بيع الأطفال والاتجار بهم داخل وخارج العراق

لا شكَّ أنَّ المشهدَ العراقيَّ شهد الكثير من المتغيِّرات والجرائم الدَّخيلة على المجتمع العراقي، كنتيجةٍ من نتائجِ الاحتلال الأمريكي، وما يَلحق ذلك من توابعَ وتداعيات؛ ولكنْ ظهورُ جرائم خطف الأطفال، وبيعهم والاتجار بهم، فهذه مِن أخطرِ الجرائم التي عاثت فسادًا في الواقع العراقيِّ الحالي، فلقد كان المجتمع العراقيُّ إلى وقتٍ قريب نظيفًا تمامًا من هذه الجرائم قُبَيْل الاحتلال؛ لكن الذي يحدثُ اليوم هو تصاعدُ وتيرة خطف الأطفال وبيعهم، سواءٌ داخلَ العراق أم خارجَه، ولعل ارتكابَ جرائم خطف الأطفال وبيعهم هي جرائم جاءتْ إلى العِراق مع مجيء الاحتلال، قُبَيل خمس من السنوات.

ولكن الذي أبرزها إلى السَّطح في هذه الأيَّام ما نشرتْه صحيفة (الغارديان) في تقريرها عن خطف وبيع الأطفال، والذي أشارتْ فيه إلى أن هناك 12 عصابةً على الأقلِّ تعمل في العراق، وتُقدِّم مقابلَ بيع الطِّفل العراقي ما بين 200 -4000 جنيه إسترليني للطِّفل الواحد، وتُعتبر تركيا، وسوريا، فضلاً عن بعض الدول الأوروبية؛ ومنها سويسرا، وأيرلندا، والمملكة المتحدة، والبرتغال، والسويد - من الدُّول الرئيسة التي تتعامل معها تلك العصابات، وأشار التقرير إلى أنَّ ضابطًا في وزارة الداخلية العراقيَّة أكَّد على أنَّه يتمُّ بيع 15 طفلاً عراقيًّا على الأقلِّ في كل شهر، وبعضهم يذهبون إلى خارج البلاد، والبعض الآخَرُ داخلَها، وأنَّ منهم مَن يُباع بغرض التبنِّي، ومنهم مَن يتمُّ استغلاله جنسيًّا.

وأنَّ هذه تستغل وسطاء يتظاهرون بأنَّهم يعملون لمنظَّمات غير حكوميَّة، وقالت الصحيفة: إنَّ العصاباتِ الإجراميَّةَ في العراق تحقِّق أرباحًا فاحشة مِن وراء شِراء الأطفال بأثمان بخسة، ومِن الفوضى البيروقراطية التي تسهِّل نِسبيًّا تهريبَهم خارجَ البلاد، وتعتقد وكالات الإغاثة أنَّ عددَ الأطفال الذين يُعرضون للبيع ارتفع بنسبة الثُّلُث منذُ عام 2005، وصولاً إلى 150 طفلاً على الأقلِّ في العام.

وبعض هذه العصابات تخطف الأطفالَ، ثم تبيعهم، وقسمٌ آخرُ من تلك العصابات تشتري الأطفال من العوائل الفقيرة بعدَ أن تدرسَ حالة العائلة، ووضعَها الماديَّ، وهل لديها عائل أو لا، أو أنَّهم أيتامٌ؟

أما أسباب خطف أطفال في العراق وبيعهم، فيعود إلى:
1 - أسباب أمنيَّة، القصد منها خلخلةُ الأمن، وزعزعته في العراق، خاصَّة وأنَّه أمنٌ هشٌّ، مع تواجد الكثير من الجِهات التي تسعى إلى عدم استقرار الأمن في العراق؛ ولهذا الغرض (مافيات) متخصِّصة في خطفِ الأطفال؛ لأجل زيادة حالة البلبلة داخلَ العراق.

2 - الخطف، لأسباب ثأريَّة، فلقد خلَّفت سياسات النِّظام السابق وجودَ أجهزة أمنيَّة تجاوز بعضٌ من أعضائها على حقوقَ الفرْد العراقي، وكان بعضُهم قد ألْحق الضَّرر بالفرد العراقي، وبعد السُّقوط حدثت حالاتٌ كثيرة من الانتقام، كان من بين صُورها – مثلاً - خطفُ ابن المسؤول السابق، وبيعه، أو قتله، أو العمل على مساومته، وبطرق متعدِّدة.

3 - وجود (مافيات) متخصِّصة في خطف الأطفال وبيعهم، سواء داخلَ العراق أم خارجَه؛ لأغراض جِنسيَّة، وهذا يشمل البناتِ والأولادَ القُصَّر، حيثُ داهمتْ قُوى الداخلية شبكاتٍ خاصَّةً ترتكب هذه الجرائمَ في مدينة الصَّدر، حيث يتمُّ خطفُ الأطفال، وإيداعهم في بيوت ومخابئ في تلك المدينة، ثم يُصار إلى إجبارهم على الإدمان على المخدرات، وتصوير الولد وهو يمارس الجِنس، ويكون ذلك لغرضِ تهديده، إضافةً إلى أنَّ الطِّفل يكون قد أدمن المخدرات، ولا يستطيع تَرْكها، أمَّا البنات القاصرات فيتمُّ خطفهنَّ والاعتداء عليهن، حتَّى لو كُنَّ طفلاتٍ صغيرات، ثم يُصار إلى قتلهنَّ، أو تشغيلهنَّ في أعمال جِنسيَّة قذرة.

ويُعتبر العراق اليوم - مع الأسف - ساحةً مفتوحة للاتجار الجِنسيِّ بالأطفال؛ حيث نشرتْ نشرة الموحدة للإعلام الإقليمي - والتي تُنسق برامجَ عملها مع الأمم المتحدة - تقريرًا مُخيفًا حولَ ظاهرة الاستغلال الجنسيِّ للأطفال في العراق، فقد تحدَّث عن المئات من العوائل العراقيَّة التي وَجَدتْ في تجارة جنس الشُّذوذ عند الأطفال مورِدًا جيِّدًا للمعيشة، واستشهد التقرير برواياتٍ حقيقيَّة من الواقع الديمقراطي الجديد! كما تحدَّث التقرير عن الأطفال الذين يُرغمون على بيع أجسادهم لطلاَّب المتعة؛ حيث يتقاضى كلُّ صبيٍّ مبلغ 10 دولارات عن كلِّ شخص يمارس معه الجنس، في الوقت الذي تذهب فيه خمسةُ أضعاف هذا المبلغ إلى العِصابات التي تشغِّله.

4 - الخَطْف لأجل المتاجرة بأعضاء الأطفال أيضًا، حيث تنتشر الكثيرُ من العصابات المتخصِّصة في هذا المجال، والذي هيَّأَ لها ذلك هو حالةُ الانفلات الأمنيِّ الذي يعيشه العراق، والحدود غير المنضبطة، حيث يُصار إلى سَرقةِ الأطفال، وأخْذ الأعضاء التي يريدون الحصولَ عليها، ثم قتْل الأطفال ودفنهم ، أو رميهم في النَّهر، وأمَّا الأعضاء، فتُصدَّر إلى خارج العِراق بالتعاون مع عصابات دوليَّة متخصِّصة في هذا العمل.

5 - الخطْف لأسباب طائفيَّة، ثم بيع الأطفال بعد ذلك، حيث تقوم مليشيات جيش المهدي وفيلق بدر بخطْف أطفالٍ من أبناء المذهب السُّنِّي، ثم يُصار إلى الاتصال بعائلة الطِّفل المخطوف والعمل على تهديدها، فإمَّا أن يُدفع مبلغٌ باهظ (فدية)، وإمَّا يصار إلى قتله، فتضطر عائلةُ الطِّفل المخطوف إلى بيع كلِّ ما تملك والاستدانة؛ لأجل دفْع مبلغ الفدية لكي يعودَ الطِّفل، وقد يعود، وفي حالات كثيرة لا يعود الطِّفل المخطوف إلى أهله.

كما حدث في قصَّة، حدثت مؤخَّرًا ببغداد؛ إذ أقدمت إحدى المليشيات الشيعيَّة على خطْف طفل سُنِّي، وبعد أن طلبوا من والده إحضارَ مبلغ الفدية، قام الوالد ببيْع كلِّ ما يملك واستدان، وذهب إلى العِصابة، وقدَّم لهم مبلغ الفِدية، وقاموا بتقديم الغَدَاء له، وكان عبارة عن أُرز عليه لحم، وبعد أن أكل الوالدُ شَكَرَهم، وقال لهم سلَّمتُكم المبلغ، سلِّموني الآن ابني، فقالوا له: لقد استلمتَه، قال متى وكيف؟ فأجابوه: إنَّ اللحم الذي أكلتَه الآن هو طفلك.

هذا الرَّجل جُنَّ، وهو الآن مجنون، وهائمٌ في شوارع بغداد.

6 - وقد يكون الخطْف بقصد تهريب الأطفال، وبيعهم إلى الخارج؛ حيث تقوم الكثير من المؤسَّسات النصرانيَّة بشراء هؤلاء الأطفال بقصْد تنصيرهم، وممَّا ساعد على ذلك وجودُ الكثير من المؤسَّسات التنصيريَّة في العراق، والتي تقوم بالتعاون مع عصابات معينة ومختصة بتغيير أسماء الأطفال، وتزوير شهادات الميلاد، ويقوم أفرادُ العصابة من العراقيِّين بإخراج هؤلاء الأطفال على أنَّهم أبناؤُهم، وبعد الخروج من الحدود العراقيَّة يُصار إلى بيع هؤلاء الأطفال في الأراضي الأُردنيَّة أو الإيرانيَّة، أو السُّوريَّة أو التُّركيَّة إلى مؤسَّسات تنصيريَّة.

ورغم تجريم تجارة وبيع الأطفال في كلِّ دول العالَم، لكن تبقى هذه الجريمة خطرًا يحدق بالطفولة في العالَم، ومنها أطفال العراق، بالرَّغم من وضْع العقوبات والإجراءات القانونيَّة لمنع هذه الظاهرة من الانتشار، إلاَّ أنَّ منظمة "اليونيسيف" قدَّمت صورةً متشائمة عن الجهود المبذولة؛ لتحسين وضْع الأطفال في العالَم، وبالتحديد في العِراق، مؤكِّدة أنَّ 1,2 مليون طفل يتمُّ الاتجار بهم سنويًّا، ورصدتْ المنظَّمة في تقريرها السنويِّ مجموعةً من المشاكل التي يُواجهها الأطفال، خصوصًا في الدُّول الأكثر فقرًا، بدءًا من تعرُّضِهم للاعتداءات الجنسيَّة، ومرورًا ببيعهم كعبيد، وانتهاءً بإرغامهم على استغلالهم جنسيًّا.

المصادر:
1 - لندن، وكالات تقرير صحية الغارديان.
2 - اغتيال الطفولة في العراق المحتل، علي الكاش.
3 - تجارة الأعضاء البشرية والقانون العراقي، عدوية الهلالي.
4 -  استغلال الأطفال تجارة قذرة، القاضي جليل عباس علي.