تلاميذ المستوى (أ) والبرنامج التعليمي الملائم لهم

تلاميذ المستوى (أ) والبرنامج التعليمي الملائم لهم

(1)

مِن أصول البحث العلمي تفسيرُ الاصطلاحات التي تأتي في عُنوان البحث أو في غلافه تفسيرًا إجرائيًّا في التمهيد أو المقدمة؛ حتى تتَّضح الأمور للقارئ المتلقِّي، ويَفهم ماذا يَعنيه الكاتبُ من المصطلح الفلاني؛ سواءٌ أكان هذا المصطلح معروفًا من قبل، أم يخص البحث وموضوعَ دراسته.

وعندما نُطالع عنوان الكتاب العلاجي لتلاميذ الصفوف العليا نَجد نصَّه كالآتي: "بَرنامج تحسين مهارات القراءة والكتابة لتلاميذ الصفوف العليا بمرحلة التعليم الأساسي.. المستوى أ".

ماذا نجد في هذا العنوان؟

نجدُ فيه مصطلحاتٍ كثيرة؛ فهناك مصطلح "برنامج"، ومصطلح "تحسين"، ومصطلح "القراءة"، ومصطلح "الكتابة"، ومصطلح "مهارات" ومصطلح "مهارات القراءة"، ومصطلح "مهارات الكتابة"، ومصطلح "المستوى أ"، ومصطلح "تلاميذ"، ومصطلح "الصفوف العليا"، ومصطلح "مرحلة"، ومصطلح "التعليم الأساسي".

ولم تُفسَّر أيٌّ مِن هذه المصطلحات سواءٌ أكانت أساسية تأسيسية أم لا.

ولا يقولنَّ قائل: إن بعضها واضحٌ ومفهوم، مثل "بَرنامج" الذي يَعني إجراءاتٍ محددةً لتحقيق مطلوب ما، ومصطلح "تحسين" الذي يَعني التجويد، ومصطلح "القراءة"، ومصطلح "الكتابة"، ومصطلح "مهارات القراءة"، ومصطلح "مهارات الكتابة"، ومصطلح "تلاميذ"، ومصطلح "الصفوف العليا"، ومصطلح "مرحلة"، ومصطلح "التعليم الأساسي".

لماذا؟

لأن هذا القائل لو طُلب إليه ذِكرُ تعريفٍ ما للَزِمه الرجوع إلى المراجع، ولن تجد في ذهنه تعريفًا إجرائيًّا محددًا وثابتًا، ولأن البحث العلميَّ لا يؤمِن بالوضوح القَبلي بل يحتِّم التوضيح الإجرائيَّ المقصود.

لماذا؟

لأن المعنى العامَّ قد يخصصه بحثٌ ما، والمعنى الخاص قد يعممه بحث ما، ولأن المتلقِّيَ لا بد أن يَسير في البحث على وَفق ما يُريده الباحث، حتى إذا أبدى مُلاحظاتٍ لا تورَد عليه إيراداتٍ إجرائية.

ولا يقولنَّ قائل: إن هذه الاصطلاحات تُوَضَّح في الدورات التدريبية.

لماذا؟

لأن الدَّورات يكون موضوعَها الخطواتُ الاثنا عشر، ويردِّد القائمون عليها ما يقوله الدليل من دون زيادة حرف واحد.

ما مغبَّة ذلك؟

مغبَّته أن المعلمين - العنصر الأهمَّ في هذا العمل العلاجي - سيَنقُصهم الفَهمُ الذي سيَحمل عمَلهم وسيَحفُّه وسيحميه، وسيجعلهم قادرين على الأداء في مستواه الأعلى.

وقد يقول قائل: إن الدليل فسَّر المقصود من مصطلح "المستوى أ" في العنصر الأول من "مقدمة" عندما قال ص3: "... يهدف إلى تحسين مستوى التلاميذ الأقلِّ تمكُّنًا من المهارات الأساسية لكل مهارة من مهارات اللغة العربية الأربع: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة". وفي العنصر الثاني عندما قال ص3 بعد إعادة الصِّياغة لتصحيح الأخطاء اللغوية الموجودة: (... أُعِدَّ هذا الدليل ليتلاءم واحتياجات التلاميذ الذين حددوا بعد تطبيق "الاختبار التشخيصي لتحديد المستوى" وكانوا على المستوى الأدنى أ).

ويَستمر هذا القائل في قوله: ها هو الدليل قد قال في العنصر الأول: "... الأقل تمكُّنًا..."، وقال في العنصر الثاني: "... المستوى الأدنى أ". ويرى هذا القائلُ بهذه الإشارة أنه أزال اللَّبس عن عدم تفسير البرنامج مصطلحاته.

وأقول لهذا القائل ومؤيديه: إن مصطلح "المستوى أ" هو المستوى الأساس التأسيسي الذي يترتب عليه كل البرنامج، فكان يجب تعريفه إجرائيًّا، والتعريف الإجرائي يكون تقريريًّا محددًا.

مثل ماذا؟

مثل التعريف الذي ورد في غير البرنامج، والذي أوضح المستويَين الآخَرين.

ماذا قال هذا التعريف؟

قال - بعد إعادة الصياغة لتصحيح الأخطاء اللغوية التي وردت فيه -: المستوى أ: التلاميذ الذين لا يُجيدون تمييز أشكال الحروف وأصواتَها، ولا يجيدون تحليل كلمات، ومن ثَم يَصعُب عليهم قراءةُ كلمات أو كتابتها.

والمستوى ب: التلاميذ الذين يعرفون أشكال الحروف وأصواتَها، ويستطيعون تحليل الكلمات تحليلاً يسيرًا، لكن لا يتمتَّعون بطَلاقة في قراءة الكلمات، ولا يمتلكون حصيلة لغوية كافية من المفردات.

والمستوى ج: التلاميذ الذين يتمتَّعون بطلاقة في قراءة كلمات، لكن يَفتقرون إلى مهارات الفَهم القرائي على مستوى الجملة والفِقرة.

(2)

هذا هو التعريف الإجرائي الصحيح الذي يوضِّح المقصود، ويبين المستويات الأخرى التي تَزيد التعريف وضوحًا تُنتجه المفاضلة؛ فَلِمَ لَمْ يرد هذا التعريف في الدليل؟ أيَكون السبب التمويهَ على عدم صلاحية هذا البرنامَج العلاجي للمستوى أ؟ أم يكون سببًا آخر؟

أظن ظنًّا راجحًا أنه التمويه على عدم صلاحية هذا البرنامج لمن أُعِدَّ لهم.

كيف؟

تعالوا نُعِدْ تعريف "المستوى أ": "المستوى أ:

التلاميذ الذين لا يجيدون تمييز أشكال الحروف وأصواتها، ولا يجيدون تحليل كلمات، ومن ثم يصعب عليهم قراءة كلمات أو كتابتها".

بعد إعادة التعريف أسأل: هذا الصنف من التلاميذ يلائمهم التَّحسين الذي يُشير إلى وجود شيءٍ ما غيرِ حسَن يجب تحسينُه؟ أم التعليم الذي يبدأ من البدء لمن لا يملكون شيئًا يَبنون عليه التحسين؟ ثم أيختلف هذا الصنف من التلاميذ الكبار عن تلاميذ الصف الأول الابتدائي؟

إن هذا النوع من التلاميذ الكبار لا يختلف عن تلاميذ الصفِّ الأول الابتدائي الذين لم يلتحقوا بالروضة أو الكتَّاب؛ أي: الذين يَبدؤون اللقاء مع الحروف وتعلمها.

إذَن - كما يتضح من التعريف - فإن هذا الصنف لا يحتاج إلى تحسين.

لماذا؟

لأن الذي يتحسن هو من يمتلك قدرًا ما من المعلومات، وهؤلاء لا يمتلكون شيئًا؛ لا قليلاً ولا أقل.

إذنْ فكلمة "تحسين" كلمة غير صحيحة، وكان يجب استبدال كلمةِ "تعليم" بها.

وإذَن، هذا البرنامج لا يُلائم هذا المستوى.

لماذا؟

تعالَوا نستعرض إجراءاته الاثنَي عشَر؛ لنرى هل تُلائم مَن عُرِّفوا في التعريف!

(3)

الإجراءات الاثنا عشر كما وردت في باب "عناصر أساسية" ص 5- 6 من البرنامج- بعد إعادة صياغتها لتصحيح أخطاءِ الصِّياغة- هي:

1- تعرف اسم الحرف وشكله.

2- تعرف الحرف في مواضعَ مختلفة في كلمات مكتوبة.

3- تمييز صوت الحرف سمعيًّا في كلمات.

4- تمييز موقع صوت الحرف سمعيًّا أول كلمات أو وَسطَها أو آخرها.

5- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة.

6- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة والمد.

7- دمج أصوات لتكوين كلمات سمعيًّا.

8- تحليل كلمات إلى أصوات.

9- دمج أصوات، وقراءة كلمات.

10- نطق الكلمات المتضمنة في كلمات، وكتابتها.

11- قراءة كلمات بسرعة ودقة.

12- كتابة كلمات بسرعة ودقة.

هذه هي الخطوات الاثنا عشر، فهل هي مرتبة ترتيبًا منطقيًّا صحيحًا؟

نعم، بالنسبة إلى الخطوتين الأولى والثانية. أما بالنسبة إلى الرباعية الصَّوتية الأولى الممتدة من "3- 6" فلا.

كيف؟

هذه الرباعية الصوتية هي:

1- تمييز صوت الحرف سمعيًّا في كلمات.

2- تمييز موقع صوت الحرف سمعيًّا أول كلمات أو وسطها أو آخرها.

3- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة.

4- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة والمد.

ماذا نجد فيها؟

نجد منهجًا تعليميًّا كليًّا، والذي يٌلائم البدءَ هنا هو المنهج الجزئي.

كيف؟

لو عُكس الترتيب لكان الأمر أقربَ إلى المنطق؛ كالآتي:

1- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة.

5- تمييز صوت الحرف سمعيًّا مع حركات الضبط القصيرة والمد.

6- تمييز صوت الحرف سمعيًّا في كلمات.

7- تمييز موقع صوت الحرف سمعيًّا أول كلمات أو وسطها أو آخرها.

أقول: لو كان الترتيب هكذا لاقترب شيئًا ما من المنطق، لكنه يبقى مع هذا غيرَ ملائمٍ المستوى أ.

لماذا؟

لأنه لم يُسبق بخطوة تعريف الصوت، والتدريب عليه؛ مما يترتب عليه خطوة التمييز التي تقتضي معرفة تمكُّن صاحبها من التفرقة اللزمة للتمييز.

قد يقول قائل: إن هذا من بديهيات الأمور؛ فإن المعلِّم سيشرح لهم ذلك.

وأقول: إن القرائية تعليمٌ مبرمَج كما قلت سابقًا في مقال "القرائية.. تعليم مبرمج أو يَكاد"، وكما أشرتُ في مقال "القرائية والتعلم النشط والبرمجة اللغوية العصبية والتربية الدولية"؛ مما يَعني أن المعلم مُطالَب بهذه الخطوات بهذا الترتيب كما ألزمَتْه الخطوة الخامسة من "مقدمة" ص 3 التي نصَّت على الآتي: (... وقد أعدَّ هذا الدليل إعدادًا تفصيليًّا متضمنًا "إجراءات تنفيذ الدرس" التي يجب إعدادها جيدًا واتباعها كاملة). وكذلك الخطوة الثامنة من "مقدمة" ص4 التي نصت على الآتي: (... ولا يجب الانتقال من تدريس أيٍّ من إجراءات التدريس من دون تمكن التلاميذ من المهارة الفرعية المحددة).

(4)

إذَن المعلم مضطرٌّ إلى السير في الخطوات الإجرائية بالترتيب الذي أوردَه الدليل من دون الحيدة عنه لا تقديمًا ولا تأخيرًا- على الرغم مما قلنا، وعلى الرغم من أن البرنامج يجعل المنهج الكليَّ هو البدء؛ مما يجعل قولَ مُعدِّي البرنامج في "مقدمة" في العنصر الخامس: "أعدت الدروس بدليل المعلم/ة على أساس نظري وعلمي، يجمع بين استخدام الطريقة الصوتية والطريقة الكلية في تدريس الحروف الهجائية، أو ما يسمى بالطريقة التَّوازُنية"- غير دقيق؛ فالعبرة بالبدء؛ فهو الذي يحدد نوع الطريقة؛ مما يؤكد عدم ملاءمة هذا البرنامج لتلاميذ المستوى أ.

كيف؟

يبدأ الدرس بـ"الأهداف"، ثم بـ"تقديم".

ماذا في التقديم؟

فيه الآتي:

1- تقديم الكلمة المفتاحية عنوان الدرس.

2- تحليل الكلمة إلى مقاطعها.

3- تحديد الصوت المستهدف.

ثم تبدأ الخطوات الاثنا عشر المشار إليها آنفًا.

(5)

إذَن ماذا يلائم تلاميذ المستوى أ؟

يُلائمهم "الدليل الإرشادي لتنمية مهارات القراءة للصف الأول الابتدائي 1، 2".

لماذا؟

لأنه يطبق المنهج الجزئي.

كيف؟

يَجعل الحرف عنوان الدرس لا الكلمة؛ كما جاء في كتاب اللغة العربية للصف الأول، ويرتب الحروف الترتيب الألفبائي المعهود، ثم يبدأ باسم الحرف، وشكله. ثم يبدأ الدراسة الصوتية بدءًا جزئيًّا بتعرُّف حركة الضبط، ورسمها، ومكانها، وتأثيرها في الحرف؛ أي: الصوت، ثم نطق الصوت. ثم يكرر ذلك مع الحركات القصيرة والطويلة.

وهذا هو ما يلائم تلاميذ المستوى أ؛ فيَعرفون الأجزاء، ثم يُركِّبونها شيئًا فشيئًا، فينتج الصوت، ثم الكلمة، ثم الجملة، ثم الفقرة.

(6)

وأين يذهب البرنامج العلاجي بعد هذا وقد أُعدَّ للمستوى أ؟

يذهب إلى مَنْ يلائمهم.

مَن هم؟

إنهم "تلاميذ المستوى ب" كما ظهر من تعريفهم، وبهذا تستقيم الأمور.

فهل يحدث هذا؟

أرجو وأدعو!