المجموع المستفاد في إصلاح الأولاد (المقدمة)

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ونصلي ونسلم على النبي الأمين.

وبعد:

فيقول الله جل وعلا في محكم التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].

قال علي رضي الله عنه: في الآية أدبوهم وعلموهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار ... وقال مجاهد: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ﴾ قال: اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله. وقال قتادة: تأمرون بطاعة الله وتنهوهم عن معصية الله وأن تقوموا عليهم بأمر الله وتأمروهم به.

وقال الضحاك ومقاتل: حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه، قال الله تباك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132] وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].

وفي تأديب الأولاد وتوجيههم والقيام عليهم أحاديث وآثار كثيرة:

منها قوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر». ومثل ذلك قال الفقهاء رحمهم الله، وهكذا في الصوم؛ ليكون ذلك تمريناً له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة، ومجانبة المعاصي وترك المنكرات.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه». وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته».

قال ابن القيم رحمه الله تعالى على قوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر». الحديث.

قال: ففي هذا الحديث ثلاثة آداب:

أولاً: أمرهم بالصلاة.

ثانياً: ضربهم عليها.

ثالثاً: التفريق بينهم في المضاجع.

وقال صلى الله عليه وسلم: «افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله».

وفي معجم الطبراني من حديث سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين».

وروى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالوا: يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال: «أن يحسن اسمه ويحسن أدبه».

وقال سفيان الثوري رحمه الله: للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث؛ فإنه مسؤول عنه، وقالوا: إن هذا الحديث عز من أراد الدنيا وجدها من أراد به الآخرة وجدها.

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أدب ابنك فإنك مسؤول عنه ماذا أدبته وماذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ولد له ولد فليحسن أدبه فإذا بلغ ولم يزوجه فأصاب فإنما إثمه على أبيه».

وقال سعيد بن منصور: حدثنا حزم قال: سمعت الحسن وسأله كثير بن زياد عن قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74] فقال: أبا سعيد ما هذه القرة الأعين؟ أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: لا بل والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب إلى المرء من أن يرى ولداً أو والداً أو حميماً أو أخاً مطيعاً لله عز وجل.