• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (3)

محمد بن علي بنان الغامدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/6/2011 ميلادي - 7/7/1432 هجري

الزيارات: 6223

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المدخل الثالث:

بعد أن قَررْتُ في المدخَلَين الماضيَيْن عدمَ وجود علم يقيني باسم "علم التربية"، وأن "التطوير" أزمة، فسأتحدَّث هنا عن آفة "التقليد" أو "النقل" من الأُمم الأخرى، ودور ذلك في إلغاء حالة الوعي بالمشهد التربوي، ولَم يكن بعض التطوير إلاَّ تقليدًا يقوم على تبنِّي ما يصدر عن المدارس والمؤسَّسات الغربية من فلسفات وتنظيرات، وإنْ كان هذا المعنى قد فُهِم من حديثنا عن آفة التطوير، إلاَّ أني آثَرْت إفراد آفة "التقليد" هنا؛ حتى أذكرَ بعضًا من أمثلته الواقعيَّة في المشهد التربوي، وتُصبح القضيَّة واضحة لكلِّ مُهتمٍّ.

 

وهنا إشارة إلى حدثٍ مُهم وقَع أثناء كتابة هذه المقالة، ويؤيِّد ما ذهبتُ إليه في الحلقة الماضية من تهافُت نظام "التقويم المستمر"، فبعد أن أخَذ الطلاب المرحلة الابتدائيَّة في هذه السنة نتائجَ تقويم المهارات بناءً على ذلك النظام، جاءَت تعميمات مفاجئة من الوزارة إلى المدارس، تُلزمها بأنْ يُعاد الطلاب إلى مدارسهم، وأن يتمَّ اختبارهم تحريريًّا، كما كان الحال في نظام الامتحانات القديم، فما هو الهدف من هذا القرار المفاجئ؟

 

القرار لَم يكن هدفه معرفة مستوى الطلاب الذين تَمَّ الانتهاء من تقويم مهاراتهم؛ بل كان هدفه قياس مستوى أداء المعلِّمين، والوقوف على أنهم أدَّوا أمانة "التقويم المستمر" على وجْهها، فمَن أخَذ أقلَّ من نصاب كذا من الدرجات، فإنه يُحْرَم من الإجازة التي خُصِّصت لمعلِّمي تلك المرحلة، والتي عادة ما يسبقون بها غيرَهم من المعلِّمين، وحينما وصَل هذا القرار إلى المعلمين تذمَّروا منه، وكَثُر اللغطُ بينهم في مدارسهم ومنتدياتهم بسببه، حتى وصَل إلينا قول بعضٍ منهم بأنهم سيتركون الطلاب ينقلون الإجابات من بعضهم، ما دام أنَّ القضية تتعلَّق بقياس أداء المعلِّم وحِرمانه من إجازته بناءً على تدنِّي مستوى الاختبارات التحريريَّة.

 

فصنَعْنا أزمة لنعالِج بها أزمة سابقة؛ ليصدق ما قرَّرْتُه سابقًا من أنَّ "أزماتنا مركبة" وغايةٌ في التعقيد، فهذا القرار جاء ليعالِج قشور المشكلة لا جذورها، فجذور المشكلة تعود إلى ما سبَق أن أَشَرْت إليه من أنَّ نظام "التقويم المستمر" يطبَّق في الغرب على خمسة عشر طالبًا فأقل في قاعة الدرس الواحدة، بينما يطبَّق في تعليمنا على أكثر من ثلاثين طالبًا، وبناءً على ذلك يكون من الظلم أن تُختبر كفاءة المعلِّمين على نظام لا يتوافق مع بيئتهم التعليميَّة، وإني أقرأ في هذا القرار شعور بعض المسؤولين بتدنِّي مستوى الطلاب في الابتدائية، ويحمل بين طيَّاته دليلاً على فشل نظام "التقويم المستمر" الذي دبَّجوا له في السابق قائمةً طويلة من المحامد والمنافع؛ بل إنَّ قرارَهم هذا بمثابة الإقرار غير المعْلَن بفشِله، ومن هذا المثال نعرف كيف تتشكَّل أزمة المسْخ من غيرنا، وكيف تصنع لنا مزيدًا من الأزمات فيما بعدُ.

 

وبما أنَّ حديثنا عن آفة "النقل" من غيرنا، فإنَّ بعضًا من مُطَوِّري تعليمنا حينما يُنَاقَش عن مساوئ التقليد، يستند إلى حديث (الحِكمة ضالَّة المؤمن)[1]، وهو ضعيف، ولكن إذا افترضْنا أن معناه صحيح، فشتَّان بين (الحِكمة) وبين (النقل الأعمى)؛ فالأخير يلغي الذات وحالة الوعي، ولا يصدر إلاَّ عن فراغٍ معرفي وقِيمي، ولا عجب في ذلك؛ فشهادات البحوث الإحصائيَّة في الجزئيَّات المعزولة لا تقدِّم لنا تربويًّا مقتدرًا، ولا مُفكِّرًا مُلْهَمًا؛ بل تابعًا معرفيًّا لا يَثِق في أفكاره الأصيلة، فضلاً عن تلك الأفكار الصادرة عن الميدان أيًّا كانتْ من الصحة والنهوض، وهذا أمْرٌ ملموس في ميداننا، فالأفكار المستقلة المبنيَّة عن فَهْم للواقع التربوي، تظلُّ في موضع استهجان، ولا يقبل بها في معظم الأحيان مَهْمَا عُرِفت سلامتها وصحتها؛ لأنها تُخالف قراراتنا المنقولة.

 

و(التقليد الأعمى) فرْعٌ من أزمة الأُمَّة النفسيَّة التي تتشكَّل في حال الضَّعف والضِّعة، وقد وصَف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك الحالة التي نُمارسها اليوم في كثيرٍ من المجالات، في حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لتتبعُنَّ سَنن الذين من قبلكم: شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ، تَبِعْتُموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن))[2]، وعلى نحو هذا المعنى نجد أنَّ ابن خلدون توصَّل من خلال قراءته لتاريخ الأُمم إلى "أن المغلوب مُولَع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزِيِّه ونِحْلته، وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أنَّ النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمَن غلَبها وانقادَتْ إليه"[3]، وبالمناسبة فإنَّ ابن خلدون توصَّل إلى هذا الرأي الصائب من غير دراسة إحصائية، وإنما فعَل ذلك بتأمُّل عقلي ومعايشة لواقع المجتمعات، ووافَق قوله الصوابَ، فالحديث عن الحالات المجتمعية وتفسير أحداثها، لا يحتاج إلاَّ إلى بعض التأمُّلات العقليَّة.

 

وحينما نُقِرُّ للغرب تفوُّقَه وغَلَبته في أكثر من مجال علمي، فليس معنى ذلك أن يعتقدَ بعض المعجبين أنه قد حاز الكمال كلَّه، ولا يدلُّ أيضًا على سَبْقه في مجال الدراسات الإنسانية والتربوية والقِيميَّة، ولا أنه تفوَّق فيها، ويجب علينا أن نَعِيَ أن بعض التطبيقات والنظريات التربوية في الدول المتقدِّمة كأمريكا واليابان وبريطانيا، لا تَسْلم من الثَّغرات والأخطاء، ولكن الذي سبقتْنا به تلك الدول هو أنَّ لكلِّ واحدة منها فلسفة خاصة تصدر عن خصوصيَّة ثقافيَّة ومعرفيَّة، أو قُلْ: تصدر عن مَشهدهم الثقافي والتربوي، وتبثُّ رُوحها فيه، فهي بذلك تحقِّق شيئًا من الانسجام والكفاءة وبعض النجاح في أرْضها، وحينما يريدون التغيير، فإنَّ التغيير لا يأتي إلاَّ من فشَلِ القديم في أرض التجربة الواقعيَّة.

 

إنَّ بين أيدينا تراثًا تربويًّا وقِيميًّا كبيرًا، يصدر عن الوحي الإلهي، وله تطبيقاته الواقعيَّة الناجحة، وأزمتنا تكْمُن في أنَّ كليَّاتنا التربويَّة تعيش في حالة اغترابٍ عن مصدرها العظيم حينما لا تنهل منه تنظيرَها، ولا تستلهم منه تطبيقاتها العمليَّةَ، وبناءً على ذلك فهي ليستْ مؤهَّلة ذلك التأهيل في إعداد أولئك المعلِّمين الذين يستطيعون أن يؤثِّروا في طلابهم: رُوحًا وفكرًا.

 

إنَّ المناهج المنقولة على عِلاَّتها في كليَّات التربية غيَّبتْنا عن ذلك المخزون التراثي الكبير، الذي يُفيد مُعلِّمي المستقبل في أدب التعليم وحُسن المعاملة، فكُتب التراث الإسلامي بهذا الخصوص تتميَّز بأسلوب تربوي مباشر، يقوم على الإصلاح من خلال تتبُّع المنهج وتفعيل القُدوة والاحتذاء، ومن تلك الكتب المنسيَّة: "الجامع"؛ للخطيب البغدادي، و"أخلاق العلماء" للآجُرِّي، و"تعليم المتعلِّم طرق التعلُّم"؛ للزرنوجي، و"آداب الطلب"؛ للشوكاني، و"الرسالة المفصلة لأحكام المتعلمين"؛ للقابسي، و"تذكرة السامع والمتكلم"؛ لابن جماعة، وغيرها من الكتب القديمة وحتى المعاصرة التي عُنِيَت بهذا الموضوع.

 

إنَّ هذا التراث الكبير كما يعمل على تدريب المعلِّم والمتعلِّم على كثيرٍ من الآداب والمهارات، فإنه يعزِّز فيهم "عاطفة دينيَّة عامَّة تسمَّى الضمير الديني أو الوازع الديني الذي يكون بمثابة الرقيب الذاتي والداخلي، والذي يَستفتيه المسلم فيما يستجدُّ من أمورٍ وقضايا، وعندما يتكوَّن لَدَى المسلم هذا الوازع، فإنه لا يحتاج إلى رقيبٍ خارجي يأمُره بالمعروف، وينهاه عن المنكر"[4]، ولا أهضِمُ حقَّ بعض المعلمين في إدراكهم لهذا التراث وتأدُّبهم بآدابه، وتطبيقه واقعًا بناءً على ثقافتهم وتجربتهم الخاصة، وليس على الدراسة الأكاديميَّة التي حَرَمت الكثيرين منه، وتوسَّعت في دراسة التنظيرات الغربيَّة المعاصرة، والتي يقوم بعضها للأسف على فلسفات إلحادية مادية[5].

 

ونحن لا نشكُّ أنَّ لَدى تعليمنا سياسة عُليا تحتوي على كلمات برَّاقة من القِيَم والأخلاقيَّات، ولكنَّه في مجال الآليَّات والتطبيق التربوي لا يصدر عن قِيَمه، ولا عن تجارب الميدان التربوي التي حَرِيٌّ به أن يَرقبَها، ثم يفخر بها ويُعلي شأنها؛ بل سعى إلى وضْع الأقفال على العقل الميداني، وجعَله مستقبِلاً يبثُّ فيه ما يتلقَّفه من المدارس الغربيَّة من طرائق وأساليب، ومن هنا فإنَّ بعض برامجنا التربوية والتطبيقيَّة والنشاطيَّة؛ إمَّا منسوخ، أو ممسوخ عن تطبيقات ونشاطات أُممٍ أخرى، فهو إمَّا منسوخ بعينه، أو ممسوخ إلى صورة أقبحَ من الأصل؛ كما في التقويم المستمر، ويسمُّونها عمليَّة تهذيب؛ حتى يتناسب مع بيئتنا حسب ما يزعمون!

 

"ومن المآسي التي تُحيِّر العقل وتَجرح القلب أن تظل الأقطار الإسلاميَّة وحْدها في فوْضى وتعارُض، وغموض والتباس بين الحقائق التي تؤمِن بها، وبين نظام التربية الذي تطبِّقه، ولا تفكر في التوفيق بين الإيمان بهذه الحقائق، وبين التربية التي تُنفق عليها أكبرَ جزءٍ من إمكانيَّاتها، وكانت حَرِيَّةً أن تكون أبعدَ الناس عن الخطة التي تعيش فيها مُتطفلة على موائد الأُمم الأجنبيَّة، وكانت حَرِيَّةً أن تزيلَ جميع العَقبات في سبيل الوئام والتعاون بين العلم والدين"[6].

 

وحتى لا يكون كلامي إنشائيًّا، فلا بد من ذكر بعض الأمثلة من مشهدنا التعليمي، وإن تحدَّثنا عن نقلنا لـ"التقويم المستمر"، فثَمَّة أمثلة كثيرة للتقليد في تصميم الدروس والأنشطة الطلابيَّة، والإرشاد الطلابي، ووسائل التعليم نُقِلَت كما هي مع عدم تجانُسها مع قِيَمنا وواقعنا التربوي، ومن أمثلة ذلك "النظرية السلوكية" التي جَثَمت على تعليمنا ودراستنا التربوية الأكاديمية عقودًا من الزمن، وتُعَدُّ عند بعض التربويين نظرية قامَت على دراسة علمية - على الكلاب والقطط طبعًا - فهي لأجْل ذلك مسلمة لا شكَّ فيها، وتسليمنا بنفْعها في التعليم عائدٌ إلى أزمتنا النفسيَّة التي أشرْنا إليها، فما يكون عند الغرب نظرية ذات أخْذٍ ورَدٍّ، يتلقَّفها الناقلون هنا على أنها حقائق علميَّة يجب تدريسها لمعلِّمي المستقبل، ويجب أن تُحَضَّر الدروس بناءً على قواعدها، وتلك النظرية لا تخلو من سقطات كبيرة، وهي تصدر في فَهْمها للإنسان وسلوكه عن قواعد فسيولوجيَّة حيوانيَّة، وتُبرمج سلوكه الظاهري كما لو أنه آلة ماديَّة[7].

 

ومن ذلك التقليد الأعمى ما يسمى بـ"قائمة المشكلات في عمل المرشد الطلابي"، وهي قائمة مبنيَّة على "إحصاء إمبريقي"، تحتوي على أكثر من مائة سؤال يُجيب عنها كلُّ طالب في المدرسة، فلو كان لَدَيك خمسمائة طالب، فأنت ستعالج خمسين ألف سؤال، يأخذ المرشد إن عالَجَها على وجْهها الصحيح شهرًا كاملاً؛ مما يؤدي به إلى الانقطاع عن عمله الحقيقي، وغضّ طرْفه عن المشكلات الحقيقيَّة التي تظهر إلى السطح بكلِّ تلقائيَّة[8].

 

ومن التقليد كذلك برامج الاحتفاء بالأيام العالمية التي لا تقدِّم شيئًا مفيدًا للمجتمع الطلابي؛ بل تدلُّ على بُعْد الواضعين عن تفهُّم ذلك المجتمع البسيط الذي يحتاج إلى أساسيَّات التربية، لا إلى إغراقه بأشياء خارج اهتماماته وحاجاته، ويتمُّ تطبيق تلك الأيام كبرامج عملٍ من خلال النشاط الطلابي، وغاية غرَضها لا يتجاوز أن يكون ذلك النشاط مجرَّد دعاية لتلك البرامج والأيام، ثم يكون مصير ما أنفقَ فيها بسرفٍ - من أوراق ومطويَّات - سِلالَ المهملات فيما بعدُ.

 

وثَمَّة قضايا أُخَر، مثل: تبنِّي حقوق الطفل وَفْق النظام العالمي الذي أقرَّتْه المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، وفيه عدد من الأخطاء المخالفة لقِيَمنا، منها: تحديد عُمر الطفل بثمانية عشر عامًا، والغبار الذي يُثار الآن عن الاختلاط في التعليم الابتدائي، وكذلك محاولة تقرير الرياضة والكشَّافة على قطاع تعليم البنات، كلُّ هذه الأمثلة تدخل تحت آفة التبعيَّة والتقليد الأعمى.

 

وأرى أنَّ في بيان كلِّ ما سبَق اكتفاءً لكلِّ عاقل مَعْنِي بالأمر، وسيتهافَت لَدَيه ذلك السؤال السخيف: "وما العلة في النقل والتقليد لِمَن سبقونا بالعلم والمعرفة؟"، فواقع حالنا يُجيب عنه بأنَّ النقل المتخفِّي تحت ستار "العلوم الإنسانية" ما هو إلاَّ تعطيل لعقول الكوادر التربويَّة في بلادنا، ويَلحق به ما لَم نفصل فيه، وهو تمرير أفكار ومُخَطَّطات تتعارَض مع قِيَمنا.

 

وقد يكون في بعض النقْل شيءٌ من النفْع، إذا كان في قضايا جزئية لتجارب ميدانيَّة مُتيقَّن أن بيئتنا بحاجة إليها بضوابطها، شريطة ألاَّ نجعلَ ذلك طاغيًا ولا حاكمًا على مخزوننا العقلي وتجربتنا الحقيقية، ويُضاف إلى ذلك أنَّ النقل لا يكون صحيحًا في حال إلغاء العقل، وتغييب أنفسنا عن حالة الوعي بواقعنا وتطلُّعاتنا، وفي حالة عدم معرفة واقع المنقول عنه أو تجاهُلنا به.

 

ومن هنا نقول: إنَّ تلك العمليات الكبرى التي تَمَّ فيها نقلُ النظريات والفلسفات والتطبيقات، قد أضرَّت بالبيئة التعليميَّة في بلادنا، وهي ليستْ من التطوير في شيءٍ، وإذا أردْنا أن نقرِّب للقارئ صورتها، فإنها تُشبه عملية التقليد التي قام بها ذلك الغراب الراغب في التطوير عبر وسيلة التقليد الأعمى؛ حيث زعموا أنَّ غرابًا أعجبتْه مشية (القطا)، فأخَذ زمنًا وهو يحاول تقليدها، وبعد أن تبيَّنَ له أنه لَم يُحسنها بعد طول التجربة، أراد أن يعودَ إلى مِشْيته الأولى، فوجَد أنه قد نسيها، فأصبَح بلا هُويَّة تميِّزه في المشية، فلا هو بالغراب ولا هو بالقطا، وأنشَد أحدُهم في ذلك:

إِنَّ الغُرَابَ وَكَانَ يَمْشِي مِشْيَةً
فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الأَجْيَالِ
غَبَطَ القَطَاةَ وَرَامَ يَمْشِي مَشْيَهَا
فَأَصَابَهُ ضَرْبٌ مِنَ العُقَّالِ
فَأَضَلَّ مِشْيَتَهُ وَأَخْطَأَ مَشْيَهَا
فَلِذَاكَ سَمَّوْهُ أَبَا الْمِرْقَالِ

 

أليس هذا هو تعليمنا في إسرافه في النقْل من غيره من الأُمم، مع إلغاء عقله وتفكيره؟ ألَم تَكثُر عثراتُه الواقعيَّة بسبب ذلك؟

 

وما زال ثَمَّة بقيَّة


[1] ضعَّفه الألباني بقوله: ضعيف جدًّا؛ انظر: حديث رقْم 4301 في ضعيف الجامع.

[2] رواه البخاري، ومسلم.

[3] مقدمة ابن خلدون، 73.

[4] التربية الإسلامية وطرق تدريسها؛ إبراهيم الشافعي، ص 62.

[5] تعود معظم النظريَّات التربوية الحديثة إلى "الفلسفة المادية" في فَهْم الحياة والكون، وهذا مكْمَنُ إشكالها وفسادها، حتى في العالم الغربي، وهناك مراجعات مستمرة في المدارس الغربية لِمَا أفضَتْ إليه تلك النظريات واقعيًّا من فساد الطلاب في المدارس، وتَنْشِئتهم على الجرائم وسوء الأخلاق.

[6] المدارس العالمية؛ بكر بن عبدالله أبو زيد، ص 51.

[7] كتبتُ عن حقيقتها في مقالة بعنوان: "النظرية السلوكية.. فساد التصور وفشل التطبيق"، نشرت في مقالات صحيفة الجزيرة عدد: 13070 بتاريخ 8 / 7 / 1429 هـ.

[8] نقدتُ تلك العملية الإحصائية في مقالة بعنوان: "مرشد طلابي أم موظف إحصاء.. نظرة تأمُّل في قائمة المشكلات"، نشرت في صحيفة الجزيرة العدد: 12128 بتاريخ: 10 / 11 / 1426، وقد لاقَتْ حينها قبولاً كبيرًا لَدَى كثيرٍ من المرشدين الطلاَّبيين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (1)
  • الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (2)
  • الإنجليزية وفلسفة المشهد التعليمي (4)

مختارات من الشبكة

  • فوائد استخدام المنصات الإلكترونية في تعليم اللغة الإنجليزية بوصفها لغة ثانية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أهمية الدافعية في تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الفلبين: اختتام برنامج تعليم اللغة الإنجليزية للطلاب المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أسباب ضعف الطلبة في مادة اللغة الإنجليزية لمرحلة ما بعد التعليم الأساسي (PDF)(كتاب - مجتمع وإصلاح)
  • يوم المسجد المفتوح بمدينة هارتلبول الإنجليزية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الإنجليزية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مسجد يتوسع في خدماته الاجتماعية بمدينة بانبري الإنجليزية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • منهج اللغة الإنجليزية للمبتدئين (2) كتاب التمارين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منهج اللغة الإنجليزية للمبتدئين – 2 (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منهج اللغة الإنجليزية للمبتدئين – 1 – كتاب التمارين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- مفيد
محمد علي - مصر 17-01-2013 09:02 PM

مقال رائع، و أنتظر أن تنشر شبكة "الألوكة" مقالات و أخبار عن "مالي".

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب