فن التربية بالفسحة للأطفال وأنواعها

فن التربية بالفسحة للأطفال وأنواعها

تعد سمة (الحركية) إحدى خصائص الطفولة المبكرة؛ ولهذا فمن الأهمية بمكان أن يراعي الوالدان تلك السمة، ويعملا على ضبطها ببعض الوسائل لئلا تتحوَّل إلى مشكلة سلوكية (فرط حركة)، ومن تلك الوسائل التربوية الناجعة: (فن التربية بالفسحة) فهو وسيلة تربوية لتغيير البيئة التربوية إلى بيئة أخرى أكثر انطلاقة واتساعًا وسعة، وذلك عن طريق الفسحة أو الزيارات أو النزهات أو الرحلات؛ ففي خروج الأطفال فسحة داخلية أو خارجية، مدرسية أو منزلية، تجديد ونشاط وحيوية لاستعادة النهوض من جديد، خاصة إذا كانت الفسحة في إجازة دراسية أسبوعية أو فصلية أو سنوية. وفي هذا المقال سنتوقف عند أنماط الفسح على اختلاف غاياتها.

1 - أنواع الفسح من حيث البيئة المكانية:

أ - فسحة داخلية: داخل المدرسة نفسها التي يدرس بها الطفل، أو زيارة قريب لصلة رَحِمه داخل الحي الذي تعيش فيه الأسرة.

ب - فسحة خارجية: خارج المدرسة؛ كالرحلات التي تُنظِّمها إدارة المدرسة أو الروضة باصطحاب أولياء الأمور أحيانًا مع بعض أعضاء التدريس والمشرف، أو بزيارة قريب للأسرة في مكان بعيد عن الأسرة، في منطقة أخرى.

2 - أنواع الفسح من حيث الغاية:

أ - فسح تربوية:

بزيارة العلماء والصلحاء، ومن النماذج التي نقتدي بها في هذا النوع من الفسح كما فعل ابن عباس عندما زار خالته ميمونة فبات عندها، وأفاد من هذه الفسحة سلوكًا تعبُّديًّا؛ ألا وهو اقتداؤه بالنبي في قيامه الليل.

ب - فسح تعليمية:

ينبغي للمُعلِّمين والمُعلِّمات وأولياء الأمور أن يتخذوا بديلًا للحجرات الدراسية، أو الغرف المغلقة لمذاكرة الأطفال، ليجعلوا مكانًا بديلًا لهم عند المَلَل، وقد أشار إلى هذا حديثُ ابن عباس - رضي الله عنهما - حينما أرْدَفه النبي -صلى الله عليه وسلم- خَلْفَه، فانطلق به خارج البيئة التربوية (المسجد) ليُعلِّمه عقيدته في ربه بمراقبته له مع الاستعانة به وحُسْن التوكُّل عليه، "فعن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: "يا غلامُ، إنِّي أُعلِّمُك كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ اللهَ تجدْه تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيْء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وَجَفَّت الصُّحُفُ"[1]؛ ولهذا ينبغي أن نروِّح عن طلابنا في المدارس بأخذهم - ولو مرة أسبوعيًّا يوم العطلة - إلى مكان بديل لحجرة الدراسة؛ كحديقة المدرسة أو صالة الأنشطة لنشرح لهم فيه، ناهيك عن حصة الألعاب الرياضية التي لا فكاك عنها.

ج - فسح اجتماعية:

لا شكَّ أن الطفل الذي ينشأ معزولًا عن الجيران والأصدقاء والأقارب، ستتشكَّل شخصيته مُتلبِّسة بكثير من المشكلات السلوكية؛ كالانطوائية والهروب من تحمُّل المسئولية والتبعية والتردد...، ومن ثم فإن من طرق علاج تلك المشكلات هو (الفسحة الاجتماعية)، وذلك بزيارة باصطحاب الوالدين للأبناء عند زيارة أحد الأقارب، من الأعمام أو العَمَّات، أو الأخوال أو الخالات...، أو زيارة أحد الجيران أو الأصدقاء، خاصة في العطلة الأسبوعية، فينشأ الأطفال في علاقات اجتماعية ناجحة ناجعة، تتعامل مع المجتمع ويتعامل معها، وساعتها يتحقق قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]، كما أن طبيعة الأطفال فيما قبل البلوغ تتَّسِم بحب تكوين الصحبة، واللعب في مجموعات، وهذا لن يتحقَّق لطفل انطوائي عن المجتمع.

د - فسح ترفيهية:

تتعدد أنواع الفسح الترفيهية، فمنها ما هو داخل الفصل الدراسي، وذلك لقضاء قسط من الراحة وتناول طعام، وكذلك اللعب، وما تنظمه المدرسة من الرحلات أو زيارة الأماكن الجميلة، ولا يمكن إهمال دور الأسرة في الترفيه التربوي، باصطحاب إلى المصيف نهاية إجازة العام الدراسي بضوابط شرعية وأماكن غير مختلطة.

وقد يكون الترفيه في صورة تشجيع وتحفيز، فإذا ما أتموا واجباتهم أو رتبوا أدواتهم أو طووا فُرُشَهم عند الاستيقاظ من النَّوم، جعلنا هذه الفسحة مُحفِّزًا لهم، بالذهاب إلى حديقة أو منتزهٍ أو رحلة، وبذلك نكون قد نجحنا في تطبيق استراتيجيتين من استراتيجيات التربية الإيجابية لتعديل السلوك.

وفي الختام، ينبغي للآباء والمعلمين والمعلمات أن يراعوا مرحلة الطفولة؛ فيعطوا الأطفال حقوقهم المرحلية في الترفيه واللعب والتسلية؛ حتى ينشأ جيلهم على حب العمل والنشاط والاختلاط بالمجتمع، يسعدون به ويسعد بهم، وأسأل الله أن يتقبَّل مني ومنكم، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى، ويجعل لنا لسان صدق في العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.