التهديد والوعيد للطفل

التهديد والوعيد للطفل

إنَّ تربية الطِّفل تتطلَّب الكثير من المهارة والحكمة والوعي والصبر، ليشبَّ سويًّا طبيعيًّا، يتمتَّع بالصحة والسعادة والنجاح، بعيدًا عن الآفات والعيوب، فإذا كانت الحماية الزائدة والدلال يؤثران سلبًا في تصرُّفات الطفل لاحقًا، فإن القمع والتهديد والوعيد وعدم إعطائه الفرصة في التعبير عن تصرُّفاته بحُريَّة وطلاقة، ينعكس سلبًا عليه كذلك.

يعتقد كثيرٌ من الآباء والأمهات أن أسلوب التهديد والوعيد والعقاب من شأنه أن يؤثِّر في الأبناء والبنات، ويسهم في تقويم سلوكهم، حتى أصبح أسلوب العقاب بحرمان الطِّفل من شيء يحبُّه، نهجًا يتبعه كثيرٌ من الأهالي مع أولادهم، كطريقة لتربيتهم أو عقابهم، فتجد مثلًا: الطفل يبلغ من العمر 7 سنوات ينظر من نافذة البيت إلى أصدقائه وهم يلعبون ويمرحون، وهو يتأمَّلهم بحسرة وألم، لا يستطيع مشاركتهم؛ لأنه محروم ومعاقب ومهدد، إن خرج من البيت فسوف ينال جزاءه من الضرب، منظر أليم وحزين يقطِّع قلب الطفل وقلب والديه.

تقول أم سليم: أعرف أن أكثر شيء يحبه طفلي هو اللعب مع أقرانه؛ لذا كلما أخفق أو تكاسل في تنفيذ أوامري عاقبته أو هددته بحرمانه من اللعب معهم، تقول: أكثر شيء كان يؤلمني هي توسُّلاته لي باللعب معهم، وحزنه وألمه وبكاؤه، لكنني كنت مُصِرَّةً على منعه من الذَّهاب إلى اللَّعب معهم، حتى أعدِّل سلوكه، فلا يوجد حلٌّ آخر أمامي.

ويقول أبو خالد: اتَّبعت كلَّ الأساليب مع ابني البالغ من العمر 10 أعوام، لعقابه على الأخطاء التي يقوم بها، ومنعه من فعلها مرَّةً ثانيةً، لكنني مع الأسف لم أجد أيَّ تجاوبٍ منه سوى من خلال الأسلوب الأخير الذي توصَّلت إليه، وهو منعه من أكثر شيء يحبُّه، وهو جهاز "الآيباد".

أيها الآباء وأيتها الأمهات، إن تهديد الطفل ووعيده بالعقاب والحرمان له آثار سلبية عليه، ومنها:

• الشعور بالقلق والخوف وعدم الأمان مع أسرته، وقلة الثقة بنفسه.

• العناد الزائد والمتكرر، وهذا ليس بسبب الطلب الذي طلبته الأسرة منه، وإنما بسبب التهديد والوعيد؛ مما يزيد في توتُّر العلاقة وزيادة المشاكل.

• تجاهل الطفل لأوامر والديه، وهو نوع من التحدي لهم؛ لكونهم يمارسون أسلوب التهديد معه.

وللتعامل مع مشاكل الصغار وعنادهم، بعيدًا عن التهديد والوعيد أنصح الآباء بالتالي:

• عدم الاستعجال في العقوبة والتهديد حتى تتأكد من المشكلة، ولماذا يرفض الطفل تنفيذ الأوامر؟

• الابتعاد عن أسلوب الأوامر والتهديد؛ لأنها رسالة تُوحي للطفل بانتقاص كرامته، وأنه لا قيمة له.

• أن تكون العقوبة تتناسب مع السلوك الخاطئ، فما علاقة رفض ذهاب الولد إلى بيت جدِّه بحرمانه من الهاتف الخلويِّ مثلًا؟!

• ألَّا تكون المدة الزمنية للعقوبة والتهديد طويلة جدًّا، حتى لا يتأقلم معها، وتصبح عاديَّةً ولا تؤثر في نفسيَّتِه.

• ألَّا يكون الحرمان والعقوبة يهدم خُلُقًا حسنًا وقيمةً تربويةً، مثل تهديده بمنعه من الذَّهاب إلى المسجد أو الذهاب إلى بيت جدته أو الذهاب إلى المدرسة.

• ألَّا يكون التهديد والعقاب قاسيًا جدًّا؛ كضربه بالسياط، أو حرمانه من الأكل، أو منعه من الذَّهاب إلى الحمام، أو التعامل مع الخطأ الكبير باستهانة.

• الهدف من التهديد والعقاب هو تغيير السلوك، فإذا لم يتغيَّر، فعلينا تغيير العقوبة بأسلوب آخر.

• تعليم الطفل النظام في البيت منذ صغره، وأن يكون الوالدانِ هما أول مَنْ يُطبِّق ذلك؛ مثل: الصلاة في وقتها، وعدم السهر، وآلية استخدام الأجهزة الإلكترونية وغيرها.

• احترام رغبة الولد، ومعرفة سبب رأيه، فقد يكون رأيه أفضل من رأي والديه.

• من المهم أن يتعلَّم الطفل من أخطائه، فنترك له حرية القرار حتى يتعلم، لكن دون أن يكون قراره في مضرة عليه أو على غيره.

• الاتفاق معه مسبقًا على العقوبة لو أخفق في تنفيذ مسؤولياته، حتى يتحمل قراراته.

• عدم التهديد بأشياء لا ننوي فعلها.

إن أسلوب التهديد والوعيد ثبت فشلُه في تربية الأطفال، فهو أسلوب يؤدي إلى نتائج عكسية تضُرُّ بالطفل والأسرة والمجتمع؛ ومن ثمَّ من الأفضل استبداله بأسلوب الشرح والتفسير، وتعريف الطفل على السلبيَّات التي ممكن أن تنتج عن قيامه أو عدم قيامه بأمر معيَّن.

أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، ويجعلهم لَبِنات صالحة في المجتمع والوطن، وصلى الله على سيدنا محمد.