كيف نغرس مخافة الله في أولادنا؟

كيف نغرس مخافة الله في أولادنا؟

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

إن مما ينبغي أن يحرص عليه المربِّي في تربيته: ما يتعلق بالجانب الإيماني، ولعل من أهم ما يدفعه إلى ذلك استحضارَ عظمة الله تبارك وتعالى وخوفه ورجائه جل جلاله، وكم هو جميل أن يتربَّى أولادُنا على تلك الإيمانياتِ وأمثالها؛ لتكون حياتهم زاكية، وأعمالهم سليمة، وقلوبهم صافية، ومما يسوق إلى هذا كلِّه مخافةُ الله تبارك وتعالى في النفوس.

فكيف نغرس ذلك المعنى في نفوس أولادنا؟ لعلي أطرح على مسامعكم الكريمة عددًا من النقاط، نستعين الله تعالى بها على غرس ذلك المعنى في نفوس الأولاد:

النقطة الأولى: لا بد من إدراك أن التربية على الإيمان والرقائق هو من الجوانب المهمة في حياتنا؛ حتى لا تطغى تلك النفسُ في الماديات والعروض الشكلية، بل تهتم بالمضمون الإيجابي الذي يدفعها إلى الأمام خلال العمل الصالح والثبات عليه والمزيد منه، فالنفس تحتاج إلى ذلك في جميع أحوالها؛ لأن الشيطان يؤزها أزًّا ويحوطها في تسهيل الشر عليها، فتأتي تلك الإيمانيات في حياتنا مدافعةً للشيطان أو حبائله ووساوسه.

النقطة الثانية: بيان العظمة الإلهية للأولاد من خلال الحديث عن مظاهر القدرة الربانيَّة؛ كخلق السموات والأرض، وخلق الكواكب والشمس والقمر ونحوها، مما يجعلهم يعظِّمون الله تبارك وتعالى ويخافونه؛ فإن الحديث مع الأولاد عن تلك المظاهرِ له أثرُه الإيجابي في قربهم من ربهم، وخوفهم منه، ومحبتهم له، وهو مما يزيد في أعمالهم الصالحة.

النقطة الثالثة: تحديد كتيِّب يناسبهم عن معاني الخوف من الله تبارك وتعالى، فيطرح عليهم للقراءة والمناقشة أيضًا، وكذلك إجراء المسابقة عليهم مع التعليق عليه بين الفينة والأخرى، وقد تكون هذه المسابقة مفتاحًا لجوانب أخرى إيمانية تجرى بينهم، كما يمكن الاستفادة من معاني هذا الكتاب وعباراته في إرسالها في وسائل التواصل الخاصة بالأسرة.

النقطة الرابعة: استحداث جدول يحتوي على عدد من الأعمال الصالحة الفاضلة في اليوم والليلة؛ لتكون تلك الجدولة لهذه الأعمال مخرجًا من مخرجات هذا الموضوع، وليحافظوا على تلك الأعمال، ومما يُقترح في ذلك هذا الجدول التالي، وهو أن يحرر في جانب الورقة أعمال بشكل عمودي، ثم يوضع فراغات بشكل أفقي أمام كل عمل من هذه الأعمال، وتكون تلك الفراغات بعدد أيام الشهر ثلاثين فراغًا، بحيث يربي نفسه عليها تربية ذاتية، فيكون الجدول مصاحبًا له، فكلما عمل عملًا وضع في الفراغ علامة (صح)، فيبدأ في اليوم الأول ثم يتدرج في اليوم الثاني إلى الأسفل حتى نهاية اليوم، ثم اليوم الثاني وهكذا بقية الأيام، فإذا استمر على هذا مدةَ شهر كامل، كان سجيةً له.

النقطة الخامسة: الحديث مع الأولاد بأن أركان العبادة ثلاثة، وهي المحبة والخوف والرجاء، فهذه الأركان الثلاثة من المفترض أن تكون ظاهرة في كل عبادة من عباداتنا القولية والعملية، وإننا عندما نجعل الخوف من الله تعالى سلوكًا لنا، فنحن نزاول ركنًا من أركان العبادة الثلاثة الذي لا تصح العبادة إلا به، وهو الخوف، فالفقه لهذه القضية مهم جدًّا، وعلينا تربية أولادنا على ذلك.

النقطة السادسة: إن مما يغرس مخافة الله تعالى في القلوب تعظيمَه في النفوس، وتعظيم أمره بالفعل، ونهيه بالترك، وأيضًا التأمل في مخلوقاته في النفس وفي الغير، كان أحد السلف يقول لصاحبه: "تعالَ بنا نؤمن ساعة"، ثم يجلسان يتأملان في بديع صنع الله وقدرته الفائقة ثم ينصرفان.

النقطة السابعة: استحداث جلسة للأسرة دورية أسبوعية؛ لمدارسة هذا الموضوع من خلال أحد كتب السُّنة من كتاب الرقاق ترغيبًا وترهيبًا، وأيضًا بيانه وشرحه للأولاد، ومحاولة تطبيق ما يطرح على أرض الواقع؛ فإن دراسة هذه الموضوعات تؤثر في النفس محبة العمل الصالح، وبغض العمل السيئ والتحذير منه، ومما يزيد في ذلك حسنًا وسموًّا حفظ بعض النصوص في الترغيب والترهيب حول هذا الموضوع.

النقطة الثامنة: بيان حال الصالحين في خوفهم من الله تبارك وتعالى، وكيف كان سلوكهم، وكيف أثر في حياتهم حتى استقامت أحوالهم مع أمر الله تعالى ونهيه، سواء كان في صلاتهم أو صيامهم أو في خلواتهم، فجميل جدًّا عرضُ تلك النماذج على الأولاد؛ لتكون موضع القدوة، وتستلهم الدروس والعبر من أحوالهم.

النقطة التاسعة: إن كل أحد تخافه فإنك تهرب منه، وهذه جِبلَّة في النفوس؛ لأن هذا نتيجة الخوف، إلا الخوف من الله؛ فإنك إذا خِفتَه هربتَ إليه، هذه الحقيقة يتعين علينا أن يتفهمها أولادنا؛ ليعرفوا حقيقة الخوف من الله تبارك وتعالى، وأنه سبب لحياة القلوب وتصحيح المسار، وزيادة الإيمان، وسبب كبير في إصلاح السلوك والبعد عن المعصية، وإذا تم هذا، فهو نعمة كبرى من الله تبارك وتعالى علينا وعليهم تستوجب الشكر والامتنان.

النقطة العاشرة:استثمار ما نسمعه مما يخص هذا الموضوعَ مما يقال في خطب الجمعة والمواعظ ووسائل التواصل والمحاضرات والدروس ونحوها، ونقله إلى أولادنا بالأسلوب المناسب، وأن يكون واقعًا لنا ولهم، فلذلك يخطب الخطيب عن هذا الموضوع، ويتحدث المتحدث ويعظ ذلك الواعظ، إنما يفعلون ذلك لنا ولأولادنا، فلنحرص على تدارسه مع أولادنا مما نسمع ونقرأ من خلال جلساتنا المباشرة بهم أو غير المباشرة إذا كانوا مع غيرهم؛ لتعم الفائدة ويكثر الخير، فالنفوس تحتاج إلى هذا كثيرًا، وأهل بيتنا أقربُ الناس لنا، فلْنَخُصَّهم بذلك، وأن نحرص عليه، ورُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

معاشر الآباء والأمهات الكرام، إن الشيطان حريص بوسائله وحبائله أن يضل تلك الذرية، لكننا إذا أخذنا بالأسباب، ومن أهمِّها غرس مخافة الله تبارك وتعالى وتعظيمه وحبه في قلوب الناشئة، فإن هذه الأسباب تكون سياجًا لهم عن الشر، وطريقًا واسعًا إلى الخير، وترغيبًا لهم في صالح القول والعمل، بل قد يمتد منهم إلى غيرهم إذا طلبنا منهم ذلك، فاحرصوا وُفِّقتم وبوركتم على البناء الإيماني لأولادكم تحصينًا لهم وتعليمًا، إذا تم هذا وتم تتويجه بالدعاء لهم بأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، فإن التوفيق بعد ذلك بيد الله تبارك وتعالى، نسأل الله أن يجعله توفيقًا مباركًا للجميع.

أسأل الله عز وجل لنا جميعًا الصلاح والإصلاح، والنجاح والفلاح في الدارين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.