• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية الخاصة
علامة باركود

البدايات التاريخية لتعليم المكفوفين في المملكة

أ. د. محمد بن سعد بن حسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/4/2011 ميلادي - 17/5/1432 هجري

الزيارات: 11606

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وزارة المعارف

الأمانة العامة للتربية الخاصة

المكتبة المركزية الناطقة بالرياض

 

لقاء فكري وثقافي

عقدت في مبنى المكتبة المركزية الناطقة

بالرياض في 1414هـ

تحدث فيها: الدكتور/ محمد بن سعد بن حسين

• الأستاذ: عبد الرحمن الخلف

يسعدنا أن نرحب بكم في إطار البرنامج الثقافي للمكتبة الناطقة لهذا العام، والذي سوف يتحدث إليكم في هذا اللقاء هو سعادة الأستاذ الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) مرة أخرى[1]، غير أن حديثه اليوم يختلف عن أحاديثه الأخرى المتعلقة بذكريات البدايات التاريخية لتعليم المكفوفين في المملكة، وقد فضل أن يعنون هذا اللقاء بـ (لقاء فكري وثقافي)، وهو في هذا الجانب معروف بغزارة فكرة وسعة ثقافته في الجوانب الأدبية والشعرية.

 

ونترك له الحديث ليختار ما تسعفه به ذاكرته من معلومات نرجو أن نستفيد منها جميعًا، ونترك مكبر الصوت بيده الآن.

 

• الأستاذ الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين وجعلنا منهم.. آمين.

 

الواقع أن الابن العزيز الشيخ (عبد الرحمن) لم يطلب مني هذا الأمر إلا منذ ليلة أو ليلتين، وكنت في شأن لا أستطيع بموجب ضرورته أن أتجه إلى غيره، لكني لا أستطيع أيضًا رفض طلب أحد أبنائي الذين أعتز بهم، ولذا قلت له سيكون الحديث عامًا، وهذا يعني أن مثير الحديث سيكون مما يوجه منكم من أسئلة، لكن ليس لنا بد في البداية من أن نتحدث عن أشياء قد تثير بعضًا من الفكر، التي تملي بعض الأسئلة ودائمًا السؤال هو الذي يأتي بالجواب، وكثيرًا ما وجدت من طول ممارستي ومعايشتي التدريس، أن السؤال يُذكر بأشياء كثيرة جدًا، وكلما كان الطلبة أكثر إلحاحًا في الأسئلة، كانت الفائدة أكبر، وأنا اليوم معكم زملاء لا طلاب، لذا فمن المتوقع أن تكون الأسئلة معجزة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعين على الجواب.

 

نود أن نتحدث عن نقطة هامة في البداية، وهي أن بعض الباحثين المتحدثين، يتحدثون حينًا فيقولون: (ثقافة المكفوفين).

 

ولست أدري ما الذي تعنيه هذه الكلمة عند أولئك الذين يقولون (ثقافة المكفوفين) لم أجد الكفيف في أي فترة من فترات التاريخ، كانت له ثقافة خاصة، فمنذ تاريخ المكفوفين القديم وهم يبرز منهم المحدثون والفقهاء والأدباء والبلغاء والنحاة والأطباء أيضًا، وكذلك في مجال الرياضيات، ولعلكم تعرفون أن علم الفرائض من الجوانب الرياضية العصية، ومع ذلك كان المكفوفون فيه أكثر براعة، وأقرب مثال على ذلك هو سماحة الشيخ (عبد العزيز بن باز)، ومن قبله علماء آخرون كثير كالشيخ (ابن حميد) والشيخ (العنقري) والشيخ (محمد بن إبراهيم) - رحمهم الله -، وكثيرون جدًا أيام العباسيين وما بعد العباسيين، كانوا من المجلين في علم الفرائض، وهو من الأبواب الرياضية لأنه يقوم على علم الحساب.

 

ووجد منهم في العالم الغربي أيضاً، رجال كانوا مثالًا في الرياضيات والطبيعيات أيضًا، ومنهم أساتذة برزوا في تعليم الرياضيات ببعض الجامعات مثل جامعات ألمانيا والهند.

 

إذن الكفيف لم تكن له ثقافة خاصة به، وإنما هو كسائر العلماء والمفكرين والمثقفين، ثقافته مستمدة من تراث أمتنا العربية والإسلامية لغة وأدبًا وكل ما تعنيه كلمة التراث، ابتداء مما هو أجل من التراث وأسمى وهو القرآن الكريم، لأني لا أرتاح إلى الذين يقولون عن القرآن الكريم أنه من التراث فهذا ليس بصحيح، إذ أن القرآن شيء أجل، ولذلك قال الدكتور (طه حسين) في (الأيام): "جميع الأمم لها أدب نثري وأدب شعري، وأما الأمة الإسلامية فلأدبها ثلاثة أركان، القرآن الكريم وهو أجلها وأسماها، ثم بعد ذلك الشعر والنثر"؛ إذن القرآن الكريم الذي هو الزاد الأول للمسلم ثم سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ثم تراث هذه الأمة.

 

وكل هذه الميادين بلغ فيها المكفوفون شأنًا ربما سبقوا فيه كثيرًا من المبصرين، وإن أغضبنا بعضًا من إخواننا المبصرين غير أن الحقيقة أولى بالقول.

 

وقد يجوز لنا أن نقول (ثقافة الطفل) لكن أن نقول (ثقافة المكفوف) لا، المكفوف ليس له ثقافة خاصة، بل إن الكفيف في عصرنا هذا أضاف إلى مصادر الثقافة عنده طريقه (برايل) والكتاب المسموع، وإن كان المبصرون يشاركون المكفوفين في قضية التسجيلات الصوتية أحيانًا.

 

إذن فمصادر الثقافة عند الكفيف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم تراث الأمة من أبعد أيامها التاريخية إلى يومنا هذا، ثم ما أتى به العصر الحديث من مستجدات، فالكفيف يستفيد من هذه الأشياء التي جدت في هذا العصر عند الأمم الأخرى، يستفيد منها بالقراءة وبالسماع، وبوسائل مختلفة منها المجالس التي يسمع فيها ما يسمع والإذاعة وطريقة (برايل)، وعن طريق قراءة المبصرين عليه وهكذا.

 

أما المعوقون الآخرون كالصم والبكم مثلًا فلهم أساليب تثقيف أخرى غير الوسائل الشائعة التي يستطيع المبصر أو الكفيف أن يتثقف عن طريقها، وإن كانت مصادر الثقافة لديهم لا تبعد كثيرًا عن المصادر العامة للمبصرين والمكفوفين.

 

إذن فنحن نرفض كلمة ثقافة المكفوفين رفضًا كاملًا لأن الحقيقة والواقع يرفض هذا أيضًا.

 

لقد كنت أتحدث في العام عن بداية تعليم المكفوفين في المملكة، وأثار هذا الحديث أسئلة من الحاضرين ومنهم من طلب مني أن أكتب كتاباً في هذا المجال وبدأت أكتب، ولكن الأبناء النجباء يسابقون أساتذتهم أحيانَا، فلما علم ابني الشيخ (عبد الرحمن) سبقني وأخرج كتاباً في هذا، فقلت حسناً فإنتاج ابني إنتاج لي، ثم نظرت فيه فوجدته سلك طريقًا مختلفًا إلى حد ما عما كتبت، إذ سلك طريقًا آخر يريد أن يقطع الطريق عليّ، فأشرت عليه بالاستمرار فيه، وشجعته، وقلت له أن الأفضل في هذا الطريق الذي أوقفت جهودك عليه، أن تكوّن معجمًا للمكفوفين من أقدم تاريخهم في الإسلام والعربية إلى يومنا هذا، وقد أنجز كثيرًا من هذا المعجم، وأنا يقيني إذا ضم هذا المعجم إلى الكتاب الذي أصدره سيكون في ذلك جلاء لجوانب كثيرة من حياة المكفوفين، وسيقدم للمكفوفين خدمة جيدة، وكذلك للمبصرين الذي يريدون أن يعرفوا أحوال المكفوفين أو الذين يجهلون أحوال المكفوفين.

 

صحيح أن هناك بعضاً من المؤلفات التي صدرت مثل كتاب: (نكت الهيمان في نكت العميان) (للصفدي)، وكتاب: (في عالم المكفوفين) (للشرباصي)، ولكنها أقل من الخطة التي رسمها الابن (عبد الرحمن) لمعجمه الذي نريد أن نراه إن شاء الله قريبًا.

 

تاريخ علماء المكفوفين وشعرائهم وأدبائهم مليء بالفكاهات والنوادر، وهو موجود في كثير من الكتب ويعرفه كثير من الباحثين.

 

وأعود وأقول أن طريقة الحروف البارزة ، كان قد فكر فيها رجل مسيحي قبل البعثة النبوية بقرون، وكان يدرب الطلبة المكفوفين على حروف يصنعها من الخشب، ثم جاء (الآمدي) وهو كفيف، فابتكر طريقة تتمثل في قصاصة من الورق يلفها على قدر الحرف الذي يريد، ليصنع بهذه الحروف سعر الكتاب واسمه، ويلصقها في داخل غلاف الكتاب، لأنه كان يتاجر في الكتب، فإذا أراد أن يعرف ثمن الكتاب مس هذه الحروف البارزة وعرف كم الثمن.

 

فهذه كانت بدايات التفكير في كتابات للمكفوفين، أي أن العرب أيضًا قد أسهموا في فتح الباب، ربما لم يطلع الآخرون على هذه الإسهامات، وربما اطلعوا عليها وسكتوا عنها، كما سكتوا عن أشياء كثيرة أخذوها عن العرب، وأنتم تعلمون أن الغربيين قد بنوا ثقافتهم المعاصرة على أسس من ثقافة العرب، فعلم الاجتماع مثلاً الذي ادعاه أحد الغربيين، عندما توفي ذلك العالم الغربي وجدوا في مكتبته مقدمة ابن خلدون وعليها تعليقات قبل أن يصدر كتابه الذي ادعى فيه أنه مبتكر علم الاجتماع بسبع سنوات، إذن هو أخذ عن ابن خلدون.

 

ابن الهيثم وغيره كثير من علماء العرب، حاول الكثيرون غمط حقهم وستروا البدايات التي كانت عندهم، وكذلك حتى العلوم المطورة غمطوها، فما بالك بالبدايات أمثال ما فعل الآمدي.

 

ولا ننكر أن هناك بعض المنصفين مثل (جورج سارطون) في كتابه (تاريخ العلوم)، غير أن هذا نادر فيهم، فقليل منهم من أنصف العرب، والحقيقة التي لا تخفى عن الكثير أن العرب سبقوا إلى أشياء كثيرة جدًا أكثرنا لا يعرف عنها شيئاً.

 

بقي علينا أن ننظر في واقع الكفيف وموقفه من المجتمع وموقف المجتمع منه، فلا يزال موقف المجتمع يشوبه شيء من الإحساس بعجز الكفيف عن القيام بكثير من الأعمال، تحس أحياناً نغمة الشفقة والرأفة على بعض المكفوفين، ويمتعض منها الكفيف وينفر ويتألم، لكن أقول أن عليه ألا يمتعض من هذه الأشياء، لأنها صدرت من هؤلاء عن سلامة نية وحسن ظن.

 

أما موقف الكفيف من المجتمع فعليه أن يفرض نفسه عن طريق الإسهام في المجالات التي يستطيعها، وهي رحبة في الوقت الحاضر وأهمها - وهو أهم عامل في رقي المجتمعات - التعليم، وقد نجح المكفوفون والحمد لله في ذلك نجاحاً باهراً، ولسنا في حاجة إلى شواهد تسند هذا الرأي.

 

• الأستاذ: عبد العزيز السريبي

نشكر الدكتور (محمد) على هذه المحاضرة، والآن نفتح النقاش لمن أراد أن يسأل أو يعلق:

• الدكتور: ناصر الموسى

إن المكفوفين فئة غير متجانسة فيهم الذكي وفيهم غير ذلك، فيهم البدين وفيهم النحيف إلى آخره.

 

ولدي بعض الاستفسارات سأطرح الاستفسار الأول ثم أترك الفرصة للآخرين.

 

بودي أن أعرف من سعادة المحاضر ما إذا كان قد خصص شيئًا من أدبه شعره ونثره لخدمة قضايا الفئات الخاصة وبالذات المعوقين بصريًا، وأعني بذلك بعض القضايا الاجتماعية والتربوية والنفسية، وليس هذا رجاء مني أن يكون قد خصص شيئًا من هذا حيث إنني أعرف أن للأديب دورًا يرسمه هو، ولكن إذا كان قد فعل ذلك فيا حبذا لو يلقي على ذلك شيئاً من الضوء.

 

• الدكتور : محمد بن سعد بن حسين

أولًا؛ أنا لا أنكر أن قدرات المكفوفين متفاوتة، لكن ألم تتفاوت قدرات المبصرين أيضاً؟ التفاوت موجود هنا وهناك، ولقلة المكفوفين في المجتمع فنسبتهم في المجتمع أقل من نسبة المبصرين، ولذلك تبيُّن التفاوت فيهم أكثر، هذه ناحية.

 

الناحية الأخرى؛ أن بعض المكفوفين لم تتح لهم فرص استثمار ما لديهم من قدرات، والمسؤولية في هذا تقع على المجتمع لا عليهم، فالمجتمع هو الذي يجب أن يتيح الفرصة لهم، ثم ينظر بعد ذلك: هل أثمرت الجهود في توجيه المكفوفين وإبراز مواهبهم؟ فبعد أن تتاح لهم الفرصة في المجالات التي تتفق مع قدراتهم يحكم عليها بالفشل أو النجاح، أمّا الحكم على الكفيف بالفشل دون أن تتاح له الفرصة في تعليم أو تدريب مناسب يقيني أن في هذا كثير من الإجحاف.

 

أما بالنسبة لقضية إسهامي، فقد خطر بذهني عندما دعاني الأستاذ (عبد الرحمن) أن أحضر بعض النماذج، وكنت سآتي ببعض القصائد التي نظمتها في قضايا المكفوفين، ولكني شغلت عن البحث عنها، ويؤسفني وأنا لا أذيع سرًا ولا أفخر بشيء غير موجود، ولكنها نعمة الله ، أكوام عندي من الأضابير[2]، ولو بحثت فيها في اليومين اللذين أعطانيها الأستاذ (عبد الرحمن) ما أمكنني الإتيان بمثل هذه الأشياء ، ومنها قصيدة كنا ألقيناها في معهد المكفوفين من سنوات.

 

وهناك كتاب في طريقه إلى الصدور، وهو الذي قلت لكم أن ابني الطيب (عبد الرحمن) قد نافسني فيه، مما جعلني أتأخر في إصداره انتظاراً لصدور كتاب الأستاذ (عبد الرحمن) (تعليم المكفوفين في العالم العربي - نشأة الخط البارز)، فلما صدر هذا الكتاب وجدت أن كتابي يمكن أن يضيف شيئاً فعزمت على إصداره، وأرجو أن يأخذ طريقه إلى المطبعة قريبًا إن شاء الله[3].

 

وخدمة مجال المكفوفين متصلة الحلقات، وقد تعرضت لكثير منها في الصحف والمجلات، وهو شيء مما يجب وليس كل ما يجب.

 

هناك مجموعة جيدة من القصائد التي نظمت في المكفوفين أو نظمها المكفوفون يصورون فيها واقعهم، منها قصائد نظمها (علي الجارم) و(حافظ إبراهيم) و(شوقي) و(أحمد الزين) وهو من المكفوفين، وغيرهم كثير، هؤلاء الشعراء في قصائدهم وصفوا المكفوفين بأوصاف طيبة جداً، والذي يرجع إلى النماذج التي أوردها الدكتور (أحمد الشرباصي) في كتابه (في عالم المكفوفين) يجد فيه الكثير من هذه النماذج.

 

إلا أن الأدب المعاصر لم يعط الكفيف حقه، ولكن أريد أن أسأل ما الواجب الذي ننتظره من الأدب بالنسبة للكفيف؟ إن كان المقصود بإسهام الأدب هو إثارة الشعور العام من أجل إغداق العطف على المكفوفين فأنا أرفض هذا، إذ أن كرامة الكفيف أسمى من أن نستدر لها عيون الناس، خصوصًا أن مجالات العمل ومجالات التحرك للإنتاج في الحياة أصبحت رحبة والحمد لله، أما العاجز وغير القادر من المكفوفين فهذا شأنه شأن العاجزين الآخرين من المبصرين، فإذا خدمت قضية غير القادرين من المكفوفين، فذلك في إطار خدمة غير القادرين في المجتمع بوجه عام.

 

أما تصوير كفاءات المكفوفين وقدراتهم وتصوير ما وصلوا إليه من نجاح في المجالات الفكرية بخاصة، فهذا النوع من الأدب لا ننكر أن فيه تقصيرًا فعلًا، ومهما كثرت القصائد التي نظمت في هذا المجال فهي قليلة، والمفروض أن تبرز أعمال المكفوفين وجهودهم أكثر، لا لأن هؤلاء من المكفوفين، ولكن إسهامًا في تشجيع المكفوفين، ومن ثم إسهامًا في إقناع المجتمع بأن هؤلاء أعضاء عاملين في المجتمع، وليسوا بعالة عليه.

 

• الأستاذ : عبد الرحمن الخلف

أنتهز الفرصة وأرحب بالشيخ (إبراهيم الناصر) أحد الأشخاص المبصرين الذين بدءوا مسيرة تعليم المكفوفين في المملكة، ولو أنه قد اختار طريقاً آخر بعد أن بدأ مع زملاءه هذا الطريق، فنرحب بوجوده بيننا وجزى الله الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) خيراً الذي دعاه إلى هذه الندوة.

كما نرجو أن يكون الشيخ (إبراهيم الناصر) على صلة بهذا الميدان حيث أخبرني بأن لديه بعض الوريقات لا يزال يحتفظ بها، وقد وعدني بأن يبحث عنها ويحضرها لي، وهي تتعلق ببداية تعليم المكفوفين في المملكة، وتشتمل على بعض الأسماء من المكفوفين الذين يمثلون الرعيل الأول، ممن تعلم في المدرسة الخاصة قبل تبني وزارة المعارف لهذا النوع من التعليم.

 

• الدكتور: محمد بن سعد

وجود الشيخ (إبراهيم الناصر) بيننا بعد أكثر من (38) سنة يسعدنا، ولنا معه وقفة عتاب حيث انقطع عن تعليم المكفوفين خلال هذه المدة، وهو من الذين لهم فضل يذكر فيشكر له لدى بداية الجهود الفردية، فهو من الثلاثة الذين قاموا بالتعليم في البداية وهو بالإضافة إليه محدثكم والشيخ (عبد الله الغانم).

 

الشيخ (إبراهيم الناصر) كان يقوم بدور المراقب والمنظم والمسجل لأسماء الطلبة، وكان خير معين لنا في جميع ما تحتاجه المدرسة في هذه المرحلة، وكان دورنا نحن الثلاثة، دور معلمين في هذه المدرسة ومؤسسين لها، ومن ثم تولى هؤلاء الثلاثة بالإضافة إلى من جاء بعدهم نشر (برايل) بالمملكة، أما الثلاثة الذين هم محدثكم و(محمد المفدى) والشيخ (علي السويد) فهو دور المتلقي والمتعلم لطريقة (برايل) على يد (أحمد باحسين).

 

• الشيخ : إبراهيم الناصر[4]

في بداية كلمتي أقول (لا عطر بعد عروس)، أشكر كل من دعاني لحضور هذه الندوة، سواء أكان الداعي الأخ (عبد الرحمن الخلف) أو الأستاذ الدكتور (محمد بن سعد بن حسين)، وكلاهما قد جرني لهذه الندوة جرا بعد غياب زاد على (40) سنة عن أشخاص لا أزال أكن لهم صادق الود، وأعظم مشاعر الحب والاحترام.

 

وها أنا في هذه الندوة بينكم لأتحدث عن ذكريات ومعلومات أرجو أن أستعيدها، على الرغم من تقادم الأيام وتراكم الأعباء والمشاغل التي ربما أنستني الكثير، ولا أخفيكم أنهم بدعوتهم لي (قد استسمنوا ذا ورم).

 

فيما يتعلق بالتأسيس وما يقول عنه الأخوان بأنني شاركت وساهمت، فسوف أدلي بمعلومات لا تسد حاجة باحث، ولا تشفي غليل متعطش للمعرفة، غير أني نزولاً عند طلبكم سوف أدلي بهذه المعلومات على الرغم من ضحالتها.

 

كل ما في الأمر أن إدارة هذه المدرسة كانت تحتاج إلى مبصر لينظم لها سجلات الحضور والغياب، وصرف المكافآت، وكنت أقوم بهذه المهمات.

 

كنت إذا صح التعبير العين الباصرة لهم، غير أنهم ذو بصائر قد تكون أقوى مني في سبر أغوار العلم والمعلومات، فكنت أيضاً أرافقهم عندما يريدون أن يتنقلوا بين جدران هذه المدرسة.

 

ولأسباب خاصة بي تركت هذا الميدان عام (1378)، وانشغلت بمجالات أخرى استأثرت بوقتي كله.

 

وأعترف للمكفوفين بالفضل حيث أن أول شيخ لي كان كفيفاً، وهو الشيخ (عبد الرحمن بن فارس)[5]، أدرس عليه علم اللغة العربية، وعلم الفرائض، واستفدت منه كثيرًا.

 

كما درست على علماء أجلاء من المكفوفين من بينهم: الشيخ (محمد بن إبراهيم)، وشيخ الجميع - حفظه الله - الشيخ (عبد العزيز بن باز)، والشيخ (عبد الله بن حميد) - رحمه الله -، درسنا عليهم في المساجد، وفي مجالسهم التي كانت تعمر بالعلم النافع.

 

وعند تحضيري للماجستير في معهد القضاء العالي؛ درست على الشيخ (ابن حميد) - رحمه الله - دروسًا في أساليب القضاء، وكانت له صولات وجولات، وتعليم وتهذيب.

 

ولا أنسى فضل الشيخ (صالح الناصر)[6]، وهو معروف بفقهه وعلمه لدى الجميع.

 

• الأستاذ: عبد الرحمن الخلف

إن المكفوفين في هذا العصر هم أوفر حظًا من المكفوفين في أي عصر، فالكفيف الآن في هذا العصر - والحمد لله - قد وُفِّرت له الوسائل، ومهدت له السبل، فالدولة تسنده وتشجعه، وتمنحه مكافآت سخية في جميع مراحل التعليم، يستعين بها - بعد الله - على شق طريقه في الحياة، ومثل هذا الدعم المالي والمعنوي قد لا يتوفر لكثير من المكفوفين في كثير من الدول في هذا الوقت.

 

ومن أبرز الأعمال التي وفرتها الدولة له هي تلك المكافأة التي تمنح له في المرحلة الجامعية المسماة بـ: (بدل قارئ)، فما على الكفيف إلا أن يقرأ، ويتثقف، ويتعلم بإيجاد قارئ يدفع له من هذه المكافأة السخية التي ربما تزيد عن (4) آلاف ريال شهرياً.

 

كما أن هناك مكتبات صوتية تنتشر في المعاهد والجامعات، وحتى في السيارات، فإذا كان المكفوفون يريدون أن يوسعوا ثقافتهم فالمجالات المفتوحة لهم الآن هي من الرحابة بمكان.

 

ولكن يؤسفني جدًا - وأقولها بكل مرارة وألم - إنَّ المكفوفين في هذا العصر يساهمون إلى حد كبير في قبر أنفسهم في طرق مظلمة، ويكادون يختفون عن الأنظار.

 

يا ليت مكفوفي هذا العصر ينظرون إلى المكفوفين الذين هم خريجو تربية مدرسة الشيخ (محمد بن إبراهيم) - رحمه الله -، ومدرسة الشيخ (عبد العزيز بن باز)، والذين من ثمرات مدارسهم الدكتور (محمد بن سعد بن حسين)، والدكتور (محمد المفدى)، ولا أهضم الدكتور (ناصر الموسى) حقه لأنه من أبناء معاهد النور، فقد وصل - والحمد لله - إلى مرتبة نعتز بها جميعًا، غير أنني أريد أن أرى نماذج أخرى مثل الدكتور (ناصر الموسى) من أبناء معاهد النور.

 

الوسائل الآن والطرق مهيئة، ولكن أين المكفوفون؟ وأين إقبالهم على هذه الدور؛ دور العلم والثقافة؟!


• الأستاذ: محمد هاشم

درسنا في (برج النور) بالقاهرة - وهو المركز الذي تقام فيه دورات في تربية وتوجيه المكفوفين للمبعوثين العرب، وتشرف عليه الجامعة العربية - مادةً اسمها: (علم النفس للمكفوفين)، وكأن لهم علم نفس خاص بهم، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث وتعمق؛ إذ أنه ومن خلال رأيي الشخصي - وربما البعض منكم يوافقني في هذا - ليس هناك علم نفس خاص بهذه الفئة، كما ذكر الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) أنه ليس هناك ثقافة للمكفوفين يختصون بها عن الثقافة التي ينهل منها أفراد المجتمع، وأرجو ألا يكون هذا المسمى: (علم نفس المكفوفين) موجودًا في قسم (التربية الخاصة) في كلية التربية جامعة الملك سعود.

 

النقطة الأخرى التي أريد أن أؤكد عليها - وقد تعرض لها الأستاذ (عبد الرحمن الخلف) في تعليقه - حول عدم التنسيق في مجال خدمات الكتاب الناطق، فهناك مكتبة ناطقة في وزارة المعارف، وهناك مكاتب ناطقة في المكتب الإقليمي، وجامعة الملك سعود، وجهات أخرى، وكل هذا يحتاج إلى تنسيق لعدم الازدواجية في تقديم الخدمة للكتاب الناطق.

 

• الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

تعدد الجهات التي تخدم قضايا المكفوفين التربوية والثقافية هي ظاهرة صحية، وكل ما نحتاجه هو الإخلاص والتفاني في تقديم هذه الخدمة؛ إذ أنه بدون الإخلاص والرغبة الأكيدة في خدمة المكفوفين لا يمكن أن تثمر الجهود بشكل جيد.

 

تعدد الجهات يؤدي إلى التنافس المحمود، فهذا التعدد ليس بعقبة، وإنما العقبة تتمثل في عدم الإخلاص، والتسلق على رقاب هؤلاء المعوقين للوصول إلى أهداف معينة، سواء كانت مادية أو معنوية.

 

هناك أسئلة نطرحها أمام المسؤولين عن المعوقين، ولا نريد منهم الإجابة عليها: هل أخلصتم في أعمالكم؟ هل سلمت نياتكم؟ هل تلمستم حاجات المعوقين؟ هل سلكتم أقصر الطرق المؤدية إلى خدمتهم؟

 

• الأستاذ: عبد الله التركي[7]

أفتخر بأنني أحد طلاب الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) وغيره من المكفوفين والمعوقين، الذين لا أزال أحتفظ لهم في نفسي بمشاعر الحب والتقدير.

 

ولا أجاوز الحقيقة إذا قلت: إني قد أخذت أيضاً العلم عن شخص أصم لا ينبس ببنت شفة، وهو أمريكي أصم يحمل درجة (بروفيسور) في جامعة (بوستن) في الولايات المتحدة الأمريكية، تلقيت على يديه مبادئ علم الإشارة الأمريكية.

 

ولي وقفة مع الدكتور في إنكاره لثقافة المكفوفين، لم لا تكون هناك ثقافة للمكفوفين؟ ولم لا يبزوا أقرانهم بثقافة متميزة وبعلم نادر؟ كيف لا؟ ومنهم الدكتور: (طه حسين)، وأيضا (بشار بن برد)، و(أبو العلاء المعري)، وعلماء أفذاذ وشعراء، لماذا لا نقول: هذا الأدب وهذه الثقافة تخص المكفوفين، أو من إنتاج المكفوفين؟!

 

كما أنني أختلف أيضاً مع الأستاذ (محمد هاشم) الذي ينكر (علم النفس للمكفوفين) فما يضيرنا لو قلنا: (علم النفس للمكفوفين)؟!

 

يمكن أن يكون لهم تفكير آخر، وأحاسيس مستمدة من شكل وطأة العاهة، وكما نقول هناك: (علم نفس المبصرين)؛ بناء على الخصائص النفسية الموجودة لديهم، فكذلك نقول: (علم النفس للمكفوفين)؛ بناء على الخصائص النفسية الموجودة لديهم أيضًا.

 

فالمبصر ينسى، والكفيف يركز على الحفظ، وبعض المكفوفين يتصف بميول عدوانية، وحساسية زائدة، ربما نتجت عن العاهة، وهذه أمور لا أعممها، ولكني أجزم بنسبية وجودها لدى بعض المكفوفين.

 

• الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

لعل الابن النجيب عبد الله لم يتبين حقيقة ما قلت، فهناك فرق بين الثقافة التي أنتجها المكفوف، وبين ثقافة تصاغ ليلقنها المكفوف، الذي أرفضه هو أن يخصص للمكفوف ثقافة يوجه من خلالها، وأنه يجب أن يكون له أسلوب في التثقيف مغاير للأساليب التي يتثقف بها الآخرون، ومن هنا فإن ثقافته تختلف عن ثقافة المبصرين، هذا هو الذي أرفضه.

 

أما ما أنتجته أفكار المكفوفين في القديم والحديث؛ فمن ينكر مثل هذا فلسنا في حاجة إلى اعترافه؛ لأن إنكاره يقضي بجهله، والجاهل نسقطه من حسابنا.

 

الذي أتحدث عنه هو ما ذكره الأستاذ: (محمد هاشم) من قضية علم النفس، أن أقول: ليس للمكفوف علم نفس خاص، وليس له سبيل للتثقيف خاص.

 

إذا ما اختلف المكفوف في تصور ما فذاك يحدث عند جميع فئات البشر، حتى بين المبصرين، فنفسية المكفوف نفسية إنسان، ليست له نفس خاصة به؛ فنجعل له علم نفس وثقافة خاصة نثقفه بها، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.

 

• الدكتور: ناصر الموسى

أؤكد للأستاذ السائل بأنه لا يوجد بقسم التربية الخاصة مقررات خاصة بعلم نفس المكفوفين، لكنني لا أنكر أن يكون هناك علم خاص بفئة معينة؛ لأنه ثبت أن فقد أحد الحواس قد يؤدي إلى اختلاف في التفكير وما إلى ذلك.

 

كما أنني من جهة أخرى أتفق مع سعادة الأستاذ الدكتور المحاضر على أنه ليس هناك ثقافة للمكفوفين، ولكن أن يكون هناك علوم خاصة بهذه الفئة هذا شيء لا أنكره.

 

وأود أن أعود مرة أخرى إلى الأدب، فأريد من سعادة المحاضر أن يلقي بعض الضوء على ما عرف الآن بـ: (ظاهرة اللفظية في كلام المكفوفين)، ومعناها أن بعض المكفوفين لو طلب منه أن يعرف كلمة معينة يستطيع أن يعرفها لفظياً تعريفاً دقيقاً، لكن لو أحضرت الشيء الذي يطلق عليه مسمى هذه الكلمة لما استطاع أن يحدد ذلك الشيء.

 

لو قلت مثلاً: عرف (الأرنب) فيستطيع أن يعرف (الأرنب)، ولكن لو أحضرت (الأرنب) قد لا يستطيع أن يحدد أن ذلك (أرنبًا)، وقد يعطيك شيئاً آخر.

 

الذي أريد أن أصل إليه أن هذه قضية تربوية في المقام الأول، ولكن (كاتس فورس) في كتابه الذي نشره سنة (1951م) وسماه: (اللفظية في كلام المكفوفين) انتقد بشدة ما كتبته (هلين كيلر).

 

والمعروف أن (هلين كيلر) كتبت مقالات رائعة في وصف الطبيعة، وصفت: البركة، والبحيرة، والأشجار، والطبيعة بشكل عام.

 

قال (كاتس فورس) بالعبارة: "إن ما كتبته لا يعدو كونه خيالًا مستعارًا"، بل ذهب إلى أكثر من ذلك فقال: (إنه خيال [آن سولوفان])، و(آن سولوفان) هذه كانت معلمة (هلين كيلر) في البداية، ثم أصبحت مساعدة لها.

 

ونحن نعرف أيضاً أن (بشار بن برد) قال (أوصف بيت قالته العرب):

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

 

فأود من سعادة المحاضر تعليقه على إذا ما كان هناك خيال مستعار، وإذا كان فعلاً أدب بعض المكفوفين ما هو إلا عبارة عن وصف لنقل عن آخرين.

 

• الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

المكفوفون ينقسمون إلى قسمين:

• كُمه، والمكفوف الأكمه هو الذي ولد أعمى.

• ومكفوف كف بصره بعدما شاهد أشياء من الحياة.

 

بالنسبة لقضية الأحجام والسمات التي قد لا تدرك بالوصف، أو الألوان، أو ما إلى ذلك قد يخطئ فيها المكفوف حقيقة، فلا ندعي أن المكفوف بفقده البصر لم يفقد شيئًا، لا، قد فقد أشياء، ولكن الغلو في إنكار قدرة المكفوف على تصوير الأشياء كما هي هذا غلوٌ ذهب إليه بعض الباحثين في العصر الحديث، يقولون: إن المكفوف يصدر في وصفه عن تصور وُصف له، فهو بمنزلة الخيال.

 

(بشار بن برد) لم يرَ الحرب، ولم يبصر السيوف وهي تلمع، وكذلك (المعري) لم يبصر حركة النجوم، وانعكاسات الضوء على سواد الليل، وما إلى ذلك، واضطراب النجوم واضطراب ظلها في الأرض بين أطباق الظلام.

 

نعم (المعري) لم يبصر هذه الأشياء، لكن أود أن أسأل: إذا وصف المبصر شيئاً هل يصفه عند مشاهدته، والانبهار به، أم أنه يصف الشيء بعد مفارقته؟


حقيقة الأمر أن المبصر في الغالب بل في جميع الأوصاف إلا القليل يصف الشيء بعد مفارقته، وأكثرهم يغمض عينيه؛ ليصف ما أبصر، إذًا استوى هو والكفيف، الكفيف وصف له هذا الشيء فتصوره، وصدر وصفه عن ذلك التصور، وهذا نظر إلى الشيء فتصوره، وصدر وصفه عن ذلك التصور.

 

إذن الكفيف يمكن أن يحدد الأشياء تحديداً دقيقاً بما يستطيع، لكن ما لا يدرك تحديده إلا بالبصر فلا يستطيع الكفيف أن يصفه إلا بعد أن يوصف له، أو يدركه بحواس أخرى كاللمس.

 

أما أن تأتي للكفيف بقطعة قماش وتسأله: هل لونها أسود أم أبيض؟ فمن يطالب الكفيف بمعرفة هذا أو بوصف لم يتصور حقيقة موصوفة يجب أن يحول إلى (شهار)[8].

 

أما أن يصف لك الكفيف حركة النجوم، أو أن يصف لك مثلاً ضوء البدر قد أحاطت به هالة، أو أن يصف لك مثلاً الحرب، أو أن يصف لك الروض، أن يصف لك أشياء كلها مبصرات بعد إدراكه لكنهها عن طريق الوصف، أو عن طريق العلم المسبق بها، فقد نجد أن الكفيف وصفها وصفاً أدق من وصف المبصرين.

 

ومن الذي أتى بمثل ما أتى به بشار؟ ومن أتى في وصف حركة النجوم بمثل ما أتى به (المعري) في قوله:

ليلتي هذه عروس من الزنج
عليها قلائد من جمانِ

 

ما أظن أن أحدًا من الشعراء المبصرين وصل إلى أن يصف مثل هذا الوصف.

 

مَن الشاعر المبصر الذي صور حركة النجوم مثل ما صورها (المعري)؟ و(المعري) لم ير النجوم، أو رآها وهو صغير، إذاً المكفوف في قضية المبصرات كالمبصر؛ لأن قضية المبصرات في وصفها، لا في تحديدها على الطبيعة، والكفيف في وصفها كالمبصر تمامًا.

 

فالكفيف اختزن الصورة التي وصفت له، وصور هذا الوصف عن ذلك التصور الذي اختزنه، كذلك المبصر بعدما انبهر وشاهد المبصرات؛ صدرت عنه الصورة الوصية لهذه الأشياء[9].

 

• الأستاذ: عوض القحطاني

سؤال يتعلق بهموم المكفوفين التي يعيشونها يومياً، ما دار في هذه الندوة من نقاش يوحي بأن هناك فجوة تفصل بين المجتمع والمكفوفين من جهة، ومن جهة أخرى بين المكفوفين والجهات ذات العلاقة، فكيف يمكن أن نعالج هذه الفجوة؟

 

ومن هم الأشخاص الذين يمكن أن يطالبوا بحق الكفيف؟

 

وهل بادر مثلاً الدكتور: (محمد بن حسين) في يوم من الأيام وتقدم بشيء يخدم المكفوفين في هذه الجهات؟

 

•* الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

أما الذين يمكن أن يخدموا المكفوفين فهم من يتولى مسؤولية تتعلق بتربيتهم، وتشغيلهم، وتأهيلهم في الجهات الحكومية، وأعتقد أن معنا الكثير منهم في هذه الندوة، فعليهم مسؤولية هذا الأمر.

 

أما ما قدمت أنا فهو إنتاج فكري يخدمهم، ويخدم المجتمع بصفة عامة، متى ما أصغت له الآذان، واستوعبت محتواه العقول.

 

ولا أعفيك من مسؤولية معالجة هذه الفجوة باعتبارك همزة وصل بين المكفوفين والمكتب الإقليمي[10]، وهو واحد من الجهات التي تخدم المكفوفين، وبصفتك أحد العاملين في حقل الصحافة، فماذا قدمتم أنتم لهذه الفئة؟

 

وإذا كان هناك تقصير فلا أنكر أن مسؤولية هذا التقصير تقع علينا جميعًا.

 

• الأستاذ: رائد النصار

أريد أن أعلق على موضوع سبق أن تحدثنا عنه، وهو قضية الفجوة التي تفصل بين المكفوفين والجهات التي تخدمهم.

 

هناك فجوة فعلاً لسببين رئيسيين:

السبب الأول: أن كثيرًا من المكفوفين يتصفون بالإتكالية، فهم يريدون أن تبحث عنهم، وتدفعهم بالقوة دفعًا كي يأتوا للمشاركة في أي نشاط، وهو واقعنا الذي نعيشه في النشاط الخاص بالمكفوفين في الجامعة، ولعل هذا يرجع إلى قلة عدد المكفوفين فيها.

 

نقيم العديد من الأنشطة نشجعهم، لكن للأسف وقت تنفيذ النشاط لا نرى أحداً، لماذا؟!

 

أعتبرها إتكالية، وتهاون في أي نشاط يقام لهم، وهذا السبب هو الذي حجب كثيرًا من المكفوفين عن الظهور في المجتمع.

 

السبب الآخر: وهي حقيقة ظاهرة سواء في المملكة، أو في الوطن العربي، أن كثيراً من الذين يشغلون المناصب القيادية الخاصة لخدمة المكفوفين غير مؤهلين، وغير كفء لشغل هذه المناصب، وهذا هو السبب الرئيس الذي أبعد كثيراً من المكفوفين، كما حرمهم كثيراً من الخدمات التي تقدمها هذه الدول.

 

ومن هنا أقول: إن هناك فجوة، ولا يمكن حلها إلا أن يكون هناك أشخاص مؤهلين لشغل هذه المناصب، كما يجب أن نساهم في إخفاء ظاهرة الإتكالية التي يتصف بها كثير من المكفوفين.

 

• الدكتور: محمد بن سعد بن حسين

في بعض الجامعات العربية يوجد كثير من المكفوفين الذين تفوقوا على إخوانهم من المبصرين على الرغم من وجود بعض العلوم التي تحتاج إلى بصر، إلا أن نور البصيرة جعلهم يتغلبون على المشاكل التي تعترض سبيلهم في دراستهم لهذه العلوم.

 

أما قضية الإتكالية لدى المكفوفين فهذا أمر يحتاج إلى نظر، ولا نريد أن نحمل الكفيف أكثر مما يحتمل، فمثلًا: نطلب منه أن يأتي في وقت كذا، وفي وقت كذا، ونفرض عليه ممارسة نوع من النشاط ربما لا يحتاج إليه، ولديه كغيره مسؤوليات أسرة، وواجبات اجتماعية.

 

ونرجع لنتساءل عن وقت النشاط الذي يراد منه أن يمارسه فيه، إذا كان ذلك النشاط خلال اليوم الدراسي، فالأخ (رائد) على صواب، أما إذا كان ذلك في فترات مسائية فمثل ممارسة هذا النشاط يصطدم بواقع حياة الكفيف: الأسرية، والاجتماعية، وهو في هذا الواقع لا يختلف عن غيره من أفراد المجتمع[11].



[1] انظر ترجمة الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) في محاضرته الأولى.

[2] الأضابير: الحزمة من الصحف ضم بعضها إلى بعض.

[3] صدر هذا الكتاب بعنوان (أهل البصائر).

[4] الشيخ إبراهيم الناصر من الأشخاص الذين انضموا إلى الدكتور (محمد بن سعد بن حسين) و(عبد الله الغانم) في جهودهم الأولى الذاتية لتعليم المكفوفين قبل تبني وزارة المعارف له بشكل رسمي. وقد تخرج في كلية الشريعة، وتولى عدة مناصب هامة، كان آخرها مفتش قضائي ومستشار لوزير العدل.

[5] عالم كفيف تدرج في المناصب القضائية حتى وصل إلى درجة (قاضي تمييز)، في محكمة الرياض، له مؤلفات كثيرة في علم الفرائض وغيره، وله معرفة بعلم الأنساب.

[6] أحد العلماء المكفوفين بالمملكة، تخرج في كلية الشريعة، ودرَّس في المعاهد العلمية، وفي كلية الشريعة بالرياض، شغل منصب رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة، شغل عضوية عدة هيئات ومؤسسات في المملكة، وهو أول كفيف في المملكة في العصر الحاضر يحصل على دبلوم توجيه ورعاية المكفوفين من القاهرة، توفي عام (1404هـ).

[7] انظر ترجمته في المحاضرة الخاصة به.

[8] يسخر المحاضر ممن يطالب الكفيف بمعرفة لون قطعة من القماش، وإذا افترض وجود مثل هذا الشخص فيجب أن يحول إلى (شهار)، وهو اسم لمستشفى الأمراض العقلية والعصبية بمدينة الطائف.

[9] للتعمق أكثر في هذا الموضوع انظر محاضرة الدكتور (عبد الله الفيفي) بعنوان: (الصورة البصرية في شعر العميان) في هذا الكتاب.

[10] المكتب الإقليمي: أنشئ بالرياض في المملكة العربية السعودية عام (1393هـ)، وحين إنشائه كانت ميزانيته موزعة على دول الخليج، وتبلغ حصة المملكة (45 %) من هذه الميزانية، وبعد سنوات توقفت هذه الدول عن دفع حصصها في هذا المكتب وأصبح الممول الوحيد له هي المملكة بالإضافة إلى البحرين التي تدفع ما يقارب (500) ألف ريال سنوياً من هذه الميزانية، وحينما رأت المملكة امتناع دول الخليج عن دفع حصصها في هذا المكتب ضمته إلى وزارة المعارف، وكان ذلك في عام (1416- 1417هـ).

[11] المحاضرة رقم (8) من كتاب لقاءات علميّة وثقافية في المكتبة الناطقة إعداد ومراجعة وتعليق الأستاذ/ عبد الرحمن بن سالم العتيبي





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نشأة تعليم المكفوفين بالمملكة في المملكة العربية السعودية
  • بداية تعليم المكفوفين في المملكة العربية السعودية
  • تعليم المكفوفين في العالم العربي ونشأة الخط البارز
  • جهاز نظام سعيد
  • دمج الأطفال المعوقين بصريًّا في المدارس العادية
  • تجربة دمج المكفوفين في الأحساء
  • لقاء فكري وثقافي مع د. محمد بن سعد بن حسين
  • في صحبة المكفوفين (1)

مختارات من الشبكة

  • بداية تعليم المكفوفين في المملكة العربية السعودية(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة في التجارب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير- البدايات)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • السيرة النبوية: البدايات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البدايات الفاصلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • «الدارة» تدعو من لديهم وثائق تاريخية إلى عرضها في معرض (وثيقتي التاريخية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أهمية تتطلبها أهداف التعليم والتربية في المملكة العربية السعودية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • اتجاهات تطوير التعليم الفني في المملكة العربية السعودية (دراسة مستقبلية)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • قراءة في كتاب: "قطر في عيون الرحالة" للدكتور علي بن غانم الهاجري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عن البطولة والبطل من المنظور الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب