الأحكام الشرعية الخاصة بذوي الإعاقة العقلية البسيطة (1 / 4)

الأحكام الشرعية الخاصة بذوي الإعاقة العقلية البسيطة (1 / 4)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فمن فضل الله على البشرية جمعاء تكريمه للإنسان بحُسْن خَلْقِه، بيد أن الله جلَّتْ قدرتُه قد أكرم بعض عباده بنقصٍ في الكمال الحسي أو الجسدي، وهو ما يُعرَف علميًّا بـ"الإعاقة".

والإعاقة بجميع أنواعها مظهرٌ من مظاهر الابتلاء الذي تُمتحَن به قلوب المؤمنين، فمن صبر عليه كان له الثواب الجزيل يوم القيامة، وقد اهتمَّ الإسلام بهذه الفئة من حيث توفير مزيد من الحقوق لهم أو الإعفاء من بعض الواجبات، انطلاقًا من الأحكام والقواعد الشرعية الخاصة بهم التي تهدف إلى التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشقَّة عنهم، وتُناسِب طاقاتهم وقُدْراتهم لتحقيق التوازُن والحياة الكريمة، والإعاقة العقلية تتنوَّع إلى ثلاث درجات، وفقًا لدرجة الإعاقة ودرجة الذكاء والقدرة على التعليم والتدريب، فمنها الإعاقة العقلية الشديدة أو المتوسطة التي يُطلَق عليها عند الفقهاء (العته الشديد)، والإعاقة العقلية البسيطة التي يُطلَق عليها عند الفقهاء (العته الخفيف)، وحيث إنه لا يوجد مصطلح الإعاقة العقلية في كتب الفقه الإسلامي، فمن حيث التأصيل الفقهي للإعاقة العقلية البسيطة، فإنه يُقابلها في الفقه الإسلامي مصطلح العته من حيث الأهلية والأحكام الفقهية، والذي ترجَّح لديَّ في التأصيل الفقهي للمعوق عقليًّا إعاقة عقلية بسيطة، والذي لديه قدرة على التمييز والتدريب، وهو المعتوه عَتَهًا خفيفًا - أن حُكمَه حُكمُ الصبي المميز في الأحكام الفقهية والتصرُّفات، وتتراوح نسبة ذكاء أفرادها بين (50- 70) درجة، كما يتراوح العمر العقلي لهم في حده الأقصى بين (7 - 10) سنوات، وتُمثِّل هذه الفئة حوالي 85% من المعاقين عقليًّا، ويمكن أن تتطوَّر اجتماعيًّا واتصاليًّا، وأهم ما يميِّز هذه الفئة أنهم قادرون على التعلُّم ببطء، ويمكن لهم أن يتعلَّموا القراءة، والكتابة، والحساب، ويصل معظمهم إلى الاستقلالية في الرعاية الذاتية، ويصلون إلى معدل معتدل في المهارات العملية، ويمكن تدريبهم على المهارات اليدوية، والأعمال، ولا يتجاوز أفراد هذه الفئة في الغالب المرحلة الابتدائية؛ لقصور الوظائف والعمليات العقلية العليا؛ ولذا يُطلَق عليهم (القابلون للتعليم والتدريب)، وتحقيقًا لما تهدف إليه الشريعة الإسلامية من اهتمام وعناية بهذه الفئة من ذوي الإعاقات، يَحسُن بيان الأحكام الشرعية لهم لأهمية هذه المسائل في حياتهم، سواء ما يتعلق بالعبادات أو المعاملات، أو النكاح أو الجنايات والحدود، فأما ما يتعلق بالعبادات، فإنه يحسُن بيان حكم تكليف المعوق عقليًّا إعاقة بسيطة، وحكم الصلاة والزكاة والصوم والحج عليه، وبيانها فيما يأتي:

فمن حيث تكليفه - وحسب ما ترجَّح من أقوال الفقهاء - فإنه غير مُكلَّف مطلقًا؛ لأن حكمه حكم الصبي المميز؛ من حيث عدم التكليف، وعدم وجوب العبادات عليه؛ حيث يُشبه العتَه آخر أحوال الصبا في وجوب أصل العقل، وحيث إن إدراكه كإدراك الصبي المميز؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق))[1].

وأما من حيث حكم صلاته، فالذي ترجَّح من أقوال الفقهاء عدم وجوب الصلاة عليه كالصبي المميز؛ لكن ينبغي على الوالدين تمرينه وتعويده عليها؛ لترسخ في قلبه، فيُداوم على فعلها، وأما من حيث صحَّة صلاته، فإنه لا خلاف بين الفقهاء في صحة الصلاة منه تخريجًا على صحة صلاة الصبي المميز.

وتجب الزكاة في جميع مال المعوق عقليًّا إعاقة بسيطة - إذا كان له مال- شأنه شأن البالغ العاقل، ويتولَّى وليُّه إخراجها كالصبي والمجنون على الراجح من أقوال الفقهاء.

وأما الصوم فإنه لا يجب عليه، وإذا صام يصحُّ صومُه قياسًا على حكم الصبي المميز، وإذا أفطر لا قضاء عليه، وينبغي على وليِّه أن يأمرَه به إذا كان مُطيقًا له؛ ليتمرَّن عليه ويعتاده.

وأما الحج فقد أجمع الفقهاء على عدم وجوب الحج عليه، وإذا حجَّ فحجُّه صحيحٌ قياسًا على حج الصبي المميز.

هذه أهم الأحكام الشرعية الخاصة بالمعوق عقليًّا إعاقة بسيطة في العبادات، والله تعالى أعلى وأعلم.