المراهق المعاق

المراهق المعاق

المراهقة هي مرحلة التحوُّل وبناء الشخصية لكل شابٍّ وفتاة، فيها يطوِّر المراهقُ مهاراتِهِ وعاداته، وعلاقاته الاجتماعية والعاطفية والنفسية مع الآخرين، إلا أن هناك عواملَ تَمُرُّ على المراهق تؤثر في صحته النفسية، وتجعله يبتعد عن أقرانه وأنشطته وهواياته؛ كالحوادث المرورية، والكوارث الطبيعية، أو الأمراض المزمنة، أو قسوة الآباء والمجتمع، مما يجعله قعيدَ البيت معاقًا ذهنيًّا أو حركيًّا.

الإعاقة تعني الإصابة بقصور كليٍّ أو جزئي بشكل دائم أو لفترة طويلة من العمر، في إحدى القدرات الجسمية أو الحسية، أو العقلية أو التواصلية، أو التعليمية أو النفسية، وتتسبب في عدم إمكانية تلبية متطلبات الحياة العادية من قِبلِ الشخص المعاق، واعتماده على غيره في تلبيتها، أو احتياجه لأداة خاصة تتطلب تدريبًا أو تأهيلًا خاصًّا لحسن استخدامها.

إن وجود طفل أو مراهق معاق داخل الأسرة يسبب لها مشاكلَ وضغوطًا نفسية تؤثر في وظائفهم وعلاقاتهم، وحالاتهم الاقتصادية والتعليمية، وهنا حثَّ الإسلام الأسرةَ على الصبر في مواجهة المتاعب، واحتساب الأجر عند الله، وإحسان المعاملة للمعاقين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))؛ [رواه الترمذي].

يقول أحد الآباء: أنا عندي ابن معاق عقليًّا عمره 13 سنة، حركته كثيرة في البيت بشكل غير طبيعي، يكسِر ويخرِّب، ويضرب إخوانه وأخواته، ويتعرى أمامهم، أنا ووالدته محرومان من كل متع الحياة بسبب أننا لا نستطيع تركه وحده، وعند زيارتنا للأقارب نعيش في قلق وتوتر بسببه، أرشدوني، ماذا أعمل؟

أيها الآباء، وأيتها الأمهات، بداية إن التدخل المبكر في علاج الإعاقة للمراهق له أهمية كبرى في تأهيله والتعامل معه، وفي تخفيف آثار الإعاقة على الأسرة والمراهق، وأقول لكل أسرة ابتلاها الله بطفل أو مراهق معاق:

• إن مظاهر البلوغ عند هذه الفئة هي نفسها عند غيرهم من الأصحَّاء، إلا أن الواجب على الأسرة أن تهتم أكثر في التربية والتوجيه لتلبية احتياجاتهم النفسية والعاطفية والاجتماعية.

• بعض المراهقين المعاقين لا يميزون بين السلوك المرغوب والممنوع، وعندهم قابلية للانقياد من قِبَلِ الآخرين؛ لذا على الأسرة أن تحذرهم وتنبِّههم من ضعاف النفوس في استغلالهم عاطفيًّا، أو جسديًّا، أو جنسيًّا.

• التعرف على نقاط القوة عند المراهق المعاق، ثم تطوير مهاراته وتدريبه على الاعتماد على نفسه في الجوانب التي يستطيع أداءها؛ لأن كثيرًا منهم يعاني من مشكلة العجز والنقص، والشعور بعدم الأمن، وعدم الإنجاز.

• الحوار معه بطريقة إيجابية مع مدح مهاراته، والابتعاد تمامًا عن التذمُّر والشفقة عليه، والخوف من مستقبله.

• تقوية علاقاته الاجتماعية في الأسرة وخارجها، حتى يشعر أنه مرغوب فيه ومقبول من الآخرين.

• إتاحة المجال لهم بمساعدة ومساندة الآخرين؛ كحلِّ الواجبات المدرسية، أو تعليم اللغة، أو المسائل الرياضية، أو تحفيظ القرآن ومدارسته.

• التعرف على نوع الإعاقة التي يعاني منها المراهق، مع الاستعانة بالمتخصصين، واستشارتهم في آلية التعامل معه.

• تدريبه على تقبُّل الإعاقة التي يعاني منها، وعدم الخجل منها، وأن يتعامل مع الآخرين بحسب قدراته، وألَّا يكلف نفسه ما لا يُطيق.

• تذكيره بالآيات والأحاديث التي تتحدث عن الابتلاء، وما للصابرين من أجر كبير عند الله، مع ذكر بعض قصص السلف الصالح والمبدعين والمنجزين من أصحاب الإعاقات.

• كن صبورًا معه، وامنحْهُ مساحة للحديث والتعبير عن مشاعره، وتذكر أنك السند له بعد الله حتى يتجاوز مشاكل الإعاقة.

• لا تتسرع في تقديم المساعدة حتى تتأكد من عجزه، ولا تتخذ قراراتٍ عنه دون استشارته، وأعطِه الفرصة ليعتمد على نفسه؛ ليشعر بقيمة الإنجاز.

• تهيئة المكان الذي يعيش فيه المراهق المعاق بما يتلاءم مع نوع إعاقته، وتوفير الأدوات التي تساعده في إنجاز مهامِّه.

• فكِّر قبل أن تتكلم معه، وتخيَّل نفسك مكانه، وتجنَّب استخدام بعض الألفاظ والحركات التي تجرح مشاعره، التي تذكره دومًا بالإعاقة.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي كل مريض، وأن يعافي كل مبتلًى، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.