• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإسلام يحافظ على الكيان الأُسري
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الثالثة عشرة: التسامح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تربية الأبناء في عصر "الشاشة" كيف نربي طفلا لا ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تطوعي نجاحي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

الجنة الأرضية والطريق الوحيد إلى السعادة

محمد فريد فرج فراج

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2011 ميلادي - 29/9/1432 هجري

الزيارات: 17104

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجنة الأرضية

والطريق الوحيد إلى السعادة


أخي الحبيب، أَعْلمُ يقينًا أنَّ السَّعادةَ هي أمَلُكَ كما هي أَمَلُ كلِّ إنسان في الدُّنيا، والاختلاف إنَّما يقَع في تصوُّرها، وسُبل الوُصول إليها؛ إذ معظمهم يتصوَّرها في (النساء / المال / الجاه / السلطان / الشُّهْرة/... وغير ذلك مِن المتاع الزائل)، وقد حَكم الحقُّ - عزَّ وجلَّ - بضلالِ هؤلاء جميعًا؛ إذ لم يحقِّق السعادةَ أحدٌ مِن هؤلاء، ولا شعر أحدٌ منهم باطمئنانِ القلْب؛ إذ حادوا جميعًا عن الطريقِ الوحيد إلى تحصيلِ السَّعادة، التي لا تتحقَّق إلا بقلْب مطمئن، وصدر منشرح، هذا هو الطريقُ الوحيد الذي وصَفَه لنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - بقوله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 28 - 29].

 

لقد أخْبَر الحقُّ - جلَّ جلالُه - أنَّ المؤمنين فحسبُ مِن دون العالمين هم وحْدهم الذين تطمئِنُّ قلوبهم بذِكْر الله تعالى، والاطمئنان المتحقِّق للمؤمنين شامِلٌ لمعانٍ كثيرة، تصبُّ - في مجملها - في الراحة والسَّكينة، التي هي غايةُ ما تتمنَّاه وتشتهيه القلوب في الدنيا، فكم مِن حائزٍ على كلِّ متاع الدُّنيا؛ مفتقِر إلى السَّكينة، والهُدوء، والاطمئنان.

 

ولذلك عَبَّرَ القرآن عن حالِ المؤمِن، وما يغشاه مِن راحة، وسَكينة، وطُمأنينة بالحياة الطيِّبة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

فالحياةُ الطيِّبة في المقام الأوَّل هي راحةُ القلْب، وطُمأنينته، وسَكينته، وهذا لا يتحقَّق إلا مع ذِكر الله - عزَّ وجلَّ - وكما أكَّد القرآن مرارًا أنَّ هذا الذِّكر في المقام الأوَّل هو الذِّكر الحقيقي، الذي يتجانَس فيه لفظُ اللِّسان مع اعتقاد الجنان، مع أعمال الأركان، وهو يتضمَّن رِضا القلب عن الله تعالى وقضائه وقدَره، وموافقة المسلِم لشَرْعه - سبحانه وتعالى - في كلِّ ما دقَّ وجلَّ، كما يظهر جليًّا في الآية الكريمة.

 

إذ طَمأنةُ القلوب وراحتها هي جَنَّة الله لمَن أطاعه في الدُّنيا، والتي مَن أكرمه الله - عزَّ وجلَّ - بدُخولها أغناه بما يرزقه فيها مِن لذَّة الأُنس، ومتعة المناجاة، ونعيم التضرُّع عمَّا يحتاجه سائرُ الناس مِن الطعام والشراب، وهي الجنة التي دخَلها سيِّد الأولين والآخرين - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فنهل من أطيبِ ما أعدَّه الله - عزَّ وجلَّ - فيها لأوليائه المقرَّبين، فاستغنى به عما سواه، فقال عندما سَأَلُوهُ عَنْ وِصالِه في الصَّوْم: ((إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إنِّي أَظَلُّ عنْدَ ربِّي يُطْعِمُني ويَسْقِيني))؛ [ص] (حم/خ/م).

 

فانظرْ كيف أغناه ربُّه - عزَّ وجلَّ - بغذاء القلْب، وهو الذِّكر والمحبَّة له - سبحانه وتعالى - والأُنس به - جلَّ جلالُه - عن غِذاء الجسَد، فيا لها مِن جَنَّةٍ أرضية خصَّ الله - سبحانه وتعالى - بها أولياءَه المتقين، وأسعدَهم بها في دار المغترِّين!

 

فلمْ يعُدْ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يذكُر وهو في جنَّة ربِّه مِن الأُنس به - سبحانه وتعالى - ومناجاته - جلَّ جلالُه - شيئًا عمَّا يحتاجه الناسُ في الدنيا مِن المطعومات والمشروبات.

 

قال ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى - في معنى الحديث: "عُلِمَ أنَّ هذا طعامُ الأرواح وشرابها وما يُفيض عليها مِن أنواع البَهْجة واللذَّة والسُّرور والنَّعيم الذي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الذروة العُليا منه، وغيره إذا تعلَّق بغباره رأى مُلْك الدنيا ونَعيمها بالنِّسبة إليه هباءً منثورًا، بل باطلاً وغرورًا.

 

وغلِط مَن قال: إنَّه كان يأكل ويشرب طعامًا وشرابًا يغتذي به بدنُه؛ لوجوه:

أحدها: أنَّه قال: ((أظلُّ عنَد ربي يُطعمني ويسقيني))، ولو كان أكلاً وشربًا لم يكُن وصالاً، ولا صومًا.

الثاني: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخبرهم أنهم ليسوا كهيئتِه في الوصال، فإنَّهم إذا واصلوا تضرَّروا بذلك، وأمَّا هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنه إذا واصَل لا يتضرَّر بالوصال، فلو كان يأكُل ويشْرَب لكان الجواب: وأنا أيضًا لا أواصل، بل آكُل وأشرب كما تأكلون وتشربون، فلمَّا قرَّرهم على قولهم: إنك تُواصِل، ولم ينكره عليهم، دلَّ على أنَّه كان مواصلاً، وأنَّه لم يكُن يأكل أكلاً وشربًا يُفطر الصائم.

الثالث: أنَّه لو كان أكلاً وشربًا يُفطر الصائِم لم يصحَّ الجواب بالفارِق بيْنهم وبينه، فإنَّه حينئذٍ يكون - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو وهم مشترِكون في عدَم الوصال.

 

فكيف يصحُّ الجواب بقوله: لستُ كهيئتكم؟!

وهذا أمرٌ يعلمه غالبُ الناس أن القلْب متى حصَل له ما يُفرحه ويَسرُّه مِن نَيْل مطلوبه، ووصال حبيبِه، أو ما يغمُّه، ويسوءُه، ويحزنه - شغلٌ عن الطعام والشراب، حتى إنَّ كثيرًا من العشَّاق تمرُّ بهم الأيام لا يأكلون شيئًا ولا تطلُب أنفسهم أكلاً، وقدْ أفْصح القائل في هذا المعنى:

لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا
عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ
لَهَا بِوَجْهِكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بِهِ
وَمِن حَدِيثِكِ فِي أَعْقَابِهَا حَادِي
إذا اشْتَكَتْ مِنْ كَلاَلِ السَّيْرِ أَوْعَدَهَا
رُوحُ القُدُومِ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيعَادِ

 

والمقصود أنَّ الهُدَى مستلزم لسعادةِ الدنيا وطِيب الحياة والنَّعيم العاجِل، وهو أمرٌ يشهد به الحسُّ والوَجْد، وأمَّا سعادة الآخرة فغيبٌ يعلم بالإيمان"؛ "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العِلم والإرادة".

 

وصَدق الله إذ يقول: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40 - 41].

 

قَالَ ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فمَن نهَى نفْسَه عن الهوى فرُوحه تتقلَّب في جنَّةِ المأوى، وعيشه أطيبُ عيش؛ فالجَنَّة مأواه يومَ اللِّقاء، وجَنَّة المعرفة، والمحبة، والأنس بالله، والشوق إلى لقائه والفرَح به، والرِّضا به وعنه، مأوى رُوحه في هذه الدَّار، فمَن كانتْ هذه الجَنَّة مأواه ها هنا، كانت جَنَّة الخُلد مأواه يومَ الميعاد، ومَن حُرِم هذه الجنة، فهو لتلك الجنة أشدُّ حرمانًا.

 

فلا تظنَّ أنَّ قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13 - 14] يختصُّ بيومِ المعاد فقط، بل هؤلاء في نَعيم في دورهم الثلاثة (الدنيا/ البرزخ/ الآخرة)، وهؤلاء في جحيمٍ في دُورهم الثلاثة.

 

وأي لذَّة ونعيم في الدنيا أطيبُ مِن برْد القلب، وسلامة الصَّدْر، ومعرفة الربِّ تعالى، ومحبَّته والعمل على مُوافقته؟!

وهل عيش في الحقيقةٍ إلا عيشُ القلْب السَّليم؟!

فأيُّ نعيمٍ أطيبُ مِن شرْح الصَّدر؟!

وأيُّ عذابٍ أمرُّ مِن ضِيق الصَّدر؟!

 

وَقال - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].

 

فالمؤمِن المخلِص لله مِن أطيبِ الناس عيشًا، وأنعمِهم بالاً، وأشرحهم صدرًا، وأسرِّهم قلبًا، وهذه جَنَّةٌ عاجِلة قبلَ الجنة الآجِلة، وقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذَا مَرَرْتُم برِياض الجَنَّة فارْتعوا))، قالوا: وما رِياض الجَنَّة؟ قال: ((حِلَق الذِّكر))؛ [ض] (حم/ت).

 

ومِنْ هذا قَوْلُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بَيْن بيْتي ومِنْبَري رَوضةٌ مِن رِياض الجَنَّة))؛ [ص]. (حم/خ/م) ا.هـ؛ "الجَوابُ الكافي"، بتصرُّف يسير جدًّا.

 

هذه الجنة الأرضيَّة التي مَن أكْرَمه الله - عزَّ وجلَّ – بدُخولها، يتلذَّذ بالآلام، ويستعذِب العذاب، ويتنعَّم بفقدان ما يرْجوه أبناءُ الدنيا، وانظر ما يَحكيه ابن القيِّم - رَحِمَه اللهُ تَعالى - عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَه اللهُ تَعالَى -: "وها هو شيخُ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَه اللهُ - حُبِس وأُوذي في الله - عزَّ وجلَّ - فلمَّا أُدخل الحبس وأغلقوا عليه البابَ، قال - رَحِمَه اللهُ -: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]، يقول هذا تحدثًا بنِعمة الله لا افتخارًا..."؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

ثم قال شيخُ الإسلام: "ما يَصْنع أعدائي بي؟! إنَّ جَنَّتي في صَدري - أي الإيمان والعلم واليقين - وإنَّ حبْسي خلوة، ونفْيي - إنْ نفوه من البَلد - سياحةٌ، وقتْلي شهادة"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

والإنسان لو دخَل الحبسَ جعَل يتساءل: ما مستقبلي؟! ما مستقبل أولادي؟! وأهلي؟! وقومي؟!

 

وشيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللهُ - يقول: "جَنَّتي في صَدْري"، وصَدَق - رحمه الله.

 

وكان شيخُ الإسلام يقول في محبَسِه في القلعة: "لو بذلتم ملءَ هذه القاعة ذهبًا ما عدَل عندي شُكرَ هذه النَّعمة، أو قال: ما جزيتُهم على ما تسبَّبوا لي فيه من الخير، ونحو هذا"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

وقال لي مرة: "المحبوسُ مَن حُبِس قلبُه عن ربِّه تعالى، والمأسورُ مَن أسَره هواه"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله - في وصفِ حال شيخ الإسلام: "وعلِم اللهُ ما رأيتُ أحدًا أطيبَ عيشًا منه قطُّ مع ما كان فيه مِن ضيق العيش وخِلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه مِن الحَبْس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك مِن أطيبِ الناس عيشًا، وأشرَحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرِّهم نفسًا، تلوح نضرةُ النعيم على وجهه، وكنَّا إذا اشتدَّ بنا الخوفُ، وساءتْ منَّا الظنون، وضاقتْ بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمَع كلامه: فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا، وقوةً ويقينًا وطُمأنينةً!

 

فسُبحان مَن أشْهَد عبادَه جَنَّتَه قبل لقائه، وفتَح لهم أبوابها في دارِ العمل، فأتاهم مِن روحها ونَسيمها وطِيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها!"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في منزلة الذِّكر وأهميَّته للقلب: "الذكر للقلْب مِثل الماء للسمك، فكيف يكون حالُ السمك إذا فارَق الماء؟"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

ولذلك كان - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - له أحوالٌ عجيبة في الذِّكر، فمنها ما يَحكيه أنجبُ تلامذته ابن القيِّم عنه قائلاً: "وحضرتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية مرةً صلَّى الفجر، ثم جلَس يذكُر الله تعالى إلى قريبٍ مِن انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غَدْوتي، ولو لم أتغدَّ هذا الغداءَ لسقطتْ قوَّتي، أو كلامًا قريبًا مِن هذا"؛ "الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب".

 

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - متحدِّثًا عن هذه الجنَّة: "إنَّ في الدُّنيا جَنَّةً مَن لَمْ يَدْخُلْها لَمْ يَدْخُل جَنَّةَ الآخِرَة"؛ "مدارج السالكين بيْن منازل إيَّاك نعبُد وإياك نستعين".

 

هذه الجنة الأرضيَّة التي تحدَّث عنها بعضُ سكَّانِها، فقالوا كلامًا عجبًا؛ فمِن ذلكَ ما قاله الدَّاراني - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عندما دخلها قائلاً: "إنَّ أهْلَ الليل في ليلِهم ألذُّ مِن أهلِ اللهو في لهوهم، لتمرُّ على القلبِ أوقاتٌ يرقُص فيها طربًا من ذِكْر الله - عزَّ وجلَّ - فأقول: لو أنَّ أهل الجنة في مِثل هذا إنَّهم لفي عيشٍ طيِّب"؛ "عيون الأخبار - مختصر تاريخ دمشق".

 

أهل الليل: هُم أهلُ القيام، والتضرُّع، والابتهال.

وأهلُ اللهو: هم أهلُ الفِسق والفجور - عياذًا بالله تعالى.

 

ومِن ذلك أيضًا ما قاله إبراهيمُ بن أدهم - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فيما يرويه عنه شقيقُ بن إبراهيم، قال: لقيتُ ابنَ أدهم بالشام، وقد كنتُ رأيتُه بالعراق وبين يديه ثلاثون شاكريًّا - أي خادمًا أعجميًّا.

 

فقلت له: تركتَ مُلك خراسان، وخرجتَ مِن نعمتك؟!

فقال: اسكُتْ ما تهنيتُ بالعيش إلا ها هنا، أفرُّ بدِيني من شاهِق إلى شاهق، فمَن يراني يقول: هو موسوس، أو حمَّال، أو ملاَّح.

 

ومكَث بمكة خمسةَ عشر يومًا لا شيءَ له، ولم يكُن له زاد سوى الرَّمْل بالماء، وصلى بوضوءٍ واحد خمس عشرة صلاة، وأكَل يومًا على حافة الشريعة - النهر الصغير - كسيراتٍ مبلولةً بالماء، وضعَها بين يديه أبو يوسف الغسولي، فأكَل منها، ثم قام فشرِب مِن الشريعة، ثم جاء، واستلقى على قَفاه.

 

وقال: يا أبا يوسف، لو علِم الملوك، وأبناءُ الملوك ما نحن فيه مِن النَّعيم، لجالدونا بالسيوف أيامَ الحياة على ما نحن فيه مِن لذيذ العيش!

فقال له أبو يوسف: طلَب القومُ الراحة والنعيم، فأخطؤوا الطريقَ المستقيم.

 

فتبسَّم إبراهيم، وقال: مِن أين لك هذا الكلام؟!"؛ "البداية والنهاية".

 

فأيّ لذَّة تلك تلذَّذ بها هؤلاء الأولياء، فهان عليهم بها ذلك المتاع الفاني الذي يتقاتَل عليه الناس، وينشغلون بطلبِه عن الآخِرة، ويَقطعون له الرحِم التي أمَر الله - عزَّ وجلَّ - أن تُوصَل؟!

 

وها هو أحدُ سكَّانها يتحسَّرون علينا - نحن المحرومين - ممَّا هم في من النَّعيم، فيقول عبدالله بن المبارك، ومالك بن دينار - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -: "مساكينُ أهل الدنيا خرَجوا مِن الدنيا قبل أن يتطعَّموا أطيبَ ما فيها!

 

قيل له: وما أطيبُ ما فيها؟ قال: المعرفةُ بالله - عزَّ وجلَّ"؛ [الوابل/ الجواب/ مدارج السالكين].

 

فلذَّة المعرفة بالله هي الجنَّة الأرضيَّة التي لا يعرف قِيمتَها إلا مَن دخلها، ثم أخبرنا ببعضِ ما وجد، ومِن هذه الأخبار النورانيَّة ما قاله ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - بعد ذِكره آيات الاستقامة، وتفسير السَّلف لها: وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله رُوحه - يقول: استقاموا على محبَّته وعبوديته، فلم يلتفتوا عنه يمنةً ولا يسرة.

 

وقال: وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله رُوحَه - يقول: إذا لم تجِد للعملِ حلاوةً في قلبِك وانشراحًا فاتَّهمه؛ فإنَّ الربَّ تعالى شكور؛ "مدارج السالكين بيْن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين".

 

وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "إنَّها - أي: العبادات - لو كانت صحيحةً سالمة لا علَّة فيها ولا غشّ، لأثمرتْ له الأنس والرِّضا والمحبَّة والأحوال العليَّة، فإنَّ الربَّ تعالى شكور إذا وصَل إليه عمل عبدِه جمَّلَ به ظاهره وباطنه، وأثابَه عليه مِن حقائق المعرفة والإيمان بحسبِ عملِه، فحيث لم يجد له أثرًا في قلبه مِن الأنس والرِّضا والمحبَّة، استدلَّ على أنَّه مدخولٌ غير سالِم مِن الآفات"؛ "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين".

 

وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "ورأيتُ شيخَ الإسلام - قدَّس الله رُوحَه - في المنام، وكأنِّي ذكرتُ له شيئًا من أعمالِ القلوب، وأخذتُ في تعظيمه ومنفعته - لا أذكُره الآن - فقال: أمَّا أنا فطريقتي: الفرَح بالله والسُّرور به، أو نحو هذا مِن العبارة، وهكذا كانتْ حاله في الحياة يَبْدو ذلك على ظاهِره، ويُنادي به عليه حاله"؛ "مدارج السالكين".

 

وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "إنَّه لما انتفَى عنه - أي عمَّن اتبع هُدَى الله من الكتاب والسُّنة - الضلال فيها - أي: في الدنيا - وحصَل له الهُدَى، والهُدَى فيه من برْدِ اليقين، وطُمأنينة القلْب، وذاق طعمَ الإيمان فوجَد حلاوته وفرحةَ القلب به، وسروره والتنعُّم به ومصير القلْب حيًّا بالإيمان مستنيرًا به، قويًّا به، قد نال به غِذاءَه، ورواءَه، وشفاءه، وحياته، ونوره، وقوَّته، ولذَّته، ونَعيمه، ما هو مِن أجلِّ أنواع النعيم، وأطيب الطيِّبات وأعظم اللذَّات؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فهذا خبرُ أصْدَق الصادقين - جلَّ وعلا - ومخبره عندَ أهله عين اليقين؛ بل هو حقُّ اليقين، ولا بدَّ لكلِّ مَن عَمِلَ صالحًا أن يحييَه الله حياةً طيِّبة بحسب إيمانه وعمله، ولكن يغلط الجفاة الأجلاف في مسمَّى الحياة حيث يظنُّونها التنعُّم في أنواع المآكِل، والمشارب، والملابس، والمناكح، أو لذَّة الرِّياسة، والمال، وقهْر الأعداء، والتفنن بأنواع الشهوات، ولا ريبَ أنَّ هذه لذَّة مشترَكة بين البهائم، بل قد يكون حظُّ كثير من البهائم منها أكثرَ من حظِّ الإنسان، فمَن لم تكن عندَه لذَّة إلا اللذة التي تشاركه فيها السِّباع، والدواب، والأنعام، فذلك ممَّن يُنادَى عليه من مكان بعيد، ولكن أين هذه اللذَّةُ مِن اللذة بأمر إذا خالَط بشاشته القلوب سلَّى عن الأبناء، والنِّساء، والأوطان، والأموال، والإخوان، والمساكِن، ورَضِي بترْكها كلها، والخروج منها رأسًا، وعرَّض نفسه لأنواع المكاره، والمشاقِّ، وهو متحل بهذا، منشرِح الصَّدْر به، يطيب له قتل ابنه، وأبيه، وصاحبِته، وأخيه، لا تأخُذه في ذلك لومة لائم، حتى إنَّ أحدهم ليتلقَّى الرمح بصدره ويقول: فزتُ وربِّ الكعبة[1]، ويستطيل الآخَر حياته حتى يُلقي قُوتَه من يده ويقول: إنَّها لحياة طويلة إنْ صبرتُ حتى آكلها، ثم يتقدَّم إلى الموت فرحًا[2]؛ "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة".

 

وقال أبو سليمانَ الدارانيُّ: "لولا الليلُ لَمَا أحببتُ البَقاءَ في الدُّنيا، ولربَّما رأيتُ القلبَ يضحَك ضحِكًا"؛ "سير أعلام النبلاء".

 

ولذلك كانوا يعتبرون أعظمَ نِعمة على العبد الثبوتَ على صراط الله المستقيم.

 

قال شيخ الإسلام: أعظمُ الكَرامة لزوم الاستقامة؛ "مدارج السالكين".

 

قلتُ: اللهمَّ إنْ كنت تعلم حبَّنَا للقوم، وإن لم نلحقْ بهم في أعمالِهم، فبرحمتك أدخِلْنا معهم في جنَّتك بعظيم حبِّنا لهم فيك، بحقِّ رحمتك يا أرحمَ الراحمين.

 

• هذه هي الجَنَّة التي وعَد الله - عزَّ وجلَّ - بها المتَّقين في الدُّنيا، لا حرَمَنا الله منها، وأمَّا في الآخِرة فقدْ وعدَهم بالجنة الخالِدة السرمديَّة، كما قال - تعالى -: ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29].

 

أي: "كما أنعمتَ عليهم في الدُّنيا بجَنَّة أُنسي، وموالاتي، ومحبَّتي، وذِكري، فاليوم مرجعهم إليَّ؛ لأتممَ عليهم نِعمتي، فلهم النَّعيم الكامل، والبهجة التامَّة، والسَّعادة المطلَقة التي ليس فوقَها سعادة، والفرَح الأبدي السَّرْمَدي في جَنَّة المأوي في الفِردوس الأعْلى".

 

فأيّ نعيمٍ هذا الذي يعيشه المتَّقون؟!

نعيمٌ عاجل في الدنيا، وهم مع نَعيمهم مبشَّرون نعيمًا أعظم، يَنتظرونه مِن أصدق القائلين - جلَّ جلالُه - في الآخِرة.

 

ترى، أي خسارةٍ خسرناها - نحن المغبونين، اللاهين العابثين - بغفلتنا عن ذِكْر الله تعالى، وانشغالنا عن التضرُّع إليه، والابتهال له - سبحانه وتعالى؟!

ترى، هل هناك ما يستحقُّ أن نضحِّي لأجله بهذا النَّعيم المقيم؟!

 

لقدْ كَشفوا لنا سِرَّهم الذي بينهم وبين ربهم - جلَّ جلالُه - وما كشفوه لنا اغترارًا، وجهلاً، حاشاهم ذلك، وإنَّما كشفوه لنا لعَلَّنَا نُفيق مِن غفلتنا، لعَلَّنَا نصحِّح الضلال الذي أضلتنا به شياطينُنا؛ إذ أخبرونا كذبًا وزورًا أنَّ العبادة مؤلمة، وأوهمونا أنَّ الانشغال بطاعةِ الله - عزَّ وجلَّ - يحرمنا مِن اللذَّة، والمتعة،

 

فهَلْ عَلِمْنا الآن؛ أيْنَ اللذةُ الحَقيقيَّةُ؟!

فهَلْ عَلِمْنا الآن؛ أينَ السعادةُ الحقيقيَّة؟!

فهَلْ عَلِمْنا الآن؛ أَيْنَ المُتْعةُ الحقيقيَّة؟!

فهَلْ عَلِمْنا الآن؛ أنَّنا نعيش في أوهامٍ كاذبة، وأحلام خادعة؟!

 

لقد نصحَنا الله - عزَّ وجلَّ - ونصحَنا نبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونصحَنا أولياؤُه الصالحون مِن الصحابة، والتابعين، وسائرِ السلف الصالح - رضي الله عنهم، فهل نَقبَل نصيحةَ الناصحين؟! أم نَزيغ مع الزائغين - عياذًا بالله من الزيغ، وأهله؟!

 

ألاَ وإنْ شئتَ هذه الجنَّةَ الأرضية، فعليك بالمرشِد الحكيم، وبالصحبة الطيِّبة، فهما طريقك إلى الجنَّة الأرضيَّة، هداني الله وإيَّاك إليها.

 

اللهم اجعلْنا ممَّن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، آمين يا أرحمَ الراحمين.

 

وَآخِرُ دَعْوَانا: أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِيْن، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْك.



[1] يشير إلى الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "بعَث النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين, فلمَّا قدِموا, قال لهم خالي: أتقدَّمكم؛ فإن أمَّنوني حتى أبلغَهم عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإلاَّ كنتم مني قريبًا, فتقدَّم فأمَّنوه, فبينما يُحدِّثهم ، عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذْ أَوْمَؤوا إلى رجلٍ منهم فطعنَه, فأنفذَه.

فقال: الله أكبر! فُزتُ وربِّ الكعبة.

ثم مالوا على بقيَّة أصحابِه, فقتَلوهم إلا رجلاً أعرجَ صعِد الجبل, فأخبر جبريلُ - عليه السلام - النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّهم قد لقُوا ربَّهم فرَضِي عنهم, وأرْضاهم.

فكنَّا نقرأ أن بلِّغوا قومَنا أن قد لقِينا ربَّنا فرضِي عنَّا وأرضانا, ثم نُسخ بعدُ, فدَعا عليهم أربعين صباحًا؛ على رِعل, وذكوان, وبني لحيان, وبني عُصيَّة الذين عَصَوا اللهَ ورسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ (حم/خ/م).

خال أنس: هو حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - رضي الله عنه.

والفوز لا يكون إلاَّ بتحقيقِ المرء لما يبتغيه ويتمنَّاه, ولما كان الرعيلُ الأوَّل يتَّسم بالصِّدْق والإخلاص، فلم يكُن يبتغي ولا يُريد إلا رِضا الله - سبحانه وتعالى, وأي رِضًا لله تعالى عن العبدِ أعظمُ ممَّا يناله بالموتِ في سبيلِ الله - عزَّ وجلَّ - فلمَّا عَايَنَ الموتَ في سبيلِ الله تعالى الذي هو أقْصَى ما يتمنَّاه المخلِصون أيقن بالفوز, وما كان له بهذا الفَرح لولا صِدق قلبِه وإخلاص نيَّته لله تعالى, وأنَّه لا هَمَّ له إلا رِضا مولاه - سبحانه وتعالى.

[2] يُشير إلى الحديثِ الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – أنَّه قال: "بعَث رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسيسة عينًا ينظُر ما صنعتْ عِيرُ أبي سفيان, فجاءَ وما في البيت أحد غيري وغير رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: لا أدري ما استثنَى بعض نِسائه، قال: فحدَّثه الحديث، قال: فخرَج رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتكلَّم, فقال: ((إنَّ لنا طلبةً فمَن كان ظهرُه حاضرًا فليركب معنا))، فجعَل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علوِّ المدينة.

فقال: ((لا، إلاَّ مَن كان ظهرُه حاضرًا))، فانطلق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه حتى سبَقوا المشركين إلى بدر, وجاءَ المشرِكون, فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يقدمنَّ أحدٌ منكم إلى شيء حتى أكونَ أنا دونه))، فدَنا المشركون, فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قُوموا إلى جَنَّةٍ عرْضُها السموات والأرض))، قال: يقول عُميرُ بن الحمام الأنصاريُّ: يا رسولَ الله، جَنَّة عرضُها السموات والأرْض؟! قال: ((نعَمْ)) قال: بخ بخ، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما يَحمِلك على قولِك: بخ بخ؟)) قال: لا واللهِ يا رسولَ الله، إلا رَجاءةَ أن أكونَ مِن أهلها، قال: ((فإنَّك مِن أهلِها))، فأخرج تمراتٍ مِن قرنه فجعَل يأكُل منهنَّ, ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكُلَ تمراتي هذه إنَّها لحياةٌ طويلة.

قال: فرمَى بما كان معه من التَّمْر، ثم قاتَلَهم حتى قُتِل"؛ (حم/م).

لقدْ بلَغ بهم اليقين مبلغًا يصعُب تصوُّره على أمثالِنا؛ حيثُ أصبحتِ الجنة بالنِّسبة له رأي عين, فالتهبتْ مشاعره شوقًا إليها؛ إذ استحالتِ الرِّماح إلى حورٍ تحْدو في أعالي الجِنان, وغدتِ السُّيوف غانياتٍ لم يطمثهنَّ مِن قبلهم إنسٌ ولا جانّ, وبدتِ السِّهامُ أطايب غامِرة مِن فيض الرَّحْمن!

فأصْبح يعيشُ برُوحه في عالَم المَلكوت؛ حيث تساقطتِ الحُجب وطغَى مرأى البصيرة على صُور البَصر, فلم يكُنِ الموت إلا عُبورًا لبوَّابة فاصِلة يتجاوز مِن خلالها الشَّقاء دار البؤس والشقاء والحِرْمان لدار النَّعيم والسَّعادة والعَطاء, وثم أمور يذوقها القلْب, ويعجِز عن حكايتها اللِّسان, وتصغُر عن وصفها الأقْلام.

ولله دَرُّه ذلك القائل:


قُلُوبُ العَارِفِينَ لَهَا عُيُونٌ
تَرَى مَا لاَ يَرَاهُ النَّاظِرُونَا
وَأَجْنِحَةٌ تَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ
إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّ العَالَمِينَا
فَتَسْقِيهَا شَرَابَالصِّدْقِ صِرْفًا
وَتَشْرَبُ مِنْ كُؤُوسِ العَارِفِينَا




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسباب السعادة
  • الهداية لأسباب السعادة
  • الأخلاق طريق السعادة
  • بم تطيب الحياة وتنال السعادة؟
  • أربع من السعادة .. وأربع من الشقاء
  • متعة الحياة
  • رسالة إلى منتدى جدة الاقتصادي

مختارات من الشبكة

  • من تمام النعيم في الجنة مرافقة الصفوة من الخلق في الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة...(مقالة - ملفات خاصة)
  • الجنة دار الطيبين (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا يدخل أهل الجنة الجنة أبناء ثلاث وثلاثين؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • من نعيم الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفاهيم ومصطلحات دراسة: ألفاظ الجنة في القرآن الكريم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الجنة والنار وبعض ما يتعلق بهما(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب