• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / أزواج وزوجات
علامة باركود

تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

د. عبدالجبار فتحي زيدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2013 ميلادي - 11/2/1435 هجري

الزيارات: 41418

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه.

 

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، وعملاً متقبَّلاً، ورزقًا طيبًا، اللهم اكفِنا بحلالك عن حرامك، وأغنِنا بفضلك عمَّن سواك.

 

حدَّد القرآن الكريم عدد الزوجات في قوله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].

 

أي امرأةٍ تطلَّق من زوجها لها الحق أن تتزوَّج من رجل آخر، أما زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو طلِّقت واحدة منهن، فإنها لا تحل لرجل آخر؛ ذلك أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- هن أمهات المؤمنين، قال -تعالى-: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وقال -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53].

 

كان عدد نساء النبي قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- تسعَ نساءٍ، وتعدُّد الزوجات لم يكن بدعةً ابتدعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دون الأنبياء، فإبراهيم أبو الأنبياء مثلاً كانت عنده امرأتان في وقت واحد، وداود - عليه السلام - كانت عنده مائة زوجة، وسليمان ألف زوجة؛ كما يذكر ذلك الكتاب المقدس، الذي يضم التوراة والأناجيل والأربعة، ومع ذلك فإنه لم يتزوَّجْهن للمتعة، بل كان لأغراض تتطلبها مهمة النبوة، ويمكن أن نجملها فيما يأتي:

1- الغرض التشريعي:

ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوَّج من زينب بنت جحش؛ لإبطال عادة التبني عند العرب، ولإبطال ما حرَّمه أهل الجاهلية، وقد كان هذا الزواج بتدبير من الله - سبحانه - وبأمر منه - جل وعلا.

 

2- الغرض الإنساني:

يتجلَّى في هذا الغرضِ الجانبُ الإنساني للرسول -صلى الله عليه وسلم- وحرصُه على مواساةِ أرامل الشهداء الذين جادوا بأرواحهم من أجل دعوته، وتركوا أرامل عجائزَ لا يقدرون على عيال أنفسهم وأولادهن اليتامى؛ فقد تزوَّج مثلاً أم سلمة - واسمها هند بنت أمية المخزومي، واسم أبي أمية سهيل - وقد كانت من أوائل المهاجرين إلى الحبشة، وقد تزوجها أبو سلمة عبدالله بن عبدالأسد، ولما أراد أبو سلمة الهجرةَ الى المدينة تلبيةً لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذ معه زوجتَه أم سلمة وابنهما سلمة، فلما رآه رجال من بني المغيرة، وهم قوم أم سلمة وكانوا من المشركين، فكرهوا أن تهاجر مع زوجها فأخذوها منه كرهًا مع ابنها، فغضِب عند ذلك بنو عبدالأسد، وهم قوم أبي سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابنَنا سلمةَ عندها؛ إذ نزعتموها من صاحِبِنا، فتجاذبوا سلمة بينهم حتى خلعوا يده، فأصبحت أم سلمة عند قومها بني المغيرة، وأصبح ابنها عند بني عبدالأسد قوم زوجها، أما زوجها أبو سلمة، فقد هاجر وحدَه دونهما إلى المدينة، وبقيت أم سلمة - رضي الله عنها - سنة كاملة تخرج إلى الأبطح وتبكي كلَّ يوم زوجها وابنها، حتى رقَّ لها قومها بنو المغيرة، وقالوا لها: الحقي بزوجِك إن شئتِ، عند ذاك رد بنو عبدالأسد إليها ابنها سلمة، وخرجت مهاجرة إلى المدينة، وكانت من قبلُ قد هاجرت إلى الحبشة، وشاركت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معركة بدر وأحد، وجُرح زوجها في معركة أُحُدٍ فمات على أثر الجرح شهيدًا، وترك أبو سلمة زوجتَه وهي كهلة مسنَّة ليس لها مَن يرعاها، وقد عرض عليها الزواج فرفضت؛ لأنه كانت ترى أنه لا أحدَ خيرٌ لها من زوجها الذي استشهد، ولما ذهب إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يواسيَها قال لها: ((سلي الله أن يأجرَك في مصيبتك وأن يخلفك خيرًا منه))، فقالت: مَن يكون خيرًا من أبي سلمة يا رسول الله؟!

 

فلما خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسِه رضيت به؛ لأنها لم تجد خيرًا من أبي سلمة إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذه المرأة ألاَ تستحق أن يواسيَها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يشرِّفها ويكرِّمها بزواجه منها؟!

• وتزوج سودة بنت زمعة، وكانت امرأة متقدِّمة في السن، ليس لها جمال ولا أموال، ولا من ذوات الجاه، قالت هي عن نفسها: والله، ما بي من حاجة إلى الرجال، ولكن أحببت أن أُبعث يوم القيامة مع زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبب زواجه منها أنه عُرض عليه حالها ومحنتها، فقد كانت - رضي الله عنها - عند السكران بن عمرو العامري، وكانت هي وزوجُها من أوائل المؤمنين المصدقين بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد هاجرا معًا إلى الحبشة، وبعد أن عادا إلى مكة توفِّي زوجها بعد وصولِه إليها بأيام، وبقيت سودة وحيدةً تخشى العودةَ إلى أهلها؛ خوفًا من بطش أبيها المشرك، والمسلمون في مكة ضعفاءُ لا يقدرون على حمايتها، فأدرك - عليه الصلاة والسلام - أنه لا ينبغي أن يترك هذه المسلمة لمحنتِها ليزداد ألمها وحزنها، فتزوجها؛ إنقاذًا لها من أهوال الوحدة، وبطش الكفار بها، وخوفًا عليها من أن ترتدَّ عن الإسلام.

 

• وزينب بنت خزيمة بن الحارث، أُصِيبَ زوجها يوم بدر ومات، فواساها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالزواج منها، وكانت تسمى أمَّ المساكين، وتوفيت - رضي الله عنها - بعد ثمانية أشهر، وعمرها يزيد على الخمسين.

 

3- الغرض السياسي:

فقد تزوَّج حفصةَ بنت عمر - رضي الله عنهما - بعد أن مات زوجها خنيس بن حذافة في إحدى المعارك، عرَضَها أبوها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - فاعتذرَا له من زواجها، علِم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أصاب عمر - رضي الله عنه - من غمٍّ عندما رفض أبو بكر وعثمان هذا الزواج، فقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- على زواجها، ولم تكن ذات جمال، وقد تزوَّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا لعمر، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول لابنته عندما كانت تشتكي من عيشة التقشف التي عاشتها معه: والله، إن النبي لا يحبك يا حفصة، لولا أنا لطلَّقك.

 

• ويحاول قادةُ الأمم في العصر الحديث أن يرتبطوا مع وزرائهم برباط المصاهرة، لذلك تزوَّج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنت أبي بكر - رضي الله عنه - وزيرِه الأول، ثم بحفصة بنت عمر؛ وزيره الثاني، ولهذا السبب زوَّج ابنتَيْه لعثمان - رضي الله عنه.

 

• وتزوَّج جويرية بنت الحارث، وكان أبوها سيِّد بني المصطلق، أعلن الحرب على الإسلام، ولكن سرعان ما خاب أمله، وانهزم جيشه، وفرَّ رجاله، وأُسرت نساؤه، ووقعت السيدة جويرية أسيرةً عند زيد بن قيس، وأصاب بنتَ العز من الذل ما أصابها، فذهبتْ إلى بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- تستجدي عطفه، بقولها: يا رسول الله، أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما قد تعلمُ، وإني أستعين بك لتخلصني من الأسر، فإن مِثْلي لا تصلح أن تُعامَل معاملة العبيد، وهنا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعبِّر عن كرمه النبيل مع بنت زعيم أعدائه، فأعتَقَها ثم رفع عنها ذلَّ الوحدة، فعرض عليها بأن تصبح من زوجاتِه أمهات المؤمنين، فأسرعت إلى تلبية طلبه، فكان لهذا الزواج أثر مبارك على كل بني المصطلق؛ ذلك أن أَسْراهم قد أصبحوا أصهار النبي -صلى الله عليه وسلم- فهُرِع كلٌّ منهم إلى بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلِن إسلامه اعترافًا بالجميل، فأسلم بنو المصطلق جميعهم.

 

• ولهذا الغرض تزوَّج ميمونة بنت الحارث، وكانت قبيلتها من القبائل ذات المكانة المرجوة في جزيرة العرب، فهي من بني عامر بن صعصعة.

 

• وتزوج أم حبيبة، وهي زينب بنت أبي سفيان زعيم الشرك في مكة، هاجرت مع زوجها عبيدالله بن جحش إلى الحبشة؛ فرارًا بدينها الإسلام، فُتِن هناك زوجُها بالنصرانية، فتنصَّر وهجر الإسلام فطلَّقها، علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أصاب المسكينةَ في غربتها، فأرسل إلى ملك الحبشة فأعطاها مهرَها وعقد عليها النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

فهذا الزواج بقدرِ ما فيه من الرأفة، فهو أيضًا تخطيط بعيدٌ لامتصاص ما في نفس أبي سفيان من حقد؛ حيث هاجرت بنته إلى الحبشة؛ بسبب اتِّباعها لمحمد -صلى الله عليه وسلم- فزاد أبو سفيان من كرهِه له وللإسلام، ولقد كان لهذا الزواجِ من الأثر الطيِّب ما جعل أبا سفيان يدخلُ في الإسلام ويفتحُ مكة أمام دعوته الكريمة.

 

• فقد كان هذا الزواج تأليفًا لقلب أبي سفيان ولقلوب عشيرتها، وهي عشيرةُ عبدشمس التي كانت تعدُّ أوسعَ عشائرِ مكة وأغناها، وقد كان أيضًا تكريمًا لامرأة ضحَّت بأبيها وزوجها من أجل الإسلام.

 

فقد خرج أبو سفيان يريد المدينة، وذكر أن له ابنة هناك في بيت خصمِه، فتسلل إليه يستعين بها على ما جاء من أجله، وفوجئت أم المؤمنين بأبيها يدخل بيتها، ولم تكن قد رأته منذ أن هاجرت إلى الحبشة، فوقفت تُجاهه متحيِّرة لا تدري ماذا تفعل وماذا تقول، وأدرك أبو سفيان ما تُعانيه ابنته فأعفاها من أن تأذن له بالجلوس، وتقدَّم من تلقاء نفسه ليجلس على الفراش، فما راعه إلا أن وثبت عليه ابنتُه فاختطفت الفراش وطوَتْه، فسألها أبوها: أطويته يا بُنَيَّة رغبةً بي عن الفراش، أم رغبةً بالفراش عني؟ فأجابته: هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل مشرك، فلم أحب أن تجلس عليه، فقال والحسرة تقطع قلبَه: لقد أصابك يا بنيتي بعدي شرٌّ، وانصرف عنها غاضبًا.

 

فهذه المرأة ألاَ تستحق أن يكرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزواجه منها؟ ألا تستحق أن يجعلها من أمهات المؤمنين؟


• وتزوَّج صفية بنت حُيَي، وكان زوجُها ملكَ اليهود كنانة بن الربيع، ينتهي نسبُها إلى هارون - عليه السلام - فحياة الرقِّ لا تصلح لزوجات الملوك، فتزوَّجها إكرامًا لهارون - عليه السلام - وتأليفًا لقلوب اليهود، وكذلك تزوج مارية القبطية النصرانية التي أهداها إليه ملك مصر؛ تأليفًا لقلوب النصارى.

 

فزواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لتحقيقِ أغراضٍ آنية عاجلة فحسب، بل كان -صلى الله عليه وسلم- يرمي من وراء زواجه أيضًا تحقيقَ أغراض تمتدُّ إلى قيام الساعة إلى كل عصر وأرضٍ يعيش فيها يهود ومسلمون، فالإسلام رسالةٌ خالدة، ولكل زمان ومكان، وقد ثبت أنه قد يكون للمصاهرةِ أثرٌ في تأليف قلوب الأجيال اللاحقة أحيانًا، كما كان لها أثر في تأليف قلوب الأجيال المعاصرة لحياته - عليه الصلاة والسلام - ولم تزل إلى عصرِنا هذا تُعلِن شخصيات يهودية ونصرانية إسلامَها، وممَّا لا شك فيه أن الذي دفَعهم إلى الإسلام فهمُهم لمعاني القرآن وتأثُّرهم بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد كان زواجه يمثل أهم جوانب سيرته - عليه الصلاة والسلام.

 

فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبغي من زواجِه من كل امرأة تزوَّجها أن يستميل قومَها إليه وإلى الإسلام، وقد حقق هذا الزواج هذا المبتغى.

 

ففي هذا الزواج الذي كان لغرضٍ سياسي تتجلَّى حكمةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد استطاع من خلاله أن يصلَ إلى قلوب زعماء الشرك وأن يصاهرَهم، فيصهر ما في قلوبهم من حقد على الإسلام، وقد نجح هذا الزواج نجاحًا كبيرًا، وبخاصة مع الذين حاربوا الإسلام؛ مثل أبي سفيان بن حرب زعيم المشركين، والحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، اللَّذين تزوَّج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ابنتيهما، فقد فعل هذا الزواجُ ما لم تفعله المعارك من تحطيم للحواجز وانتصار للإسلام.

 

فقد تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدَّة نساء، إلا أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يتزوَّج واحدة منهن حبًّا في جمالها، أو سعيًا وراء متاع الدنيا، وإنما تزوَّجهن بأمر من الله، ولتوطيد أركان الإسلام ونشر الدعوة.

 

• فقد تزوَّج خديجة - رضي الله عنها - وعمرها أربعون سنة، وكان عمره خمسًا وعشرين سنة، وقد كانت كلُّ نساء مكة وقتئذٍ تهواه وتتمنَّاه، فقد كان أجملَ شباب مكة، وأعلاهم نسبًا، وأسماهم خُلُقًَا، حتى كنَّ يعرضن أنفسهن عليه، إلا أنه لم يرضَ إلا بخديجة - رضي الله عنها - لحُسن أخلاقها حتى كانت تلقَّب بالطاهرة، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلقَّب بالصادق الأمين، وبقي معها - رضي الله عنها - أكثر من عشرين سنةً لم يتزوَّج عليها، ولو بقيت لما تزوج غيرها، إلا أن مشيئة الله أرادت أن تتوفَّى ليتزوَّج بعدها، ولو لم يتزوج بعدة نساء، لضاع منا نصف الإسلام، ولجهِلنا نصف تعاليم هذا الدين، وهذه حقيقة لا مراء فيها، فالله - سبحانه - حين أرسل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أرسله للناس كافَّة، ومن أحكام الشريعة ما يكون مشتركًا بين الرجال والنساء، ومنها ما يكون مختصًّا بالنساء دون الرجال، وهي كثيرةٌ، ويجدُ الرجالُ حرجًا في إيضاحِها للنساء، بل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجد حرجًا في تبيينِ قسم من الأحكام الخاصة بالنساء، ولا سيما الأحكام المتعلِّقة بالغسل، والطهارة، والحيض، والنِّفاس، فكان لا يستطيع تبليغها إلى النساء بصفة واضحة إلا عن طريق نسائه.

 

• ولما كانت الأحكامُ الشرعيةُ المتعلقة بالنساء كثيرةً ومتعددة الجوانب، فإن امرأة واحدة لا يمكنُها أن تقوم بهذه المهمة، بل لا يستطيع تِبيانَ هذه الأحكام لتشعبها إلا عددٌ من النساء من قبائل متعددة؛ لتنقل أحكام الشريعة بين نساء قبائلها، لتنتشر تلك الأحكام من قِبَلِهن إلى العالم شرقًا وغربًا.

 

بل نساؤه -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصرن على نشر الأحكام المتعلقة بالنساء، بل نشرت كلٌّ منهن بين أفراد قومِها سيرته وأخلاقه وأحاديثه، وما كان يأمر به وينهى عنه، فقد ذكرْنَ للناس جوانبَ كثيرة من حياته الاجتماعية؛ إذ كان نساؤه أقرب الناس إليه، وأعرفَ بحياته من غيرهن.

 

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لو كان زواجه حبًّا في متاع النساء ومن أجل الدنيا، لعاش كما عاش الملوك، ولهيَّأ لزوجاته أن يعشن كما تعيش نساء الملوك، فقد اشتاق نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى العيش اللَّيِّن والكساء الناعم، كغيرهن من نساء المؤمنات، وحصل أن تظاهرن وطالبنه بالعيش الرغيد؛ ليُظهرن دلالَهن، وكان الطلب عادلاً وسهل التحقيق، فلو أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- لعاش أغنى الناس، أو على الأقل لعاش كما عاش أي ملِك كان في الدنيا، وقد كان الصحابة مع ذلك - رضي الله عنهم - مستعدِّين جميعهم أتم الاستعداد أن يلبُّوا له أي طلب كان يطلبه، وأن يَفْدُوه بكلِّ ما يملكون من غالٍ ونفيس، بل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان رئيسَ دولة، وقد أصبحت كل أموال الدول بين يديه، وكان بإمكانه أن يعيش هو وزوجاته عيشة المترفين المرفَّهين، إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رفض طلبَهن واعتزلهن شهرًا قضاه بالمسجد، ثم خيَّرهن القرآنُ الكريم بين أمرينِ: إما الرضا بعيش الكفاف مع الصبر، وإما الطلاق، ذلك أن متعة العيش وإن كانت حلالاً إلا أنها تشغل عن الرسالة، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، ولكن سرعان ما عاد نساءُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رشدِهن، واخترن الله ورسوله راضياتٍ بعيش الكفاف في بيت النبوة.

 

إنه - عليه الصلاة والسلام - لو كانت غايتُه من زواجه من نسائه غريزيًّا ودنيويًّا، لأغدقَ عليهن كل أسباب النعمة ووسائل الترفيه، ولألبسهن الحرير والذَّهب، إلا أنه -صلى الله عليه وسلم- طلب منهن أن يعشنَ مثله راضياتٍ بحياة الزهد؛ لأن زواجه منهن كان زواج رسالةً لا زواجَ متعةٍ وعبث.

 

والزواج وتعدُّد الزوجات من سُننِ الرسل والأنبياء، فأبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - تزوَّج بامرأتين: هاجر وسارة، وكذلك يعقوب - عليه السلام - كان عنده امرأتان، جاءه من الأولى عشرة أولاد، ومن الثانية يوسف وبنيامين.

 

بل الكتاب المقدَّس - الذي يضم التوراة والأناجيل - يُخبِرُنا بأن النبيَّ داود كان عنده تسعٌ وتسعون زوجةً، وأن النبي سليمان تزوج بثلاثمائة امرأة من النساء الحرائر، وتسعمائة من النساء الإماء، واليهود والنصارى يُؤمِنون على حدٍّ سواء بهذينِ النَّبيين، ويؤمنون بنبوتهما، ولكن مع ذلك لا يثيرون على تعدد زوجاتهما إلى هذا الحد أيَّ اعتراض كان، بل يعدونه مسألة اعتيادية، إلا أنهم يطعنون في شخص الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان عنده وقتَ وفاتِه تسعُ نساء، وليس في الدنيا رجل أعف منه نفسًا وأخلاقًا.

 

ودلائل عفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرةٌ، فمن دلائل عفته أنه عاش في الجاهلية أربعين عامًا بين قومٍ يتعاطَوْن أنواع المعاصي وشتى طرق الزنا، إلا أن كتب السيرة تُجمِع على أنه لم يرتكب في هذه الفترة ومنذ طفولته أية معصية كانت، وأي نوع من أنواع الزنا.

 

• وقد تزوَّج خديجة - رضي الله عنها - وعمرها أربعون عامًا، وعمره -صلى الله عليه وسلم- خمسة وعشرون عامًا، ولم يفكِّر في الزواج عليها حتى توفِّيت بعد أن بقيت معه 23 عامًا، وبعد أن تجاوز عمره الثلاثة والخمسين.

 

ولو كانت غايتُه الدنيا ونساءها، لجعل نساءه يَعِشْن معه عيشة الباذخات المترفات، كما هو حال كل ملوك الدنيا في كل زمان ومكان، إلا أنه آثر أن يعيش وزوجاته عيشةَ التقشُّف والزهد، حتى ثارت عليه نساؤه يطلبن منه أن يعشن كما تعيش نساء الملوك، فرفض طلبهن وخيَّرهن بين أن يعشن معه كما يعيش هو، أو يطلقهن جميعًا، وكان بإمكانه أن يعيش أغنى رجل وأترف رجل، فقد كان رئيس دولة وكان صحابته - رضي الله عنهم - مستعدين أن يقدموا له لو أراد كل غالٍ ونفيس.

 

وبعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- فرض اللهُ عليه قيام الليل كلَّ يومٍ، فكان يقضي ثلث الليل أو نصفه أو ثُلُثَيه في الصلاة والتهجد، وكان يُطِيلُ قيامه حتى تتورَّم قدماه، فهكذا كان يقضي ليله، أما نهاره، فكان يقضيه بالدعوة إلى الله، والإعداد لتربية الرجال، وإقامة دولة الإسلام، أهذه حياة رجل متَّع نفسه بالدنيا والنساء، أم هي حياة رجل شغل عمره كله ليله ونهاره بالجهاد وطاعة الله؟

 

لقد استغل المستشرقون قضية زواجه -صلى الله عليه وسلم- للطعن في الإسلام ونبي الإسلام، وكما قُلْنا من قبل: إن من سنَّة الله أن يسخِّر من أعداء هذا الدين مَن يرد على زملائه، فها هو المؤرِّخ الغربي - الذي مرَّ ذكره - المستشرق مونتكمري واط، درس حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتطرق إلى مسائل زواجه بالتفصيل، يقول في خاتمة دراسته عن محمد -صلى الله عليه وسلم- ما نصُّه: "كلما فكرنا في تاريخ محمد وتاريخ أوائل الإسلام، تملَّكنا الذهول أمام عظمة هذا العمل... غير أن الرجل (يعني به محمدًا - صلى الله عليه وسلم) كان على مستوى الظروف تمامًا، فلو لم يكن نبيًّا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله، ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلاً مهمًّا من تاريخ الإنسانية، ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام من جديد برجل هو من أعظم رجال أبناء آدم"[1].

 

فهذه شهادةُ مؤرِّخ أوروبي مشهور غير مسلم، لم تكن له أيَّةُ مصلحةٍ من وراء إدلائه بهذه الشهادةِ سوى ذكر الحقيقةِ التي توصَّل إليها بعد دراسةٍ تفصيلية لحياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- السياسية والاجتماعية.

 

اللهم انصر هذا الدين إلى يوم الدين، وردَّ عنه كيد الكائدين، وأنعم علينا بأن نكون من أنصار شرعك والدعاة إلى دينك حتى يأتينا اليقين.

 

اللهم اجعل مَن جعلته سيد بني آدم يوم القيامة قائدَنا وقدوتنا في الدنيا، واحشُرْنا تحت لوائه يوم الدِّين، اللهم آمين!



[1] محمد في المدينة، مونتكمري واط، ترجمة شعبان بركات، ص512.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته
  • إثارة شبهة تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم
  • حكمة تعدد الزوجات
  • سراري النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده
  • افتراءات حول زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
  • الجمع بين أكثر من أربع زوجات من خصائص النبوة
  • المستشرقون وتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
  • جويرية بنت الحارث المصطلقية
  • أم حبيبة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم
  • زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم وحكمة تعددهن
  • الحكمة من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
  • الذب عن زوجات النبي وآل بيته
  • حقوق زوجات النبي المصطفى

مختارات من الشبكة

  • رد افتراءات اللئام حول تعدد زوجات النبي عليه الصلاة والسلام(مقالة - ملفات خاصة)
  • التعدد وجهة نظر أخرى (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تعدد زوجات النبي محمد كدليل نبوة وصدق رسالة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لا للتعدد في المعاصي والتقلب فيها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كينيا: قانون يبيح تعدد الزوجات دون موافقة الزوجة الأولى(مقالة - المسلمون في العالم)
  • زوجات لا عشيقات "التعدد الشرعي ضرورة العصر"(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تعدد الزوجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعدد الزوجات بين المطالبة العصرية والإباحة الشرعية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تعدد الزوجات في الإسلام(مقالة - المترجمات)
  • تعدد الزوجات تكريم للمرأة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب