القاتل الصامت

لا أتحدث هنا عن قتلة مأجورين، أو عن قنَّاصة يتربصون بإنسانٍ ما ليقتلونه؛ بل عن ضيف ثقيل يستضيفه جسدك دون أن تدري، وقد يظل هذا الضيف أعوامًا وأعوامًا ينهش في هذا الجسد، دون أن يعلم المضيف شيئًا.

ظهر هذا المصطلح منذ أعوام ليصف مرض ارتفاع ضغط الدَّم؛ ولكنه انسحب تدريجيًّا ليشمل العديد من الأمراض، منها: داء السكري، وارتفاع نسبة الكوليستيرول بالدم، والتهاب الأوعية الدموية، وغيرها من الأمراض الصامتة.

تشترك هذه الأمراض في صفتين:

الأولى: أنَّها صامتة بلا أعراض تُنبِّهُ المريض لوجودها.

والثانية: أنَّها أمراض مزمنة، قد تؤدي إلى الوفاة إن لم تعالج مبكرًا، وسنتحدث في هذه السلسلة عن بعض هذه الأمراض، وعن كيفية حماية أنفسنا من آثارها المدمرة.

أهمية هذه السلسلة هي أنَّ الوقاية من هذه الأمراض تبدأ بالتَّوعية الصحيَّة، وأسوق هنا مثالاً عن مرض ارتفاع ضغط الدَّم، ففي الولايات المتحدة، ومع اكتشاف الأضرار الصحيَّة للمرض في ستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي، قامت الحكومة الأمريكيَّة بالتعاوُن مع منظمات مدنيَّة بحملة توعية بالمرض وآثاره، كان من نتيجتها انخفاض نسبة الحالات غير المشخصة إلى 25%، ولكن بعد هدوء هذه الحملة في تسعينيَّات القرن ذاته ارتفعت النسبة إلى 33%[1].

نبدأ هنا بارتفاع ضغط الدم:

يعتبر الإنسان مريضًا بارتفاع ضَغط الدَّم إذا ارتفع ضغطه الانقباضي عن 140 ملم زئبق، أو الانبساطي عن 90 ملم زئبق أو كليهما، وينقسم المرض نوعين:

1- ارتفاع ضغط الدَّم الأَوَّلِي، ويَحدث عادة بعد سن 35 عامًا، وينتج عن استعداد وراثي بلا سبب مُحدد، وهو النوع الأكثر شيوعًا، ومن العوامل التي قد تُسهم في الإصابة به السِّمْنة، والإكثار من تناول ملح الطعام، ونَمط الحياة السريعة وما يصاحبه من ضغوط نفسيَّة وعصبية، وعادة ما يكون هذا النوع بدون أيَّة أعراض.

2- ارتفاع ضغط الدم الثانوي، وينتج عن الإصابة بأمراض أخرى تسبب ارتفاع ضغط الدم، أشهر هذه الأمراض أمراض الكُلَى والغُدَد، مثل: فرط إفراز الغُدَّة الدرقية، وعادة ما يعاني المريض أعراضَ المرض الأساسي؛ مما قد يُسهم في العلاج السريع.

نسبة شيوع المرض تَختلف حسب الأصول العِرقية، فالجنس القوقازي تبلغ النسبة حوالي 20-22 % من إجمالي عدد السكان[2]، وفي المنطقة العربية سجلت مصر نسبة 26.3%.، وللأسف حوالي 44% من المرضي لم يعرفوا أنَّهم مرضى من الأصل، وهؤلاء الذين علموا، وتناولوا العلاج الموصوف لهم فقط 14.9% منهم كان الضَّغط عندهم تحت التحكم[3].

مما سبق نعلم أن فردًا من كلِّ أربعة أفراد في مصر سيعاني أو يعاني فعلاً من ارتفاع ضغط الدَّم، تعتبر أمراض القلب النَّاشئة عن ارتفاع ضغط الدم السبب الثَّالث للوفاة بمصر، ويُمثل نسبة 6% من إجمالي أسباب الوفاة بمصر، والسبب الثاني في السُّعودية بنسبة حوالي 9% من إجمالي أسباب الوفاة[4].

ولكن هل أنا واحد منهم؟ ما أعراض المرض؟

للأسف لا توجد أعراض مُحددة للمرض، فالصُّداع والدوَّار أو الرُّعَاف - النزيف من الأنف - كلُّها أعراض غير مُحددة للمرض، وقد لا تظهر مطلقًا حتى تحدث مُضاعفات للمرض، ومن هنا يأتي دور التوعية الصحيَّة والتقصي الصحي لاكتشاف المرضى الذين لا يعلمون.

ولكن هل أعاني من ارتفاع ضغط الدم؟

هل هناك تاريخ عائلي لارتفاع ضغط الدم؟ هل تعيش نَمطَ حياة سريع؟ هل تُعاني البدانة؟

ببساطة حتى لو لم يكن أيٌّ مما سبق صحيحًا، فقم بقياس ضغط دمك كل فترة للاطمئنان.

حسنًا لقد قمت بقياس ضغط الدم، وقد تبين أني أعاني بالفعل ارتفاعَ ضغطِ الدَّم، ولكن: هل هو ضغط عصبي يُمكن أن يُشفى تلقائيًّا؟

ارتفاع الضَّغط العارض الذي يُصاحِب الانفعالات العصبيَّة قد يكون علامة مُبكرة أنَّك ستعاني في القريب ارتفاعَ ضغط دم مُستمر.

إذًا؛ ماذا أفعل؟

يَجب الالتزام بقياس دوري لضَغْطِ الدَّم؛ لتجنب المشاكل، وإذا تم تسجيل ثلاثة قياسات مُرتفعة متتالية، يجب البَدْء في العلاج على الفور.

بدأت اليوم بأخذ العلاج، ماذا أفعل؟ وكيف أتابع المرض؟

يجب المتابعة لثلاثة أغراض أساسية:

1- تقصِّي المضاعفات؛ حيثُ إنَّ ارتفاعَ ضغط الدم يؤثر على القلب والكُلى والعَيْنين، وعلى هذا يَجب عملُ وظائف كُلى دَوْرِية، وقياس نسبة الزُّلال بالبول، ورسم قلب، وفحص دوري لقاع العين، والاكتشاف المبكر لهذه المضاعفات يُؤخر حدوث مضاعفات خطيرة، كفقدان النَّظر أو الفشل الكلوي، كما أنَّ العلاجات الحديثة والتحكُّم الكامل في المرض يُنهي تمامًا فُرصة حدوث المضاعفات.

2- اختبار فاعليَّة الدَّواء، واكتشاف أي أعراض جانبيَّة له؛ لتحديد إمكانيَّة تعديل الجرعة، وإضافة نوع آخر أو استبدال العلاج الحالي بالجملة.

3- تقصِّي وجود أمراض أخري، فأحيانًا ما يكون ارتفاع الضَّغط مصحوبًا بأمراض أخرى، مثل: السكري، وارتفاع نسبة الدُّهون بالدم، وهذه أيضًا لها مشاكلها الصحيَّة، فيجب البحث عنها.

هل أخذ العلاج وحدَه كافٍ للوقاية من مُضاعفات المرض؟

ببساطة لا، فتعديل طبيعة الأكل، والتقليل من ملح الطَّعام، وتعديل نمط الحياة، وممارسة الرياضة - من أهم وسائل التحكم في ضغط الدَّم.

هل هناك أدوية يَجب أن أمتنع عنها؟

بالطبع؛ فالأدوية القابضة للأوعية الدَّموية، مثل بعض أدوية علاج البرد، والمنشِّطات مثل الفيتامين، وبعض كابحات الشهية، وأدوية علاج السمنة، وحتى مشروبات الطاقة، والإفراط في القهوة.

هل يمكن أن يقتلني ارتفاع ضغط الدم؟

إن لم تعالجه بدقة، فنعم.

هل تؤثر البدانة على ضغط الدم؟

بالطبع، إنَّ مُجرد خفض الوَزْن بضعة كيلوجرامات كافٍ لخفض ضغط الدم تقريبًا لكل انخفاض في الوزن 4.4 كجم ينخفض الضغط بمعدل 2.5 ملم زئبق.

هل سيعانيه أولادي؟

ارتفاع ضغط الدم ليس مرضًا وراثيًّا، لكنه مرض عائلي؛ بمعنى: أن مشاركة نفس أسلوب الحياة ونَمط الطعام قد يتسبب في أن يُعاني الأبناء من ارتفاع ضغط الدم، على الرَّغم من أن بعض الأبحاث تشير إلى أن العامل الوراثي قد يلعب دورًا مُهِمًّا في تحديد إمكانيَّة الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

كيف أنتبه مُبكرًا لمضاعفات المرض؟

للأسف لا توجد أعراض مُبكرة تُنبه قبل حدوث المضاعفات، فآلام الصَّدر مثلاً قد تعني أنَّنا بالفعل نعاني من ضيق في الشريان التاجي، وأنَّنا بالفعل في منطقة الخطر، ولكن وجود نسبة الزلال بالبول بنسبة مُعينة قد يعني أنَّنا في بداية مرحلة المضاعفات.

إذًا؛ ماذا نفعل؟

الوقاية خير من العلاج، فممارسة الرياضة بانتظام، وتقصِّي وجود المرض، والعلاج السليم مبكرًا، وعلاج الأمراض المصاحبة أو المسببة، كل هذا يُسهم في التحكم في المرض ومنع المضاعفات.