• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تنمية المهارات
علامة باركود

نظرة في الذكاء والذكاءات

نظرة في الذكاء والذكاءات
أ. حنافي جواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/2/2012 ميلادي - 2/4/1433 هجري

الزيارات: 34713

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ربَّما يجهل كثيرٌ مِن الناس حقيقةَ الذكاء، وحتَّى بعض الباحثين والمتخصِّصين منهم؛ إذ يَنظُرون إلى الذَّكاء بمنظارٍ مادي بحْت، فيتجاهلون أبعادَه الرُّوحية، وجوانبَه التعبديَّة. وقد بينَّا في مقالاتٍ سابقة أنَّ الذكاء الحقيقي[1] هو الذكاءُ الذي يدخل صاحبه الجنَّة، والأغبياء الحقيقيُّون هم هؤلاء القوم الذين يَدخُلون جهنم بعدَ الحساب... فاللهمَّ أجِرْنا منها.

 

 

لقدْ كثُر اللَّغَط في موضوعِ الذَّكاء، وتعدَّدت تقاسيمهم للموضوع، فمِنهم مَن جعلَه نوعًا واحدًا، غيرَ قابل للتجزِئة، ويعتمدون لقياسِه معيارَ المنطق والحساب واللغة، وكأنَّهم يَحصُرون الذكاءَ في الذكاء المنطقي الرياضي اللُّغوي.

 

وهناك مَن جعَل الذكاء ذكاءات متعدِّدة، كعالِم النَّفْس الأمريكي هاوارد غاردنر.

 

 

فقدْ عدَّد عالِم النفس " H.Gardner 1983)"، في كتابه" Frames Of Mind" الصادر سنة 1987، وهو أستاذ في جامعة هارفارد، سَبعة أنواع مِن الذكاء (تاركًا الباب مفتوحًا للزيادة).

 

وعَرَّف الذكاءَ بأنَّه مجموعةٌ مِن القُدرات المستقلَّة الواحِدة عنِ الأخرى، التي يمتلِكها الأشخاصُ، في مجالات كثيرة.

 

والذكاء في نظرنا:

قُدْرة بشريَّة قابلة للتطوير والتطويع والإنماء، قدرة متعلَّمة، وليستْ وراثيَّة، ولو قال بذلك مَن قال،

 

وسأُبرِهن على ذلك بالبراهين الواقعيَّة المناسبة:

فالطفلُ عندَ ولادتِه وقبل تدخُّل عوامل التنشئة الاجتماعيَّة يكون صفحةً بيضاءَ[2]، ثم يتعلَّم اللُّغاتِ والعاداتِ وأساليبَ الحياة، ويستفيد من تجارِب غيره، ينقُلها ويبني عليها، ويستدخلها؛ لتعجن، فيشكل منها نماذجَ مِن السلوك جديدة وأنماطًا حديثة، تحمل بصمتَه الشخصيَّة.

 

والذين يَتحدَّثون عن الذكاء الوِراثي إنَّما يقصِدون به تلك القُدرةَ العجيبة التي زُوِّد بها الإنسان، وهي مِن مقتضيات بشريته، والتي تخوِّل له دمجَ التجارِبِ البشريَّة والاستفادة منها؛ للتكيف مع الوضعياتِ الجديدة والأحداث المستجَدَّة.

 

 

ومَن قال غير ذلك، نقول له: فلتطور جينًا بشريًّا مسؤولاً عن الذكاء الخارِق لأستفيدَ منه أنا أولاً، واحقْنه للمتأخِّرين من تلامذتي، ولتوفروا حقنًا للذكاء الحسابي واللُّغوي والوجداني، تُباع في الصيدليات وتُوصَف للمتخلِّفين.

 

فعندما تُعيينا الحقيقةُ نُسوِّغُ عجزنَا ونسميه بالفطرة والغريزة والجِبلَّة، فنقول: الأمر طبعيٌّ أو غريزي، أو ذكاء وُهِبَه الإنسان أو وَرِثه مِن أسلافه.

 

فعندما يُعجَز عن تفسير بعضِ مظاهر ذكاءِ البشريَّة - الخارق - يُتذرَّع بالفطرة والوراثة، بعدِّها سبيلاً لإخفاءِ العجز عن إدراكِ الخيوط الدقيقة الناظِمة للنسق؛ لهذا فإنِّي أعدُّ التذرع بالوراثة عجزًا غيرَ مُصرَّح به، ومِن الأمانة العلميَّة أن يُصرَّح به!

 

فأبو البشرية واحد: آدم، وأمُّهم حواء، وكلنا وَرِثْنا منهما الذكاءَ بالقوَّة! فلا يُعقل أن يرِثَ منهما بعضُ الناس دون آخرين!

 

ويَختلِف الناسُ في ذكائهم، وفي قُدرتهم على التعامُلِ مع الوضعيات الجديدة والإشكاليات المستجَدَّة؛ لأسبابٍ كثيرة، منها:

1. سُنة الاختلاف بين بَني البشر.

2. البِنية المعرفيَّة السابقة.

3. اختلاف المنهجيات والأساليب.

4. الظروف المحيطة.

5. الحالة النفسيَّة.

6. عوامِل كثيرة، مباشِرة وغير مباشِرة.

 

1- سنة الاختلاف بيْن البشَر:

فوَحدة العوامل لا تَقتضي وحدةَ النتائج، والاختلاف بيْن الناسِ سُنَّةٌ كونيَّة، وفي الاختلافِ رحمةٌ وفوائدُ عظيمة.

 

2- البنية المعرفيَّة السابقة:

فالتعلُّم عملية بنائيَّة، بحيث تُبنَى المعارف الجديدة على السابقة، فالجاهلُ بالأصولِ والقواعد، لن يُدركَ الفروعَ والتفاصيل.

 

3 - اختلاف المنهجيات:

مهما وحَّدْنا المناهجَ والمنهجياتِ، والأساليبَ والطرائق، فالاختلاف حتميةٌ لازمة، فلكل شخصٍ طريقتُه في التفكير والبناء والتحليل، عَلِم بذلك مَن عَلِم، وجَهِل مَن جَهِل، فلو عُدنا لمقالات الكتاب، لأدركْنا هذا الاختلافَ واضحًا.

 

4- الظروف المحيطة، مؤثِّرة: فللطفلِ الصحْراوي ذَكاؤُه، وللمدني ذكاؤه، وللبدوي ذكاؤه، فذكاءُ الإنسان يتأثَّر بالبيئة والمحيط الجُغرافي، وذلك بحُكم الاحتكاكِ والتفاعُل.

 

5- الحالات النفسيَّة والاجتماعيَّة: فالمناخ النَّفْسي يؤثِّر في ذكاءِ الإنسان، إنْ إيجابًا أو سلبًا، وكذلك الظروف والعَلاقات الاجتماعيَّة والسياسيَّة.

 

• كلُّ الناس أذكياء بالقوَّة.

• كلُّ الناس قادرونَ على الفَهْم والإدراك.

• كلُّ الناس قادِرون على أنْ يكونوا عباقِرة.

 

شَريطة توافُر عواملِ التربية المناسبة، وعوامل التنشِئة الاجتماعيَّة الملائمة، والأمر كله متعلِّق بالمشيئة الإلهيَّة؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29].

 

فقدْ تتوافَر عواملُ التربية المناسِبة والمثيرات الملائِمة، ولا يتوَفَّر الذكاء، فالهداية الكبرى بيدِ الله - تعالى.

فالذكاءُ يُتعلَّم كما تُتعلَّم سائرُ الصنائع والحِرَف، كما أنَّ تنوُّع الذكاءاتِ ليس راجعًا إلى عواملِ الوراثة الجينيَّة، بل راجع لعواملِ التنشئة الاجتماعيَّة والبيئة الثقافيَّة، فالذكاء موروث ثقافيٌّ لا جيني.

 

والمقصودُ بالوراثة الثقافيَّة: ما يَتعلَّمه الطِّفل - الإنسان - مِن محيطِه المادِّي والاجتماعي - عبْرَ قنوات التنشئة الاجتماعيَّة؛ إذ يكسبه الاحتكاكُ بالبيئة والعالَم المادي تجارِبَ وفوائدَ، فيتكيَّف الإنسانُ مع المحيطِ البيئي والاجتماعي.

 

"فإنَّ الثقافة - فاعلمْ - تكاد تكون سِرًّا من الأسرار الملثمة في كلِّ أمةٍ مِن الأمم، وفي كلِّ جيل مِن البشر، وهي فــي الأصلِ الراسخ البعيدِ الغور، معارفُ كثيرةٌ لا تُحصَى، متنوِّعة أبلغَ التنوع لا يكاد يُحاط بها"[3].

 

فعِندما يجهل الناسُ بعِلمٍ مِن العلوم، أو فنٍّ من الفنون، أو صناعة مِن الصنائع يصفون مَن يُتقنونها بالأذكياء.

 

وهم أذكياءُ بالنسبة لهم، والأمرُ كلُّه إنَّما هو جهلٌ بأصول العِلم ودقائقه، بل إنَّ وصفهم لهؤلاءِ بالأذكياء فيه ما فيه مِن المبالغات.

 

• فالتلميذُ القادر على فَهم درسٍ من دروسه، لا يُعدُّ ذكيًّا بمجرَّدِ فهمه، بل يُعدُّ ذكيًّا إذا كان قادرًا على توظيفِ معارفه وتعلماته - كل تعلُّماته - فيما يَنفعه في دِينه ودُنياه، فينتج جديدًا، أو يُضيف إضافةً نوعية أو كميَّة.

• كما أنَّ تَرديد ذكاءِ الأذكياء لا يُعدُّ ذكاءً.

 

ما أصلُ الذكاء/ الذكاءات؟

أصلُها ونبعُها: التعلُّم والممارَسة، فالظروفُ المحيطة بالإنسان تجعله يَتميَّز في أمورٍ دون أُخرى.

 

وهلْ كلُّ تميُّز ذكاء؟

فَليس كلُّ تميز ذكاءً، وإلا فإنَّ جميعَ البشَر أذكياء، حتى الأغبياء منهم.

 

فلا يَليق علميًّا أن نقول: إنَّ هذا العَدَّاءَ ذكيٌّ ذكاءً رياضيًّا، وأنَّ هذا التلميذ ذكيٌّ ذكاءً حسابيًّا؛ لأنه استطاع فَهمَ درس من دروس الرياضيات أو حلَّ معادلة...

 

أو أنَّ هذا العامل ذكيٌّ ذكاءً حركيًّا؛ لأنَّه يحسن استخدام أنامله في تركيبِ إبرة العداد...

 

التمييع:

وH.Gardner - في نظرِنا - ميع مصطلح الذَّكاء، عندما لم يُحدِّد معالِمَه الفنيَّة، الدالَّة على كونه قيمةً جميلة، فيه معاني الفضيلة، ولا يُدرك هذه الفضيلةَ كلُّ مَن هبَّ ودبَّ ممَّن تعلَّم درسًا أو دروسًا في مجال ما.

 

لأنَّ الذكاء ليس تعلمات فقط، يتعلَّمها الطفل/ المتعلم؛ ليكون ذكيًّا، بل هو قدرةٌ على الإتيان بالجديد، أو استكشاف روابط جديدة، تشكل إضافةً نوعية أو كمية لم تكُ معروفةً في التجارِب البشريَّة، أو كانت معروفةً ثم استُثمِرت استثمارًا جديدًا عائدًا بالنفع والصلاح، أما ما جَرَّ فسادًا أو تلوثًا بيئيًّا أو أخلاقيًّا، فلا أراه ذَكاءً.

 

تَخيَّلوا معي لو قسمتُ الذكاء الحسابي إلى ذكاءٍ جَبري وهندسي، وقسمتُ الذكاء الرياضي إلى ذكاءِ العَدْو الرِّيفي وذكاء الجمباز والسباحة، وقسمتُ الذكاء اللُّغوي إلى ذكاءٍ بلاغي ولِساني وسيميائي...

 

وهذا هو التمييع الذي أبينهُ في نظرية H.Gardner.

 

القدرة والذكاء:

فنقول للسيد H.Gardner: لقدِ اختلط عليك مفهومُ الذكاء بمفهوم القُدرة، وساقك ذلك إلى ما ساقَكَ مِن التقسيمات والتفريعات.

 

أمَّا القدرة، فهي عامَّة تُتعلَّم بشكل مباشر (في المدرسة)، أو غير مباشر (في الحياة)، وبعد التعلُّمِ يكون المتعلم قادرًا على الفعل طبقًا لما تعلَّمه.

 

أمَّا الذكاء، فلا يُتعلَّم بشكلٍ مباشر، كما تُتعلَّم الحِرف والصنائع واللُّغات، بل هو فن إيجاد الروابط الجديدة وصِيغ الحلول المختلفة، مِن خلال القُدرة على إدماجِ التجارِب المتعلَّمة وغير المتعلَّمة.

 

القُدرة = الفِعل طبق الأصل أو قريبًا منه.

القُدرة × الفعل × التفنن = الذكاء (التميُّز - الجدة - الفضيلة)

 

فلمصطلح الذكاء ثقله الفني:

فليس كلُّ مَن هبَّ ودبَّ ذكيًّا، فالأمورُ والمسائل التي يُمكن إدراكها بالتعلُّم المباشِر لا تَندرج ضمنَ لائحة الذَّكاء.

 

فالذكاء: قُدرةٌ على إدماجِ التعلُّمات مِن أجل إنتاج جديد، أو حلِّ وضعية جديدة.

ويحمل مصطلح الذكاء في ثناياه معاني الجدة والإبداع.

 

صحيح! فالذكاء يُتعلَّم، لكنَّه تعلم بالجزء لا بالكل، كتعلم الإنسان الموارد والمواد يوظِّفها ويستثمرها - وقدْ يُستأنس بها في حلِّ الوضعيات المشكِلة، أو إبداعٍ ما؛ أدَبي، أو عِلمي، أو سُلوكي.

 

وربَّما يَجهل كثيرون أنَّ الذكاء ابنُ بيئته:

معنَى ذلك أنَّ مقاييسَ الذكاء تختلف باختلافِ البيئة والمحيط، فكثيرةٌ هي الأمورُ التي كانتِ البارحة مِن قَبيل الذَّكاء، ولما تطوَّر العقل البشَري استطاع تفسيرها وتطبيقها، وتَعليمها وتعميمها.

 

فأصبحتْ في متناولِ كثيرٍ مِن المتعلِّمين، يُدركونها بسهولةٍ، ويُطبِّقونها بليونة، بل أصْبحَ ما كان البارحة ذكاءً وإنجازًا عظيمًا - عملاً "روتينيًّا".

 

توحيد المفترق!!

إذًا فلا معنى لتوحيد معايير اختبار الذَّكاء، فتِلك الاختباراتُ صالحةٌ لفِئةٍ قليلة من الناس فقط، صالِحة لِمَن صُمِّمت لهم؛ إذ إنَّها لا تُراعي الفُروق الفرديَّة والاجتماعيَّة والبيئيَّة والدينيَّة، الكائِنة بيْن الناس.

 

ولو طُبِّقت تلك المعايير على (أينشتاين)، لما حصَل فيها على المعدَّل، وأفهم مِن ذلك أنَّها معايير تجاريَّة، واختبارات لدرِّ الأرْباح الماديَّة، لا أقل ولا أكثر.

 

فالنَّسَق الاجتماعي والثقافي والجُغرافي والسياسي، هو الذي - يجب أن - ينتج معايير تَقييم الذَّكاء وقياسه، إنَّها عملية مزدوجة إنتاجيَّة وتقييميَّة، وبعد التقييم التقويم، والتقويم ثقافةٌ نوعيَّة جديدة، هي عمليَّةٌ تراكميَّة تطوريَّة وبنائيَّة.

 

فلا معنى لتوحيدِ معايير الذَّكاء ما دُمْنا نعتقد بوجودِ الفروق الفرديَّة بيْن البشَر.

 

ثم إنَّ المقاييس والمؤشِّرات المعتمَدة في القياس نسبيَّة إلى حدٍّ كبير جدًّا جدًّا، ويجب أن تتنوَّعَ لتشمل مجالاتٍ كثيرةً مِن السلوكات والتصوُّرات والتفاعلات، ويصعُب جمعُها في جدولٍ واحد أو صنافة واحِدة.

 

وفي نظري، فإنَّ الدالَّة العمليَّة والممارسة التطبيقيَّة، هي المؤشِّرُ المهمُّ لقياسِ الذَّكاء.

 

فنَجاحي في اجتيازِ المعايير المعتمدة في قياسِ الذَّكاء، وحُصولي على رُتبةٍ عالية، لا يَعْني أنِّي قادرٌ على اكتشافِ طُرقٍ جديدة، وأساليبَ حديثة في ممارساتي اليوميَّة، وكم مِن متخلِّف - في نظِر تلك المقاييس والمعايير - أبْدع للناس ما يَستفيدون منه اليوم!

 

فالذكاء:مِنَ المفاهيم الشموليَّة الزئبقيَّة، التي تأخُذ لونَها في الكوبِ الذي تصبُّ فيه؛ وتَحقُّق الذكاء المطلَق بعيدُ المنال، وإنْ كان ممكنًا غيرَ محال.

 

ولكل ميدان فرسانه الأذكياء، يكتسبون الذكاءَ ليس مِن كثرة المراس وطولِ الدُّرْبة فقط؛ بل مِن عُمقِ الفَهم، والرغبة في التجاوزِ والتطوير والإبداع، ووضوحِ الأهدافِ والحِرْص على تحقُّقها، والتوكُّل على الله أولاً وآخِرًا.

 

والذَّكاءُ قيمةٌ إيجابيَّة له ارتباطٌ قوي بالأخلاقِ النبيلة، فالذكاء لا يَعود بالضَّرَرِ على صاحبِه وعلى الناس، بل حتى على البيئة والمحيط، لا مِن قريبٍ ولا مِن بعيد، لا بصورةٍ مباشِرة ولا غيرِ مباشِرة.

 

فمِن صِفات الذكي الصلاحُ والإصلاح، وكل مَن لم تتوفَّرْ به الصِّفتانِ، فليس مِن الأذكياء، ومَن عدَّه مِن الأذكياء، عددْناه مِنَ الأغبياء.

 

فلا تعجبْ إنْ وجدتَ ذكيًّا لم يجلسْ على مقاعدِ المدرسة إطلاقًا، ولم يُعلِّمه معلمٌ، بل استغلَّ طاقاتِه في التعامل مع الواقِع والوقائع، ولا تنتظرْ مِن هذا الذكي - الذي وصفتُ لك - أن يحلَّ المعادلاتِ الرياضيةَ، أو يتعامل مع الظواهِر الفيزيائيَّة.

 

الذكاء المدرسي والذكاء العام:

• الذكاء المدرسي: الذكاء النوعي أو السِّياقي الخاص بحقلٍ مِن الحقول الحياتيَّة، وهو الذكاءُ الاقتصاديُّ والسياسيُّ، والفِكريُّ والتربويُّ، والتعليميُّ والأدبيُّ، والعلميُّ والتقنيُّ، والفلسفيُّ والرُّوحيُّ والوجوديُّ، وهو ذكاءٌ مرتبِط بالتعلُّم المباشِر، أو بصورةٍ أدقَّ: إنَّه مرتبطٌ بتطويرِ التعلُّم؛ أي: بالخبرة في إعادةِ إنتاج المتعلَّم/ المعلومات، والمعارف والبيانات، ويُمكن أن نطلقَ على هذا الذكاءِ اصطلاح: الذَّكاء المدرسي.

 

•الذكاء العام: والذكاء العامُّ الشامِل الذي لا يَرتبط بحقلٍ مِن الحقول المعرفيَّة، ولا بمدرسةٍ من المدارس، بكلمة أخرى: إنَّه ذكاءٌ متعلَّم؛ لكن بطرائقَ غيرِ مباشرة، أو هو مزيجٌ من الخبرات ذات الصنع المحلِّي، إنها بناتُ فِكر المفكر، أنتجَها ويُنتجها من خلال روابطَ يَتحكَّم بها في المسائلِ والمشاكل.

 

لا يَتعلَّقُ الأمر هنا بالمتعلِّمين، بل كذلك بغيرِ المتعلِّمين، فقد تجِد أُميًّا من الأميِّين - بالمعنَى الأبجدي للكلمة - وهو عبقريٌّ من العباقرة.

 

هؤلاء الذين لم تُتحْ لهم الفرصة ليُدلُوا بدلائهم في الميدان؛ بسببِ الفِكر المدرسي السائِد، المهتمِّ بالشواهدِ والدرجات العلمية/ الشهادات الخبريَّة، هذا الفِكر الذي يُقصي -الإقصاء التام - الذين لا يَحمِلون الشهاداتِ المدرسيَّةَ والجامعيَّة، ومِن معضلات هذا النمط المتَّبع، أنَّ تلك الشواهدَ لا تُمنح بناءً على معاييرَ أخلاقيَّة واستحقاقات قيميَّة، بل على معاييرَ مادية صِرفة.

 

جنسيَّة الذكاء:

نقول في موضوع الذكاء عندَ الجنسين:

• فما دام الذكاء مُتعلَّمًا.

• وما دامتِ المرأة مُطالَبةً بالتكليف.

• ومنهنَّ عبقريات.

• ومنهنَّ عالِمات.

• ومنهنَّ طبيبات بارِعات.

 

فما دام ذلك كذلك، فلا فَرْقَ بين ذكاء الذَّكَر والأُنثى.

 

والواقِع وتجارِب الحياة شاهدةٌ خيرَ شهادة، لا تَدع مجالاً للشك: أنْ لا فرقَ بين الذكاءَين.

 

وإنْ كان هناك اختلافٌ بينهما، فهو اختلافُ تنوُّعٍ وتكامل، لا اختلاف نُقصانٍ قادح.

 

فإنَّنا نلاحِظ في الفصول الدراسيَّة، بحُكم احتكاكنا بالجنسين: أنْ لا فرق بيْن الذَّكاءين.

 

بلْ نُسجِّلُ أنَّ حِرْصَ الأنثى على دُروسها وواجباتها أفضلُ مِن حرص الذكر، لاحظْنا ذلك في موادَّ متعدِّدةٍ، لا في مادةٍ دِراسيَّة واحدة، ويَكاد يُجمع على ذلك جلُّ الأساتذة والمربِّين.

 

المستخفُّون بذكاء الناس:

هم فِئامٌ مِن الناس يستخفُّون بذكاءِ غيرهم، أو يَستهينون بقُدراتهم، يَزْعُمون أنَّهم الأذكَى على الإطلاقِ، وغيرُهم أغبياء، ولعلَّ بعض الديماغوجيِّين من السياسيِّين أمثلةٌ واضحة للاستخفاف بذكاءِ الناس، وينشط هؤلاء في البيئاتِ المستبدَّة والفاسدة، يَستغلُّون السلطةَ والتسلُّطَ؛ ليفرضوا على الناس أنماطَهم وشطحاتِهم الأيديولوجيَّة.

 

يظنُّ بعضُ الساسة أنَّ المواطنين لا يُدركون سرَّ اللُّعبة أو لا يَفْهمون، وتلمس ذلك مِن خلال تصرُّفاتِهم وخرجاتِهم الإعلاميَّة.

 

وذكاء هؤلاء على وزن غَباء، فالبَونُ صارخٌ وشاسعٌ بيْن ذكاء يجرُّ نفعًا، وذكاء يجرُّ ذلاًّ واحتقارًا.

 

فذكاء اللصِّ لا يُعدُّ في الحقيقة ذكاءً؛ لأن الذكاءَ قيمةٌ جميلة، ولا يَليق أن تُدنَّس وتُلوَّث بالمكْرِ والخِداع والفساد.

 

توجيهات لتنمية الذكاء:

• الذكاء مِن نصيب كلِّ بني البشَر، على الإطلاق، ما خلا الذين أبَوْا إلاَّ تعطيل قُوَاهم الراكدة.

 

• اطَّلعْ على أفكار الأذكياء جميعها؛ كيلا تشغلَ فكرك بأمرٍ سُبِقتَ إليه أو قُتِل بحثًا.

 

• تَصوَّر/ تخيَّل ما أخذتَه عن غَيرك مِن الأذكياء، والناس عمومًا، رأس مال قرضًا، وعليك استثمارُه لترجعَ الدَّيْن إلى أصحابِه في الوقتِ المناسِب، وتستثمرَ الرِّبحَ في التجارة والزِّراعة والصناعة، وفيما يعودُ عليك بالرِّبح عمومًا.

 

• ناقِش المسلَّماتِ والأفكارَ القديمة، وكذا ناقش الحديثةَ الموثوقَ فيها، وحاول ما أمكنك أن تجِدَ حقيقتها، ولا أقصِد هنا انتقادَ الدِّين الإسلامي، فهو كاملٌ متكامل.

 

• أكْثِرْ مِن الانتقاد/ التمحيص، وليكُن انتقادُك مبنيًّا على الحُجج والبراهين القويَّة، ثم انتقِدْ مِن جديد، ولا تكُن وثوقيًّا في النتائجِ التي توصَّلتَ إليها؛ فاكتشافُك الأخطاءَ دالٌّ على القوَّة لا الضعف، ثم لا تَكُن عاطفيًّا في التعامُل مع حصيلةِ النتاج؛ إذ التعلُّق بالنِّتاج قد يَصرِفك عنِ الحقائق.

 

• كُن بحَّاثًا عنِ الجديدِ والتجديد، فالماءُ الراكِد يُصاب بالأُسون (نتانة الرائحة) إذا لم يَتجدَّد، واعلم أنَّ الشيءَ/ الأمر/ السلوك إذا لم يَزِدْ، أصابَه النقصان، وما بعدَ النقصان إلاَّ الفناء.



[1] هو ذلك الذكاءُ الذي يقود صاحبَه إلى اتِّباع الشريعة الإسلامية، والتزام مبادِئها الربانيَّة، وعرض أفعاله الدنيويَّة على نصوصِ الشريعة الربانيَّة.

[2] هذا مِن الناحية الثقافيَّة والاجتماعيَّة؛ لأنه لم يتعلَّمِ اللغة، ولم يتعلَّمْ قواعد المجتمع، وأساليبه، وأنماطه وتفاعلاتِه، وهذا هو ما نقصده مِن قولنا: إنَّه صفحةٌ بيضاء.

أمَّا من الناحية النمائيَّة، (فيولد الطفل مزودًا بقُدرات فطرية عجيبة تمكنه مِن الإتيان بمنعكسات كثيرة: فيُغمض عينيه، إذا ظهَر ضوءٌ قوي مفاجئ؛ حفاظًا على شبكيَّة العين من التَّلَف، ويسعل إذا دخلتْ قطرات الحليب إلى قصبتِه الهوائية، ويعطس إذا صعدتِ القطرات إلى أنفه، ويُطبق بقبضة يدِه على كلِّ ما يلامس راحةَ يدِه؛ لينشِّط الدورةَ الدموية في تلك المناطِق المتطرِّفة من جِسمه، ويفعل ما يُشبه ذلك في أخمصِ قدميه. وكلُّ تلك الحرَكاتِ غير الإرادية يأتي بها فورَ ولادته دون أن يتعلَّم مِن أحد، كما يولد مزوَّدًا بالقدرة على مصِّ الحليب من الثدي، ثم بلْعِه، وهذان فِعلان منفصلان تشترك فيهما عضلاتٌ كثيرة دون سابِق تعلُّم). الأستاذ الدكتور علي نبيل محمود - ما يقوله عِلم النفس عن سنوات الطفولة على موقع http://www.feedo.net/ بتصرف.

[3] "المتنبي - رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، دار المدني بجدة، الطبعة 1987م/ 1407هـ، (ص: 28).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة نقدية لجوانب من نظرية الذكاءات المتعددة لغاردنر
  • الذكاء الإيماني
  • مقياس وكسلر لذكاء الأطفال
  • الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها على الواقع التربوي
  • نظرة في كلمة، وأعذار المصنفين في ترك العزو!
  • تنمية الذكاءات المتعددة لمرحلة الطفولة (دراسة تطبيقية)

مختارات من الشبكة

  • لا تتبع النظرة النظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرة الإسلام الجمالية إلى الإنسان .. النظرة المدرسية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نظرة الإسلام الجمالية إلى الإنسان .. النظرة الكلية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأديب بين نظرته لنفسه ونظرة الآخرين له(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نظرات الآخرين تزعجني(استشارة - الاستشارات)
  • دون الكلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرة الإسلام إلى الجمال الظاهر للإنسان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النظرة الأولى (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطورة الذكاء الاصطناعي على العالم والوظائف ونظرة الإسلام تجاه هذه التطورات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النظرة الكلية للإنسان في التربية الجمالية في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب