• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

بشرى للصابرين

د. جمال عبدالناصر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/5/2009 ميلادي - 7/5/1430 هجري

الزيارات: 68882

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في عصرنا الذي نعيش فيه، تعصف بإيماننا عواصفُ الشَّدائد والمصائب التي تجتاحنا ليلَ نهارَ، فتَذْرُو ثوابت هذا الإيمان، فما أحوجَنا إذًا إلى أسلحةٍ إيمانيَّة نتصدَّى بها؛ حيث إنَّ المسلم لا بُدَّ أن يتسلح بسلاح الأخلاق الإسلاميَّة العظيمة؛ كي يواجه بها شتَّى المصاعب والمشكلات، ومنها الصَّبر، فلا بُدَّ من التسلح والتقَوِّي بتلك الأسلحة، وذلك اقتداءً بأشرف خلق الله رُسلِه الكرام الذين سمَّاهم الله - عزَّ وجلَّ - أُولِي العزم؛ حيثُ خاطب نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن معنيُّون بالخطاب معه؛ لكوننا مأمورين بالاقتداء به؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] - بقَولِه - تبارك تعالى -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ...} [الأحقاف: 35].

معنى الصبر:
الصَّبرُ في اللُّغة: هو الحبس، وفي الاصطلاح: هو حبسُ النَّفس على ما يقتضيه الشَّرع والعقل، أو ما يقتضيان حبسها عنه، أو هو حبس النَّفس على ما تكره؛ ابتغاء مرضاة الله؛ كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28].

وجاء في "لسان العرب" ما نصُّه: "... صَبَرَ الإنسانُ غَيْرَه على القَتْل: حَبَسَهُ ورَمَاه حتَّى يَموت، وإذا حبس الرَّجل نفسهُ على شيء، قال: صَبرت نفسي على كذا؛ أي: حبسْتُها، ويقال للرجل إذا شُدَّت يداه ورجلاهُ، أو أمسكهُ رجلٌ آخر حتَّى يضرب عنقه، أو حُبِس على القَتل حتى يُقْتَل: قُتِل صبرًا، وكذا إذا حُبِس على اليمين حتى يحلف يقال: حلف صبرًا.

وفي "الصِّحاح": كلُّ ذي روح يُصْبَر حيًّا، ثم يُرْمَى حتى يُقْتَل، فقد قُتِلَ صبرًا، قيل: الصبر موضوعٌ في الأصل لمعنى الإمساك في الضيق، وباقي المعاني متفرِّع منهُ، صبَّره: أمَرَه بالصَّبر، وفلانًا: طلب منه أن يصبر، والطَّعام: جعلهُ صُبرَةً، وصابره مصابرةً وصِبارًا: غالبه في الصَّبر، وفي سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200]؛ أي: غالبوا أعداءَ الله في الصَّبر على شدائد الحرب، وأعدى عدوكم في الصَّبر على مُخالفة الهوى.

مكانة الصبر والصابرين:
إنَّ الصبرَ خلق عظيم، وله فضائل كثيرة، منها أنَّ الله يضاعفُ أجرَ الصابرين على غيرهم، ويُوفِّيهم أجْرَهم بغير حساب، فكُلُّ عمل يُعرف ثوابه إلا الصَّبر؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، كذلك فالصَّابرون في معيَّة الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] [الأنفال: 46]، وأخبر – سبحانه - عن محبته لأهله فقال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، وفي هذا أعظم ترغيب للرَّاغبين، وأخبر أنَّ الصبر خيرٌ لأهله، مُؤكدًا ذلك باليمين؛ فقال سبحانه: {وَلَئِن صَبَرْتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ} [النحل: 126].

ولقد خصَّ الله - تعالى - الصَّابرين بأمورٍ ثلاثة لم يخصَّ بها غيرهم، وهي: الصَّلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إيَّاهم؛ قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
 

والله - سبحانه - قد علَّق الفلاحَ في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، فعلق الفلاح بكل هذه الأمور.

وخصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلاَّ أهل الصبر؛ كقوله تعالى: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ} [القصص:80]، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].

ولقد وردت في السُّنة النبويَّة أحاديثُ كثيرة عن رسول الله في بيان فضل الصَّبر والحثِّ عليه، وما أعدَّ الله للصابرين من الثَّواب والأجر في الدُّنيا والآخرة منها:
عن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ النَّبي بامرأةٍ تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، فقالت: إليك عني؛ فإنَّك لم تُصب بمصيبتي - ولم تعرفه - فقيل لها: إنه النبي، فأخذها مِثْلُ الموت، فأتت بابَ النبِيِّ، فلم تجدْ على بابه بوَّابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، فقال: ((إنَّما الصَّبر عند الصَّدمة الأولى))؛ فإنَّ مفاجأةَ المصيبة بغتة لها روعةٌ تُزعزع القَلْب، وتُزعجه بصَدْمِها، فإنَّ مَن صبر عند الصَّدمة الأولى، انكسرت حدَّة المصيبة، وضعُفت قُوَّتُها، فهان عليه استدامة الصبر.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله قال: ((... ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصَّبر))؛ رواه البخاري ومسلم.

وفي الصَّحيحين: إنَّ رسولَ الله قسم مالاً، فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أُريدَ بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله، فقال: ((رحم اللهُ موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر))؛ فالنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُعلِّمنا كيف أنَّه كان يصبر ويتحلَّى بالصَّبر؛ حيثُ كان لا تزيده شدَّة الجهل عليه إلا حِلمًا.

قالوا عن الصبر:
- قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "وجدنا خَيْرَ عيشنا بالصَّبر"، وقال أيضًا: "أفضلُ عيشٍ أدركناه بالصَّبر، ولو أنَّ الصَّبر كان من الرِّجال كان كريمًا".

- وقال علي - رضي الله عنه -: "ألاَ إنَّ الصَّبر من الإيمان بمنزلة الرَّأس من الجسد، فإذا قطع الرأس، بَارَ الجسد"، ثم رفع صوته فقال: "ألا إنَّه لا إيمانَ لمن لا صَبْرَ له"، وقال أيضًا: "والصبر مطية لا تكبو".

- وقال الحسن: "الصَّبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلاَّ لعبد كريم عنده".

- وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: "ما أنعم اللهُ على عَبْدٍ نعمةً، فانتزعها منه، فعوَّضَه مكانَها الصَّبر إلاَّ كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزعه".

الصابرون أهل الفضل:
للصابرين عند ربِّهم منزلةٌ عظيمة، فهم يلقبون يومَ القيامة بـ"أهل الفضل"؛ نظرًا لما يلاقون في دُنياهم من ابتلاءات فيصبرون عليها؛ فعن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا جمع اللهُ الخلائقَ يومَ القيامة، نادى منادٍ: لِيَقُمْ أهلُ الفضل، فيقومون وهم قليل، فيسيرون سِراعًا إلى الجنَّة، فتستوقفهم الملائكة، وتقول: مَن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون لهم: وما فَضْلُكم؟ فيقولون: كنا إذا ظُلمنا صَبَرْنا، وإذا أُسِيء إلينا غَفَرنا، وإذا جُهِلَ علينا حَلُمْنَا، فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين))؛ قال الألباني: ضعيف جدًّا؛ لأن العرزميَّ متروك.

ومِن هُنا كان لأسلافنا الكرام - رحمهم الله - باعٌ طويلٌ في توضيحِ أهميَّة تلك الأسلحة الإيمانيَّة، التي هي بمثابة جهاز مناعة للإيمان، فلْنَعِشْ مع العلاَّمة ابن القيم وحديثه عن الصَّبر وحاجتنا إليه، وذلك بعد أنْ نوضِّح معنى الصبر.

مع ابن القيم في بستان الصابرين:
لقد أورد العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله - كثيرًا من المواضع التي ورد بها الصَّبر في القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد - رحمه الله - قوله: "ذكر الله - سبحانه - الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعًا"، منها:
1 - الأمر به كقوله - تعالى -: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور: 48].

2 - النَّهي عن ضده وهو الاستعجال؛ كقوله - تعالى -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35]، وقوله: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48].

3 - الثناء على أهله؛ كقوله - تعالى -: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

4 - تعليق النَّصر والمدد عليه وعلى التقوى؛ كقوله - تعالى -: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]، ولهذا قال النبي: ((واعلم أنَّ النَّصر مع الصبر)).

5 - الإخبار بأنَّ الفوزَ بالمطلوب المحبوب، والنَّجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنَّة وسلام الملائكة عليهم - إنَّما نالوه بالصبر؛ كما قال: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24].

6 - الإخبار أنَّه إنَّما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل الصبر؛ كقوله - تعالى -: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5].

7 - الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلاَّ أهل الصبر؛ كقوله - تعالى -: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80] ، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].

8 - تعليقُ الإمامة في الدين بالصَّبر واليقين؛ كقوله - تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فبالصَّبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

9 - أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره؛ فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]، فأطلق عليه: "نعم العبد"؛ بكونه وجده صابرًا، وهذا يدُلُّ على أنَّ مَن لم يصبر إذا ابتلي، فإنه بئس العبد.

10 - أنه - سبحانه - قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان، فقرنه بالصلاة في قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، وبالتقوى في قوله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90]، وبالشُّكر في قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5] [لقمان: 31] [سبأ: 19] [الشورى: 33]، وبالرحمة في قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17]، وبالصِّدق في قوله: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35].

وجعل الله الصَّبر في آيات أخرى سببَ مَحبته، ومعيَّته، ونصره، وعونه، وحسن جَزَائه، ويكفي بعضُ ذلك شرفًا وفضلاً.

مع الصبر نشكو للخالق لا للمخلوق:
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشَّكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخُّط والجزع، والجوارح عن لَطْم الخدود وشقِّ الثياب وخَمْشِ الوُجُوه، ونحو ذلك - كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحًا في الصَّبر، منافيًا له.

ومن هذه الأمور:
1- الشكوى إلى المخلوق: فإذا شكا العبد ربَّه إلى مخلوق مثله، فقد شكا مَن يرحمه ويَلْطُفُ به ويُعافيه، وبيده ضَرُّه ونفعه - إلى مَن لا يرحمه، وليس بيده نفعه ولا ضَرُّه، وهذا من عدم المعرفة وضَعْفِ الإيمان.

وقد رأى بعضُ السَّلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقةً وضرورةً، فقال: "يا هذا، تشكو مَن يرحَمُك إلى من لا يرحمك؟"، ثم أنشد قائلاً:
 

وَإِذَا   عَرَتْكَ   بَلِيَّةٌ   فَاصْبِرْ   لَهَا        صَبْرَ   الْكَرِيمِ   فَإِنَّهُ   بِكَ   أَعْلَمُ
وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى  ابْنِ  آدَمَ  إِنَّمَا        تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لاَ يَرْحَمُ
 

لا يُنافي الصبر الشَّكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب - عليه السَّلام - إلى ربِّه مع أنه وعد بالصبر، فقال: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].

ولا يُنافي الصَّبرَ أيضًا إخبارُ المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطَّبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للاستعانة بإرشاده، أو مُعاونته على زوال الضُّرِّ.

2- ومِمَّا يُنافي الصبر: ما يفعله أكثر النَّاس في زماننا عند نزول المصيبة، من شقِّ الثِّياب، ولطم الخُدُود، وخَمْشِ الوجوه، ونَتْفِ الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، والدُّعاء بالويل، ورَفْع الصَّوت عند المُصيبة؛ ولهذا نهى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن فعل ذلك.

ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام مُحرم؛ قال تعالى عن يعقوب: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، قال قتادة: "كظيم على الحزن، فلم يقل إلاَّ خيرًا".

3- ومما يقدح في الصبر: إظهار المصيبة والتحدُّث بها، وقد قيل: "مِن البِرِّ كتمان المصائب والأمراض والصدقة"، وقيل أيضًا: "كتمان المصائب رأس الصبر".

4- ومما يُنافي الصبرَ: الهلعُ، وهو الجزع عند ورود المصيبة، والمنع عند ورود النعمة؛ قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19 - 21].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصبر وأقسامه
  • الصبر على أقدار الله
  • أنواع الصبر
  • الابتلاء في حياتنا
  • الصبر على أقدار الله
  • فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }
  • أنكاد الحياة على جناح سفر
  • وبعد الشهادة بشرى
  • الصدمة الأولى
  • بشرى سارة بشروط!
  • بشر بن عقربة الجهني
  • بشرى لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من سورة النساء

مختارات من الشبكة

  • بشرى للصابرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: بشرى لعمار المساجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشرى البث الثالث لمصحف الشيخ الحصري المرتل في إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة مع بداية بث إرسالها(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • بشرى لمن يحافظون على صلاة الفجر في المساجد (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كفاءة المبادهة في الإبداع والتقدم البشري(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الذكاء البشري وبيولوجية التفكير(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • خطبة سورة الضحى مواساة وبشرى(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • بشراكم دخول عشر ذي الحجة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
5- شكر
الزهراءالبتول - السعودية 12-08-2009 03:11 PM

جزاكم الله خير الجزاء ورزقتم الاخلاص في العمل

4- الصبر
ثريا - المغرب 07-07-2009 08:19 PM
السلام عليكم
ما أحوجنا للصبر في هذا الزمان!
موضوع جيد ومفيد. جزى الله الكاتب خير جزاء ووفقه لمزيد من المواضيع والمقالات.
3- حي الله القائمين على الموقع
عبد الله المصري - مصر 05-05-2009 09:02 AM

حي الله القائمين على الموقع الأغر..

وجزى الله خيرا الأخ كاتب المقال، حقا ما أحوجنا إلى الصبر وأن نكون من الصابرين وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن ووسد الأمر إلى غير أهله في شتى مؤسساتنا وصارت المحسوبية هي السائدة وضاعت الأمانة إلا من رحم ربي..

2- الصبر
وسام هاشم محمد - العراق 02-05-2009 10:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم اشكركم على هذا الموضوع الصبر ان شاء الله صابرين نحن فى العراق و مازلنا على العهد ادعوا لنا نحن بحاجه الى دعائكم اشكركم كثيراو بارك الله بكم
1- ......
الشاكر - جمهورية مصر العربية 02-05-2009 12:53 PM

ضربَ أنبياء الله -صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل
وقد وصف الله -تعالى- كثيرًا من أنبيائه بالصبر، فقال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين . وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} [الأنبياء: 85-86].

* ونشكر الكاتب على هذا الموضوع الجيد ونتمنى التوفيق والمزيد من الموضوعات على صفحات الألوكة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب