا... على الطريقة الألمانية(مقالة - المترجمات)
  • من أركان العقيدة .. الإيمان بالقرآن الكريم (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سريلانكا: تكريم ابنة شرطي مسلم قتله الإرهابيون(مقالة - المسلمون في العالم)
  • وصية المسلم إلى الكافر والفاسق(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • قصص رويت في السيرة ولا تصح (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التخريج الكامل لأحاديث الرايات السود التي لم تصح مطلقا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص رويت في السيرة ولا تصح (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب