• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

في تهذيب النفوس

في تهذيب النفوس
محمد محمود مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2012 ميلادي - 29/12/1433 هجري

الزيارات: 17903

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في تهذيب النفوس


قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

 

يا إخوَة الإسلام:

لقد أقسَم الله بالنفْس البشريَّة؛ ليؤكِّد فضْلَها، ويُعلي مَنزلتَها، ويُقنِّن تَكريمها بعد أن صاغَها فأحسنَ خلْقَها، ونسَّقها فأبدع تَنسيقَها، ونظَّم عالمها الظاهِريَّ والباطِنيَّ والمعنويَّ؛ ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].

 

مِن أجْلِ هذا كان الإنسان كريمًا على الله؛ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

 

ومِن أجْلِ هذا جعَله الله خَليفةً في الأرض؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

 

لقد سأل الملائكةُ ربَّهم بلِسان المقال والسؤال - إنْ كانوا يَنطِقون - أو بلسان الحال والتوجيه، ولم يَستنكِرُوا ذلك على الله، بل أرادوا أن يَعرفوا وجْهَ الحِكمَة في هذا.

 

وسخَّر الله للإنسان كلَّ ما في الكَون، وجعَل الكونَ مَيدانًا فسيحًا لسعْيِه؛ قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

 

وخلَقَ الكائنات مِن أجله، وخلَقَه لحضْرَته ولِعبادَتِه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

وهذا الإنسان مُزدَوجُ الخِلقَة، مُكوَّنٌ مِن عُنصرَين: عُنصر المادَّة التي تَخرُج مِن الأرضِ، وعُنصرُ الرُّوح التي نفَخَها الله فيه؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [ص: 72].

 

وجعَله بعد أنْ سوَّاه ونفَخَ فيه مِن رُوحه على أحسَنِ صُورةٍ وفي أحسَنِ تَقويم؛ ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22] فكلُّ المخلوقات تَمشي ووجْهُها للأرض إلا الإنسانُ فإنَّه يَمشي مُستَويًا على صِراطٍ مُستقيمٍ.

 

والنفْسُ في حاجَةٍ إلى التَّهذيب، وفي ذلك قال الشَّاعِر:

والنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرَّضَاعِ وإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

 

ولكنْ هناك فرْقٌ بين الرُّوح والنفْس؛ فالنفْس مُستودَع الغرائز، ومُستَقرُّ الشَّهوات والنزَعات التي تُحرِّك سلوك الإنسان وتدفعه إلى فعْلِ الخَير أو الشرِّ؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40-41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾ [السجدة: 13]، وقال تَعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 7-8]، وقال تعالى - على لِسان سيِّدنا يوسفَ -: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [يوسف: 53].

 

كذلك النفْسُ تَموت بمفارَقتها الجسد؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: 42]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185].

 

أما الرُّوح فإنَّها مِن عند الله لا تَضلُّ ولا تَشقَى، ولا تَموت ولا تَفنى، ولكنَّها تَحيَا حياتها البرْزخيَّة[1].

 

وقد قسَّم العُلماء النفْس باعتِبار تأثُّرها بالمُجاهَدات إلى سبْع مراتب:

1- الأمَّارة بالسُّوء: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [يوسف: 53].

 

2- اللوَّامة: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1- 2].

 

3، 4، 5- الراضِيَة، والمطمئنَّة، والمرضيَّة: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27- 28].

 

6- المُلهَمَة: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 8].

 

7- الكامِلة؛ ويَحضُّ الشاعِر العربي على تَهذيبِها فيقول:

يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ
أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ مِمَّا فِيْهِ خُسْرَانُ؟!
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ فَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا
فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ

 

وكما أنَّ النفْس تَنقسِم إلى هذه الأقسام، فكَذلكَ الرُّوح بالنِّسبَة لمُستَقرِّها، فبعدَ أنْ عرَفْنا أنَّها تَحيَا في حياتها البرْزخيَّة، ويعرف بها صاحبها أحوال أهله وأصحابه في الدُّنيا، وترى وتَسمع وتَفرح به إن كانَ حسَنًا، وتتألَّم إن كان قبيحًا.

 

ومما يُروى في ذلكَ أنَّ السيِّدة عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - كانتْ إذا دخلَتْ قبر الرَّسول تَستَتر وتَقول: "هذا أبي، وهذا زوجي، أمَّا عُمر فأجنبيٌّ" وتَعني بذلك أنَّه يَراها.

 

والأرواح مُتفاوِتة في مكانها ومُستقرِّها؛ فأرواح الأنبياء والمرسلين في أعلى علِّيِّين في الجنَّة، وأرواح الشُّهداء الذين ماتوا على الشَّهادة في سبيل الله في حواصِل طَيرٍ خُضرٍ في الجنَّة، ومِن الأرواح مَن يَكونُ مُحبوسًا على باب الجنَّة؛ كَما رُوي في الحَديث: ((رأيتُ صاحِبكُمْ مَحبوسًا على باب الجنَّة)): والرَّابع مَن يَكون مَحبوسًا في قبرِه كصَاحبِ الشَّملَة التي سرَقها مِن الغنيمة قبْل أنْ تُقسم، والخامس: أرواح تكون على نهْر في الجنَّة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الشُّهداء على بارِق نهْرٍ في الجنَّة))، ومنها أرواحٌ مَحبوسَةٌ في الأرض لا تَعلو إلى الملأ الأعلى؛ لأنَّها أرواح سُفليَّة، ومنها الأرواح التي تَكون في تَنُّور وهي أرْواحُ الزُّناة والزَّواني، وأرْواحٌ في نَهْر مِن دمٍ تَسبَح فيه وتُلقَمُ الحِجارة [2].

 

ولقد وضَّح الله للنُّفوس بعد خلْقِها معالم الخير ومعالم الشر، وترَك لها الحريَّة في اختيار طريق الخير، أو اختيار طريق الشر؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، وبعد ذلك يقول لنا: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 29]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123- 124]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7- 8].

 

واقتضَتْ حكمَتُه - سبحانه وتعالى - أن يُرتِّب تصرُّفه مع خلْقِه وَفْق تصرُّفهم مع أنفُسِهم؛ فإن بدؤوا بالهِدايَة وفَّقهم إلى طَريقها وأمدَّهم بأسبابها؛ ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، وإن بدؤوا بالزَّيغ والفَساد قادَهم إلى طريقه؛ ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]، وكما أنَّ الإنسان مُزدَوج الخِلقَة فهو مُزدَوج المُيول والاستِعداد؛ عندَه استِعدادٌ للشرِّ، وعنده استِعدادٌ للخَير.

 

فمَن حمَل نفْسَه على الطَّاعة وطهَّرها مِن الذنوب والآثام فقد زكَّاها؛ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].

 

ومَن دسَّ نفْسَه وأخْفاها عن طَريق الخَير، وسلَك بها طريق الشرِّ وطاوَع دواعي الانحِراف، فقد أنقصها قدْرَها، ونقَلها مِن عالمَ الإنسانِ إلى عالَم الحيَوان الأعْجَم، وضاعَ منه امتيازه الذي ميَّز الله به الإنسان؛ ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10] [3].

 

والقرآن مليء بالنُّفوس البشريَّة التي اهتدتْ إلى طريق الخير، والنُّفوس البشريَّة التي ضلَّتْ وانحرفَتْ عن الطريق المُستقيم.

 

خُذ مثلاً "ذو القرنَين"؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 83 - 88]، لقد أمدَّه الله بالقوَّة والمال والسُّلطان والرجال، وجمَع إليه أسباب العظَمة والجاه؛ ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84]، وكم مِن أُمم ملَّكها الله القوَّة فطغَتْ وظلمَتْ وجارتْ وانحرَفتْ عن خطِّ الإنسانيَّة، ولكنَّ ذا القرنَين لم يَنحرِف ولم يَظلِم، ولكنَّه عدَل وسار هذا المَلِك بجيشه يَبحثُ عن المُضطهَدين المُعذَّبين؛ ليَضع حدًّا لظُلمِهم، ووصَل في إحدى جولاته إلى مكانٍ تَغرُب فيه الشمس في رأي العَين، وهناك وجَد أمَّةً تَعيش على الفِطرة، وأوحى الله إليه: ﴿ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [الكهف: 86] قال ابن كثير: مكَّنه الله منهم، وجعَل له الغلَبة عليهم، ثم حكَّمه فيهم، وخيَّره إن شاء قتَل وسبَى، وإن شاء أمَّن وعَفا، ولكنَّه فضَّل العفْو والعدْل؛ فكان قوله: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ - في الدُّنيا بالقتْل - ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾ - أشدُّ وأنْكى - ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾ - فله في الآخِرة الجزاء الأحسَن - ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ - وله منَّا المُعامَلة الحسَنة الطيِّبة.


ثمَّ سار في طريق آخَر حتَّى إذا وصَل إلى مَكان مَطلَع الشمْس في رأي العين وجَد هناك قومًا يَعيشون على الفِطرة؛ فليستْ لهم بيوتٌ تَأويهم، ولا مساكنُ يَلجؤون إليها، والشمس تُؤثِّر فيهم، ولا يَستطيعون ستْرَ أنفسهم منها؛ ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 90] فصنَع لهم البيوتَ، وأقام لهم السِّتر، وهيَّأ لهم المساكن.

 

ثمَّ سار في طريق آخَر حتَّى وصَل بين السدَّين، ووجَد هناك ثَغرةً يَخرُج منها العدوُّ يأجوج ومأجوج، وما إن رأى الناس ذا القرنَين وعرَفوه حتَّى سارعوا إليه وطلَبوا منه أن يُقيم لهم سدًّا يُؤويهِم ويَحميهم مِن الأعداء، وعرَضوا عليه أن يَدفعوا له مالاً؛ ولكنَّه سَخِرَ منهم ومِن عُروضِهم، شأنه في ذلك شأن المُصلِحين؛ وهذا سيِّدنا سليمان تَعرض عليه مَلِكة سبأ (بلقيس) مالاً، وتُرسل إليه الهَدايا فيَسخر منها قائلاً: ﴿ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ ﴾ [النمل: 36]، وكذلك قال ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ [الكهف: 95]، ولكنِّي أطلُب منكم أنْ تُعينوني بقوَّة؛ لأرفع الظُّلم عنكم، وأُباعِد العدوَّ منكم، فانطَلِقوا، جماعةً إلى الجبل يَجمعون الخشَب، وجماعةً يَبحثون عن الحديد والنُّحاس، وجماعة يَحفُرون مكان السدِّ، والكلُّ في عمَل مُستمرٍّ؛ ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 96-97]، وبعد أنْ دفَع العدوَّ عنهم اتَّجهوا إليه شاكِرين مُثنِين، فقال قولته المشهورة: أنا لا أريد مدْحًا ولا شُكرًا، أنا ما فعلْتُ شيئًا بقوَّتي، اتجهوا إلى الله بالشُّكر؛ فكان قوله: ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 98].

 

وخُذ مثلاً سحَرةَ فرعون؛ لقد جمَعهم ليُقاوِمَ بهم موسى، وكان مِن قَولهم: ﴿ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: 44]، وألقَوا حِبالهم وعِصيَّهم، ودخَل الخَوف في قلب موسى فناداه ربُّه: ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 68- 69].

 

ألقى موسى العصا فابتلعتِ الحِبال والعصيَّ، ورأى السَّحَرة الحقَّ ظاهرًا والمُعجِزة واضِحةً، فما كان منهم إلا أنْ سجَدوا ولم يُكابرُوا، سجَدوا لله وآمنوا به: ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 121-122]، فما كان مِن فرعون إلا أنْ هدَّدهم بهذا التَّهديد الذي ذكَره القُرآن: ﴿ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71] تهديدٌ ما أفظَعُه؛ سأَربِط كلَّ واحد منكم في نخلة، وسأَقطَع يده اليُمنى ورجله اليُسرى، وسأَترُك الدَّم يَنزف، ومع ذلك سأجعل رجالي يُعذِّبونكم حتَّى تموتوا، ولتَعلمُنَّ - أنا أم إله موسى - أشدُّ عذابًا وأبقى.

 

وبجانب هذه النفوس هناك المُتكبِّرة المُتغطرِسة؛ خذْ مثلاً فرعون؛ يقول الله لموسى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24] لقد طغى وظلَم فقدِّم له النصيحة أوَّلاً وترفَّق: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18-19] أتُريد أنْ تُطهِّر نفْسكَ، وأنْ تَهتديَ إلى الله، ولكنَّه رفَض المُجادَلة بالحسنى، ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ﴾، ومع ذلك: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 20 - 25].



[1] "نفوس ودروس"، توفيق سبع.

[2] "الروح"، لابن القيِّم.

[3] "تفسير جزء عمَّ"، مُحمَّد عبده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سبل علاج النفس وتهذيبها
  • تهذيب الأخلاق والسلوك
  • دعوة إلى تهذيب النفس
  • نفوس عالية
  • أثر القرآن الكريم في هداية النفوس
  • تقلبات النفوس وتطهيرها
  • أمور تعين على تهذيب النفوس وتزكيتها

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج2) ( مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر بالإمارات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة التهذيب (مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال) (ج3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأحاديث التي أنكرت على رواتها في كتاب "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب (الجزءان: الخامس والسادس)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تهذيب التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح التهذيب حاشية ملا جلال على شرح التهذيب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مداواة النفوس في تهذيب الأخلاق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصوم وأثره في تهذيب النفوس وصحة الأبدان(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب